الأحد الأوّل بعد الدنح

الأحد الأوّل بعد الدنح

الرسالة : 2 كور 10: 1-11

الإنجيل : يو 1: 29-34

نحن أيضًا للمسيح

يا إخوتي، أنا بولس أطلب إليكم بوداعة المسيح وحلمه، أنا المتواضع في حضرتكم والجريء عليكم عن بعد، راجيًا أن لا تدفعوني وأنا عندكم إلى تلك الجرأة التي أرى أن أعامل بها الذين يظنّون أنّنا نسلك سبيل الجسد. نعم، إنّنا نحن في الجسد، ولكنّنا لا نجاهد جهاد الجسد. فما سلاح جهادنا جسديّ. بل إلهيّ قادرٌ على هدم الحصون: نهدم الجدل الباطل وكلّ عقبة ترتفع لتحجب معرفة الله، ونأسرُ كلّ فكر ونخضعه لطاعة المسيح. ونحن مستعدّون أن نعاقب كلّ معصية متى أصبحت طاعتكم كاملة.

واجهوا حقائق الأمور. من اعتقد أنّه للمسيح، فليتذكّر أنّه بمقدار ما هو للمسيح، كذلك نحن أيضًا للمسيح. ولا أخجل إن بالغت بعض المبالغة في الافتخار بسلطاننا الذي وهبه الربّ لنا لثباتكم لا لخرابكم. فأنا لا أريد أن أظهر كأنّي أحاول التهويل عليكم برسائلي. فيقول أحدكم: "رسائل بولس قاسية عنيفة، ولكنّه متى حضر بنفسه، كان شخصًا ضعيفًا وكلامه سخيفًا". فليعلم مثل هذا القائل أنّ ما نكتبه في رسائلنا ونحن غائبون نفعله ونحن حاضرون.

في الأناجيل الإزائية، اكتشف الرسل في البداية ذاك الذي يتكلّم فلا يقدر أحد أن يتكلّم مثله. ذاك الذي يجري العجائب فيقول الحاضرون: قام نبيٌّ بيننا. إفتقد الله شعبه: يسوع هو القويّ. نتبعه فنراه كيف يُطعم الجموع كما لم يطعمها موسى في البريّة. وسوف ينتظرون في مرحلة ثانية كي يعلن يسوع الوجه الآخر، وجه المسيح المتألّم: "ابن الإنسان يجب أن يتألّم كثيرًا، يرفضه الشيوخ" (مر 8: 31). أما في إنجيل يوحنّا، وحالاً بعد الدنح والظهور الإلهيّ المجيد، قيل عن يسوع إنّه حمل الله. هو يموت لكي يرفع خطيئة العالم. الانطلاقة هي في الضعف وعلى الصليب ستكون القوّة، فيبدو يسوع ملكًا على صليبه وكأنّه جالس على عرشه. في هذا الإطار نقرأ كلام بولس الرسول في دفاعه عن نفسه. فهو في النهاية يدافع عن الرسالة وما يكون فيها من ضعف بوسائلها البشريّة، ولكنّ قوّة الرسول من قوّة الله الذي يعمل في الضعفاء ليخزي الأقوياء.

1- تواضع وجرأة

شبّه بولس نفسه بالأمّ التي حبلت بأولادها. فقد ولد مؤمني كورنتوس في المسيح. قال في غل 4: 19: "يا أبنائي الذين أتمخّض بهم، الذين أتوجّع بهم مرّة أخرى مثل وجع الولادة حتّى تتكوّن فيهم صورة المسيح". كلّ أمّ تبدو ضعيفة في الخارج، تتنازل، تركع أمام أولادها لتغسل أقدامهم، ومع ذلك، لا أحد أقوى من الأمّ ولا أجرأ. أحبّ المؤمنون من يتكبّر عليهم ويستغلّهم. قالوا: هكذا يكون الإرشاد! أجاب الرسول: قد يكون لكم ربوات من المرشدين، ولكن ليس لكم آباء كثيرون. أنا أبوكم: "أنا ولدتكم في المسيح يسوع بالبشارة التي حملتها إليكم" (1 كور 4: 15). ويطرح الرسول السؤال: "ألأني لا أحبكم؟ الله يعلم" (2 كور 11:11).

هكذا يكون الرسول الحقيقيّ، في التواضع والخدمة، على مثال يسوع الذي ما جاء ليُخدَم بل ليخدم ويبذل حياته (مر 10: 45). وهكذا يكون الوالدان وكلّ مسؤول. فإن عظّم قدره كان غبيًّا، وإن قابل نفسه بنفسه عاش عزلة الكبرياء والأنانيّة. ولكنّ الرسول يعرف الجرأة حين يجب لأنّه لا يتكلّم باسمه الخاصّ، بل باسم الله، وهنا مصدر قوّته. قيل لإرميا: "جعلتك مدينة حصينة وعمودًا من حديد وسورًا من نحاس" (1: 18).

2- وسائل البشر ووسائل الله

وسائل البشر تبقى ضعيفة، وفي أيّ حال، هي لا تدوم. فمن اعتصم بالبشر وترك الاعتصام بالله، خاب أمله. حتّى لو اتّكل على العظماء، والأغنياء والمقتدرين. الرسل الذين "هاجموا" بولس حسدًا وأرادوا النيل من رسالته، اعتبروا نفوسهم رسلاً من الدرجة الأولى. إستندوا إلى حكمة تلقّوها في العالم، وإلى قوّة ليست قوّة الصليب. حينئذ بانَ جهلُهم، وانفضحت قوّتهم.

فبولس لا يسلك سلوكًا بشريًّا، ولا هو يحاول أن يرضي الناس. فقد قال في غل 1: 10 إنّه لا يستعطف الناس، ولا يطلب رضاهم: "فلو كنتُ إلى اليوم أطلب رضى الناس لما كنتُ عبدًا للمسيح". وأسلوب عمله أبعد ما يكون عن أسلوب البشر. الكلام المنمّق لا يكفي، فهناك الفعل والاستعداد لبذل الذات من أجل الذين صاروا أحبّاء لنا (1 تس 2: 8). "كنّا لكم كالأب لأولاده، وعظناكم، شجّعناكم" (آ 12).

وسائل الله وحدها قويّة. بها تهدم الحصون، أي اكتفاء الإنسان بنفسه وانغلاقه على ذاته. بها نهدم الجدل الباطل، بحيث تزول كلّ عقبة. وما هو الهدف؟ أنجعل الآخرين أسرى لنا وسجناء إرادتنا؟ كلا. ألكي نُخضعهم لطاعتنا؟ كلا. بل لنُخضعهم لطاعة المسيح. فإن كان الله أعطى الوالدين أولادًا، فهم لا يكونون لهم إلاّ ليكونوا في النهاية للمسيح. وهكذا نقول عن الرسول الذي هو راح يهتمّ بجمع الرعيّة تحت إمرة راع واحد هو يسوع المسيح.

3- واجهوا الحقيقة

توقّف هؤلاء المسيحيّون عند المظاهر الخارجيّة. كان بولس، على ما يبدو، قصير القامة. ولم يكن متكلّمًا بليغًا مثل أبلّوس. إذن، هو ضعيف حين يكون حاضرًا. وإن هو تكلّم يبدو كلامه سخيفًا. نحن نفهم هذا الواقع حين نتذكّر وصف أع 17: 21 لأهل أثينة: "كانوا يصرفون أوقات فراغهم كلّها في أن يقولوا أو يسمعوا شيئًا جديدًا". واعتبروا بمثل هذه المظاهر أنّهم للمسيح، ويتفوّقون على بولس وفريقه الرسوليّ. بعضهم رأى يسوع خلال حياته على الأرض (2 كور 5: 16)، بعضهم يعتبر أنّه نال رؤى خاصّة.

كلّ هذا لا يعني شيئًا في نظر بولس. وحين يفتخر بما ناله من رؤى وما عمله من أعمال، يعتبر نفسه جاهلاً، لأنّه يجعل نفسه على المستوى البشريّ من أجل الافتخار. فالافتخار لا يكون بأعمالنا، ولا بمزايانا البشريّة، افتخارنا يكون بالربّ وبعطاياه. ومثالنا مريم العذراء، المرأة الوضيعة. هي خادمة الربّ، وإن هي صارت عظيمة وأنشدت الله، فليس لأنّها عملت بنفسها ما لم تعمله امرأة، بل لأنّ الله هو الذي صنع بها العظائم، تقدّس اسمه.

طريق المسيح هي طريق الرسول. تمرّ في الآلام قبل أن تصل إلى المجد. تمرّ في الموت قبل أن تبلغ القيامة. المسيح هو الذي يعمل فينا. فيقول بولس: "نحن نسلَّم للموت من أجل يسوع لتظهر في أجسادنا الفانية حياة يسوع أيضًا" (2 كور 4: 11)، فالرسول يرضى أن يفعل الموتُ فعله فيه، من أجل خصب وحياة في المؤمنين (آ 12). ذاك هو شعار الرسول، وشعار كلّ واحد منا يطلب أوّلاً ملكوت الله وبرّه، ولا يطلب افتخاره بنفسه.

 

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM