الأحد الجديد

الأحد الجديد

الرسالة : 2 كور 5: 11-21

الإنجيل : يو 20: 26-31

ما عرفنا المسيح في الجسد

يا إخوتي، نحن نقنع النّاس لأنّنا نعرف مخافة الرّبِّ. أمّا الله فيعرفنا تمام المعرفة، وأرجو أن تعرفونا أنتم أيضًا في ضمائركم تمام المعرفة. ونحن لا نريد أن نعود إلى تعظيم شأننا، بل نريد أن نعطيكم سببًا للافتخار بنا، فيكون لكم ما تردّون به على الذين يفتخرون بظاهر الإنسان لا بما في قلبه. فإن كنّا مجانين فلله، وإن كنّا عقلاء فلأجلكم. ونحن أسرى محبّة المسيح، بعدما أدركنا أنّ واحدًا مات من أجل جميع النّاس، فجميع الناس شاركوه في موته. وهو مات من أجلهم جميعًا حتّى لا يحيا الأحياء من بعد لأنفسهم، بل للذي مات وقام من أجلهم.

فنحن لا نعرف المسيح بعد اليوم حسب الجسد. وإذا كنّا عرفنا المسيح يومًا حسب الجسد، فنحن لا نعرفه الآن هذه المعرفة. وإذا كان أحدٌ في المسيح، فهو خليقةٌ جديدةٌ: زال القديم وها هو الجديد. وهذا كلّه من الله الذي صالحنا بالمسيح وعهد إلينا خدمة المصالحة، أي إنّ الله صالح العالم مع نفسه في المسيح وما حاسبهم على زلاّتهم، وعهد إلينا أن نعلن هذه المصالحة. فنحن سفراء المسيح، وكأنّ الله نفسه يعظ بألسنتنا. فنناشدكم باسم المسيح أن تتصالحوا مع الله، لأنّ الذي ما عرف الخطيئة جعله الله خطيئةً من أجلنا لنصير به أبرارًا عند الله.

في هذه الأيّام حيث يكثر الكلام عن الظهورات العديدة، عن الانخطافات، نسمع مار بولس يدعونا إلى أبعد من كلّ هذا الذي لا يدوم طويلاً. فالموقف المطلوب من المسيحيّ هو الإيمان. نحن لا نتوقّف عند ما يُرى. فهو إلى حين. أمّا ما لا يُرى فهو إلى الأبد. وفي أيّ حال، القيامة التي هي أساس إيماننا لا تُرى. والمثل الصارخ نقرأه عند متّى مع الجنود الذين أحسّوا برهبة عظمة الله وعمله. شعور غريب حملوه إلى رؤساء الكهنة والشيوخ. وعاد كلّ شيء إلى ما كان من قبل. بل لعب الكذب والمال لعبتهما: سرق التلاميذ جثّة يسوع.

1- معرفة بشريّة

إفتخر "خصوم" بولس بأنّهم عرفوا المسيح معرفة بشريّة. عرفوه بحسب الجسد. رافقوه على طرقات الجليل والسامرة واليهوديّة. سمعوا صوته. رأوا عجائبه. لمسوه بأيديهم. أمّا بولس فما كان له هذا القرب من يسوع، ولا هو دعاه خلال رسالته على الأرض، كما دعا سمعان وأندراوس، يعقوب ويوحنّا.

ولكن ما قيمة هذه المعرفة بحسب الجسد؟ هناك أناس عديدون عرفوا يسوع، دعوه إلى بيوتهم، أكلوا معه، شربوا معه. ومع ذلك، ماذا بقي من كلّ هذا اللقاء بيسوع؟ إستقبله الفرّيسيّ ولكنّ الخاطئة تغلّبت عليه بحبّها. واستقبله زكّا كما لم يستقبله كلّ الناس الذين يرافقونه. فكان الخلاص لذلك البيت. والنازفة لمسته لمسة الإيمان فشفيت، ولكنّ الجموع التي كانت تزحمه لبثت خارج تأثيره. هم يريدون أن يروا شيئًا جديدًا، أن يسمعوا وحيًا يهبط من السماء، ولكن لا يبدّل حياتهم. إلى مثل هؤلاء قال يسوع: "ما عرفتكم" (مت 7: 32).

2- معرفة من نوع آخر

إفتخر اليهود بمعرفة الشريعة الموسويّة. ولكنّها كانت بالنسبة إليهم عائقًا، فما أتاحت لهم أن يعرفوا المسيح، وافتخر مسيحيّون آخرون بمعرفة يسوع الذي عاش على الأرض، فما تميّز عن معلّم من المعلّمين. أمّا بولس فرأى أنّ هذه المعرفة لا تبرّره. لهذا قال في فل 3: 10-11: "أعرف المسيح وأعرف القوّة التي تجلّت في قيامته وأشاركه في آلامه، وأتشبّه به في موته، على رجاء قيامتي من بين الأموات".

تلك هي المعرفة التي اختبرها بولس حين رأى الربّ وهو في طريقه إلى دمشق. إكتشف أنّ يسوع الذي يضطهده هو المسيح الحيّ. لا، ليس ذاك الميت الذي قتله الرؤساء ولبث في الموت. بل ذاك الذي يتألّم الرسل من أجله، بل يفرحون إن هم جُلدوا. ويعلنون أنّهم لا يستطيعون أن يسكتوا عمّا رأوا وسمعوا. فيسوع كإنسان وُلد في زمن هيرودس الكبير وأوغسطس قيصر رومة، ومات في زمن بيلاطس وطيباريوس قيصر. ولكنّ حياته على الأرض تعدّت الزمان والمكان، فلماذا نريد أن نحصره في شعب واحد، كما حاول الأقدمون، بحيث تصبح الكنيسة بدعة مغلقة على ذاتها مثل الفرّيسيّين والصادوقيّين. لهذا رفض بولس مثل هذه المعرفة التي تدغدع العواطف والفضول ولا تذهب أبعد من ذلك. معرفة بولس ليست معرفة بشريّة كما يحاول الكثيرون أن يأخذوا بها اليوم. هم يريدون أن يبقى يسوع إنسانًا بجانب عدد كبير من الناس ولو كانوا فلاسفة وثوريّين وحكماء. ولكن إن يكن ابن الله، فكيف يستطيع أن يرفعنا إلى مستوى الألوهة؟

3- سرّ المصالحة

حين يكون يسوع أكثر من إنسان، وتتعدّى حياته حياة البشر، يكون لموته معنى. وإلاّ تساوى مع أيّ مصلوب من المصلوبين الذي كثر عددهم في أيّام الرومان. وإن هو تألّم فيستحقّ هذا الألم بعد أن اعتبر نفسه "الله". بل يستحقّ الرجم (يو 10: 33).

فالذي هو إنسان كامل، وعاش شبيهًا بنا ما عدا الخطيئة، وعرف الدموع والألم والموت هو ابن الله. بموته صالحنا مع الله. صار ذبيحة عن خطايانا لنصير به برّ الله. يبقى علينا أن ندخل في سرّ المصالحة هذا. الربّ يفتح لنا يديه، ونحن نرتمي بين يديه مثل الابن الضالّ. هو الذي اتخذ المبادرة، ونحن نتجاوب مع ندائه. والويل لنا إن تصرّفنا مثل الابن الأكبر: "رفض أن يدخل" (لو 15: 28).

 

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM