الأحد الثامن عشر من زمن العنصرة

الأحد الثامن عشر من زمن العنصرة

الرسالة : 1 بط 1: 22-25

الإنجيل : مر 12: 1-12

الولادة الجديدة

يا إخوتي، والآن، بعدما طهّرتم نفوسكم بإطاعة الحقّ وصرتم تحبّون إخوتكم حبًّا صادقًا، أحبّوا بعضكم بعضًا حبًّا طاهرًا من صميم القلب. فأنتم ولدتم ولادة ثانية، لا من زرع يفنى، بل من زرع لا يفنى، وهو كلمة الله الحيّة الباقية. فالكتاب يقول: "كلّ بشر كالعشب وكلّ مجده كزهر العشب. العشب ييبس وزهره يسقط، وكلام الله يبقى إلى الأبد". هذا هو الكلام الذي بشّرناكم به.

بعد أن قدّم القدّيس بطرس تعليمًا عن وحي الخلاص الذي ناله المؤمنون، طلب منهم أن يحيوا كأبناء الله في المحبّة والبساطة. فالعالم الذي يعرف الكذب يطلب منهم أن يكونوا كأطفال بين الكبار، كالخراف بين الذئاب. وهكذا يعوّضون عمّا ينقص العالم بمحبّة صادرة عن القلب.

1- ولادة جديدة

توجّه الرسول إلى مؤمنين جاؤوا من الوثنيّة. وها هم تعلّقوا بالمسيح. آمنوا به، وتقبّلوا سرّ العماد المقدّس. هذا يعني ولادة جديدة. ولادة في الماء والروح من أجل حياة جديدة. في الولادة البشريّة، داخل محيط دينيّ واجتماعيّ، كانت لهم حياة كسائر الناس من عبادة الأصنام ومشاركة في الاحتفالات، وعيش بحسب عادات المدينة. لا يستطيعون أن يكتفوا بهذه الحياة بما فيها من ثمر.

الولادة الجديدة تعني حياة جديدة، شجرة جديدة تعطي ثمارًا تتوافق والإيمان الذي اعتنقوه، ويحثّهم بطرس على حياة مسيحيّة بين الأمم. فيها يمتنعون عن الشهوات الجسديّة، حيث اللحم والدم يسيطران على الروح. عندئذٍ تكون شهادتهم مقبولة فيمجّد الوثنيّون الله بسببهم. وهذه الولادة بدأت لهم ولنا. وهي تتواصل يومًا بعد يوم حتّى ساعة الموت، ساعة الولادة إلى السماء.

2- الزرع الذي فيهم

رمى الربّ زرعه في القلوب. ويجب أن ينمو هذا الزرع بقدرة الله. هذا يعني أنّ الأرض التي تتقبّله ليست عابر سبيل يمرّ فيها الجميع ويختطفون الزرع. وليست قليلة التراب، حيث يتحمّس المؤمن وقتًا قصيرًا ثمّ يعود إلى ما كان في السابق على ما قال بطرس في رسالته الثانية: عاد الكلب إلى قيئه، والخنزيرة إلى التمرّغ بالوحل. وليست مليئة بالأشواك والهموم ومشاغل الدنيا والغنى. مثل هذا الزرع ينمو ولكنّه يختنق. ويتساءل الكثيرون عن حياتهم ومعناها. أما يرون المشاغل التي تثقّل عليهم وتمنعهم من الراحة التي وعد بها يسوع من يأتون إليه. يجب أن يتجرّدوا. أن ينزعوا عنهم الرداء الذي رماه طيما الأعمى، وقفز آتيًا إلى يسوع، وماشيًا في الطريق وراءه. وحدها الأرض الجيّدة، المعدّة أفضل إعداد، تتقبّل الزرع وتعطي ثلاثين وستّين ومئة. ذاك هو زرع غير فاسد. ولكن قد يكون الزرع فاسدًا. وإن لم ننتبه، يكون الزؤان مع القمح. يأتي العدوّ في الليل. ساعة نحن غافون، ساهون، لا نهتمّ بشيء إلاّ بحياة حسب الجسد. ونعجب بعد ذلك من حين نرى فساد حياتنا وأعمالنا. ونرى نتيجة التربية التي ربّينا بها أولادنا. نريد أن نسمع أيّ كلمة، ولا نميّز بين كلام يُفسد حياتنا، وآخر ينمّيها. نسير مع كلّ ريح. فالأفكار عديدة ولا سيّما الغريبة عن محيطنا. والبدع تتنامى ويلعب المال لعبته، فتسلُب حرّيّتنا وتتقطّع جذورنا، وبعد ذلك نجد نفوسنا في ضياع نملك المرارة.

3- زرع كلمة الله

ما زال يسوع على طرقاتنا، كما في المثل الإنجيليّ. "خرج ليزرع". كلمته وحدها صادقة، وكلّ إنسان كاذب. كلمته وحدها حياة، وكلّ كلمة أخرى تقود إلى الموت. كلمته وحدها نور، ومن لا يتبعه يمشي في الظلام، يندهش بعد ذلك أنّه عثر وسقط. كلمته قوّة حين تحاربنا قوى الشرّ. بها غلب يسوع إبليس الذي جرّبه: لا يحيا الإنسان بخبز فقط، بل بكلّ كلمة تخرج من فم الله. فماذا ننتظر لكي نذهب إلى ينبوع الماء الحيّ، ونترك هذه الآبار المشقّقة التي لا تبقي ماء؟ وإن كان ماء فهو ماء مستنقعات فيه الفساد والنتانة.

أمّا المؤمنون فعندهم "احتكاك في آذانهم". يبحثون عن كلّ جديد بعد أن صار الإنجيل قويمًا. نعرفه غيبًا. نعرف أخباره. ولكن لا نحيا منه. نشبه حامل الماء على كتفه وهو يموت عطشًا. أو هو يشرب أيّ ماء يقدّم له مهما كانت الجراثيم والسموم التي فيه. كم نشبه أهل أثينة الذين يصرفون وقتهم "أن يقولوا أو يسمعوا شيئًا جديدًا". ولمّا جاءت كلمة الإنجيل في شأن قيامة الأموات "استهزأوا بالرسول وانتظروا أن يسمعوا أيضًا"... ونحن نسمع فماذا نسمع وماذا ننتظر لكي نعمل؟

 

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM