أحد الأبرار والصدّيقين

أحد الأبرار والصدّيقين

الرسالة : عب 12: 18-24

الإنجيل : مت 25: 31-46

الأبرار الذين بلغوا الكمال

يا إخوتي، وما اقتربتم أنتم من جبل ملموس، من نار ملتهبة وظلام وضباب وزوبعة، وهتاف بوق وصوت كلام طلب سامعوه أن لا يزادوا منه كلمة. لأنّهم ما احتملوا هذا الإنذار: "حتّى البهيمة لو لمست الجبل لرجمت". كان المنظر رهيبًا حتّى إنّ موسى قال: "أنا مرعوب مرتعد".

بل أنتم اقتربتم من جبل صهيون، من مدينة الله الحيّ، من أورشليم السماويّة وآلاف الملائكة في حفلة عيد، من محفل الأبكار المكتوبة أسماؤهم في السماوات، من الله ديّان البشر جميعًا، من أرواح الأبرار الذين بلغوا الكمال، من يسوع وسيط العهد الجديد، من دم مرشوش أفصح من دم هابيل.

في الأحد قبل الأخير الذي يسبق الصوم، تدعونا كنيستنا إلى أن نتذكّر الأبرار والصدّيقين. أولئك الذين عاشوا في البرّ، أي بحسب مشيئة الله، وكانوا صادقين في كلامهم وعملهم. تكلّموا بالحقّ في قلوبهم، ما دجّلوا بلسانهم ولا أساؤوا إلى أحد بشيء. رفضوا الضرر، والرشوة على البريء، وما ظلموا الفقير حين أقرضوه مالاً (مز 15: 2-5). وبعبارة واحدة، سلكوا بنزاهة أمام الربّ، وطلبوا الكمال على مثال الآب السماويّ، في أصغر الأعمال وأكبرها، لأنّهم اكتشفوا وجه المسيح في كلّ إنسان التقوا به في حياتهم اليوميّة.

1- على جبل سيناء

نقطة الإنطلاق في لقاء الربّ بالإنسان، كانت على جبل سيناء. يروي لنا سفر الخروج مناخ الرعدة والفزع: الجبل يلفّه دخان كدخان الأتون. بل هو يهتزّ اهتزازًا شديدًا (خر 19: 18). الجبل مقدّس فلا يحقّ لأحد أن يقترب منه. الإنسان يُقتل إن هو مسّ الجبل وكأنّه تابوت العهد. يُرجَم أو يُرمى بالسهام. والبهيمة أيضًا يكون لها المصير عينه.

جاء صوت البوق، وترافق صوت الله قاصفًا كالرعد. أمّا العاطفة فهي الخوف. حتّى بالنسبة إلى موسى الذي سُمح له أن يصعد إلى رأس الجبل قال: "أنا خائف، أنا مرتعد". هناك تلقّى الشعب الوصايا العشر وغيرها من الفرائض. يا ليت موسى يكلّمنا ولا يكلّمنا الله، فهو نار محرقة. لذا نتمنّى أن لا نقترب منه. مثل هذه العاطفة قد تكون خوف العبيد الذين يخافون من العقاب البشريّ وربّما الإلهيّ. ويمكن أن يكون خوف الحبيب من أن يحزن حبيبه، خوف المؤمن من أن لا يَرضي الله بكلّ حياته وأعماله، بكلّ أقواله وتصرّفاته.

2- على جبل صهيون

صهيون هي التلّة المقدّسة في أورشليم. تُحرَس كلّ الحراسة. يستبسل المقاتلون في الدفاع عنها. فهناك الهيكل موضع حضور الربّ. إليه يتوق المؤمن، يشتاق: "ما أحبّ مساكنك يا ربّ الأكوان! تذوب نفسي شوقًا إلى ديار الربّ" (مز 84: 2-3). "هنيئًا للمقيمين في بيتك، هم على الدوام يهلّلون لك" (آ 5).

في الهيكل وُجِد تابوت العهد وفيه الوصايا العشر. إلى هنا يأتي المؤمن من أجل لقاء مع الربّ لكي يسمع صوته. يقف عند العتبة، يدخل الدار (آ 11). وحين يمضي يرفع عينيه وهو عارف أنّ الربّ يحرس شعبه وكلّ مؤمن من مؤمنيه. وفي تابوت العهد جرّة المنّ التي تدلّ على عناية الله بشعبه في قلب البريّة، حيث لا طعام ولا شراب، وعصا هارون هي هنا دلالة على الكهنوت الذي يخدم المعبد المقدّس ويستقبل الآتين ويعطي الجواب إلى من يسأل "من يحقّ له أن يصعد جبل الربّ؟ من يحقّ له أن يقف في مقامه المقدّس؟" والجواب: النقيّ اليدين، الطاهر القلب، البعيد عن الشرّ، وعن الحلف الكاذب (مز 24: 3-4).

ونتذكّر نحن كلام الربّ. من يحقّ له أن يشارك في الذبيحة؟ من كان في سلام مع أخيه. "إن كان لأخيك شيء عليك فاترك قربانك واذهب أوّلاً وصالح أخاك، ثمّ تعالَ وقدّم قربانك" (مت 5: 23).

3- أورشليم السماء

جبل سيناء اختفى أمام جبل صهيون. واختفى بشكل خاصّ أمام جبل عظة الجبل وشرعة المسيح، وأمام جبل التجلّي حيث طُلب من التلاميذ أن يسمعوا ليسوع إن شاؤوا أن يسمعوا صوت الله. وجبل أورشليم الأرضيّة زائل. وسيأتي يوم لن يبقى من الهيكل حجر على حجر إلاّ ويُهدَم. أمّا أورشليم السماويّة فهي نازلة من عند الله. عليها هالة مجد الله (رؤ 21: 10-11). "تمسّي الأمم في نورها، ويحمل ملوك الأرض مجدهم إليها" (آ 24).

الحمل يُقيم هناك، وأورشليم عروسه، ويُقيم فيها الأبكار الذين لم يخونوا الربّ بالزنى أي بعبادة الأصنام. يمكن ان يكونوا وُلدوا في هذه البقعة أو تلك من الأرض. ولكنّ أسماءهم مسجّلة كلّها في كتاب الحياة. الوسيط على سيناء كان موسى الذي هو خادم في بيت الله. أمّا وسيط العهد الجديد فهو يسوع المسيح، هو الابن (عب 3: 5-6) وبرشاش دمه غسل ثيابنا فابيضّت بدم الحمل (رؤ 7: 14).

مع الحمل يقيم الأبرار. وفي أورشليم السماويّة حيث "يمسح الله كلّ دمعة تسيل من عيونهم، حيث لا يبقى موت ولا حزن ولا صراخ ولا وجع" (رؤ 21: 4). زالت الأشياء القديمة، ومع الأبرار الذين طلبوا الكمال، صار كلّ شيء جديدًا. زال الهيكل (آ 22) بعد أن صار يسوع الهيكل الجديد (يو 2: 21). ونحن لسنا فقط في هذا الهيكل، بل نحن حجارة حيّة في هذا المسكن الروحيّ (1 بط 2: 5) الذي أعدّه الله منذ إنشاء العالم. فتح الأبرار الطريق، ونحن نُدعى للسير وراءهم، وجميعنا وراء الحمل، نتبعه أينما سار (رؤ 14: 4).

 

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM