الأبانا كما في الإنجيل

الأبانا كما في الإنجيل

1-   ليتقدّس اسمك

أ- الاسم

الاسم، في الصفة البيبليّة، هي الشخص. وحين تقول العذراء في نشيد التعظيم: "قدّوس اسمه" فهذا يعني "قدّوس الربّ".

تحفّظ اليهود فما تلفّظوا باسم الله، وذلك منذ زمن ابن سيراخ: "لا تتعوّد أن تلفظ اسم القدّوس" (سي 23: 9). فما كان يحقّ لأحد أن يلفظ "الاسم" إلاّ عظيم الكهنة، ومرّة واحدة في السنة، عيد كيبور، أو عيد التكفير، وفي قدس أقداس الهيكل. وهكذا ما عادوا يعرفون كيف يلفظون "ي ه و ه". فجعلوا حركات "أدوناي"، سيّدي، ربّي. وكان اللفظ في أوروبّا في القرون 16-19: يا هو واه.

وإذ أراد اليهود أن يتجنّبوا التلفّظ باسم الله (ي ه و ه) كما وصل إلى موسى (خر 3: 14-15؛ 6: 2-3: أنا هو الذي هو). اعتادوا أن يستعملوا ألفاظًا أخرى: الأزليّ، الربّ، القدير، السماوات، القدّوس ليكن مباركًا... وحين مثل يسوع أمام المجلس الأعلى، سأله عظيمُ الكهنة: "هل أنت المسيح ابن المبارك" (مر 14: 61)؟ اسم الله هو اسم القدرة والجبروت، وقد ارتبط بأعمال الخلاص من أجل شعبه. وهكذا سطعت قداسة هذا الاسم الذي لا شيء يصفه، لا شيء يقابله.

·        حين يرون ما صنعتُ في وسطهم،

يقدّسون اسمي،

يقدّسون قدّوس يعقوب،

يرتعدون أمام إله إسرائيل (خر 29: 33).

·        حينئذٍ يعرف شعبي ما هو اسمي.

حينئذٍ يعرف في ذلك اليوم،

أنّي ذاك الذي يقول: ها أنا (أش 52: 6).

ب- ليقدَّس اسمك

هنا نعود إلى تاريخ الخلاص. قدّس أي فصل، ميَّز. ثمّ كرَّس، خصّص. تميّز فاختار. وحين نتمنّى أن يقدَّس اسمُ الله، نعبِّر عن رغبتنا بأن تحيط الجلالةُ والإكرام بالله، وأن يعرف البشر تساميَه وتعاليَه. وقد قال بعضهم: "ليمجَّد اسمك". غير أنّ الفعلين لا يترادقان.

ونلاحظ في عدد من النصوص البيبليّة أنّ تقديس اسم الله لا يرتبط فقط بالبشر. بل يرتبط في الدرجة الأولى وبشكل خاصّ، بسلوك الله الذي يكشف عن نفسه حين يُبرز قدرته. قال الربّ لشعبه:

ها أنا لأجعلكم من علُ، بل لأجل اسمي القدّوس الذي دنّستموه في الأمم التي دخلتم بينها. فأقدِّس اسمي العظيم الذي دُنِّس في الأمم (حز 36: 22-23).

استعمال المجهول يمنع من ذكر اسم الله. فتعني العبارة: "ليتجلّى اسمُك على أنّه قدّوس بك، يا ربّ". أو: يا ربّ قدّس اسمك". وفي النهاية، تقديس اسم الله لا يمكن أن يصدر إلاّ عن تجلّي قداسة الله بيده، وهو حثٌّ يَدعو البشر إلى السجود والمديح، ونتمنّى أن يعرف الله كالقدّوس المتسامي

أنت قدّوس واسمك قدّوس

خارجًا عنك لا إلهَ آخر

مبارك أنت أيّها الربّ، أيّها الإله القدّوس.

اعتاد المصلّون في زمن يسوع أن يبدأوا صلاتهم بعبارة مديح قبل كلّ طلب شخصيّ. ومصلّو الأبانا يقولون: "ليتقدّس اسمك" فيتوجّهون إلى الله ليمدحوه ويتركون له أن يجعل مجده يتجلّى. ثمّ يسلّمون كلَّ شيء بين يديه، بحيث يتحوّل مديحهم في النهاية طلبًا.

عبر هذا التمنّي، نرجو أن يكشف الله قداسته لجميع البشر. غير أنّ هذه القداسة لا يمكن أن تلبث خارجة عنّا. فحين يحوّل روحُ الله قلب البشر تحويلاً تامًّا، تتجلّى قداسةُ الله هذه تجلّيًا نهائيًّا. قال حز 26: 27 بفم الله: "أعطيكم قلبًا جديدًا... أجعل روحي في داخلكم... وقالت الرسالة إلى أفسس: اختارنا الله لنكون قدّيسين وبلا عيب في حضرته. وإذ نقول: ليتقدّس الله على الأرض كما في السماء، نعبِّر عن رغبتنا بالمشاركة في تمجيد الله هذا بحياة تتوافق مع متطلّباته: "كونوا قدّيسين لأنّي أنا قدّوس" (لا 19: 2). ونتطلّع بكلّ أشواقنا إلى يوم هذا التجلّي النهائيّ الذي يدشّن العالم الجديد.

2-   ليأتِ ملكوتك

يدلّ ملكوت الله على واقعين اثنين. من جهة، مجد الله وسلطانه. ومن جهة ثانية، خلاص الإنسان وسعادته. فقيام الملكوت ينتج عنه خلاص البشر. هذا ما يرجوه ذاك الذي يصلّي: حالة نهائيّة لعالم ينال فيه الله الإكرام اللائق به، وفيه يتحقّق خلاص البشريّة تحقّقًا تامًّا.

ولكن نلاحظ أنّ طلبتنا تتبع التمنّي بأن يتقدّس اسم الله، والاهتمام بأن يكون الله محور الكون يبقى قلب طلبة "الملكوت". فالذي يصلّي يعرف أنّ مجيء الملكوت يعني خلاص العالم. ومع ذلك فهو يتطلّع إلى زمن فيه يجلس الله على عرشه ويحكم كالملك الملك. وقد أراد يسوع من خلال هذه الطلبة أن نجعل محور حياتنا كلّها في الله. فهو البداية وهو النهاية.

تحدّث يسوع مرارًا عن ملكوت الله الذي هو رجاء الشعب الذي حمل إليه البشارة في بداية حياته. إرتجى الشعب مجيء هذا الملكوت المنتصر مع إنهاء وجود الأعداء. وحين ينتصر الله يتجلّى ملكه. ولكنّ الأنبياء تركوا هذه النظرة الناقصة وتحدّثوا عن "يوم الربّ" حيث تُدان جميعُ الأمم، ويتجمّع الشعوب كلّهم على جبل صهيون، فيعودون إلى الله في أورشليم (أش 2: 2-5):

ويكون في آخر الأيّام،

أن جبلَ بيت الربّ

يوطَّدُ في رأس الجبال

ويرتفع فوق التلال

وتجري إليه جميع الأمم

وتنطلق شعوب كثيرة وتقول:

هلّموا نصعد إلى جبل الربّ

إلى بيت إله يعقوب

وهو يعلّمنا طرقه

فنسير في سبله.

لأنّها من صهيون تخرج الشريعة

ومن أورشليم كلمة الربّ

ويحكم الربّ بين الأمم

ويقضي للشعوب الكثيرة، لجميع الشعوب

فيضربون سيوفهم سككًا

ورماحهم مناجل

فلا ترفع أمَّةٌ على أمَّةٍ سيفًا

ولا يتعلّموا الحرب من بعد

هلمّوا يا بيت يعقوب

لنسير في نور الربّ.

ولكنّ قوى الشرّ هي هنا. وقد واجهها يسوع نفسه: "إن كنتُ بإصبع الله أطرد الشياطين، فهذا يعني أنّ ملكوت الله بلغ إليكم" (لو 11: 20). ونحن إذ نطلب أن يأتي ملكوت الله، نرجو تجلّي سلطانه النهائيّ. كما نرجو تدمير مملكة إبليس وخلاص جميع البشر. هذا ما تعبِّر عنه صلاة "علينا" وبدايتها: "علينا أن نسبّح سيّد الكون، ونعظّم خالق البداية"...

لهذا نرجوك، أيّها الربّ إلهنا

لكي نرى قريبًا عظمة انتصارك

ونرى أصنام الخشب تزول من الأرض

حين تمضي الآلهة الكاذبة إلى العدم حقًّا

ويصبح الكونُ ملكوتَ القدير

ويدعو الاسمَ الإلهيّ كلُّ بشر

3-   لتكن مشيئتك

تفرّد متّى فقدّم هذه الطلبة في خطّ الفقاهة التي نقرأها في إنجيله

·        في عظة الجبل:

"ليس من يقول لي: يا ربّ، يا ربّ، يدخل ملكوت السماوات، بل من يعمل مشيئة أبي الذي في السماوات" (مت 7: 21)

·        حين جاء إليه أمّه وإخوته:

"من يعمل مشيئة أبي الذي في السماوات، هو أخي وأختي وأمّي" (مت 12: 50).

·        وفي مثل الابنين الذين أرسلهما الأب للعمل في كرمه، قال يسوع:

"مَن من الاثنين صنع مشيئة أبيه"؟ (مت 21: 31).

تتمّ هذه المشيئة على الأرض كما هي تامّة في السماء. وهذه العبارة ترتبط بالطلبات الثلاث التي ذكرنا، لا بالطلبة الثالثة وحدها. اسم الله قدّوس في السماء. نريدها أن يكون مقدّسًا في الأرض. ملكوت الله حاضر في السماء. ونتمنّى أن يكون أيضًا على الأرض. وتقول الليتورجيا إنّ الملائكة يصنعون مشيئة الله في السماء. فماذا ينتظر البشرُ أن يفعلوا؟

 

 

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM