الأحد الثالث بعد الدنح

الأحد الثالث بعد الدنح

الرسالة: غل 3: 23-29

الإنجيل: يو 3: 1-16

بين الشريعة والمسيح

يا إخوتي، فقبل أن يجيء الإيمان، كنّا محبوسين بحراسة الشريعة إلى أن ينكشف الإيمان المنتظر. فالشريعة كانت مؤدّبًا لنا إلى أن يجيء المسيح حتّى نتبرّر بالإيمان. فلمّا جاء الإيمان، تحرّرنا من حراسة المؤدِّب.

فأنتم كلّكم أبناء الله بالإيمان بالمسيح يسوع، لأنّكم تعمّدتم جميعًا في المسيح فلبستم المسيح، ولا فرق الآن بين يهوديّ وغير يهوديّ، بين عبد وحرّ، بين رجل وامرأة، فأنتم كلّكم واحد في المسيح يسوع. فإذا كنتم للمسيح فأنتم، إذًا، نسل إبراهيم ولك الميراث حسب الوعد.

زمن الدنح هو زمن ظهور الربّ يسوع. في عرس قانا، أظهر مجده فآمن به تلاميذه. مع الضابط الوثنيّ، شفى له ابنه، "فآمن هو وجميع أهل بيته" (يو 4: 53). وجاءه نيقوديمس ليلاً. هو يعرف كما المسيح يعرف. بل يعرف ما يعرف المسيح، هو معلّم الشريعة وسوف يبقى على مستوى الشريعة. حدّثه يسوع عن المعموديّة، عن الولادة الجديدة، الولادة من فوق. ضاع. ما أراد أن يخطو الخطوة الحاسمة "فيتعمّد ويخلص". ومضى في الليل كما جاء في الليل، فما عرف يسوع المسيح ولا أراد أن يكون تلميذه مثل "يوسف الرامي" (يو 19: 38). بل ذاك الذي أتى في السرّ إلى يسوع "خوفًا من اليهود". مثل هذا الرجل يقوم بأعمال، يقول أقوالاً لا تؤثّر "في مستقبله". أمّا أن يأخذ موقفًا، فالأمر صعب! عليه أن يختار بين الشريعة والمسيح.

1- حضور الشريعة

الشريعة مجموعة فرائض وقوانين تقدّم الإطار الخارجيّ للمؤمن. لا شكّ في أنّ هناك الوصايا العشر التي لا تنحصر في فئة من الفئات ولا في شعب من الشعوب. ولكنّ الشريعة في زمن يسوع انحصرت في الختان الذي يجعل الطفل ينتمي إلى شعب الله، فيكون له ذلك العمل الخارجيّ فخرًا. وانحصرت في المحافظة على السبت والامتناع عن الطعام الذي يعتبره نجسًا. وهكذا يتميّز عن الاخرين الذين يعتبرهم نجسين. لا يسلّم عليهم. لا يأكل معهم ولا يشرب. وإن هو جاء من السوق غسل يديه لأنّه تنجّس حين اتّصل بهولاء الوثنيّين.

هذه الشريعة هي حياة اليهوديّ، وهو مستعدّ لأن يموت من أجلها ومن أجل متطلّباتها. أمّا هذا الذي جعل في زمن المكابيّين واضطهاد أنطيوخس الرابع أبيفانيوس؟ ونستطيع القول بالنسبة إلى بولس إنّ حياته كانت الشريعة، قبل أن يصبح المسيح حياته، فيحسب الباقي كلّه زبلاً ونفاية من أجل معرفة يسوع وما فيها من عظمة.

2- الشريعة مؤدِّب

الشريعة وسيلة لا غاية. ولكن حين تصبح غاية، تسجن الإنسان فلا تجعله يصل إلى ربّ الشريعة. قابلها بولس الرسول بالمؤدِّب. هو ذاك "العبد" الذي يرافق الولد إلى المدرسة ويعود به. يعلّمه، يؤدّبه إلى أن يصبح كبيرًا. عند ذاك، لن تعود حاجة إلى مؤدّب. ومن تعلّق به أراد أن يكون قاصرًا طوال حياته.

فاليهوديّ الذي صار مسيحيًّا، كان محبوسًا في حراسة الشريعة. وها هو الآن تحرّر. ولكنّ عددًا كبيرًا أرادوا العودة إلى "عبوديّة هاجر" وأورشليم الأرض. ورفض حرّيّة سارة الأميرة وأورشليم السماويّة التي هي أمّنا. شابهوا آباءهم الذين خرجوا من مصر، أرض العبوديّة والنار والحديد، ولكنّهم حنّوا إلى ما تحمل إليهم هذه الأرض من طعام وشراب. ومثلهم خاف اليهود الذين تلقّوا الدعوة، فرفضوها مع أنّ يسوع حسبهم خاصّته وجاء إليهم. "فضّلوا مجد الناس على مجد الله". ما أرادوا المخاطرة في عالم وثنيّ يرى في المسيحيّة خطرًا عليه، فيطضهد مؤمنيها.

3- إلى يسوع

جاء الإيمان، تحرّرنا من حراسة المؤدّب. لم نعد قصّارًا. صرنا أبناء وما عدنا عبيدًا. والارتباط بشعب الله لا يكون بواسطة الختان وسائر الشرائع. بل الإيمان على مثال إبراهيم. حسب التلاميذ أنّ المرأة الفينيقيّة هي من خارج البيت، مثل "الكلاب" الذين يأكلون ما يفضل من طعام. أخطأوا. هي من البيت، وإن لم تكن وعائلتها من أهل الختان، وبالتالي من نسل إبراهيم. فنسل إبراهيم الحقيقيّ هو النسل المؤمن. لهذا قال لها يسوع: "إيمانك عظيم أيّها المرأة. أنت من البيت قبل الذين قبلوا ختانًا في اللحم، وربّما لم يعرفوا ختان القلب والانفتاح على نداء الله.

في يسوع ليس يهوديّ ولا يونانيّ. كلّهم "واحد في المسيح". ولا يقدر أحد أن يفتخر على أخيه مهما اعتبر أنّه نال من امتيازات. وإن أراد أن يتوقّف على ما قال، فهو يحاول أن يستغني عن يسوع. يريد أن يفتخر بما عنده. أمّا افتخار المسيحيّ فبالربّ. وفي أيّ حال، الختان لا يزيد شيئًا. وعدم الختان لا ينقص شيئًا. فلماذا العودة إلى الشريعة؟ ألأنّها تعطينا طمأنينة كاذبة، تجعل في فمنا مرارة، كما كان الأمر بالنسبة إلى نيقوديمس؟ أمّا التعلّق بيسوع فيجعلنا في نقطة الخطر. نستند إلى الصليب، ولكن إلى مَ يستند الصليب إلاّ إلى الإيمان المجرَّد؟

ونحن ما الذي يفصلنا عن المسيح؟ العادات، التقاليد، المجتمع وعبوديّة... أنحسب نفوسنا فوق غيرنا بسبب امتيازات تجعلنا أكبر من الآخرين؟ هذا يعني أنّنا ما زلنا أولادًا قاصرين، وما عرفنا الحرّيّة بالنسبة إلى المسيح. فماذا نختار الشريعة أم المسيح؟ أنكون مثل نيقوديمس أم مثل الرسل الذين تركوا كلّ شيء وتبعوا المسيح؟

 

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM