عيد العنصرة

عيد العنصرة

الرسالة : أع 2: 1-21

الإنجيل : يو 14: 15-20

مجيء الروح القدس

يا إخوتي، ولمّا جاء اليوم الخمسون، كانوا مجتمعين كلّهم في مكان واحد، فخرج من السماء فجأة دويّ كريح عاصفة، فملأ البيت الذي كانوا فيه. وظهر لهم ألسنة كأنّها من نار، فانقسمت ووقف على كلّ واحد منهم لسان. فامتلأوا كلّهم من الروح القدس، وأخذوا يتكلّمون بلغات غير لغتهم، على قدر ما منحهم الروح القدس أن ينطقوا.

وكان في أورشليم أناس أتقياء من اليهود جاؤوا من كلّ أمّة تحت السماء. فلمّا حدث ذلك الصوت، اجتمع الناس وهم في حيرة، لأنّ كلّ واحد منهم كان يسمعهم يتكلّمون بلغته. فاحتاروا وتعجّبوا وقالوا: "أما هؤلاء المتكلّمون كلّهم من الجليل؟ فكيف يسمعهم كلّ واحد منّا بلغة بلده؟ نحن من برثية ومادّيّة وعيلام وما بين النهرين واليهوديّة وكبدوكيّة وبنطس وآسية وفريجية وبمفيلية ومصر ونواحي ليبية المجاورة لقيرين، ورومانيّون مقيمون هنا وكريتيّون وعرب، يهود ودخلاء، ومع ذلك نسمعهم يتكلّمون بلغاتنا على أعمال الله العظيمة!" وكانوا كلّهم حائرين مذهولين يقول بعضهم لبعض: "ما معنى هذا؟" لكنّ آخرين كانوا يقولون ساخرين: "أسكرتهم الخمر".

فوقف بطرس مع التلاميذ الأحد عشر، ورفع صوته وقال لهم: "أيّها اليهود، ويا جميع المقيمين في أورشليم، أصغوا إلى كلامي، واعلموا هذا: ما هؤلاء سكارى كما تظنّون، فنحن بعد في التاسعة صباحًا. وما هذا إلاّ ما قاله النبيّ يوئيل: قال الله: "في الأيّام الأخيرة، أفيض روحي على جميع البشر فيتنبأ بنوكم وبناتكم، ويرى شبابكم رؤى، ويحلم شيوخكم أحلامًا. وعلى عبيدي، رجالاً ونساءً، أفيض من روحي في تلك الأيّام فيتنبّأون كلّهم.

وأعمل عجائب في السماء ومعجزات تحت في الأرض: يكون دم ونار ودخان كثيف، وتصير الشمس ظلامًا والقمر دمًا قبل أن يجيء اليوم البهيّ العظيم، يوم الرب. فمن دعا باسم الربّ يخلص".

عيد العنصرة هو عيد التجمّع في الفرح. عيد الخمسين يومًا التي تلي عيد الفصح. العنصرة امتداد للقيامة وكمالها. وما وعد به يسوع من مجيء الروح على الصليب وبعد القيامة، قد تمّ الآن. على الصليب، أسلم الروح إلى الكنيسة حين سال منه الدم والماء، دم الإفخارستيّا وماء العماد. بعد القيامة، أعطى الروح عينه مع سلطة كانت له: من تغفرون له يغفر الله له (يو 20: 23).

1- من جبل إلى جبل

على جبل سيناء "كانت رعود وبروق وسحاب كثيف" (خر 19: 16). أعطى الله الوصايا التي هي ملخّص الشريعة. وسيطرت الرعدة على الجميع بحيث قال الشعب لموسى: لا يكلّمنا الله لئلاّ نموت. بل أنت تكلّمنا. إلاّ أنّ الخوف في حضرة الله، هو عاطفة المؤمن أمام الربّ، والخليقة أمام الخالق، والخاطئ بجانب الله القدّوس. ورافقت الشريعة الموسويّة الشعب، بعد أن طوّرها يسوع وعمّقها في عظة الجبل: قيل لكم، وأنا أقول لكم.

وكادت الشريعة تصبح ثقلاً على المؤمنين. بل هي كشفت الخطيئة وما أعطت النعمة. لها كان الروح الذي أُعطي على جبل العنصرة. سيعطينا مفهومًا للشريعة. بل سيكون روح روحنا. يعطينا طبيعة جديدة. وهذه الطبيعة تستطيع أن تثمر ثمارًا تليق بالملكوت. وهكذا انتقل المؤمنون من جبل سيناء إلى جبل الصعود والعنصرة، من عالم الحرف إلى عالم الروح الذي معه تنتفي كلّ مخافة فندعو الآب "أبّا" كما الأطفال يدعون والدهم.

2- امتلأوا من الروح القدس

في موت يسوع عاش الرسل فراغًا كبيرًا. كأنّي بهم نسوا كلّ ما تعلّموا. وصورة التلميذ العريان الذي يتحدّث عنه مرقس (14: 51-52) هي أبلغ صورة عن الحالة التي عرفها التلاميذ على مثال ما قال الربّ نفسه: أضرب الراعي تتشتّت الخراف. ولكنّ الربّ جمعهم بعد القيامة. ويوم العنصرة كانوا كلّهم معًا في مكان واحد. ما نقص واحد منهم. حتّى ابن الهلاك حلّ محلّه ماتّيّا. وهم معًا في الصلاة بنفس واحدة وفي مكان واحد. قد تكون العلّيّة حيث كسر يسوع الخبز ووزّع الخمر، وحيث ظهر للتلاميذ بعد القيامة.

ما الذي جعل هؤلاء واحدًا؟ الروح القدس. إمتلأوا منه فامتلأوا محبّة، فراح منهم التزاحم والحسد والبحث عن المصلحة. أحرقهم بناره التي تدلّ على حضور الله. وهذه النار بشكل لسان. واللسان يدل على الكلام. كلام واحد، لأنّ نبعه الروح الواحد. تبدّلت نفسهم، لا الخارجيّة، بل طبيعة الكلام عندهم. لم يعد كلامهم خطابًا بشريًّا بل خطابًا إلهيًّا. ما هم يتكلّمون بعد، بل الروح ينطق فيهم. يجعل كلامه في أفواههم وشفاههم وصار لكلامهم قوّة كبيرة. فما إن وعظ بطرس في الحاضرين، حتّى نفذ كلامه إلى القلب. فقالوا له: ماذا علينا أن نعمل؟

3- أعمال الله العظيمة

أعمال الله ظاهرة منذ الخلق، منذ بداية الكون. ورأى الله جميع ما عمله فإذا هو حسن جدًّا. وظهرت مع موسى والوصايا، ومع الأنبياء الذي حلّ الروح عليهم. واليوم مع "المشاركين" في العيد. فاض الروح عليهم. لا عليهم فقط، بل على كلّ بشر. وعليهم أن ينشدوا أعمال الله العظيمة التي أشارت إليها مريم في نشيدها. من عمل الخلاص بدءًا بالتجسّد وصولاً إلى الفداء، إلى الموت والقيامة، أعمال الله هي تلك التي نادى بها بطرس في أوّل خطبة وردت في سفر الأعمال: يسوع الذي مات، قد أقامه الله ونحن شهود على ذلك.

هذه الأعمال وصلت إلى شعوب كثيرة في الشرق والغرب حين كتب القدّيس لوقا سفر الأعمال من إيران والعراق إلى تركيا ومصر وليبية، من جزر اليونان إلى قلب رومة. كلّهم أنشدوا هذه العظائم وأنشدوها في لغتهم الخاصّة. لا، بل ما عادت لغة واحدة تفرض نفسها على جميع الشعوب باسم السلطويّة التي تحرّك الناس وكأنّهم آلات. واليوم، وصلت أعمال الله إلى كلّ شعوب الأرض ولغاتها ولهجاتها.

هو الروح يدفع الرسل وما زال يدفعنا، في حياتنا وكلامنا وأعمالنا، لكي نبشّر بالمسيح. من أجل هذا أرسلنا. وهنيئًا لنا إن نحن حملنا البشارة. حينئذٍ نواصل عمل يسوع الذي أرسله الآب. وها هو يُرسل كلّ واحد منّا. لهذا نقول له كما قال أشعيا: "ها أنا فأرسلني".

 

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM