القسم التاسع:شفاء أبرص

شفاء أبرص 11: 40- 45

أشفق عليه يسوع ومدّ يده ولمسه. فزال عنه البرص.
منذ العهد القديم وعبر العالم اليهودي حتى زمن يسوع، كان البرص يُعتبر مرضاً خطيراً يتألّم منه أولئك الذين "يضربهم" الله بسبب خطاياهم (تث 28: 27، 35؛ عد 12: 10- 15). لا شكّ أن أشائر المرض والحالة المذهلة التي يبدو فيها البرُص، قد تجعلنا نفكّر بلعنة من لعنات الله. لذلك كان المريض يُطرَد من الجماعة ويعيش معزولاً. في هذا النص سنرى كيف أن يسوع سمح لأبرص أن يعود إلى الجماعة، فحطّم صورة ضيّقة كانت في عقل الناس عن الله. وبيّن يسوع في الوقت عينه أنه حرّ بالنسبة إلى النظم البشرية، وأن الإنجيل الذي يقدّمه هو إنجيل الخلاص.
بعد أن أورد مرقس شفاء ممسوس (1: 23- 26، شخص فيه شيطان)، وشفاء حماة بطرس (1: 29- 31) وعدد كبير من المرضى، ختم الحديث عن إقامة يسوع في الجليل بخبر شفاء الأبرص.
كلّنا يعرف الحالة التعيسة التي يعيشها هذا الأبرص، هذا المُبعد الذي جاء إلى يسوع. ولكن هذا الإنسان الذي "ضربه الله" كما يقولون، سمع بقدرة نبي الجليل. وخرج من قلبه اندفاع إيمان: "إن شئت فأنت قادر أن تطهرّني". نلاحظ أنه لم يقل: "تستطيع أن تشفيني". بالنسبة إليه، الخطر في الحرمان من الإتحاد بالله أكبر من مرض يتحمّله.
تحدّى يسوع الشريعة المعروفة في مثل هذه الظروف. إقترب من البائس ولمسه. هذه الفعلة تعبرّ في الوقت عينه عن حريّة يسوع الذي جاء يتمّ الشريعة من أجل الخطأة، وعن حبّ الله للخطأة. في هذا الوقت، حصل عكس ما كان يجب أن يحصل، ما انتظر الناس (والشريعة) أن يحصل. لم ينجسّ الأبرص يسوع، بل يسوع "نجسّ" الأبرص، أثرّ عليه، نقله من الموت إلى الحياة. ذاك الذي انتصر على الموت، أعاد الحياة إلى هذا الجسد الذي يلمسه.
وفعلت نعمةُ الله، وفعلَ الإيمان، فطهر هذا الرجل. تركه البرص، وهكذا استعاد كيانه العميق. هو يستطيع أن يرجع إلى الجماعة. عاد إنساناً طبيعياً. لم يبقَ له إلا أن يتمّ الفريضة المطلوبة. يقدّم نفسه للكاهن لا ليُطرد، بل ليُحبّ. وهكذا تستعيد الوظيفة الكهنوتية معناها الحقيقي. لا نحكم على الناس ونحرمهم، بل نستقبلهم. ولكن كيف يستطيع الأبرص أن لا يعلن مثل هذا الخبر؟! وسيُجبر يسوع على الإعتزال في الأماكن المقفرة. فلا يحقّ لرجل الله أن يعايش أشخاصاً يعتبرون نفوسهم أبراراً. وسيدلّ وليْ الخبر أنهم سيقلبون الوضع فيطردون ذلك الذي جاء من أجل المرضى.
وتطوّر الوضع في اكتشاف يسوع، كلمة الله الحية. أعلنت هذه الكلمة بسلطان وتأوّنت حالاً فجعلت الروح الشرير يطيعها. وظهرت بكل توتها في شفاء مرضى كفرناحوم والجليل. وها هي تتجاوز بجرأة حواجز الشرائع الإجتماعية والدينية. ففي زمن يسوع، لم يكن البرص فقط تفكيكاً جسدياً لا دواء له، بل موتاً إجتماعياً وحضارياً. كان الضربةَ الكبرى التي تصيب الخطأة.
وتواجهَ الأبرص ويسوع، وكان لمواجهتهم معنى عميق. النجس يقف أمام الطاهر. المرذول أمام الخادم الذي سيرُذل في النهاية. البرص الذي ينجسّ وذاك الذي يمنح الطهارة. هذه هي الخطيئة أمام ضحيّتها المقبلة، الشر ودواؤه. وفي شخص هذا الأبرص، نجد العالم الخاطىِء الذي يلمسه يسوع وينقيّه. وهكذا، ورغم السّر الذي فرضه يسوع، فَهِمَ المسؤولون الدينيون الذين إليهم أرسل يسوع الأبرص المعافى، فهموا أن المسيح هو هنا وأن معه عادت الكرامة إلى المطرودين من المجتمع، إلى الأحياء الأموات.
حين لمس يسوع الأبرص، تجاوز المحرّمات الإجتماعية، وتجاوزت حريته المحرّمات الدينية. "أريد، فأطهر". لا مسافة بين القول والعمل. كلاهما واحد في يسوع. قُهرت الخطيئة، وتصالح الخاطىء مع الله ومع المجتمع. حينئذ صار شفاؤه شهادة. من يستطيع أن يطهر البرص؟ يسوع. وفي خبر المخلع. سيتساءل الناس: من يستطيع أن يغفر الخطايا؟ الجواب: ابن الإنسان، يسوع المسيح.
نحن خطأة بسبب الحواجز التي تفصلنا بعضنا عن بعض، فنبنيها ونعليها. ولكن يلمسنا جسد الرب وكلمته، فينقل إلينا "عدواه". يجعلنا نشارك في حريته وننشر حبّه. حريته في كل ما يعمل واهتمامه بكل إنسان. لقد صار لنا المثال من أجل مجد الله وخلاص البشر.
وأنا، ما هي الحواجز التي تفصلني عن إخوتي، عن محيطي، عن البشر؟

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM