الحيوانات الأربعة وابن الإنسان 7: 1-28

الحيوانات الأربعة وابن الإنسان

7: 1-28

مع ف 7 نصل إلى نهاية الكتيّب الأراميّ البديئيّة. هو يبدو بشكل دائرة: رؤيتان (ف 2، 7)، خبرا نجاة (ف 3-6) فقدان للملكيّة الوثنيّة (ف 4، 5). هي بنية بحسب الشكل التالي: أ، ب، ج – ج ج، ب ب، أ أ.

وترتدي الرؤية التي رآها دانيال في ف 7 أهميّة خاصّة. كانت في الأصل تتوّج الكتيّب الأراميّ. دوّن مرّة أولى قبل اضطهاد أنطيوخس أبيفانيوس، فوضع أمامنا أربع ممالك أرضيّة وعارضها بملك آتٍ من السماء سيقوم على الأرض كلّها بعد دينونة الله. وموضوع الممالك الأربع الذي نجده في حلم التمثال (ف 2)، قد استعيد الآن بشكل احتفاليّ. ولكن في زمن اضطهاد أنطيوخس الذي تحدّث عنه ف 3، 5، 6، أُقحمت إضافات في التوسيع لكي تدوّن الحلم وتعلن نهاية الطاغية (7: 8؛ 7: 20ب-21؛ 7: 24ب-25).

1- المشهد الأوّل في الحلم (7: 1-8)

إنّ مشهد "الرؤى الليليّة" أو الأحلام التي تنبّه الإنسان قبل الوقت، ترينا أربعة حيوانات تخرج من البحر الذي يرمز إلى الشرّ أو أقلّه إلى ما يحمل القلق والاضطراب. تدلّ هذه الحيوانات على أربع ممالك سوف تتوالى في عالم الشرق كما في رؤية التمثال (ف 2).

رمز النصّ إلى بابل بأسد له جناحا نسر (7: 3-4). قد تستلهم الصورة إر 50: 17 (إسرائيل غنم مشتّتة طردته الأسود) أو حز 32: 2 في ما يخصّ صورة الأسد. كما تستلهم حز 17: 3 من أجل جناحي النسر. عرفت الصور البابلية هذه الأسود المجنّحة. سوف يُنتزع الجناحان ويتحوّل الأسد إلى إنسان. هذا هو وضع الأحلام.

والحيوان الاثني هو دبّ (7: 5). يشير إلى قوّة المادايّين الذين تمثّلهم في سلسلة الممالك المتعاقبة. ولكن إلى ماذا تشير الأضلع الثلاث التي بين أسنان الدبّ؟ ما هي الممالك التي سحقها؟ هل نحن أمام احتلالات كورش الأولى من جهة الغرب: ليدية، كيليكية، مدن الشاطئ اليونانيّة؟ ربّما. إذا لم يكن كورش من المادايّين، بل من الفرس، إلاّ أنّه في البدء مع المادايّين.

الحيوان الثالث هو النمر (7: 6). يمثّل مملكة فارس التي أقامت في بابل. فالأجنحة الأربعة والرؤوس الأربعة تذكّر برمزيّة الكون في "أقطاره الأربعة" المذكورة في المدوّنات الشرقيّة.

الحيوان الرابع مخيف جدًّا بحيث ما أعطى اسمًا رمزًا (7: 7). هو مملكة الإسكندر الرهيبة. وقرون الحيوان العشرة هي الملوك الهلنستيّين في السلالة السلوقيّة.

وكان تحوير أوّل في 7: 8 زاد القرن الحادي عشر. يمكن أن يكون أنطيوخس الرابع الملك السلوقيّ العاشر قبل بداية الاضطهاد. ولكنّ الإضافة التي جُعلت هنا فشدّدت على كلمات العجرفة التي يتفوّه بها ذاك القرن الذي تحوّل إلى إنسان، جاءت لتبرز موقف هذا المضطهد (1 مك 1: 24).

2- المشهد الثاني: وانفتحت السماوات (7: 9-14)

أ- إعلان الحكم ونتيجته (9-12)

يترك الحلم الأرض حيث جرى المشهد الأوّل. وانفتحت السماء أمام دانيال الذي شاهد الله في بهائه: لباسه أبيض كالثلج، وشعر رأسه كالصوف النقيّ، وعرشه لهيب نار. إنّ وضع العروش من أجل الدينونة تفترض أنّ القديم الأيّام (الشيخ) سيكون له معاونون يصدرون الأحكام. وهذه الأحكام ستسقط إلى الأرض الحيوانات التي تمثّل القوة البشريّة. الحيوان الرابع سيُسلم إلى النار، أمّا الثلاثة الأخرى فتُحرم من سلطتها وتجعل في "الإقامة الجبريّة" حتّى ساعة الدينونة الأخيرة (آ 11ب-12). ويستلهم هذا المشهد صورًا شرقيّة فيها يجلس سيّد الآلهة (هنا: هو الإله الأوحد) على عرشه. وشعر الشيخ الأبيض يلمّح إلى أبديّته. ولون لباسه الأبيض يرتبط بعالم السماء. وسيجعل سفر الرؤيا كلّ هذا في شخص المسيح الممجّد (رؤ 1: 13-14).

وفوق العرش الناريّ الذي يستحيل على البشر أن يدنوا منه، فيقسم هذا البياض في دائرات من نار تبدو بشكل هالة. هذا ما جعلته الإيقونوغرافيا المسيحيّة في المسيح الممجّد الذي تحيط هالات تتصاغر بجسمه ورأسه.

لم يصوّر معاونو الله حين تبدأ المحاكمة: يقال فقط إنّه يجلسون حوله. أمّا سفر الرؤيا الذي يستلهم هذا المشهد فسيكون أكثر وضوحًا (رؤ 4: 2-5). نلاحظ هنا أنّ عرش المترئّس تحيط به دائرة ذات لمعان تشبه قوس قزح بلونها الزمرّديّ. وحين تبدأ المحاكمة تُفتح الكتب. ففي العلاء تسجّل كلّ أعمال البشر (أش 65: 5؛ رؤ 20: 12). هناك نجد سجلّ البشر المعدّين للعالم الآتي (أش 4: 3؛ ملا 3: 16؛ دا 12: 1). وسيستعيد العهد الجديد هذه الصورة (رؤ 13: 8؛ رج لو 10: 20) التي تبدو موجزة في دانيال. بعد ذلك تصوّر نتيجة الدينونة.

ب- الرؤية السماويّة (آ 13-14)

بعد إعلان الحكم ضدّ الحيوانات (أي الممالك البشريّة) ونتيجة هذا الإعلان، تأتي رؤية سماويّة جديدة فتختتم الحلم: "نظرت في رؤى الليل، فإذا بمثل ابن البشر آتيًا مع سحاب السماء. فبلغ إلى القديم الأيّام...

هذا المشهد، شأنه شأن المشهد السابق، هو بناء رمزيّ. نحن في منطق الحلم الذي فيه تتوالى المشاهد. إذن، لا نحاول أن نتعرّف إلى ابن البشر (أو: ابن الإنسان) الذي هو عضو في البشريّة: هو يتعارض مع الحيوانات التي نجد فيها تمثّلاً لقوى البشر المعدّة للدينونة. ولكن يُطرح سؤال: ما الذي يشير إليه ظهورُه في الحلم؟ نجد الجواب في فم بطل هذا المشهد. أوّلاً، قرّب إلى قديم الأيّام (الشيخ) الذي يمثّل الله. هذا الاقتراب يفهمنا أنّه سينال من الله مشاركة في مجده. وتظهر هذه المشاركة في جلوس احتفاليّ على العرش لا يصفه الكاتب بالتفاصيل. ولكنّه يوضح النتيجة: نحن أمام ملك شامل يضمّ جميع الشعوب والأمم والألسن. هذا التعداد له معناه، وهو يحتفظ بقيمته في أيّامنا. لفظة "الشعوب" تدلّ على الوجهة الإتنيّة. ولفظة "الأمم" على الوجهة السياسيّة. ولفظة "الألسن" على الوجهة الحضاريّة.

لا يحدّد النصّ كيف يمارس ابن البشر سلطانه، كيف يمارس هذا الملك الشامل، الذي على ما يبدو، يشارك الله نفسه في ملكه. فالله هو الفاعل في المشهد. والأفعال التي لا يُذكر فاعلها (قرّب، أعطي له) تتضمّن عمل الله (نتذكّر المجهول الإلهيّ). فهو الذي يعطي السلطان الشامل. وتشدّد النهاية على طابع الوضع الذي لا يُنقض ولا يحدّد. فهو يمتدّ امتداد تاريخ الكون، بل أبعد من هذا التاريخ.

بما أنّنا في حلم، لن نرى في هذا الشخص "قوّة ملائكيّة" لأنّه يجيء "مع سحاب السماء". فتفسير الحلم في فم أحد معاوني الشيخ (7: 16) يسمعنا بوضوح الطريقة التي بها يفهم صاحبُ النصّ معنى المشهد: هو وعد بانقلاب الوضع ليستفيد منه، قدّيسو العليّ"، شعب الله الذي يُضطهد الآن. وحين يُعدم حكمُ القضاء السماويّ سلطانَ الممالك المضطهدة، يتسلّم هذا الشعب مشاركة في ملك الله نفسه (7: 27). لهذا، يجب أن نتابع قراءة النصّ لنصل إلى مفتاح الرمز الكبير الذي يشكّل الذروة في هذا النصّ.

3- تفسير الرؤية والنظرة الأخيرة (7: 15-28)

أ‌- التفسير (آ 15-18)

إذا قرأنا حزقيال أو زكريّا نرى أنّ الملاك هو الذي يفسّر الرؤية. أمّا هنا، فالمفسّر هو أحد معاوني الشيخ (7: 16). فبعد الدينونة وسقوط الممالك الأربع، التي تمثّلها الحيوانات، سيُعطى الملك الأبديّ لقدّيسي العليّ (7: 18). لا حديث هنا عن الملك المسيحانيّ الذي ينتظره شعب إسرائيل، مع أنّ صورة الملك قد توحي بوجود ملك على رأس الشعب. ولكنّ النصّ لا يقول شيئًا في هذا المجال: ففي ذلك الوقت، لا ينعم الشعب باستقلال سياسيّ، ولا ملك له سوى الله. غير أنّ تفاسير النصّ اللاحقة ستدخل موضوع الملك المسيحانيّ، فتماهي بين "ابن الإنسان" والمسيح كما ينتظره العالم اليهوديّ، ويسوع المسيح كما في العهد الجديد.

ب- تحوير جديد (آ 19-26)

بعد تحوير أوّل في آ 8، نجد هنا تحويرًا آخر يأتي بعد تفسير الرؤية في تدوين أوّل. غير أنّ اللمسات التي جعلها هنا قارئ النصّ الأوّل، جعلت الخطبة تنطلق من جديد فتطبّق الكلام على "القرن الحادي عشر" الذي تصرّف تصرّف المضطهد. وهكذا ننتقل من حيث لا ندري من تلميح إلى مملكة السلوقيّين اليونانيّة (7: 23-24أ)، فنصل إلى دينونة أنطيوخس الرابع، الملك المضطهد (7: 24ب-25) الذي ذكر عمله فيها قبل بشكل واضح. وهكذا جاءت دينونة الله بشكل لا يرحم: فالمضطهد سوف يزول (7: 26).

ج- نظرة أخيرة (7: 26)

كلّ هذا ينتهي بوعد بملك شامل يُعطى لشعب قدّيسي العليّ. غير أنّ دانيال يحتفظ بهذا السرّ لنفسه إلى اليوم الذي فيه يُعلن.

إنّ كلام الرجاء قد صيغ في تدوين أوّل قبل اضطهاد سنة 167-164. وكان قد أعلن في ذلك الوقت نهاية المملكة السلوقيّة التي سيخلفها ملكوت الله الذي ظهر على الأرض بحرّيّة شعبه وقوّته. ولكن أعيدت قراءة هذا النصّ فصار كلام تعزية يتوجّه إلى المضطهدين. من الواضح أنّ صورة السلطان الشامل ظلّت مرتبطة بنظرة أرضيّة دون أن تتخلّى عن الأفق الإسكاتولوجيّ. ولما قرأ المسيحيّون هذا النصّ بعد مجيء المسيح، روحنوا الصورة وفصلوها عن أحلام سلطة سياسيّة. فشعب قدّيسي العليّ يقف عند ذلك الوقت على مستوى آخر، فينفصل عن رغبات البشر ويتعلّق بمشيئة الله التي ظهرت في يسوع المسيح.


 

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM