الأحد السادس عشر من زمن العنصرة

الأحد السادس عشر من زمن العنصرة

الرسالة : روم 8: 18-27

الإنجيل : لو 18: 9-14

المجد الآتي

يا إخوتي، أرى أنّ آلامنا في هذه الدنيا لا توازي المجد الذي سيظهر فينا. فالخليقة تنتظر بفارغ الصبر ظهور أبناء الله. وما كان خضوعًا للباطل بإرادتها، بل بإرادة الذي أخضعها. ومع ذلك بقي لها الرجاء أنّها هي ذاتها ستتحرّر من عبوديّة الفساد لتشارك أبناء الله في حرّيّتهم ومجدهم. فنحن نعلم أنّ الخليقة كلّها تئنّ حتّى اليوم من مثل أوجاع الولادة. وما هي وحدها، بل نحن الذين لنا باكورة الروح نئنّ في أعماق نفوسنا منتظرين من الله التبنّي وافتداء أجسادنا. ففي الرجاء كان خلاصنا. ولكنّ الرجاء المنظور لا يكون رجاء، وكيف يرجو الإنسان ما ينظره؟ أمّا إذا كنّا نرجو ما لا ننظره، فبالصبر ننتظره.

ويجيء الروح أيضًا لنجدة ضعفنا. فنحن لا نعرف كيف نصلّي كما يجب، ولكنّ الروح يشفع لنا عند الله بأنّات لا توصف. والله الذي يرى ما في القلوب يعرف ما يريده الروح، وكيف أنّه يشفع للقدّيسين بما يوافق مشيئته.

في الرسالة إلى رومة، أبرز الرسول خطيئة العالم الوثنيّ بشناعاتها، وخطيئة اليهود الذين عرفوا الشريعة وما عملوا بها، وقرأوا الكتب فما اكتشفوا وجه الابن الذي تجلّى لهم. ولكنّ الله الغنيّ بالمراحم خلّصنا. لا شكّ في أنّ الخطيئة دخلت إلى العالم. ولكنّ النعمة جاءت. وحيث كثرت الخطيئة، فاضت عطايا الله الذي جاء أوّل ما جاء من أجل المرضى، لا من أجل الأصحّاء، من أجل الخطأة، لا من أجل الأبرار، أو بالأحرى الذين يحسبون أنفسهم أبرارًا مثل الفرّيسيّ الذي اعتبر نفسه أفضل من العشّار القائل: "إرحمني، يا الله أنا الخاطئ".

1- الخليقة تنتظر

حين سقط الإنسان في الخطيئة وانحطّ، حطّ معه الخليقة كلّها. فالعمل الذي يفرح قلب الإنسان صار "عرق الجبين" لكي يأكل الخبز. والولادة التي هي أجمل عمل في حياة المرأة، رافقتها أوجاع الحبل. والعلاقة بين الرجل والمرأة المتساويين تحوّلت إلى تسلّط الرجل على المرأة وسيادته.

الأرض التي كانت جنّة وفردوسًا، بسبب المياه التي فيها، صارت صحراء تُنبت للإنسان الشوك والعوسج. ويا ليتها تكفيه، فيقتات من عشب الحقل مثل الحيوان. ومع خطيئة القتل، رفضت الأرض أن تعطي خصبها بعدُ. بل هي طرحت الإنسان من على وجهها ولاحقته بلعنتها، "ملعون أنت من الأرض". وقيل لآدم: "صارت الأرض ملعونة بسببك".

ولكن لن تبقى الأمور هكذا. وانتظار الخليقة لا يمكن أن يكون باطلاً. والمستقبل سيكون "أرضًا جديدة وسماوات جديدة". والألم اليوم هو علاقة الولادة الآتية والتحرّر النهائيّ.

2- الإنسان ينتظر

اليوم تسيطر علينا الآلام، وعبوديّة الخطيئة والموت اللذين دخلا إلى العالم. لا شكّ في أنّ الإنسان هو السبب، حين عصا أوامر الله واستهان بوصاياه. قيل: آدم. هو ليس اسم علم في الأصل. بل كلّ من أخذ من الأديم، من التراب، كما يقول سفر التكوين: جبل الله الإنسان ترابًا من الأرض. إذن، أنا آدم، أنت وكلّ واحد منّا. لكن نعيش في عالم من الخطيئة. يحسّ به. فالشرّ الذي لا يريده يفعله. الخير الذي يريده لا يفعله. ومن شدّة الألم، صرخ الرسول: من ينجّيني من جسد الخطيئة هذا؟ لا أحد ينجّيه سوى نعمة الربّ يسوع.

هي عبوديّة تعيشها الخليقة بسبب عبوديّة الإنسان. هو فعل الخطيئة فصار عبدًا للخطيئة، عبدًا للشرّ والفساد. هي تنتظر حرّيّة وتنطلق من الإنسان. وهكذا نعيش نحن في الضباب. لا نرى. نعيش في العمل والرجاء منتظرين أن نصبح قريبين بعد أن كنّا بعيدين، أن نعود إلى البيت الوالديّ كأبناء أحبّاء، بعد أن تعزّينا مثل الابن الضالّ، فوصلت بنا الأمور إلى رعاية الخنازير.

وانتظارنا يكون في الصبر، في الثبات. فقد قيل لنا: لم تقاوموا بعد حتّى الدم إزاء الخطيئة. فالفداء الذي ننتظر قد ناله يسوع من أجلنا. وعلينا أن نسير فيه. نحمل صليبنا ونسير وراء الربّ. هو يوصلنا إلى الجلجلة، ولكن بعد الجلجلة المجد وتجلّي أبناء الله.

3- عمل الروح

الخليقة ضعيفة بسبب ضعف الإنسان. والإنسان أضعف من أن يخلّص نفسه. وجميع الذبائح التي قدّمت في العصور القديمة لم تقدر أن تمحو الخطايا. لهذا كانت تتكرّر. وبعض الخطايا الكبيرة كانت تنال عقابها على هذه الأرض قتلاً ورجمًا. ولكن، يوم كنّا بعدُ ضعفاء، مات المسيح من أجلنا فأثبت محبّته لنا. في الواقع، كنّا أعداء الله. معادين له بسيرتنا. ولكن زالت العداوة، وطلبنا الله نفسه من أجل المصالحة. لقد سقط الحاجز الكبير حاجز الخطيئة. لهذا يبدأ عمل البناء، عمل الروح فينا وفي العالم.

هذا الروح الذي في البداية، ساعة كانت الخليقة تائهة فارغة، حلّ عليها فأخرج منها الحياة، هو الذي يواصل عمله حتّى النهاية. من المعموديّة في الأردنّ، أعاد لنا البنوّة مع ذلك الذي هو الابن الحبيب. ومع الروح في العنصرة، صار شعب الله كلّهم أنبياء. بل تحوّلت الخليقة كلّها بعد أن مرّت عليها النارُ وأعمدة الدخان، الشمس تحوّلت والقمر انقلب. فنال الخلاص كلّ من يدعو باسم الربّ، وتبع الكون من أقامه الله عليه وكيلاً. فما عادت الخليقة تئنّ. فلا نفع من أنينها إن انحصرت في هذه الأرض، ولا الإنسان. بل نترك الروح يئنّ فينا، يصلّي، يعلّمنا كيف نقول: أبّا أيّها الآب. فهو يشفع فينا. يحملنا يرفعنا. وما ننتظره الآن في الرجاء نتأكّد من حصوله حين يجيء الابن في مجده وكلّ ملائكته معه.

 

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM