العظة 58

العظة 58

ديّاننا هو من يحامي عنّا

تلوتم قانون الإيمان، موجز إيماننا. وقد أورَدتُ لكم منذ بعض الوقت هذه الكلمات للرسول، القدّيس بولس: "كيف يدعونه إن لم يؤمنوا به"؟ ثمّ تعلّمتم وحفظتم وردّدتم طريقة الدعاء" (روم 10: 14).

هو ابن الله نفسه الذي سمعتموه خلال قراءة الإنجيل، الذي علّم هذه الصلاة لتلاميذه والمؤمنين به. فأيّ رجاء لا يمنحنا هذه النعمة بعد أن أملى علينا الطلب مثل هذا المحامي. فمن يرافع عنّا سيكون ديّاننا، لأنّه يأتي ليدين الأحياء والأموات.

فاحفظوا جيّدًا هذه الصلاة التي سوف تتلونها بعد ثمانية أيّام. فالذين لا يعرفون بعد كامل المعرفة قانون الإيمان، بقي لهم وقتٌ لكي يتعلّموه. ففي السبت، ذلك اليوم العظيم، يوم السبت المقبل الذي فيه تقتبلون العماد، يجب عليكم أن تتلوه بحضور جميع الذين سيكونون هناك. وبعد ثمانية أيّام، بعد اليوم، تتلون الصلاة التي يعلّمونكم اليوم. وهذه بدايتها:

أبانا الذي في السماوات

بما أنّ لنا أبًا في السماء، نفكّر كيف يجب أن نحيا على الأرض فمع مثل هذا الأب، يجب أن نحيا حياة تؤهّلنا للدخول في ميراثه. نقول كلّنا: "أبانا". أي حنان! هذه الأقوال يتلفّظ بها الإمبراطور والشحّاذ، الخادم والسيّد. كلّهم يقولون: "أبانا الذي في السماوات". إذن، يعرفون أنّهم إخوة، لأنّ لهم أبًا واحدًا. ولماذا يستخفّ سيّد بأن يكون خادمه أخاه، ساعة المسيح ربّنا ارتضى بأن يدعوه أخاه. ونقول أيضًا:

ليتقدّس اسمك، ليأتِ ملكوتك

نحن نقدّس اسم الله حين نصير قدّيسين. لأنّ هذا الاسم قدّوس دومًا في ذاته. ونتمنّى أيضًا مجيء ملكوته. هذا الملكوت يأتي، ولو غصبًا عنّا. ولكن حين نرغب ونطلب أن يأتي هذا الملكوت، فهذا يعني رغبتنا بأن نكون أهلاً لهذا الملكوت. لا سمح الله أن يأتي هذا الملكوت، لا يأتي من أجلنا. هو يأتي، ولكن من أجل عدد كبير لا يأتي. يأتي من أجل الذين قيل لهم: "تعالوا، يا مباركي أبي، رثوا الملكوت المعدّ لكم منذ بداية العالم". ولا يأتي من أجل الذين توجّهت إليهم هذه الكلمات: "أمضوا عنّي، يا ملاعين إلى النار الأبديّة" (مت 25: 34-46).

وهكذا، حين نقول: "ليأتِ ملكوتك"، نطلب أن يأتي من أجلنا. ماذا يعني: ليأتِ من أجلنا؟ أن يجدنا الله صالحين في نظره. إذن، نصلّي له لكي يجعلنا أبرارًا فيقبلنا في ملكوته. ونضيف:

لتكن مشيئتك على الأرض كما في السماء

يخدمك الملائكةُ في السماء، فاجعل أن نخدمك على الأرض. لا يغيظك الملائكة في السماء، إجعل أن لا نغيظك على الأرض. لنتمَّ مشيئتك كما هم يُتمّونها. وهنا أيضًا، ماذا نطلب سوى أن نكون أبرارًا. لا شكّ في أنّ الله ينفّذ دومًا مشيئته، ولكنّها تتنفَّذ فينا حين نتمّها.

ونستطيع أيضًا أن نسمع هذه الكلمات عينها "لتكن مشيئتك على الأرض كما في السماء" على الشكل التالي. نتلقّى أمرًا من الله فيسرّنا، يسرُّ الله في السماء. يُشبَّه روحنا بالسماء وجسدُنا بالأرض. فما معنى ذلك "مشيئتك تتمّ على الأرض كما في السماء"؟ وصيّتك عذبة لروحي. فلتتوافق معها أيضًا بشرّيتي ويزول أخيرًا هذا الصراع الذي يصوّره الرسول (غل 5: 17): "البشريّ يشتهي ضدّ الروح، والروح ضدّ البشريّّ". حين يشتهي الروح ضدّ البشريّ، تتمّ مشيئة الله في السماء. وحين لا يشتهي البشريّ ضدّ الورح، تتمّ هذه المشيئة، منذ الآن، على الأرض. والسلام سيكون كاملاً حين يشاء الله. فإن أراد الآن القتال، فليقدر أن يعطي النصر.

ونستطيع أيضًا أن نقدّم تطبيقًا آخر على هذه الطلبة: "لتكن مشيئتك على الأرض كما في السماء". نتصوّر الكنيسةَ كالسماء، لأنّها تحمل الله. ونرى في الأرض اللامؤمنين الذين قيل لهم: "أنت تراب وإلى التراب تعود". إذن، حين نصلّي من أجل أعداء الكنيسة، أعداء الاسم المسيحيّ، نطلب إلى الله أن تتمّ مشيئته على الأرض كما في السماء"، لدى الذين يجدّفون عليه ولدى الذين يخدمونه، بحيث يصبحون كلّهم سماء.

أعطنا اليوم خبزنا اليوميّ

بهذه الكلمات نستطيع أن نفهم أنّنا نطلب، بكلّ بساطة، ما هو ضروريّ للحياة،، كلّ يوم، فنناله بوفرة أو أقلّه لا نحرَم منه. نقول "كلّ يوم" ما يُدعى "اليوم". فكلّ يوم نحيا. وكلّ يوم ننهض من النوم، نأكل ونجوع كلّ يوم. فليُعطنا الله خبزنا اليوميّ.

لماذا لم يتكلّم عن اللباس؟ لأنّنا نحتاج من أجل حياتنا، الشراب والطعام والمبيت، واللباس والملجأ. فلا نرغب في شيء فوق ذلك. قال الرسول: "ما حملنا شيئًا إلى العالم، ولن نأخذ شيئًا. لهذا نكتفي بالقوت والكسوة". لا يكن الطعام، فالطبيعة غنيّة بما فيه الكفاية. إذا كنّا في هذه الكلمات "أعطنا اليوم خبزنا اليوميّ" نفهم بحقّ ما يعني حياتنا اليوميّة، فلماذا ندهش بأن يتضمّن الخبزُ أيضًا سائر الأطعمة الضروريّة؟

ماذا قال يوسف (ابن يعقوب) حين دعا إخوته؟ "هؤلاء الرجال يأكلون اليوم الخبز معي". ألا يأكلون سوى الخبز؟ فالخبز يشمل الباقي كلّه. وهكذا، حين نطلب خبزنا اليوميّ" نطلب أيضًا، على الأرض، كلّ ما هو ضروريّ لجسدنا. ولكن ماذا يقول الربّ يسوع؟ "أطلبوا أوّلاً ملكوت الله وبرّه، وسائر الأشياء تُعطى لكم زيادة" (مت 6: 33).

وهذه الطلبة "أعطنا اليوم خبزنا اليوميّ" تنطبق أيضًا كامل الانطباق على الإفخارستيّا، أيّها الربّ على هذا الطعام اليوميّ. فالمؤمنون يعرفون ماذا يتقبّلون. ومن أجل خلاصهم يأخذون هذا الطعام اليوميّ، الضروريّ للحياة الحاضرة. إذن، يصلّون من أجل أنفسهم. يطلبون أن يكونوا أبرارًا، أن يثبتوا في البرارة، في الإيمان والأعمال الصالحة. هذا ما يتوقون إليه، هذا ما يلتمسونه. وإن لم يثبتوا في هذه الممارسة الخيّرة، يُحرمون من هذا الخبز السرّيّ. فما معنى "أعطنا اليوم خبزنا اليوميّ"؟ إمنحنا أن نحيا بشكل لا  نبتعد فيه عن مذبحك.

أمّا كلام الله الذي يُشرَح لكم كلّ يوم، والذي يكسر لكم في شكل من الأشكال، فهو أيضًا الخبز اليوميّ. يطلب الجسد الخبز البشريّ، والروح يحتاج الخبز الروحيّ. لهذا نطلبه أيضًا. فالخبز اليوميّ يشتمل كلَّ ما هو ضروريّ في هذه الحياة، لنفوسنا ولأجسادنا. ونقول أيضًا:

إغفر لنا ذنوبنا

لنقُل هذا دائمًا، لأنّنا نقول الحقيقة. أيّ إنسان يعيش في هذا الجسد ولا يخطأ؟ أيّ إنسان يعيش ولا يحتاج بأن يرفع هذه الطلبة؟ نستطيع أن نستكبر ولكن لا نقدر أن نبرّر نفوسنا. من الخير أن نقتدي بالعشّار، دون نتكبّر مثل الفرّيسيّ. فهذا صعد إلى الهيكل، وامتدح هناك استحقاقاته دون أن يكشف جراح نفسه. أمّا الآخر فقال: "إغفر لي، يا ربّ أنا الخاطئ، المسكين". لقد عرف لماذا أتى إلى هنا. فتأمّلوا إخوتي أنّ الربّ يسوع، أنّ ربّنا يسوع ذاته علّم هذه الطلبة لتلاميذه، لكباره، لرسله الأوّلين، لرؤساء القطيع الذي نحن جزء منه. ولكن إن التمست هذه الخراف غفران ذنوبها، فما ينبغي أن يفعل الحملان التي قيل عنهم: "قدّموا للربّ صغار الكباش". تعرفون الكلام عن هذه الحقيقة في قانون الإيمان الذي تلوتموه. فقد ذكرتم فيه، فيما ذكرتم، غفران الخطايا الذي لا يمنح سوى مرّة واحدة، هو ذاك الذي يتمّ في المعموديّة. والثاني يُمنَح طوال هذه الحياة كلّها حين نتلو الصلاة الربّيّة. ففي إطار هذا الغفران الآخر نقول: "إغفر لنا ذنوبنا".

بالإضافة إلى ذلك، عقد الربّ معنا اتّفاقًا، عقدًا، ميثاقًا متينًا، حين جعلنا نقول: "كما نحن نغفر للمذنبين إلينا". إذا أردنا أن نقول مع ثمرة "إغفر لنا ذنوبنا، يجب أن نقول حقًّا: "كما نحن نغفر للمذنبين إلينا" حين لا نتلفّظ بهذه الكلمات الأخيرة، أو حين نتلفّظ بها كاذبين، نتلفّظ بالأولى ولا نستفيد، فلكم بشكل رئيسيّ، أنتم الذين تقتربون من العماد المقدّس نقول إغفروا كلَّ شيء من أعماق قلبكم، كلّ ما لكم على القريب. ولكن اغفروا حيث تلج عينُ الله.

ويحصل بعض المرّات أنّنا نغفر بفمنا من أجل البشر. لا نغفر من قلبنا لأنّنا لا نخاف نظرة الله. أمّا أنتم، فاغفروا كامل الغفران. هناك أكثر من ضغينة احتفظتم بها حتّى اليوم. أمّا اليوم فاغفروا كلَّ شيء. فجب أن لا تغيب الشمس على غضبكم، وكم من شمسٍ غابت. ليُخمد هذا الغضب أخيرًا.

هذا هو عيد الشمس العظيمة، هذه الشمس التي قيل عنها في الكتاب: "لكم تشرقُ شمسُ البرّ، فتجدون الخلاص تحت جناحيها". تحت جناحيها، أي تحت حمايتها. لهذا نقول في المزمور: "إحمني في ظلِّ جناحيك". هناك بؤساء يتوبون متأخّرين، في يوم الدينونة، فيستسلمون لوجع لا ثمر منه. دلّنا عليهم سفر الحكمة مسبقًا. وماذا يقولون وسط فوههم بين تأوّهات تخرج من نفسهم المضايقة؟ ما الذي أفادتنا الكبرياء؟ ماذا وهبنا إظهارُ الغنى؟ ويقولون: هكذا ضللنا خارج سبُل الحقّ وما أشرقت شمسُ البرّ لعيوننا، وما طلعت الشمس علينا. هذه الشمس تطلع على الأبرار. أمّا الشمس المنظورة، فيُطلعها الله كلّ يوم، على الأخيار والأشرار. من حقّ الأبرار أن يروا هذه الشمس الأولى (أي يسوع المسيح). فهم يحملونها الآن، بالإيمان، في قلوبهم. فإن غضبتَ، فلا تغِبْ الشمس المنظورة على غضبك. قال الرسول: "لا تغيبُ الشمس على غضبكم". وإلاّ غابت شمسُ البرّ لك فلبثتَ في الظلمة.

لا تظنّوا أن الغضب ليس بشيء. قال النبيّ: "الغضب بلبل عيني". والعين المبلبلة لا تعرف أن تنظر الشمس. تجهد، ولكن عبثًا. ولا تجد سوى عذاب لا لذّة فيه. فما هو الغضب. هو الرغبةُ في الانتقام. ماذا؟ إنسان يريد أن ينتقم، وما انتُقم للمسيح ولا للشهداء أيضًا! فصبر الله ينتظر أيضًا أن يهتدي أعداءُ المسيح، أن يهتدي أعداء الشهداء. ونحن من نحن لكي نطلب الانتقام؟ وماذا يحصل لنا إن حاول الله بدوره أن ينتقم؟ هو ما غاب عنّا أبدًا، ومع ذلك لا يسعى لكي ينتقم منّا، ونحن الذين نغيظه كلّ يوم نريد أن ننتقم؟ فاغفر، واغفر من كلّ قلبك. أنت مغضب، فلا تخطأ. كُتب: "إغضبوا ولكن احتفظوا من الخطيئة" (مز 6: 8). إغضبوا كبشر، إذا قُهرتم ولكن احتفظوا من الخطيئة فتغذّوا غضبكم في قلبكم. هذا يعني أنّكم تغذّوه عليكم وتعرّفون نفوسكم لأن ترذلوه من النور. أجل اغفروا.

وما هو الغضب؟ الرغبة في الانتقام. وما هو الحقد؟ غضب تجذّر فينا. حين يتجذّر الغضب يحمل اسم الحقد. هذا ما يعبِّر عنه النبيّ الذي أوردنا كلامه. بعد أن قال: "الغضب يبلبل العين"، أضاف: "شختُ وسط جميع أعدائي". فما كان في البدء غضبًا، شاخ وعتق. الغضب عشب قليل، والحقد شجرة ضخمة. بعض المرّات نلوم إنسانًا يغضب، ومع ذلك نحتفظ بالحقد في قلبنا. حينئذ يصرخ فينا المسيح: "ترى القشّة في عين أخيك ولا ترى الخشبة في عينك". كيف كبُر هذا العشب فصار خشبة؟ لأنّنا لم نقتلعه في الحال. كم مرّة تركت الشمس تطلع وتغيب على غضبك. وهكذا جذّرتها. بحثت عن اتّهامات سئّية فسقيتَ العشبة. وإذ سقيتها غذّيتها، وإذ غذّيتها جعلتَ منها خشبة.

إرتجف أمام هذه الكلمات: "من أبغض أخاه فهو قاتل" (1 يو 3: 15). أنت ما استللتَ السيف عليه، ولا جرحته، ولا تركتَ خدشًا في جسمه، جعلتَ فقط فكرًا في قلبك. فاعتُبرتَ قاتلاً في نظر الله، وحقًّا مذنبًا. عدوّك حيّ وأنت قتلته. وإذ يتعلّق الأمر بك، تقتل من تبغض. عدِّل نفسك، أصلح نفسك

إن كان في منازلكم عدد من العقارب أو الأفاعي، كيف تعملون للتخلّص منا لكي تستطيعوا أن تقيموا بهدوء؟ تغضبون. والغضب يتجذّر في قلوبكم فيصبح حقدًا: كما  الأخشاب كذلك العقارب والأفاعي. ولا تريدون أن تطهّروا منها قلوبكم، أي بيت الله! أتمّوا ما قلتم: "كما نحن نغفر للمذنبين إلينا". حينئذ تقولون واثقين: "إغفر لنا ذنوبنا". فأنتم لا تقدرون أن تعيشوا على هذه الأرض من دون خطيئة. ولكنّ الجرائم الكبيرة التي ستُغفر لكم في المعموديّة، والتي يجب أن تكونوا دومًا غرباء عنها، هي غير الخطايا اليوميّة التي لا يمكن أن ننجو منها على الأرض، والتي بسببها يجب أن تتلو كلّ يوم الصلاة الربّيّة مع العهد الذي تضمّ، مع الميثاق. وأنتم تقولون بفرح: "إغفر لنا ذنوبنا". وبصدق" كما نحن نغفر للمذنبين إلينا". هذا بالنسبة إلى الخطايا السابقة. وبالنظر إلى المستقبل؟

لا تدخلنا في تجربة

إغفر لن خطايا اقترفناها، وامنحنا أن لا نقترف بعدُ. نحن نقترف حين نترك التجربة تتغلّب علينا. فقد قال الرسول، القدّيس يعقوب: "لا يظنّ أحدٌ، حين يجرَّب، بأنّ الله يجرّبه. فالله لا يجرّب أحدًا للشرّ وهو بذاته لا يجرّب أحدًا. فكلّ واحد تجرّبه شهوته فتجتذبه وتضلّله. ثمّ تحبل الشهوة فتلد الخطيئة، والخطيئة التي تكتمل تنتج الموت" (يع 1: 13-15).

لا تسمح للشهوة بأن تجرَّك. إحفظ نفسك ولا تقبل. هي لا تحبل إلاّ منك. فإن قبلتَ بها كنتَ كأنّك تتّحد بها داخليًّا. حالما تظهر، ارفضْها ولا تتبعْها. هي تدعو إلى الخطأ، إلى الفجور. هي تذلّك، نفصلك عن الله. لا تقبلها قبلة التوافق لئلاّ تبكي فيما بعد على ثمرتها. هي تحبل إذا أنتَ قبلتها، إذا استقبلتها. "وحين تجعل الشهوة تلد الخطيئة". أما ترتجف بعد؟ "الخطيئة تلد الموت". خفْ أقلّه من الموت. إن كنتَ لا ترتجف من الخطيئة، فارتجف من عواقبها. فإن كانت الخطيئة حلوة، فالموت مرٌّ.

البشر، ما أشقاهم! يتروكون هنا، ساعة موتهم، ما طلبوه بخطاياهم، ويحملون بعهر خطاياهم. أنت تخطأ من أجل المال. فيجب عليك أن تتركه هنا. من أجل حقول، يجب أن تتركها أيضًا. من أجل امرأة، ستتركها، وهذا ما نقول عن كلّ ما تشتهي حين تخطأ. تتركه هنا حين يُغمض الموت عينيك فتحمل معك هذه الخطيئة التي اقترفت.

إذًا ينبغي محو الخطايا، الخطايا السابقة، والامتناع عن اقترافها. ولكنّك لا تستطيع في هذه الحياة أن تنجو منها كلّيَّا، أقلّه الخفيفة، الصغيرة، الضعيفة. ولكن لا تحتقر الصغيرة والخفيفة.

فقطرات الماء الصغيرة تملأ الأنهر. فلا تستخفّ بالخطايا الخفيفة. فالمياه تدخل عبر أصغر ثقوب السفينة، وتملأ قعرها. وإن لم تُتّخذ الاحتياطات، يغرق المركب. لهذا، لا يني الملاّحون يعملون، وتتحرّك أيديهم ليزيلوا الماء كلَّ يوم.

وهكذا يجب على يديك أن تعلّمها لتفرغ كلّ يوم قعر نفسك. ما معنى "أن تعلمها". حين تعطيان، تعملان أعمالاً صالحة. "أقسم خبزك مع الجائع، أدخل إلى بيتك الفقير الذي لا مأوى له. وإن رأيت عريانًا، أعطه ثيابًا" (أش 58: 7). إفعل كلَّ ما في وسطك وبكلّ الوسائل التي بين يديك. إعمل الخير بفرح، ووجّه صلاتك بثقة فترتفع على جناحين على نوعين من الصدقات. ما هما هاتان الصدقتان؟ "إغفر فيُغفر لك. أعطِ فيُعطى لك. تُصنَع الصدقة في القلب حين تغفر لأخيك ذنوبه. وصدقة أخرى تتمّ على الخير، حين تعطي الفقير خبزًا. إصنع الصدقتين لئلاّ ينقص جناح لصلاتك.

وبعد أن قلنا "لا تدخلنا في تجربة". نضيف:

لكن نجّانا من الشرّ

حين نطلب النجاة من الشرّ، نشهد أنّنا مسلّمون إليه. لهذا يقول الرسول (أف 5: 16): "افتدوا الوقت لأنّ الأيّام رديئة. ولكن من يريد الحياة؟ من يتوق إلى أيّام السعادة"؟ من لا يرغب في هذا ولا وجود إلاّ للأيّام الرديئة في هذا الحياة؟ فافعل إذن ما يلي: "إحفظ لسانك من الشرّ، وشفتيك من كلام الكذب. تجنّب الشرّ واعمل الخير واطلب السلام واتّبعه" (مز 34: 13-15).

إنّ الطلبات الثلاث الأولى: لياتِ ملكوتك، لتكن مشيئتك على الأرض كما في السماء، ليتقدّس اسمك"، هذه الطلبات تعني الأبديّة. وترتبط بهذه الحياة الطلبات الأربع التالية: "أعطنا اليوم خبزنا اليوميّ". هل نطلب هذا الخبز حين نكون لدى الله في شبع؟ "إغفر لنا ذنوبنا". هل نقول ذلك في ملكوت لن تكون فيه خطايا؟ "لا تسلّمنا إلى التجربة". وحين لن يكون بعدُ تجارب، ما معنى لهذه الكلمات؟ وحين لن يكون لنا أيضًا شرّ، هل نقول: "نجّنا من الشرّ". إذن، هذه الطلبات الأربع ضروريّة لحياتنا اليوميّة، والثلاث الأولى للحياة الأبديّة.

ولكن لنصنعْها كلّها للبلوغ إلى هذه الحياة. لنصلِّ هنا لئلاّ نستبعد منها. فعليكم، بعد عمادكم، أن تتلوا كلّ يوم هذه الصلاة الربّيّة. نقولها كلّ يوم عند مذبح الربّ حيث المؤمنون يسمعونها. لهذا لا نخاف أن لا تكونوا تعرفونها بدقّة. فالذين لا يعرفونها بعدُ كما المعرفة، يتعلّمونها حين يسمعونها كلَّ يوم.

في السبت القادم، خلال الشهرة التي نحتفل بها بمراحم الله، تتلون، لا الصلاة الربّيّة، بل قانون الإيمان. فيجب منذ الآن أن تعرفوه، لأنّكم لا تسمعونه كلّ يوم في الكنيسة. في الجماعة المقدّسة. ردّدوه كلّ يوم لئلاّ تنسوه بعد أن تتعلّموه. حين تستيقظون، حين تمضون إلى النوم، أتلوا قانون الإيان، أتلوه أمام الله، استعيدوا ذكرياتكم، لا تملّوا من تكراره. هذا التكرار مفيد وهو يمنع النسيان عنكم.

لا تقولوا: تلوتُه البارحة. تلوتُه اليوم. أتلوه كلَّ يوم وأنا قد حفظته بشكل تامّ. إجعل أمام عينيك مختصر إيمانك، أنظر نفسك في هذه المرأة، لأنّ هذا النؤمن يجب أن يكون لك مثل مرآة.

تفحّص إن كنت تؤمن إيمانًا صادقًا بما تعلن أنّك تؤمن به، وتذوّق كلّ يوم سعادة الإيمان. ليكن هنا غناك واللباس الروحيّ لنفسك. أما تتّهم بأن تلبس ثيابك حينما تنهض؟ فغطِّ أيضًا نفسك حين تذكر "النؤمن"، خفْ من أن يجعلها النسيان عريانة، فتلبث من دون ثياب، ويحصل لك، لا سمح الله ما قال الرسول أن تكون معرّى أو عريانًا. فإيماننا لباس لنا. وهو يكون في الوقت عينه قميصًا ودرعًا. قميصًا، يحمينا من الخجل، ودرعًا يحذّرنا من العدوّ. وحين نبلغ إلى موضع ملكوتنا. لن نحتاج إلى تلاوة النؤمن: نرى الله، بل الله يكون تجاهنا، وهذه الرؤية تكون أجر إيماننا.

 

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM