أحد الكهنة

أحد الكهنة

الرسالة : 1 تم 4: 6-16

الإنجيل : لو 12: 42-48

الخادم الصالح للمسيح

يا إخوتي، وأنت إذا عرضت هذه الوصايا على الإخوة كنت خادمًا صالحًا للمسيح يسوع، متغذّيًا بكلام الإيمان وبالتعليم الصحيح الذي تتبعه. تجنّب الخرافات الباطلة وحكايات العجائز وروّض نفسك بالتقوى، فإذا كان في الرياضة البدنيّة بعض الخير، ففي التقوى كلّ الخير لأنّ لها الوعد بالحياة الحاضرة والمستقبلة. وهذا قول صادق يستحقّ القبول التامّ. فإذا كنا نجاهد ونتعب، فلأنّنا وضعنا رجاءنا في الله الحيّ الذي هو مخلّص الناس جميعًا. وعلى الأخصّ الذين يؤمنون.

فعليك أن توصي بهذا وتعلّم. لا تدع أحدًا يستخفّ بشبابك، بل كن قدوة للمؤمنين في الكلام والتصرّف والمحبّة والإيمان والعفاف. واظب على القراءة والوعظ والتعليم إلى أن أجيء. لا تهمل الهبة التي فيك، فهي هبة نلتها بالنبوّة حين وضع جماعة الشيوخ أيديهم عليك. فكّر في هذه الأمور وكرّس نفسك لها حتّى يظهر نجاحك لجميع الناس. انتبه لنفسك ولتعليمك وداوم على ذلك، فإذا فعلت خلّصت نفسك وخلّصت سامعيك.

اعتادت الكنيسة السريانيّة بعد الدنح، وقبل مدخل الصوم أن تقدّم الثلاثة تذكارات: الكهنة، الأبرار والصدّيقين، الموتى. ففي هذا الأحد نذكر الكهنة الموتى فنذكرهم في صلاتنا ونطلب صلاتهم وشفاعتهم من أجلنا بعد أن صاروا قرب الله. ونذكر الأحياء الذين تُسمّي الكنيسة، كلّ واحد منهم: الخادم، خادم الرعيّة. أوكل المسيح كلّ واحد بإخوته ليعطيهم الطعام في حينه، لخَدَمة الموائد كما قيل في اسطفانُس وفيليبس وسائر السبعة الذين اختارهم الرسل (أع 6: 1-3).

1- بين التعليم وقصص العجائز

حين صار تيموتاوس تلميذ بولس وبالتالي تلميذ المسيح، كان له أن ينال التعليم من يسوع المسيح. هو كلام ثابت، كلام الوحي وقاعدة الإيمان والأخلاق. وقد حمله الرسل الذين كانوا شهود الكلمة منذ عماد يوحنا المعمدان حتّى صعود المسيح إلى السماء (أع 1: 22). وهذا التعليم انتقل من "المدبّرين" الأوّلين الذين أنهوا حياتهم (عب 13: 7) إلى "المدبّرين" الحاليّين الذين يسهرون على نفوسنا (آ 17).

تجاه هذا التعليم الذي هو طعام قويّ للمؤمنين، يتوقّف الكثيرون عند أمور تدغدغ المخيّلة، وتملأ أحاديث العجائز. الينبوع هو الله، الينبوع هو الإنجيل، والكتاب المقدّس كلّه. فأين نمضي لنجد الحياة؟ قال بطرس ليسوع حين رأى التلاميذ يتخلّون عن الربّ وينقطعون عن مصاحبته: "إلى من نذهب، يا ربّ، وكلام الحياة الأبديّة عندك" (يو 6: 68). "نحن آمنّا وعرفنا أنّك أنت قدوّس الله" (آ 69). ونحن أيّ تعليم يغذّي حياتنا؟ أما ضاع كتاب الله بين الكتب فصار صعبًا لا يُفهم؟ أما غارت كلمة الله في رمال كلام البشر فما عدنا نميِّز، بل نفضّل الطريق السهلة والباب الواسع، على الطريق الصعبة والباب الضيّق؟

2- الحياة في المسيح

وتبدأ الرياضة، لا الجسديّة، بل على مستوى النفس، على مستوى الإنسان الداخليّّ. نروّض نفوسنا نذلّل ما فيها من جموح، على مثال ما يفعل الحوذيّ بالفرس. نخضعها لوصايا الله، نعلّمها السير، لا في طريق المنافقين بحسب تعليم المزمور الأوّل، بل في طريق الله بقيادة الراعي الصالح يسوع المسيح. وهكذا نتعلّم الطاعة والانقياد لإلهامات الروح. هذا ما نعني بلفظ التقوى أو مخافة الله. هذا ما نعني بالبرّ والعيش بحسب مشيئة الله.

من أراد أن يكون "موظّفًا" يهيّئ نفسه لهذه الوظيفة، ومن أراد أن يكون خادمًا لدى "الملك" يستعدّ لهذه الخدمة. وهذا ما نقوله عن الكاهن الذي يستعدّ لخدمة الجماعة. من هنا السنوات الطويلة في الدراسة والصلاة والتأمّل. بل أكثر من ذلك، نروّض نفوسنا، نتعلّم العطاء والبذل والتضحيّة. وكيف نتكيّف مع الآخرين على ما قال بولس الرسول. أنا الحرّ جعلتُ من نفسي عبدًا لجميع الناس. صرتُ لليهوديّ يهوديًّا، صرتُ بلا شريعة للذين بلا شريعة، صرتُ للضعفاء ضعيفًا لأربح الضعفاء، صرتُ كلاًّ للكلّ (1 كور 9: 18-22). وسيعطي بولس لتلميذه تيموتاوس بعض النصائح: لا توبّخ شيخًا، بل أرشده بلطف. عامل الشبّان كأنّهم إخوة، والعجائز كأنّهن أمّهات، والشابات كأنّهن أخوات (1 تم 5: 1-2). والهدف لأربح الجميع للمسيح.

3- مثال المؤمنين

قبل أن يعظ الكاهن بتعليمه، هو يعظ بحياته. يشبه معلّمه يسوع الذي عمل ثمّ علّم. ولا يشبه الفرّيسيّين الذين يقولون ولا يفعلون (مت 23: 3). ولا يشبه ذاك الذي اعتبر نفسه مؤمنًا، فعلّم غيره وما علّم نفسه. نادى: لا تسرق، ومضى هو يسرق. قال: لا تزنِ، ومضى هو يزني. لهذا السبب جدّف الناس على اسم الله بسببه. فالكاهن لا يكون هكذا. بل يكون مثالاً للجميع. بل كلّ مؤمن، وهو المشارك في كهنوت المسيح، يكون مثالاً للذين حوله "بالكلام والسلوك والمحبّة والإيمان والطهارة". أجل الكاهن بالدرجة الأولى، والمؤمن، ولا سيّما صاحب المسؤوليّة صار "مشهدًا للعالم، وللملائكة وللناس" (1 كور 4: 29). ويجب أن يضيء نورُه أمام الناس ليروا أعماله الصالحة ويمجّدوا أباه الذي في السماء (مت 5: 16).

حين اعتمد المؤمن نال موهبة خاصّة. وحين وُضعت اليد على رأس الكاهن، نال موهبة خاصّة. فالله ما أرسلنا صفر اليدين. أعطانا نعمته، ويرافقنا يومًا بعد يوم. يقول لكلّ واحد منّا كما قال لموسى ويشوع: أنا معك، لا تخف. ونحن نجعل ثقتنا بذاك الذي يرافقنا في الطريق وإن تأخّرنا أن نعرفه. ففي النهاية، تنفتح عيوننا ونعود في انطلاقة جديدة إلى إخوتنا، ونقول لهم: المسيح قام وقد عرفناه عند كسر الخبز.

هكذا يكون الخادم الصالح للمسيح. يتحلّى بالحكمة ولو أوصلته هذه الحكمة إلى الصليب. يتحلّى بالأمانة والثبات، بحيث لا يسمع كلام الربّ يقول له كما في سفر الرؤيا: أعتب عليك لأنّك تركت محبّتك الأولى (2: 4). ويتحلّى بالغيرة الرسوليّة التي تُفهمه أنّ عمله في النهاية هو امتداد لعمل يسوع، وخدمته تكملة لذاك الذي خدمنا على الأرض ويستعدّ لخدمتنا في السماء.

 

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM