الأحد الخامس بعد الدنح

الأحد الخامس بعد الدنح

الرسالة: غل 1: 11-17

الإنجيل: يو 4: 46-54

بشارة بولس وإنجيل المسيح

يا إخوتي، فاعلموا، أيّها الإخوة، أنّ البشارة التي بشّرتكم بها غير صادرة عن البشر. فأنا ما تلقّيتها ولا أخذتها من إنسان، بل عن وحي من يسوع المسيح.

سمعتم بسيرتي الماضية في ديانة اليهود كيف كنت أضطهدُ كنيسة الله بلا رحمة وأحاول تدميرها وأفوق أكثر أبناء جيلي من بني قومي في ديانة اليهود وفي الغيرة الشديدة على تقاليد آبائي.

ولكنّ الله بنعمته اختارني وأنا في بطن أمّي فدعاني إلى خدمته. وعندما شاء أن يعلن ابنه فيّ لأبشرّ به بين الأمم، ما استشرت بشرًا ولا صعدتُ إلى أورشليم لأرى الذين كانوا رسلاً قبلي، بل ذهبت على الفور إلى بلاد العرب ومنها عدتُ إلى دمشق.

زمن الدنح هو زمن الظهور واعتلان يسوع للبشر. كانت البداية في عرس قانا الجليل حيث أظهر مجده. وها هي الحلقة تنتهي مع شفاء ابن الضابط، أو عامل الملك. قال له يسوع: إذهب، ابنك حيّ. فآمن وذهب (يو 4: 50). آية أولى صنعها يسوع في قانا الجليل، فحوّل الماء خمرًا. وآية ثانية صنعها أيضًا في قانا الجليل، فحوّل الموت حياة. قال الرجل: "إنزل قبل أن يموت ولدي". قال له يسوع: "ابنك حيّ" (آ 49-50). ومثل هذا الولد، انتقل بولس من عالم إلى عالم. من عالم الشريعة إلى عالم الإيمان. من تكليف البشر وفيه ما فيه من ضعف، إلى وحي جاءه "من يسوع المسيح".

1- بشارة خاصّة

أتى بولس إلى أرض غلاطية الواسعة، وفيها أسّس أكثر من جماعة. لم يكن في المنطقة يهود، فما احتاج الكلام عن الختان والأطعمة الطاهرة بحسب الشريعة. علّمه يسوع أنّ جميع الأطعمة طاهرة (مر 7: 19). وفهم كما فهم بطرس في رؤياه، في يافا (أع 9: 43) كلام الروح: "ما طهّره الله، لا تعتبره أنت نجسًا" (أع 10: 15).

هي بشارة الحرّيّة، والإنجيل لا يضع قيودًا على الآتين من العالم الوثنيّ. يكفي الإيمان بيسوع، ولا حاجة لعودة إلى الشريعة التي هي خاصّة بالشعب اليهوديّ، والتي هي موقّتة بانتظار الكمال في يسوع المسيح.

وجاء مبشّرون يهود أرادوا العودة بهؤلاء الغلاطيّين إلى الشريعة اليهوديّة. إن لم يختنوا لن يخلصوا. إذًا، صليب المسيح لا يكفي. فيجب أن نضيف إليه الختان! أترى سيقبل بولس بهذا الكلام؟ كلاّ ثمّ كلاّ. بدأ فتعجّب: "عجيب أمركم! أبمثل هذه السرعة، تتركون الذي دعاكم بنعمة المسيح" (غل 1: 6)؟ ثمّ قال لهم: "أيّها الغلاطيّون الأغبياء" (غل 3: 1).

2- غير صادرة عن بشر

أراد اليهود الذين أتوا إلى بلاد غلاطية، أن يقنعوا المؤمنين باتّخاذ الديانة اليهوديّة من ختان وغيره. فاليهود وضعُهم شرعيّ في المملكة الرومانيّة. لا أحد يلاحقهم إن لم يقدّموا البخور أمام تمثال رومة وتمثال الإمبراطور. يُعفَون من التجنيد لأنّهم لا يستطيعون أن يأكلوا طعامًا "نجسًا" يقدّم للجيش الرومانيّ، الوثنيّ بأكثريّته الساحقة. وأخيرًا، لهم السبت يجتمعون فيه. فماذا ينقصهم بعد ذلك؟ ولماذا ينطلقون في المجهول؟ من هو يسوع؟ نبيّ من الأنبياء! وبولس؟ رسول من الدرجة الثانية. ما عرف يسوع في حياته على الأرض بل نال سلطته من البشر، من إنسان من الناس: بطرس، يعقوب أخو الربّ، ولكن في أيّ حال ليس من يسوع مباشرة.

ولكنّ البشارة الصادرة عن البشر تطلب طريق السهولة. وهذا ما يقدّمه اليهود لهؤلاء الغلاطيّين. الطريق السهلة. حسبوا أنّ بولس ترك الختان، لأنّه يحاول أن يرضي الناس، أن يستعطف جماعات غلاطية! لو فعل ذلك لرضي عنه الناس وما تركوه. ولكنّ كلامه جاء قاطعًا: لو كنت أريد أن أرضي الناس، فلا أكون عبدًا ليسوع المسيح. بل أكون عبدًا للناس وأطلب عطفهم.

3- بل عن وحي من يسوع المسيح

نبيّ الملك يتكلّم باسم الملك، ويقول كلام الملك. وعبد الشريعة يتكلّم باسم الشريعة ويعلن ما تفرضه الشريعة. أمّا بولس فهو غير ذلك: اختاره الله من بطن أمّه. وما اختاره بشر. حتّى بطرس ويعقوب ويوحنّا التقى بهم فترة قصيرة، خمسة عشر يومًا. ما أخذ منهم الكثير. بل من الجماعات التي عرفها في بلاد العرب، أي في حوران وشرقيّ الأردنّ حيث انتشرت الجماعات المسيحيّة في وقت مبكّر.

وفي أيّ حال، من كان يجرؤ أن يستقبل بولس، ذاك الشاول الذي اضطهد كنيسة الله بلا رحمة؟ من كان يجرؤ الحوار مع صاحب "الغيرة الشديدة على ديانة آبائي"؟ لا أحد.

إنجيله ليس من البشر. بل من الله. وإن هو نادى بالحرّيّة المسيحيّة، فلأنّه أخذ هذه الحرّيّة ممّن دعاه إلى خدمته، وهو غير مستحقّ. إنجيل إنجيل المسيح وباسم هذا الإنجيل دافع عن حرّيّة الآتين من العالم الوثنيّ. وإن هو كان قاسيًا على من يقدّم "بشارة أخرى" ولو كان كلامًا من السماء (غل 1: 7-8) فلأنّه يرى أنّ ما يبشّر به هو إنجيل المسيح وإنجيل المسيح فقط. وهذا الإنجيل لا يمكن أن يُضاف إليه شيء، وإلاّ صار إنجيل البشر فقط. عندئذٍ لن يكون سيفًا ذا حدّين يدخل مفرق النفس والجسد.

تلك هي مسيرة بولس الرسوليّة. ومسيرة كلّ واحد منّا. الإنجيل والإنجيل فقط ويسوع المسيح هو المخلّص الوحيد. ولا خلاص إلاّ باسمه. ولا شهادة إلاّ تلك التي تنبع من عمق البشارة بما فيها من خطر وبما تحرّك من عداوات وكلّ إنجيل آخر هو إنجيل بشريّ. أترى يرضى الرسول بأن يمزج كلام الله بكلمات البشر، وأن يستعبد إلى المسيح وإلى شيء آخر من ممارسات وغيرها؟ أمّا بولس فأعلن: أنا أحمل في جسدي سمات يسوع. فمن يستطيع أن يفصلني عمّن هو حياة حياتي؟

 

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM