الأحد الثاني عشر من زمن العنصرة

الأحد الثاني عشر من زمن العنصرة

الرسالة : أف 3: 1-13

الإنجيل : مت 15: 21-28

سرّ المسيح

يا إخوتي، لذلك أنا بولس سجين المسيح يسوع في سبيلكم، أيّها الذين هم غير يهود. ولا بدّ أنّكم سمعتم بالنعمة التي وهبها الله لي من أجلكم، كيف كشف لي سرّ تدبيره بوحي كما كتبت لكم بإيجاز من قبل. وبإمكانكم إذا قرأتم ذلك أن تعرفوا كيف أفهم سرّ المسيح، هذا السرّ الذي ما كشفه الله لأحد من البشر في العصور الماضية وكشفه الآن في الروح لرسله وأنبيائه القدّيسين، وهو أنّه غير اليهود هم في المسيح يسوع شركاء اليهود في ميراث الله وأعضاء في جسد واحد ولهم نصيب في الوعد الذي وعده الله بفضل البشارة التي جعلني الله خادمًا لها بالنعمة التي وهبها إلي بفعل قدرته. أنا أصغر المؤمنين جميعًا أعطاني الله هذه النعمة لأبشّر غير اليهود بما في المسيح من غنى لا حدّ له، ولأبيّن لجميع الناس تدبير ذلك السرّ الذي بقي مكتومًا طوال العصور في الله خالق كلّ شيء. ليكون للكنيسة الآن فضلُ إطلاع أهل الرئاسة والسلطة في العالم السماويّ على حكمة الله في جميع وجوهها. وكان هذا حسب التدبير الأزليّ الذي حقّقه الله في ربّنا المسيح يسوع. فبإيماننا به تكون لنا الجرأة على التقرّب إلى الله مطمئنّين. فأطلب إليكم أن لا تيأسوا في ما أعانيه من الشدائد لأجلكم، فهي مجد لكم.

في إطار رسالة تصل إلى العالم كلّه. بل إلى الخليقة كلّها، كما قال القدّيس مرقس، نفهم نداء بولس الرسول بأنّ الأمم الوثنيّة شركاء في الميراث مع الشعب، الذي نال الوحي الأوّل. ومنهم المرأة الكنعانيّة التي اعتُبرت من الخارج لأنّها لم تدخل في العهد الموسويّ. ولكنّها، بواسطة الإنجيل، صارت من داخل البيت، بسبب "إيمانها العظيم". فدخلت في سرّ المسيح الذي لا يُستقصى، الذي بقي مكتومًا حتّى كُشف في الكنيسة وبفم الرسل.

1- بالوحي أطلع بولس

ما كان باستطاعة بولس (كان اسمه شاول. وهو فرّيسيّ تلميذ المعلّم غمالائيل) أن يفهم شيئًا من هذا التدبير الجديد الذي حمله يسوع. والشعب الذي انتمى إليه ما كان يتخيّل المسيح الآتي إلاّ ملكًا قويًّا، قديرًا، مجيدًا، يدمّر العدوّ الرومانيّ. ويعيد الاستقلال لشعبه، فيقيم الصلاة في هيكله وفي مجامعه. أمّا أن يكون المسيح ابن الله، فهذا مستحيل. وحين أعلن يسوع هويّته، هُدِّد بالرجم أكثر من مرّة. ما كان للعالم أن يطّلع على تدبير الله. ولو اطّلع لما كان صلب ربّ المجد. بل كان قبِله وما رفضه فدخل في بنوّة الله.

أمّا بولس فاطّلع. لا بقدرته، باللحم والدم والضعف البشريّ، كما قيل لبطرس في قيصريّة فيلبّس، بل بالوحي. جاء الابن إلى الأرض، تجسّد، فظهر مجد الله في "ظهور ربّنا يسوع المسيح" (1 كور 1: 9) وكشف الوحيُ للرسل الإنجيلَ ومضمونه، وواجب حمل الرسالة. لهذا قال الرسول: "ما قبلته ولا تعلّمته من بشر، بل بوحي يسوع المسيح" (غل 1: 21). كما كشف لكلّ واحد منّا، للقدّيسين كما قالت كو 1: 26 أي للمعمّدين الذين استطاعوا أن يدخلوا في سرّ "أحبّوه دون أن يروه، وآمنوا به وما شاهدوه بانتظار أن يبتهجوا به" (1 بط 1: 4). فهل تركنا وحي الله يحرّكنا لكي نتعرّف إلى يسوع، وإلى مسيرته في العالم وفي حياتنا؟

2- اطّلع على السرّ

السرّ هو مخطّط الله الأزليّ، الذي كان مخفيًّا في الدهور السابقة، وكُشف اليوم في يسوع المسيح. السرّ هو مشيئة الله في السماء والتي تتحقّق على الأرض. لهذا قال يسوع: توبوا فقد اقترب ملكوت الله. تدشّن هذا الملكوت بفم يسوع وحياته وموته قيامته، ويتواصل بناؤه إلى نهاية العالم. السرّ هو مشروع الله وتدبيره. بماذا يقوم؟ بأن يجمع الله في المسيح كلّ ما في السماوات والأرض، يجمعه في رأس واحد.

تبعثرت البشريّة منذ الطوفان وبناء برج بابل. وحاولت أن تلتقي من جديد. لقاء حروب على مرّ التاريخ. لقاء مصالح حيث القويّ يسيطر على الضعيف، والغنيّ يستغلّ الفقير، وصاحب الامتياز (الشعب اليهوديّ) يُنكر على الآخر أيّ حقّ بالمشاركة. وما نقوله عن اليهوديّ نقوله عن المسيحيّ، الذي ظنّ في الماضي أنّه وحده يخلص. ويظنّ اليوم أيضًا أنّه "فوق الآخرين" بسبب ماء العماد الذي غسله. الفوق في الإنجيل صار "تحت". والأوّل يكون الآخر. والسيّد يكون كالعبد، فيغسل أقدام التلاميذ. وكلّ طريق غير هذه الطريق لا تساعد المسيح على جمع البشريّة في واحد. قال بطرس: الميراث هو لنا ولأبنائنا "ولجميع البعيدين (= الوثنيّين) الذين يدعوهم الربّ إلهنا" (أع 2: 39). ويسوع صلّى ليلة آلامه: "لا أسأل من أجل هؤلاء (الرسل) وحدهم، بل من أجل الذين يؤمنون بي بفضل كلمتهم" (يو 17: 20).

3- وكشفه في الكنيسة

لا نجد في الكنيسة فئتين: البسطاء والكمّال. فالكنيسة جماعة المؤمنين كلّهم. هم قدّيسون أي اختارهم الربّ، ومنحهم نعمته ودعاهم إلى القداسة التي بدونها لا يستطيع أحدٌ أن يرى الله. والبسطاء والكمّال معًا يكتشفون تدبير الله ويدخلون في سرّه المكتوم منذ الدهور. بل البسطاء يسبقون مَن يحسبون نفوسهم "حكماء وفهماء".

هذا الكشف يقوم به الرسل فيحمل الإنجيل وإطلاق البشارة. لهذا قال بولس: "الويل لي إن لم أُبشِّر". وما اعتبر يومًا أنّه فعل فعلاً عظيمًا حين حمل الإنجيل، بل افتخر أنّه "يعلن الإنجيل مجّانًا" (1 كور 9: 18). حملُ الإنجيل خدمة، لا إكراه وإرغام وواجب. حمل الإنجيل أمانة وُضعت بين يديه، ووديعة أُوكلت إليه. وما قاله بولس يستطيع أن يقوله الرسل الاثنا عشر، والتلاميذ، وكلّ واحد منّا. باسم الكنيسة نكشف سرّ المسيح للذين لا يعرفونه: هم في جسد المسيح عضوٌ كسائر الأعضاء. هم مع المسيح وارثون خيرات الآب. والوعد الذي وصل إلينا وصل إليها، وكلّ "بواسطة الإنجيل".

 

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM