الأحد الحادي عشر من زمن العنصرة

الأحد الحادي عشر من زمن العنصرة

الرسالة : أف 2: 17-22

الإنجيل : لو 19: 1-10

على أساس الرسل

يا إخوتي، جاء المسيح وبشرّكم بالسلام أنتم الذين كنتم بعيدين، كما بشّر بالسلام الذين كانوا قريبين، لأنّ لنا به جميعًا سبيل الوصول إلى الآب في الروح الواحد.

فما أنتم من بعد غرباء أو ضيوفًا، بل أنتم مع القدّيسين رعيّة واحدة ومن أهل بيت الله، بنيتم على أساس الرسل والأنبياء. وحجر الزاوية هو المسيح يسوع نفسه، لأنّ به يتماسك البناء كلّه وينمو ليكون هيكلاً مقدّسًا في الربّ، وبه أنتم أيضًا مبنيّون معًا لتصيروا مسكنًا لله في الروح.

في مسيرة العنصرة التي تتواصل في حياة الكنيسة، نفهم أنّ البشريّة كلّها مدعوّة "في روح واحد". لم يعُد هناك من بعيد ولا قريب. كلّنا صرنا أبناء البيت. صرنا تلك الحجارة الحيّة التي تُبنى على أساس الرسل والأنبياء. ولو كنّا خطأة مثل زكّا الذي انقلبت حياته انقلابًا حين دخل يسوع إلى بيته وحياته، إلى قلبه. أمّا الأبرار فيُطلب منهم أن يعرفوا أنّ من قال أنا بلا خطيئة كان كاذبًا. فالقدّيسون، مثل فرنسيس الأسّيزيّ، اعتبروا أنفسهم أكبر الخطأة بعد أن نالوا النعم العديدة. شعروا أنّهم يحتاجون الخلاص الذي يعطيهم إيّاه يسوع المسيح وحده، لا برّهم الخاصّ وقداستهم.

1- بعيدون وقريبون

البعيدون في المفهوم الكتابيّ، بعيدون عن الهيكل المقدّس، موضع حضور الله وسط شعبه، وبالتالي وسط البشر. هم بعيدون عن أرض فلسطين حيث أقام الآباء: إبراهيم وإسحق ويعقوب. وحيت تكلّم الأنبياء بوحي من الله. البعيدون هم الذين لم يعرفوا كلمة الله في التوراة، وما مارسوا الشرائع ولا سيّما الختان. قالوا فيهم: لم تصل إليهم كلمة الله. وبالتالي لا يستحقّون أن يكونوا قرب الله، قريبين من الله بحسب قول المزمور: من يحقُّ له أن يصعد إلى جبل الربّ، ويقيم في مقامه المقدّس؟

جاء الجواب المبتور: الذين نالوا الخِتان فانتموا إلى الشعب المقدّس، ومارسوا الشريعة. جواب ناقص. ما نال القريبون وحدهم السلام الذي حمله المسيح حين صعد من القبر منتصرًا. فإلى البعيدين وصلت البشارة. إلى هناك يجب أن يصل مشروع المسيح. لا شكّ في أنّه ينطلق من اليهوديّة، ولكنّه يمرّ بالسامرة ليصل إلى أقاصي الأرض. لم يعرف حاجزًا، لم يعد من تفضيل فئة على فئة، وشعب على شعب. الذين ظنّوا أنفسهم الأوّلين صاروا الآخرين. فهل نستعدّ نحن القريبين، نحن المؤمنين، أن نَحسب البعيدين مثلنا بعد أن نالوا الروح الواحد، كما كان الأمر بالنسبة إلى كورنيليوس الوثنيّ؟

2- غرباء وأهل البيت

الغريب ليس بحاضر معنا ولا جارنا. ذهب، تركنا، ابتعد. وفي النهاية تنحّى عن الحياة في البيت. نزح عن مدينته، عن وطنه. ذاك كان وضع الابن الضالّ. مضى إلى مكان بعيد بعد أن ترك البيت الوالديّ. إذن، لا يحقّ له بعد أن يكون في البيت. من أجل هذا تذمّر الأخ الأكبر: هو لا يريد أن يكون مع هذا الغريب الذي عاش مع "الزواني". والغريب وضعه خاصّ في العهد القديم. ما لا يحقّ لنا أن نأكله نطعمه للغريب. ما لا يحقّ لنا أن نتعامل معه، مثل رعاية الخنازير، نسلّمه إلى الغريب. للغريب نعطي الفضّة بالربى، لا أهل البيت. والغريب يكون خارج البيت "مثل الكلب"، لا داخل البيت. ولا يأكل من طعام البيت، من طعام البنين، بل لا يحقّ له حتّى الفتات المتساقط على الأرض.

ومن هو الغريب في نظر عدد من المسيحيّين الأوّلين؟ هو اللامختون. هو الذي ليس من الشعب الأوّل الذي تعلّق بإيمان إبراهيم. ولكنّ المرأة الكنعانيّة ستفهم متّى ورفاقه أنّها من أهل البيت بإيمانها الذي امتدحه يسوع. بالتالي يحقّ لها خبز البنين على قدم المساواة. زال الأفق، مع يسوع. فلم يعد هناك من غريب. صرنا كلّنا أبناء البيت، شرط أن نقبل بالدخول ولا نعمل مثل الابن الأكبر "الذي رفض أن يدخل" أو مثل عدد من الشعب اليهوديّ الذين جعلوا أنفسهم خارج البيت، فقال فيهم بولس: "إحذروا الكلاب، إحذروا قطع اللحم بالختانة" (فل 3: 20).

3- الأساس واحد

الأساس هو الرسل. ولكنّ الرسل ليسوا البداية. يبقون بشرًا ضعفاء، خدّامًا عاديّين. فحجر الزاوية هو يسوع المسيح. هذا الحجر الذي رفضه البنّاؤون. مساكين هؤلاء البشر: إن وقعوا على هذا الحجر تهشّموا، وإن هو وقع عليهم سحقهم. لا يمكن أن يكون بناء إلاّ على هذا الأساس. وكلّ واحد منّا حجر في هذا البناء. دعانا بطرس: حجارة حيّة في البيت الروحيّ، في بيت الله. وما الذي يجمع حجرًا إلى حجر بحيث لا يتفكّك البناء؟ يسوع المسيح الذي يجعل كلّ واحد منّا، من رعايانا، من كنيستنا، مسكنًا لله في الروح.

ويبقى الحجر الذي نضعه في هذا البناء، ولو على أساس الرسل. ينبّهنا بولس إلى نوعيّته، لأنّ النار سوف تتحقّق منه. أهو ذهب، فضّة، حجارة كريمة؟ تمرّ النار فيزيد جماله جمالاً. أهو خشب، تبن، قشّ؟ تحرقه النار وتكاد تحرق صاحبه لولا رحمة الله. لهذا يدعونا الرسول إلى أن نعرف الحجر الذي نضعه، لأنّ النار ستمتحن "عمل كلّ واحد". فماذا يكون موقفنا؟

 

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM