شفاء حماة بطرس 1: 29- 39
أنهضها، فتركتها الحمّى، أخذت تخدمهم.
يتتابع هنا خبر يوم كفرناحوم، لا في إطار عام، في المجمع، بل في إطار خاص، في بيت سمعان وأندراوس. هذا البيت الذي اكتشفه المنقبون في خرائب كفرناحوم، وكان قد تحوّل إلى كنيسة في القرنين الثاني والثالث.
إن خبر شفاء حماة بطرس عند مر قس، يعجّ بالحياة والألوان والحركة. ففي هذه المرأة المصابة بالحمّى والتي جعلت نفسها في خدمة (كالشمّاسة في الكنيسة) يسوع ورفاقه، نجد صورة الجماعة الكنسيّة. ونحن أيضاً نُشفى من أمراضنا، فنضع نفسنا في خدمة بعضنا بعضاً.
ويتتابع الخبر ويتّسع. ننتقل من هذا المريض أو تلك المريضة إلى كل المرضى والممسوسين (أي: فيهم شيطان). ننتقل من بعض السامعين إلى "المدينة كلها" (آ 33). ننتقل من إطار محدّد، من كفرناحوم، إلى الجليل كلّه، إلى القرى والأماكن المقفرة. هذا يعني أن ما عمله يسوع مرة واحدة في مكان محدّد وفي وقت محدّد (يوم السبت)، يعمله أيضاً في مكان آخر ويعمله دائماً. سمعان وبعض الرفاق، ونحن أيضاً، نخرج للبحث عن يسوع هذا الشافي والصانع المعجزات. ولكنّه صار بعيداً وهو يجتذبنا إلى أبعد ليتابع في كل مكان العمل نفسه: حَمل البشارة وطرْد الشياطين (آ 39).
ويلفت انتباهنا ذكرُ صلاة يسوع الصباحية. كان وحده في مكان مقفر. كان خارج كفرناحوم، وبعيداً عن الجموع. فما يجب أن يلفت انتباهنا اليوم كما في الأمس، ليس الأشفية المذهلة، بل شخص ذاك الذي يقوم بهذه الأشفية على أنها علامات عن ملكوت الله القريب. وإلاّ كانت الأرواح الشريرة والشياطين أوعى من البشر. هذا ما يقوله مرقس على ما يبدو. فمجيء يسوع يطرح سؤالاً: هو يدهش الناس بأعماله القديرة وسلطته الجديدة. ونحن نتعلّق به لأن كلامه وأعماله تحرّر... ولكن من هو بالنسبة إلينا؟
قوّة الإنجيل... الإنجيل مليء بالحركة والحياة. يجب أن نحسّ به ونجعله يتفجّر بشرى سعيدة: يسوع يعمل. والله يشتعل حباً للإنسان. يسوع يتمّ مخطّط خلاص الله.
حدّثوا يسوع عن حماة بطرس المريضة. لم يقل شيئاً بل اقترب، أمسكها بيداه وأقامها (علامة القيامة). هذا هو الزمن الحاضر، زمن مجيء يسوع، وهو في قلب حياة الإنسان. إنه الزمن الذي يملأه الله بحضوره الناشط وهو زمن لا نفصله عن "إعلان" البشارة. هذا الزمن هو في قلب صلاتنا: اليوم يتمّ العهد (الميثاق) بين الله والبشر بواسطة يسوع.
حين أنهض يسوع المريضة أخذت حالاً تخدمهم. بعد ان خُلّصت المرأة (لا أحد يخلّص نفسه)، إستطاعت من جديد أن تقوم بعمل الخدمة. وعند المساء جاؤوه بجميع المرضى. إذن يسوع يقدر أن يخلّص الجميع، مرضى الجسد ومرضى الروح. رسالته رسالة شاملة.
ولكن يسوع أسكتهم. هل الفعلة تكفي أم أنه يسكت الشر؟ هل يسكت ردّة الفعل الأولى لكي يختبر الإنسان الإيمان بالقارئم عن الموت؟ هل ما زال الوقت باكراً؟ هل يخلّص يسوع بطريقه مغايرة؟ يسوع ينهض الإنسان، يجعله يقوم. لا لمجده الخاص بل جواباً على نداء الله. ولكي يستطيع الإنسان أن يكتشف الله.
ثم قام يسوع وذهب إلى مكان مقفر. هو وحده مع الآب، وجهاً لوجه. وسيكون وحده في بستان الزيتون بعد أن نام التلاميذ. وسيكون وحده على الجلجلة: إلهي إلهي لماذا تركتني؟ ولكنه سيكون مع الله، برفقة الله حتى لا الموت: في يديك أستودع روحي.
وصلاته تدفعه إلى العمل. وهدفه واضح: إعلان الإنجيل، إعلان البشارة. وسيأتي وقت يصبح فيه تلاميذه رسلاً ومرسلين. وسيفعل يسوع الشيء عينه لا كل مكان ومن أجل كل إنسان. هذا هو الإطار الذي فيه يُعلَن الإنجيل.
يكتشف يسوع يوماً بعد يوم أناساً عديدين ليخلّصهم، سامعين عديدين يصغون لكلامه، عاملين عديدين يرسلهم في عمل البشارة. هو يحرّك في كل واحد منهم عمل الخدمة الذي قامت به حماة بطرس... كلمة، نظرة، فعلة، والله يضع عمله بين يدي الإنسان. وحين "يقوم" الإنسان بيد يسوع التي تنهضه، يصبح حراً وخادماً. ونحن الذين نلنا الكثير لا نستطيع إلاَّ أن نعطي. ونحن الذين سمعنا، لا نستطيع إلا أن نتكلّم. ونحن الذين غمرنا الله، لا نستطيع إلا أن نخدم، ان نكون خدّاماً في كنيسة الله.