القسم الخامس يسوع المسيح ابن الله مع القديس مرقس التلاميذ الأولون

التلاميذ الأولون
1: 14- 20

قال لهما يسوع: "إتبعاني أجعلكما صيادَيْ بشر". فتركا الشباك وتبعاه.
الآيتان الأوليان رئيسيتان: إنهما تشكّلان إجمالة قصيرة حول نشاط يسوع. ماذا تقولان؟ نضج الزمان، وإقترب ملكوت الله من البشر. والجواب المنتظر هو جواب توبة: يجب أن نبدّل قلوبنا ونؤمن بالإنجيل، بالبشارة، بالخبر السعيد.
هناك أناس صار هذا النداء واقعاً في حياتهم. هم سمعان وإندراوس، ثم يعقوب ويوحنا. لا يقدّم لنا مرقس دراسة نفسية عن الدعوة. بل خبر لقاء مع معاهدة بين يسوع وهؤلاء الشبان. عرض عليهم مشروعاً: إتبعاني. دعوةٌ سُميا. قبلا المشروع حالاً.
ولكن إلى أين ستصل بهم الطريق؟ هناك تلاعب على الكلمات: صيادي سمك/ صيادي بشر. يبقى النداء غير محدود. فهذه المعاهدة وهذا اللقاء سيبقيان صامتين حول الموضوع الأساسي. وهو صمت يفتح الطريق أمام الإنجيل الآتي. والنقطة الوحيدة البارزة هي حضور يسوع: هو صاحب المبادرة. هو يقود اللعبة. هو الذي يتكلّم. وكلمته تذكّرنا بالكلمة الخلاّقة في سفر التكوين. قال الله: "ليكن نور" فكان نور. وهنا قال يسوع: ليكن تلاميذ، فكان تلاميذ. دعا يسوع هؤلاء الأربعة، فخلقهم خلقاً جديداً من أجل رسالة جديدة.
في خبر الخلق، فصل الله النور عن الظلمة، والمياه عن اليابسة. وهنا سنجد فصلاً من نوع آخر. سمعان واندراوس إنفصلا عن شباكهما (آ 18). يعقوب ويوحنا إنفصلا عن أبيهما. تركا أباهما في القارب مع العمّال (آ 20).
إن جواب المدعوّين الأربعة هو قرار عملي. يفصل، وفي الوقت عينه يوّحد بيسوع: ساروا وراءه، تبعوه، رافقوه. كان لهم ظهور بين الجمع. كانوا على مستوى المهمة. توجّه النداء إلى حريتهم، فحرّكها في اندفاع جريء. ومن الواضح أن النداء عينه واللقاء عينه يتكرّران في كل جيل، في جيلنا نحن، فيحرّك حرّيتنا من أجل جواب كامل يعطي كل شيء.
نحن أمام نداء ملحّ: نتقبل البشارة، نؤمن بها، نعلنها. والإنجيل ليس قبل كل شيء تعليماً. إنه شخص اسمه يسوع المسيح.
بعد مقدّمة قصيرة تحدّث فيها مرقس عن المسيح وإطار رسالته، ها هو يبيّن لنا يسوع وقد شمّر عن ذراعه للعمل. إعلان قصير ومباشر: "تمّ الزمان. إقترب ملكوت الله. توبوا وآمنوا بالإنجيل".
وحالاً انطلق النداء لإتباع يسوع، لنصير معه "صيادي سمك". لا بد من إنقاذ البشرية من الشر الذي يمكن أن تغرق فيه، من المياه العكرة التي يمكن أن تغمرها. تحرّر يونان من البحر ووحوشه وأُرسل ليكرز بالتوبة لمدينة وثنية كبيرة. ويسوع هو يونان الجديد المرسَل إلى جليل الأمم الوثنية. والصيادون الذين يدعوهم يسوع سيتجاوبون حالاً مع النداء، شأنهم شأن أهل نينوى. تركوا الشباك والوالد، تركوا كل ما يربطهم بهذا العالم العابر كما يقول مار بولس. وجدوا في يسوع الإله الذي يخلّص، الذي ينسى خطايا الصبا، الذي يدلّ المتواضعين والخطأة على الطريق. أما قال عن نفسه إنه الطريق؟
ملكوت الله قريب وهو قريب في شخص يسوع. والمسيحية ليست إيديولوجية. إنها قبل كل شيء تعرّف إلى حدث هو مجيء يسوع، وتقبّل لهذا الحدث. ففي يسوع نكتشف قرب الله الفريد من البشر. وهذه البشرى تستحق أن نتجنّد لها، لأنها تتوجّه إلينا الآن ولأنها حاسمة بالنسبة إلى البشرية.
لا يكفي أن تكون مسيحياً في الكنيسة. يجب أن تكون تلميذاً لتساعد الكنيسة على الحياة. هؤلاء الرجال عاشوا حتى تلك الساعة حياة الشعب، ولكن يسوع حطّ عينه عليهم، فعرفوه في فرادة عظمته البشرية. فهموا يسوع، فرفعهم هذا الفهم فوق نفوسهم، فوق المصير المشترك الذي يعرفه محيطهم. تحوّلوا تحوّلاً حميماً، وتقبلّوا منه الرسالة التي ستعطيهم في العالم موقعاً ودوراً يتجاوزان من كل جهة المكان والنشاط اللذين سيكونان لهم في خدمتهم. وستدل مسيرتهم بطابعها الفريد على عظمة ذلك الذي تبعوه وآمنوا به. سيرتهم هي مثال حيّ ساطع لما يصير إليه رجل أمين لطريقه حين يلتقي بيسوع ويدخل في حياته الحميمة.
لا يكفي اليوم أن تؤسّس حياتك على التصاق بتفسير تعطيه الكنيسة عن المسيح. فعلى المسيحي أن يعمل عملاً أصيلاً كإنسان ومؤمن لكي يكون تلميذاً. وهذا أمر لا بدّ منه لكي يبقى حقاً مؤمناً. وإلا مسّه الفساد وقساوة القلب، وما استطاع أن يقاوم ضغط العالم المادي الحاضر في كل مكان. وإلا ما المستطاع أن يلعب الدور المعطى للكنيسة وابنائها في لعالم.
سمعان وإندراوس يرميان الشباك في حياتهما اليومية، في مكان عملهما. يعقوب ويوحنا يهيّئان الشباك. دعاهم يسوع: إتبعوني. أجعلكم صيادي بشر. تبعوه حالاً. ونحن كلّنا مدعوّون لكي نتبعه. كل واحد مدعوٌ، والنداء يتوجّه إلي. من الضروري أن أجمع قواي. أترك ورائي ما هو عابر ولا يملأ حياة إنسان، لأسير وراء يسوع الذي هو الرب الوحيد الذي يستحق أن أهب له ذاتي.

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM