الأحد الأوّل بعد الصليب
الرسالة : 2 تم 2: 1-10
الإنجيل : مر 10: 35-45
معنى الآلام في حياة الرسول
يا إخوتي، وأنت يا ابني، كن قويًّا بالنعمة التي في المسيح يسوع، وسلّم ما سمعته منّي بحضور كثير من الشهود وديعة إلى أناس أمناء يكونون أهلاً لأن يعلّموا غيرهم.
شارك في احتمال الآلام كجنديّ صالح للمسيح يسوع. فالجنديّ لا يشغل نفسه بأمور الدنيا إذا أراد أن يرضي قائده. والمصارع لا يفوز بإكليل النصر إلاّ إذا صارع حسب الأصول. والزارع الذي يتعب يجب أن يكون أوّل من ينال حصّته من الغلّة. إفهم ما أقوله لك، والربّ يجعلك قادرًا على فهم كلّ شيء. واذكر يسوع المسيح الذي قام من بين الأموات وكان من نسل داود، وهي البشارة التي أعلنها وأُقاسي في سبيلها الآلام حتّى حملت القيود كالمجرم. ولكنّ كلام اللّه غير مقيّدٍ. ولذلك أحتمل كلّ شيءٍ في سبيل المختارين، حتّى يحصلوا هم أيضًا على الخلاص الذي في المسيح يسوع مع المجد الأبديّ.
حين يتحدّث سفر الأعمال عن بطرس، فهو يعرف أنّ بطرس ليس المسيح. ولكنّ المسيح يواصل حياته في حياة بطرس. كما أنّ بطرس كان في السجن، في الموت، كذلك كان يسوع، ومثل يسوع "مضى إلى مكان آخر" (أع 12: 17) في القيامة. وكما صعد يسوع إلى أورشليم، صعد بولس أيضًا، وكان بريئًا مثل معلّمه. مات يسوع في أورشليم. أمّا بولس فمات في رومة ولكن حيث يموت شهيد هناك يموت يسوع. وهكذا يكون يسوع صُلب في مصر، في رومة، حين طلب من رسوله أن يكمّل في جسده ما ينقص من آلام المسيح من أجل جسده الذي هو الكنيسة (كو 1: 24). ذاك وضع الرسول، وضع التلميذ.
1- التلميذ شاهد
هدّد رؤساء الكهنة بطرس ورفاقه. فكان الجواب: لا نستطيع أن نسكت عمّا رأينا وسمعنا. هم لا يقدرون أن يتنكّروا: لا أعرف هذا الرجل. عندئذٍ يكونون شهودًا كذبة. هم رأوا، سمعوا، لمسوا كلمة الحياة. لهذا يحملونها بعد أن دعاهم يسوع ليكونوا له شهودًا في اليهوديّة والسامرة، فتصل الشهادة إلى أقاصي الأرض. وحتّى الآن، إن هي وصلت على مستوى المكان، إلاّ أنّها لم تصل بعد إلى جميع البشر. فهناك خراف ليست من هذه الحظيرة. فهذه يجب أن تسمع صوت الراعي، بحيث تكون الرعيّة، البشريّة، واحدة، بإمرة راع واحد هو يسوع المسيح.
بولس كان ذاك الشاهد. لدى اليهود ولدى الوثنيّين. بشّر بالإنجيل واعتبر أنّ التبشير واجب عليه. وها هو يدعو تلميذه تيموثاوس لكي يتابع الرسالة. ولا يهتمّ بشيء آخر. لا بالطعام ولا بالشراب وسائر الأمور المعيشيّة. المهمّ أن يكون ذاك الجنديّ الصالح الذي نظره على يد سيّده. أن يكون ذاك الحارث الذي يعمل بحسب الأصول. والتلميذ يعرف أنّ الرسالة ليست نزهة بين الورود، كما ظنّ أهل تسالونيكي. فيها التعب والكدّ والصعوبات والاضطهادات. فعلى التلميذ أن يستعدّ لها.
2- التلميذ شهيد
الشهيد هو من يشهد للمسيح حتّى الاستشهاد، حتّى الموت. يبدو الرسول كمجرم، يكون في القيود. ومع ذلك فهو يصبر من أجل المختارين. لا يتراجع. إنّه يتطلّع إلى معلّمه حين صعد إلى أورشليم (لو 9: 71). قسّى جبينه، صلّب قلبه ومضى وهو عارف ماذا ينتظره هناك. فقد قال له الرسل قبل شفاء لعازر: "أنت تعرف أنّ اليهود يطلبون قتلك"، ومع ذلك مضى. هدّدوه بهيرودس، فما تراجع: "قولوا لهذا الثعلب". أعمل اليوم وغدًا وفي اليوم الثالث أُنهي حياتي. أُكمِّل مهمّتي، أي الموت على الصليب والقيامة.
لا يهتمّ الرسول لما ينتظره. فأمامه خلاص يحمله، وشهادة يوصلها إلى البشر، وشخص يتطلّع إليه، لا صاعدًا إلى السماء. فقط، كما التلاميذ يوم الصعود، بل مرتفعًا على الصليب بين لصّين. تحدّث بطرس الرسول عن هذا الوضع، وأفهم قرّاءه أن يكونوا سُعداء إن حُسبوا بمجرمين من أجل المسيح. وفي أيّ حال، يروي سفر الأعمال أنّ الرسل بعد أن جُلدوا "خرجوا فرحين لأنّ الربّ اعتبرهم أهلاً لأن يتألّموا من أجل المسيح". الربّ فتح لنا الطريق، ونحن نسير في خطاه. والرسول الذي لا يخاف الموت، ولا يخاف أيّة خسارة، هو من يواصل عمل المسيح فيحقّ له أن يقول: "إقتدوا بي كما أنا أقتدي بالمسيح".
3- قوّة الرسول من قوّة المسيح
ولماذا هذا الاعتداد بالنفس، والاعتبار بأنّنا أقوياء؟ من حسب نفسه قويًّا، فوق التجربة، يسقط كما سقط بطرس: إن أنكرك الجميع، أنا لا أنكرك. وفي الواقع، أنكر المعلّم ثلاث مرّات قبل صياح الديك. فالرسول لا يكون قويًّا بقوّته، بل بقوّة من يرسله. "أنا قويّ بالمسيح الذي يقوّيني". ذاك ما قاله بولس. وأورد العذابات التي احتملها من أجل البشارة. وختم كلامه: أنا لا أفتخر بقوّتي، بل بضعفي. ذاك الذي رافقني في بداية اهتدائي، لا يزال معي. نعمته هي التي تفعل فيّ. أمّا الرسول فما عليه سوى أن يتجاوب مع النداء. وهو يتأكّد أنّ الرب يحفظه. لا يترك شعرة من رأسه تسقط بدون إرادة الآب.
ويبقى السؤال: هل أستند إلى الحسابات البشريّة، أم أرتمي بين يدي المسيح؟ هل أتوقّف عند الصليب وكأنّه النهاية، مثل شخص مريض يحبّ الألم، أم أتطلّع إلى القيامة التي هي نهاية يسوع على الأرض وبدء شهادة الكنيسة والرسل. بعد ذلك، يصبح افتخار العالم نفاية لأربح المسيح، ولا تُقاس آلام هذا الدهر بما ينتظرنا من مجد.