الأحد الثاني بعد الدنح

الأحد الثاني بعد الدنح

الرسالة: 2 كور 4: 5-15

الإنجيل: يو 1: 35-42

القوّة في آنية الخزف

يا إخوتي، فنحن لا نبشِّر بأنفسنا، بل بيسوع المسيح ربًّا، ونحن خدم لكم من أجل المسيح. والله الذي قال: "ليشرق من الظلمة النور"، هو الذي أضاء نوره في قلوبنا لتشرق معرفة مجد الله، ذلك المجد الذي على وجه يسوع المسيح.

وما نحن إلاّ آنية من خزف نحمل هذا الكنز، ليظهر أنّ تلك القدرة الفائقة هي من الله لا منّا. يشتدُّ علينا الضيق من كلّ جانب ولا ننسحق، نحارُ في أمرنا ولا نيأس، يضطهدنا الناس ولا يتخلّى عنّا الله، نسقط في الصراع ولا نهلك، نحمل في أجسادنا كلّ حين آلام موت يسوع لتظهر حياته أيضًا في أجسادنا. وما دمنا على قيد الحياة، فنحن نسلّم للموت من أجل يسوع لتظهر في أجسادنا الفانية حياة يسوع أيضًا. فالموت يعمل فينا والحياة تعمل فيكم.

وجاء في الكتاب: "تكلّمت لأنّي آمنت". ونحن أيضًا بروح هذا الإيمان الذي لنا نتكلّم لأنّنا نؤمن، عارفين أنّ الله الذي أقام الربّ يسوع من بين الأموات سيقيمنا نحن أيضًا مع يسوع ويجعلنا وإيّاكم بين يديه، وهذا كلّه من أجلكم. فكلّما كثرت النعمة، كثر عدد الشاكرين لمجد الله.

في الزمن الذي يتبع الدنح أو الظهور الإلهيّ واعتلان الثالوث على الأردنّ، نرافق الذين "تجلّى" لهم المسيح فمشوا معه، ساروا وراءه، أو تركوه وعادوا إلى الظلام. أمّا هنا، فالإنجيل يحدّثنا عن رسولين سمعا كلام يوحنّا المعمدان عن يسوع: هذا هو حمل الله الذي يرفع خطيئة العالم.

حينئذٍ تبعا يسوع. أقاما معه النهار كلّه. أي حياتهما. وانطبع ذلك النهار فما نسيا الساعة التي تركاه فيها: الرابعة بعد الظهر. ويبقى السؤال: هل يستطيعان أن يواصلا المسيرة معه؟ فالإنسان ضعيف. هذا صحيح. ولكنّ قوّته من قوّة الله. لهذا، فهو يسير متّكلاً على تلك القدرة التي تبدأ فينا العمل وتنهيه في يوم ربّنا.

1- أضاء النور

كان أندراوس ورفيقه شابّين، صيّادين. لا همّ لهما سوى تأمين لقمة العيش. تبعا المعمدان. ولكنّ هذا الاتّباع لبث خارجيًّا. يسمعان من وقت إلى آخر له، يندفعان بعض الشيء. ثمّ يعودان إلى العمل. ولكنّ اليوم، أضاء النور لهما. فهما أنّهما أمام أمر جديد جدًّا. من هو هذا الذي يفرض عليهما شخصيّته بلطافة ما بعدها لطافة؟ وباحترام لحرّيّتهما ما بعده احترام؟ هو إنسان من الخارج، مثل كلّ إنسان، ولكنّه أكثر من إنسان.

بالنسبة إليهما كان يوحنّا "سراجًا منيرًا". أمّا الآن، فيسوع الذي يتعرّفان إليه هو النور النور. حلّ على شاول (بولس) فسقط على الأرض ساجدًا. وظهر على الجنود حارسي القبر فارتعدوا. هذا النور بدّل نظرة هذين التلميذين. لا يستطيعان بعد أن يعودا إلى الحياة العاديّة. لقاء حرق القلب كما فعل مع تلميذي عمّاوس، فراحا في ظلمة الليل وما خافا شيئًا لأنّ نور المسيح يرافقهما.

2- أشخاص ضعفاء

وترك الرسل كلّ شيء وتبعوا يسوع.ولكن ماذا كانت حياتهم؟ أنزهة بسيطة؟ أرفقة ملك يطرد العدوّ الرومانيّ ويقيم ملكه على الأرض، ويجعل منهما وزراء حوله؟ كلاّ ثمّ كلاّ. فاللذان طلبا أن يكونا عن يمينه وعن شماله، مات الأوّل سنة 44 شهيدًا ولم يعرف الناس سبب موته، سوى أنّه تعلّق بشخص اسمه يسوع مات والرسل يقولون إنّه حيّ. والثاني سوف يتبعه في الشهادة والاستشهاد.

عرفوا الضيق من كلّ جانب والاضطهاد. والمسيرة التي كادت تصل بهم إلى اليأس والسقوط الذي رأى فيه بعضهم الهلاك، لا همّ. لا شكّ في أنّهم ضعفاء. ولكنّهم أقوياء بالذي يقوّيهم. هم آنية من خزف، سريع العطب، هذا ما يعرفونه أكثر من أيّ إنسان. ولكنّهم يعرفون أنّ هذه العطوبة مصدر قوّة وأنّ في الإناء كنز كبير. كنز الكلمة. كنز الشهادة بحيث يتجلّى يسوع فيهم وفي الجماعات التي يؤسّسون.

3- موت يسوع وحياته

ونسأل: لماذا هذا التعارض في حياة الرسل؟ لأنّهم لا يريدون أن يقتدوا بيسوع. كان باستطاعتهم أن لا يتبعوا يسوع مثل ذاك الشابّ الغنيّ الذي مضى حزينًا وتمسّك بأقواله. كانوا يقدرون أن يصغوا ليسوع ويقولوا: ما تكلّم أحد قطّ مثل هذا الرجل. أو يرون معجزاته ويمجّدوا الله على هذا "النبيّ" العظيم الذي يشبه إيليّا. لو فعلوا، لكانوا كسائر اليهود الذين جاء إليهم النور، ففضّلوا الظلمة بسبب أعمالهم. ما أرادوا أن يعرفوه. بل أرادوا أن يُسكتوا كلّ من يذكر اسمه في فمه.

بل الرسل أرادوا أن يكونوا مع المسيح من البداية إلى النهاية. إذا كانوا ضعفاء، فلأنّ يسوع كان ضعيفًا حين اقتادوه إلى الآلام والموت. وهم "يسلَمون اليوم إلى الموت". يهدَّدون. يكفي أن نتذكّر ما قاساه بولس. ولكنّ موت يسوع لم يكن النهاية. فالنهاية هي القيامة. المسيح مات فحملنا في موته. ونحن ما دمنا على الأرض نحمل هذه الميتة في أجسادنا.. ولكنّنا نعلم أنّ ذاك الذي أقام الربّ يسوع من بين الأموات سوف يقيمنا.

خاتمة

تلك هي مسيرة الرسول الذي يقبل أن يرافق يسوع أبعد من أحد الشعانين والهتاف للملك ابن داود. في الآلام والموت. وهذا ما يرفضه العديدون في أيّامنا. يتعلّقون بهذه الدنيا مع المبدأ "نأكل ونشرب اليوم. وغدًا نرى ما يكون. نطيل أيّامنا قدر المستطاع، والباقي نتركه. فما قيمة حياتنا إن لم يكن فيها هدف أعلى من هدف أرضيّ، بشريّ، لا يتعدّى البحث عن الراحة. ولماذا نلجأ إلى هذه القوّة التي فيها بحيث نعمل ما عمله يسوع. بل هو يتيح لنا أن نعمل "أعظم" من أعماله (يو 14: 12). فهل نحن مستعدّون للسير معه مع أنّنا آنية من خزف؟ نحن، لأنّ القوة هي منه لا منّا.

 

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM