الفصل 13: مار ديونيسيوس ابن الصليبي و الرسالة الثانية إلى كورنتوس

مار ديونيسيوس ابن الصليبي و الرسالة الثانية إلى كورنتوس[i]

"لكن آمين هو الله إنّ كلامنا لكم لم يكن نعم ولا." (2 كور 1: 18)

هنا يعترض البعض قائلين: إنّه وعد بأن يأتي إليكم ولكنّه خالف بوعده ولم يأتِ وتقولون: الويل لنا كما أنّك كذبت في مجيئك أنّك تكذب أيضًا في تبشيرك وتجعلها تتأرجح بين نعم ولا. لذلك يقول الرسول: "أمين هو الله إنّ كلامنا لكم" أي كرازتنا لا يمكن أن تكون كذبًا.

"لأنّ ابن الله يسوع المسيح الي كرز به بينكم بواسطتنا أنا وسلوانس وتيموتاوس لن يكون نعم ولا بل قد كان فيه نعم." (1: 19).

إنّه يساوي معه تلاميذه بالكرازة والتبشير لكي يثبّتها بكثرة المعلّمين ومعنى قول نعم ولا لا تعني أهدم أو لا أهدم. أتراجع أم لا أتراجع بما كنت قد بشّرتكم وناديت بما ناديت به من البدء. ولكن لا يثبت راسخًا.

"لأنّه مهما كانت مواعيد الله فهو فيه النعم وفيه الأمين لمجد الله بواسطتنا." (1: 20).

يعني بالمواعيد ما كان ينادى به من الأمور المتعلّقة بالقيامة، بالصعود، عدم الفساد، المكافأة، والمجازاة التي لا توصف. الأمور التي لا مجال فيها لنعم أو لا لأنّها حقائق، ولا يمكن أن يشوب الإيمان بالمسيح كذب أو ضلال فهو فيه النعم وفيه الأمين لمجد الله بواسطتنا، أي أنّ هذه الأمور لا بدّ من حدوثها ولا يمكن إلاّ أن تحدث ويحقّقها الله. وليست من إنسان زائل مائت، لأنّ جميع مواعيد الله تكمل بواسطة المسيح لذلك ينجزم حقًّا أنّها حقّ جميعها.

"ولكن الذي يثبّتنا معكم في المسيح وقد مسحنا هو الله." (1: 21)

أي أنّ الله الذي مسحنا وختمنا هو يثبّتنا ولا يدعنا نتزعزع عن إيماننا بالمسيح لأنّنا بالروح مسحنا وختمنا.

"الذي ختمنا وأعطى عربون الروح في قلوبنا. ولكنّي أستشهد الله على نفسي أنّي إشفاقًا عليكم لم آتِ إلى كورنتس." (1: 22-23).

ربّما يظنّ هنا في قوله آ 23 إنّه يناقض نفسه بنفسه، فمرّة يقول: إنّ الروح لم يسمح له أن يزورهم، ومرّة يقول: إشفاقًا عليهم لم يزرهم، ولكنّه حسنًا قال: في البدء إنّه مُنع من الروح، وفي الأخير قال إشفاقًا لم آتِ إليكم ربّما فكّر بعدم زيارته لهم لئلاّ يضيّق عليهم بسبب ذلك الذي زنى.

"ليس أنّنا نسود على إيمانكم بل نحن موازرون لسروركم. لأنّكم بالإيمان تثبتون" (1: 24)

ليس أنّنا نسود على إيمانكم بل نحن موازرون لسروركم:

قال ذلك لكي يطمئنهم ويثبّتهم بالإيمان، ويظهر لهم أنّه بعيد جدًّا عن روح الكبرياء. وكأنّي به يقول لهم: لست كسيّد أسود على إيمانكم قسرًا أي على حرّيّتكم، بل كي لا أضيّق عليكم، لأنّنا نحن نتضايق جدًّا بسبب الذين أخطأوا. إنّما نحن أعوان لكم، فإن كلّ ما نفعله إنّما نفعله ليزداد فرحكم. لأنّ فرحكم هو فرحنا.

لأنّك بالإيمان تثبتون:

أنا واثق أنّك ثابتون جدًّا بالإيمان وبرسوخ قويّ، ولكنّكم ناقصون ومفتقرون إلى أمور أخرى. قال بالإيمان، وركّز على الإيمان كي يثبتوا راسخين فيه وألاّ يتزعزعوا.

"ولكن لنا ثقة مثل هذه بالمسيح لدى الله." (3: 4).

قال: "ثقة" لئلاّ يتبادر إلى الذهن أنّ ما يقوله صادر منه. بينما الواقع أنّ كلّ ما يتكلّم به هو من الله.

"ليس أنّنا كفاة من أنفسنا أن نفتكر شيئًا كأنّه من أنفسنا بل كفايتنا من الله." (3: 5).

"كفايتنا" أي قوّتنا أنّه جعلنا أقوياء وأهلاً لتحمّل الرسائل والألواح إلى العالم. الأمور التي هي أسمى وأقوى من تلك التي سطّرت في الناموس.

"الذي جعلنا كفاة لأن نكون خدّام عهد جديد لا الحرف بل الروح. لأنّ الحرف يقتل ولكنّ الروح يحيي." (3: 6)

هنا يعني بالحرف الكتاب اليهوديّ الذي كان يقتل الذين يخطئون ويذنبون. مثال ذلك كان الكتاب يرجم من يلتقط الخشب يوم السبت. أمّا الروح فيعني به النعمة التي يحصل عليها بالمعموديّة تلك التي تحيي من ماتوا بالخطيّة.

"ثمّ إن كانت خدمة الموت المنقوشة بأحرف من حجارة قد حصلت في مجد حتّى لم يقدر بنو إسرائيل أن ينظروا إلى وجه موسى لسبب مجد وجهه الزائل." (3: 7).

هنا يقارن ما بين العهدين القديم والجديد، فيصف الناموس القديم بالموت ويصف الجديد بالحياة وللمشابهة والمقارنة بينهما يستخدم كلمتي الخدمة والمجد. وقوله: "المنقوشة بأحرف من حجارة" يُشير إلى الناموس الذي كان مكتوبًا على ألواح حجريّة وكان محمولاً به في مكان واحد. وقوله: "أن ينظروا إلى وجه موسى" يُشير إلى أنّ وجه موسى كان ممجّدًا وليس الناموس الذي كان مكتوبًا على الألواح. "مجد وجهه الزائل" أي الذي له نهاية ولا بدّ أن يزول.

"فكيف لا تكون بالأولى خدمة الروح في مجد." (3: 8).

يعني بها العهد الجديد الذي يمنح روحًا وحياة. أمّا الناموس فيكشف الخطيّة ويُشير إليها فقط وليس فاعلاً.

"لأنّه إن كانت خدمة الدينونة مجدًا فبالأولى كثيرًا تزيد خدمة البرّ في مجد." (3: 9).

هنا أيضًا يُشير إلى العهدين أنّ الناموس كان يعذّب الخطأة ويقتلهم. أمّا العهد الجديد فهو بواسطة المعموديّة يعمل من الخطأة أبرارًا بواسطة مسحة الروح القدس.

"فإنّ الممجّد أيضًا لم يمجّد من هذا القبيل لسبب المجد الفائق." (3: 10).

إذا أردنا المقارنة ما بين مجد العهد القديم ومجد العهد الجديد، فيكون مجد الناموس ليس مجدًا.

"لأنّه إن كان الزائل في مجدٍ فبالأولى كثيرًا يكون الدائم في مجد." (3: 11).

إنّ مجد القديم قد زال وبطل، أمّا مجد الجديد فهو دائم وباق.

"فإذ لنا رجاء مثل هذا نستعمل مجاهرة كثيرة." (3: 12).

هنا يعني بالرجاء العالم الآتي. ويقول ذلك مؤكّدًا وجود العالم الثاني، لكي نستحقّ الأمور العظيمة أكثر من موسى، ليس فقط نحن معشر الرسل بل كلّ المؤمنين.

"وليس كما كان موسى يضع برقعًا على وجهه لكي لا ينظر بنو إسرائيل إلى نهاية الزائل." (3: 13).

نحن لسنا بحاجة إلى برقع لنضعه على وجوهنا كما كان يفعل موسى، فأنتم صرتم أهلاً وأكتسبتم قابليّة لتروا هذا المجد الذي نلبسه والذي هو أفضل من مجد موسى بكثير. وهنا يعني "بموسى" الناموس. أمّا العهد فإشارة إلى الأنبياء.

"بل أغلظت أذهانهم لأنّه حتّى اليوم ذلك البرقع نفسه عند قراءة العهد العتيق باقٍ غير منكشف الذي يُبطل في المسيح." (3: 14).

بل أغلظت أذهانهم:

لماذا نضطرب ونقلق؟ إذا كان اليهود لا يؤمنون بالمسيح؟ إنّهم لم يؤمنوا بالعهد الجديد لأنّهم لم يؤمنوا أيضًا بالعهد القديم. وبما أنّهم لم يؤمنوا ولم يدركوا مجد موسى، لذلك لم يستطيعوا أن يدركوا "مجدنا" أي العهد الجديد ذلك أنّ مجد الناموس يعود إلى المسيح.

لأنّه حتّى اليوم ذلك البرقع نفسه عند قراءة العهد العتيق باقٍ غير منكشف الذي يُبطل في المسيح:

يقول: "حتّى اليوم" أن لا يطيقون أن يروا أنّ كتاب الناموس قد انتهى لأنّهم لا يؤمنون بالمسيح. فظاهر وواضح إذًا أنّ مجيء المسيح أبطل الناموس. وذلك معروف من قوله: "إنّ الربّ يقيم لكم نبيًّا، وكلّ نسمة لا تسمع لهذا النبيّ تهلك". وها إنّ موسى أوضح أنّ الناموس قد بطل، ويجب أن يُسمع إلى النبيّ الذي قام.

"ولكن حتّى اليوم حين يُقرأ موسى البرقع موضوع على قلوبهم." (3: 15).

يعني "بموسى" الناموس، و"بالبرقع" لا ظلمة الناموس بل يُشير إلى عدم إيمان اليهود، وكثافة الذهب وإلى الأمور اللحميّة والجسديّة والمسيطرة عليهم.

"ولكن عندما يرجع إلى الربّ يرفع البرقع." (3: 16).

إذا ما رجع أحدهم إلى الربّ أي يبتعد عن الناموس ويؤمن بالمسيح. إذًا البرقع موضوع على وجوههم لا على وجه موسى. وعندما يؤمنون بالمسيح حينئذٍ يعرفون مجد الناموس ويرون جهرًا واضع الناموس.

"وأمّا الربّ فهو الروح وحيث روح الربّ هناك حرّيّة." (3: 17).

هنا يعني بالربّ الروح القدس، وحيث روح الربّ هناك الحرّيّة، أي أنّ الروح يمنح الحرّيّة إذ يحرّر المؤمنين الحقيقيّين من عبوديّة الناموس الأولى.

"ونحن جميعًا ناظرين مجد الربّ بوجه مكشوف كما في مرآة نتغيّر إلى تلك الصورة عينها من مجد إلى مجد كما من الربّ الروح." (3: 18).

نحن المؤمنين عندما نتعمّد، نرى مجد الربّ بوجه مكشوف بواسطة الحكمة والقوّات والمعجزات. نحن معلّمين وأنتم تلاميذ. نرى مجد الروح وإلى هذه الصورة سوف نتغيّر من مجد إلى مجد. وحالما نحن نؤمن نتغيّر إلى صورة النار والروح من مجد الروح إلى مجدنا الذي لبسناه منه، مثل شعاع الشمس الذي يشرق على إناء من الفضة، فتشعّ الفضّة جمالاً طبيعيًّا مع شعاع الشمس الذي احتاط به. وهنا أيضًا يعني "بالربّ" الروح مثبّتًا ما قاله في أعلاه سابقًا.

الفصل الثالث

»ولكن لنا ثقة مثل هذه بالمسيح لدى الله«. (3: 4).

قال: »ثقة« لئلاّ يتبادر إلى الذهن أنّ ما يقوله صادر منه. بينما الواقع أنّ كلّ ما يتكلّم به، هو من الله.

»ليس أنّنا كفاة من أنفسنا أن نفتكر شيئًا كأنّه من أنفسنا بل كفايتنا من الله«. (3: 5).

»كفايتنا« أي قوّتنا أنّه جعلنا أقوياء وأهلاً لتحمّل الرسائل والألواح (الوصايا) إلى العالم. الأمور التي هي أسمى وأقوى من تلك التي سُطّرت في الناموس.

»الذي جعلنا كفاة لأن نكون خدّام عهد جديد لا الحرف بل الروح. لأنّ الحرف يقتل ولكنّ الروح يحيي«. (3: 6).

هنا يعني بالحرف الكتاب اليهوديّ الذي كان يقتل الذين يُخطئون ويُذنبون. مثال ذلك كان الكتاب يرجم من يلتقط الخشب يوم السبت. أمّا الروح فيعني به النعمة التي يحصل عليها بالمعموديّة، تلك التي تحيي من ماتوا بالخطيّة.

»ثمّ إن كانت خدمة الموت المنقوشة بأحرف من حجارة قد حصلت في مجد حتّى لم يقدر بنو إسرائيل أن ينظروا إلى وجه موسى لسبب مجد وجهه الزائل«. (3: 7).

هنا يقارن ما بين العهدين القديم والجديد، فيصف الناموس القديم بالموت، ويصف الجديد بالحياة. وللمشابهة والمقارنة بينهما، يستخدم كلمتَي الخدمة والمجد. وقوله: »المنقوشة بأحرف من حجارة« يُشير إلى الناموس الذي كان مكتوبًا على ألواح حجريّة وكان محمولاً به في مكان واحد. وقوله: »أن ينظروا إلى وجه موسى« يُشير إلى أنّ وجه موسى كان ممجّدًا، وليس الناموس الذي كان مكتوبًا على الألواح. »مجد وجهه الزائل« أي الذي له نهاية ولا بدّ أن يزول.

»فكيف لا تكون بالأولى خدمة الروح في مجد«. (3: 8).

يعني بها العهد الجديد الذي يمنح روحًا وحياة. أمّا الناموس فيكشف الخطيئة ويُشير إليها فقط وليس فاعلاً.

»لأنّه إن كانت خدمة الدينونة مجدًا، فبالأولى كثيرًا تزيد خدمة البرّ في مجد«. (3: 9).

هنا أيضًا يُشير إلى العهدين، فيعلن أنّ الناموس كان يعذّب الخطأة ويقتلهم. أمّا العهد الجديد فهو بواسطة المعموديّة يعمل من الخطأة أبرارًا بواسطة مسحة الروح القدس.

»فإنّ الممجّد أيضًا لم يمجّد من هذا القبيل لسبب المجد الفائق«. (3: 10).

إذا أردنا المقارنة ما بين مجد العهد القديم ومجد العهد الجديد، فيكون مجد الناموس ليس مجدًا.

»لأنّه إن كان الزائل في مجدٍ، فبالأولى كثيرًا يكون الدائم في مجد«. (3: 11).

إنّ مجد القديم قد زال وبطلُ، أمّا مجد الجديد فهو دائم وباق.

»فإذ لنا رجاء مثل هذا، نستعمل مجاهرة كثيرة«. (3: 12).

هنا يعني بالرجاء العالم الآتي. ويقول ذلك مؤكّدًا وجود العالم الثاني، لكي نستحقّ الأمور العظيمة أكثر من موسى، ليس فقط نحن معشر الرسل بل كلّ المؤمنين.

»وليس كما كان موسى يضع برقعًا على وجهه، لكي لا ينظر بنو إسرائيل إلى نهاية الزائل«. (3: 13).

نحن لسنا بحاجة إلى برقع لنضعه على وجوهنا كما كان يفعل موسى. فأنتم صرتم أهلاً وأكتسبتم قابليّة لتروا هذا المجد الذي نلبسه والذي هو أفضل من مجد موسى بكثير. وهنا يعني »بموسى« الناموس. أمّا العهد فإشارة إلى الأنبياء.

»بل أغلظت أذهانُهم لأنّه حتّى اليوم ذلك البرقع نفسه عند قراءة العهد العتيق باقٍ غير منكشف الذي يُبطل في المسيح«. (3: 14).

بل أغلظت أذهانهم:

لماذا نضطرب ونقلق، إذا كان اليهود لا يؤمنون بالمسيح؟ إنّهم لم يؤمنوا بالعهد الجديد، لأنّهم لم يؤمنوا أيضًا بالعهد القديم. وبما أنّهم لم يؤمنوا ولم يدركوا مجد موسى، لذلك لم يستطيعوا أن يدركوا »مجدنا« أي العهد الجديد. ذلك أنّ مجد الناموس يعود إلى المسيح.

لأنّه حتّى اليوم ذلك البرقع نفسه عند قراءة العهد العتيق باقٍ غير منكشف الذي يُبطل في المسيح:

يقول: »حتّى اليوم« أن لا يطيقون أن يروا أنّ كتاب الناموس قد انتهى، لأنّهم لا يؤمنون بالمسيح. فظاهر وواضح إذًا أنّ مجيء المسيح أبطل الناموس. وذلك معروف من قوله: »إنّ الربّ يقيم لكم نبيٌّا، وكلّ نسمة لا تسمع لهذا النبيّ تهلك«. وها إنّ موسى أوضح أنّ الناموس قد بطل، ويجب أن يُسمع إلى النبيّ الذي قام.

»ولكن حتّى اليوم حين يُقرأ موسى، البرقعُ موضوع على قلوبهم«. (3: 15).

يعني »بموسى« الناموس، و»بالبرقع« لا ظلمة الناموس بل يُشير إلى عدم إيمان اليهود، وكثافة الذهن وإلى الأمور اللحميّة والجسديّة المسيطرة عليهم.

»ولكن عندما يرجع إلى الربّ يرفع البرقع«. (3: 16).

إذا ما رجع أحدهم إلى الربّ، أي يبتعد عن الناموس ويؤمن بالمسيح. إذًا البرقع موضوع على وجوههم لا على وجه موسى. وعندما يؤمنون بالمسيح، حينئذٍ يعرفون مجد الناموس ويرون جهرًا واضع الناموس.

»وأمّا الربّ فهو الروح وحيث روح الربّ هناك حرّيّة«. (3: 17).

هنا يعني بالربّ الروح القدس، وحيث روح الربّ هناك الحرّيّة، أي أنّ الروح يمنح الحرّيّة، إذ يحرّر المؤمنين الحقيقيّين من عبوديّة الناموس الأولى.

»ونحن جميعًا ناظرين مجد الربّ بوجه مكشوف كما في مرآة نتغيّر إلى تلك الصورة عينها من مجد إلى مجد كما من الربّ الروح«. (3: 18).

نحن المؤمنين عندما نتعمّد، نرى مجد الربّ بوجه مكشوف بواسطة الحكمة والقوّات والمعجزات. نحن معلّمين وأنتم تلاميذ. نرى مجد الروح، وإلى هذه الصورة سوف نتغيّر من مجد إلى مجد. وحالما نحن نؤمن نتغيّر إلى صورة النار والروح من مجد الروح إلى مجدنا الذي لبسناه منه، مثل شعاع الشمس الذي يشرق على إناء من الفضة، فتشعّ الفضّة جمالاً طبيعيٌّا مع شعاع الشمس الذي احتاط به. وهنا أيضًا يعني »بالربّ« الروح مثبّتًا ما قاله في أعلاه سابقًا.

 

الفصل الخامس

"لأنّنا نعلم أنّه إن نقض بيت خيمتنا الأرضيّ فلنا في السماوات بناء من الله بيت غير مصنوع بالأياديّ." (5: 1).

البيت هو هذا العالم، ونحن نقول إنّ الجسد هو البيت، لكي بواسطة المسميّات الصغيرة هنا في هذه الحياة يريد أن يتحدّث عن الأمور العتيدة. كذلك يسمّي هذا الجسد "خيمة" لأنّ اسم الخيمة يُشير إلى الأمور الوقتيّة وإلى مدّة يسيرة ومحدودة. فإنّ الجسد هو مؤقّت. وقوله: "غير مصنوع بالأيادي" بالنسبة للجسد، مبيّنًا أنّ هذه البيوت هي عمل الأيادي.

"فإنّنا في هذه أيضًا نئنّ مشتاقين إلى أن نلبس فوقها مسكننا الذي من السماء." (5: 2).

لماذا نئنّ؟ إذ ننتظر أن نخلع هذا البيت الزائل ونلبس جسدًا غير زائل ولا فاسد. ونئنّ أيضًا لأنّنا لسنا لابسين بشكل كامل ودائم الجسد غير الزائل وغير الفاسد. وهنا يدعوه مسكنًا سماويًّا بسبب عدم فنائه وحيث يلبس من السماء نعمة لا تزول.

"وإن كنّا لابسين لا نوجد عراة." (5: 3).

نوجد عراة من المجد والسعادة اللباس الذي يلبسه القدّيسون، لأنّ كلّ إنسان سيقوم في يوم القيامة هؤلاء للمجد، وهؤلاء للهوان. وكذلك هذا الجسد ولكن بشكل يختلف ويتغيّر، يكون عاريًا عن المادّيّة الهيوليّة الحاليّة وعن الآلام والفساد. ونوجد نيّري الذهن ولا نريد أن نخلعه ولئن نحن نئنّ ونتضايق بسبب الألم، لكنّنا لا نريد أن نلبس جسدًا غير هذا الجسد حتّى ننتظر أن يلبس هذا الجسد عدم الفساد بل من الفساد المسيطر عليه حتّى نلبس فوقه عدم الفساد. وهنا يعني بالثقل الفساد والآلام التي ترتديها.

"فإنّنا نحن الذين في الخيمة نئنّ مثقلين إذ لسنا نريد أن نخلعها بل أن نلبس فوقها لكي يبتلع المائت من الحياة." (5: 4).

إنّ ميتوتة الجسد تُبتلع عندما يصبح غير قابل للآلام والفساد والموت. ولكن لا تسأل كيف يعمل الله ذلك، ولا تبحث.

"ولكنّ الذي صنعنا لهذا عينه هو الله الذي أعطانا أيضًا عربون الروح." (5: 5).

يعني بالعربون عدم الميتوتة، كان قد وهبنا إيّاها في البدء بالنعمة، والآن أعطانا إيّاها بواسطة نعمة المعموديّة التي قبلناها بالروح القدس.

"فإذًا نحن واثقون كلّ حين وعالمون أنّنا ونحن مستوطنون في الجسد فنحن متغرّبون عن الربّ." (5: 6).

ولئن كنّا كلّ يوم نضطهد ونموت، ولكن إذ لنا هذا الرجاء فلا يجب أن نيأس، ولئن كنّا مستوطنين بهذا الجسد المائت وكأنّنا مستوطنون في أرض غريبة أجنبيّة. فإنّ الذي يضطهدنا ويؤلمنا ويضربنا لا يقدر أن يأخذنا من عند الربّ، بل لا يقدر أن يحرّرنا من الموت والفناء والفساد التي بها نحن متغرّبون عن الربّ. والتغرّب عن الربّ هنا يعني به الحياة الحاضرة. يقول لا ينبغي أن نشتهي ونلتصق بمحبّة هذه الحياة، كما يجب أن لا يتضايق أحد عندما يموت بل عليه أن يفرح لأنّه سيحصل على خيرات أعظم وأسمى.

"لأنّنا بالإيمان نسلك لا بالعيان." (5: 7).

هنا نعرف الله بالإيمان وليس بالعين الجسديّة.

"فنثق ونسرّ بالأولى أن نتغرّب عن الجسد ونستوطن عند الربّ." (5: 8).

إنّنا نتوق أن نترك هذا الجسد ونستوطن عند الربّ، وهو الذي يحرّرنا من كلّ أنواع الشرور.

"لذلك نحترص أيضًا مستوطنين كنّا أو متغرّبين أن نكون مرضيّين عنده." (5: 9).

يجب أن نسعى من أجل ذلك سواء كنّا هناك أو هنا فبحسب إرادته نحيا ونعيش، ونعيش بالفضيلة التي ترضيه ونحن بعد هنا. ولا نغادر هذه الحياة ونحن خلوّ من زوّادة الفضائل والصلاح.

 


[i] راجع ما قلنا عن ديونيسيوس في الرسالة الأولى إلى كورنتوس، ص ٦٤.

 

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM