الفصل السابع عشر: أشعيا 55 في تيودوريه القوروشي

 

الفصل السابع عشر

أشعيا 55 في تيودوريه القوروشي

هذا ما بيَّنه هنا أيضًا قبل أن يدلَّ على طريق البرّ.

55:1 أنتم العطاش تعالوا إلى الماء. بفضل العماد المقدَّس »نحن مبرَّرون مجّانًا«، بحسب الرسول الإلهيّ، بفضل الفداء الذي تمَّ في يسوع المسيح (روم 3: 34). هذا ما قاله لنا أيضًا النصُّ النبويّ: ''حتّى وإن لم يكن لكم فضَّة، تقدَّموا، اشتروا، كلوا، تعالوا، اشتروا بدون فضَّة. مرَّات عديدة يدعو الكتابُ الإلهيّ »الفضَّة« البرّ. قال: »أقوال الرب أقوال نقيَّة، فضَّة مصفَّاة بالنار، منقَّاة بالتراب (مز 12:8). أمّا الذين يعيشون في الشرّ، »أدْعُهم فضَّة مرفوضة، لأنَّ الربَّ رفضهم« (إر 6:30). إذًا، الرب الطيِّبُ وعد حتَّى الذين لا يمتلكون فضَّة«، أي البرّ، أن يعطيهم مجّانًا الماء التي رغبوا فيها ثلاثًا: هو لا يطلب حسابًا من الذين يقتربون من العماد المقدَّس، عن ذنوبهم السابقة، ولكنَّه لا يعدهم بأن يخلِّصهم منها. الخمر والدسم.

2 لماذا تصرفون الفضَّة لما ليس بخبز وتتعبون لما لا شبع فيه. رذلوا هنا الذبائح التي تحدَّثت عنها الشريعة. في الماضي، أمرَ أن يُقدَّم بشكل خاصّ، على المذبح، شحم الذبائح، ولهذا مُنع في الواقع أن يؤخَذ قسمٌ من هذا الشحم. ثمَّ اعتادوا أن يسكبوا سكائب الخمر. ويعلِّم النصُّ النبويّ أنَّ هذه الممارسات لا تمنح طعامًا للنفس. فهو يقول: لما ليس بخبز، وتتعبون لما لا شبع فيه. هذا يعني: لا نفع فيها ولا فائدة ولا شيء روحيٌّا فيها.

العهد الجديد

بعد أن وضع هكذا حدٌّا للعهد القديم، جعلنا نستشفّ الجديد: »أصغوا إليّ وكلوا الطيّبات فتنعم نفوسكم في قلب الطيِّبات«.

3 أميلوا أذنكم واتبعوا طرقي واسمعوا لي، فتحيا نفوسكم في قلب الطيِّبات. أقطع معكم عهدًا أبديٌّا، عربون إيمان مقدَّس أعطيَ لداود: »نسله يثبت إلى الأبد، وعرشه كالشمس أمامي، وكالقمر المؤسَّس إلى الأبد« (مز 89: 37-38). مع هذه البنود معه، أعطي أنا واقعًا ناجعًا في أيّامكم، فأرتدي الطبيعة البشريَّة انطلاقًا من نسل داود، بحسب الوعد، وأعرض العهد الجديد.

4 ها أنا أعطيته شهادة وسط الأمم، مثل رئيس ومثل سيِّد للأمم. فذاك الذي صلبه اليهود، سجدت له الأرض كلُّها والبحر كلُّه، وأحبَّته الشرائع. فهو الذي يدعو »شهادة«، أو حسب أكيلا وسيماك: شاهد، لأنَّه يحتاج إلى الدينونة الآتية ويهدِّد بنار جهنَّم.

5 ها هي الأمم التي لم تعرفك تدعوك والشعوب التي تجهلك تلجأ إليك من أجل الربِّ إلهك وقدُّوس إسرائيل، لأنّي مجَّدتك. بمن ربط اليهود هذه الأقوال؟ من هو ذاك الذي تدعوه الأمم؟ إلى من تلجأ الشعوب؟ هم لا يستطيعون أن يبيِّنوه، أمّا نحن فنرى الواقع: ذاك الذي تجاهلته الأمم هي هي تعبده بفرح. أمّا العبارة من أجل الربِّ إلهك لأنَّه مجدك فقد قيلت بالنظر إلى طبيعته البشريَّة. فالربُّ نفسه قال في صلاته في الأناجيل المقدَّسة: »أيُّها الآب، مجِّد ابنك، لكي يمجِّدك ابنك« (يو 17: 1).

اليهود والوثنيّون مدعوّون معًا

بعد أن قال هذه النبوءة في شأن الأمم، وبيّن بوضوح إيمان هذه الأمم، توجَّه أيضًا بكلامه إلى اليهود: 6 أطلبوا اللـه، أي اعرفــوا الــذي تجاهلتـمــوه. وحين تجدونه أدعوه. إعترفوا به. لا ترفضوا الخلاص، بذريعة أنَّكم صلبتموه، بل اطلبوا الغفران، حين يقتــرب منكــم. 7 ليتــرك الشرّيــر طرقــه، وإنسان الكفر أفكاره، ليلتفت إلى الربّ فيرحمه، وإلى إلهنا لأنَّه يغفر خطاياه ويوسِّع. قال: حين تطلبونه وتجدونه، حين تدعونه وتنالون الغفران، أتركوا الطريق السابقة، طريق الإثم والشرّ، وقدِّموا إلى الله وجهكم، لا ظهركم. فهو يشرككم في رحمته، ويمنحكم الخلاص من ذنوبكم.

8 لأنَّ نواياي لا تشبه نواياكم، وطرقي لا تشبه طرقكم، يقول الربّ.

9 ولكن بقدر بُعد السماء عن الأرض، هكذا طريقي بعيدة عن طرقكم، وأفكاري بعيدة عن أفكاركم. قال: نحن بعيدون جدٌّا الواحد عن الآخر، بُعد السماء عن الأرض: أنتم تبغضونني، أمّا أنا فأحبُّكم. أنتم تهربون منّي وأنا أناديكم. أنتم تُصلونني حربًا وأنا أحسن إليكم.

10 فكما أنَّ المطر أو الثلج اللذين ينزلان من السماء لا يعودان قبل أن يسقيا الأرض، يخصبانها، يجعلانها تفرخ، فتعطي الزرع للزارع والخبز للمأكل،

11 هكذا تكون كلمتي التي تخرج من فمي ولا تعود إليَّ قبل أن تُتمَّ ما قلت وتنفِّد طرقي ووصاياي. قال: المطر والثلج يُرسَلان إلى الأرض من أجل الريّ، بحيث يجمع الفلاّح ثمرة تعبه، يجمع الحنطة فيؤمّن لنفسه الطعام وكذلك الكلمة التي أتفوَّه بها: فيها قوَّة كبيرة وفاعليَّة تامَّة: هي تُتمُّ كلّ ما أريد.

فرح بالنجاة

12 في الفرح تخرجون وفي البهجة تتعلَّمون. فالجبال والتلال تقفز فرحًا حين تستقبلكم، وجميع أشجار الغابة يصفِّقون بأغصانهم. تتحرَّرون من استبداديَّة الشيطان، وتنجون من سلطانه، فتمتلئون بكلِّ أنواع الفرح. وإذ أراد أن يبيِّن عظمة البهجة الوافرة، أرى فرحةَ الجبال والتلال والأشجار. هذا ما قال أيضًا المطوَّب داود، حين روى خروج الشعب من مصر: »قفزت الجبال كالكباش، والتلال مثل حملان النعاج« (مز 114: 4). استعمل الكتاب الإلهيّ طريقة التعبير هذه، كما يستعملها البشر. فقد اعتدنا أن نقول: تفرح المدينة كلُّها. المدينة كلُّها تعيِّد. لا نعني »بالمدينة« الأسوار، بل الذين يقيمون فيها. أمّا إذا أردنا أن نفهم ذلك بشكل استعارة، »الجبال« و»التلال« هي قوى السماء. وغابات الريف التي تدلُّ على بهجتها بأغصانها، هم القدّيسون، وقد قيل عنهم: »البارّ ينمو مثل النخيل، مثل أرز لبنان يكثر« (مز 92: 3). وأيضًا: »أنا كزيتونة تحمل ثمرًا في بيت إلهي... (مز 52: 10). ونكتشف أيضًا بهذه الطريقة حقيقة هذه النبوءة.

13 وبدل العلّيق ينبت السرو، وبدل القرّاص ينبت الآس، فيكون ذلك اسمًا للربّ وعلامة أبديَّة لا تزول. بيَّن هنا التحوُّل الذي يصيب الأمم الغريبة. فالبشر الذين شابهوا في الماضي عشبًا زاحفًا لا نفع منه، ها هو بعد أن عرف المخلِّص، قد اقتدى بارتفاع السرو ورائحة الآس العطرة. لقد أعلنوا بأفعالهم قدرة إلهنا ومخلِّصنا، فقدَّموا على أنظار الناس علامة ومعجزة كبيرة، مدهشة ومستمرَّة، عن تحوُّلهم. وهذه العلامة تكون أبديَّة ولا تزول أبدًا، كما زال مجد اليهود.

إذًا، نقدِّم ذواتنا لنظر الآخرين كعلامة تليق بربِّنا ومخلِّصنا لا بأن نتعلَّق فقط بالفرائض المقدَّسة، بل بأن نأخذ بطريقة حياة موافقة. وحين يرى الناسُ أعمالنا الحسنة (مت 5: 16) يمجِّدون الآب الذي في السماء. فإليه يعود كلُّ مجد وإكرام وعظمة، في اتِّحاد مع ابنه الوحيد والروح القدس، الآن وإلى الأبد، وإلى دهر الدهور آمين.

 

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM