أحد وجود الربّ في الهيكل

أحد وجود الربّ في الهيكل

الرسالة : عب 7: 11-19

الإنجيل : لو 2: 41-52

كاهن على مثال ملكيصادق

يا إخوتي، لو كان الكمال تحقّق بالكهنوت اللاويّ، وهو أساس الشريعة التي تسلّمها الشعب، فأيّة حاجة بعده إلى أن يظهر كاهن آخر على رتبة ملكيصادق؟ وما قال الكتاب على رتبة هارون. لأنّه إذا تبدّل الكهنوت، فلا بدّ من أن تتبدّل الشريعة. والذي يقال هذا فيه ينتمي إلى عشيرة أخرى، ما قام أحد منها بخدمة المذابح. فمن المعروف أنّ ربّنا طلع من يهوذا، وما ذكر موسى هذه العشيرة في كلامه على الكهنة.

وممّا يزيد الأمر وضوحًا أنّه على مثال ملكيصادق ظهر الكاهن الآخر، لا أساس نسب بشريّ، بل بقوّة حياة لا تزول. فشهادة الكتاب له هي: "أنت كاهن إلى الأبد على رتبة ملكيصادق". وهكذا بطلت الوصيّة السابقة لضعفها وقلّة فائدتها، لأنّ شريعة موسى ما حقّقت الكمال في شيء، فحلّ محلّها رجاء أفضل منها نتقرّبُ به إلى الله.

نتسائل مرّات عديدة: ماذا حصل ليوسف بعد أن بلغ يسوع الاثني عشر عامًا وصار "ابن الوصيّة". صار يسوع المسؤول عن نفسه بعد أن عرف الوصايا ووجب عليه أن يحفظها. وعرف واجباته في الصعود إلى أورشليم للاحتفال بالعيد مع الآتين من القريب والبعيد. حينئذٍ، اختفى يوسف، شعر أنّ دوره انتهى. فيسوع أعلن حين أضاعه والداه في أورشليم: "يجب أن أكون في بيت أبي". سيقول إنجيل لوقا إنّ يسوع، بعد العودة من الحجّ، كان يُطيعهما، يطيع مريم ويوسف، ولكنّه بدأ منذ الآن يأخذ طريقه "فينمو بالقامة والحكمة والنعمة لدى الله والناس".

1- كاهن في بني لاوي

كانت قبيلة لاوي، التي ارتبطت بيعقوب، قبيلة الكهنة والخدّام في الهيكل. هم الذين يقدّمون الذبائح ويرفعون القرابين. من خطئ يأتي إلى الكاهن، ومن خلال ذبيحة يكفّر عن خطيئته. من نذر نذرًا يأتي إلى الهيكل حيث يستقبله اللاويّون الذين يرافقون الكهنة. ومن بان على جسمه مرض يحمل العدوى للجماعة، وبالتالي ينجّسها، يطلب من الكاهن فيتبيّن مرضه، فيعزله إذا وجب الأمر. وحين يُشفى يمضي إلى الكاهن ويقدِّم ما أمر موسى من ذبيحة (مر 1: 44).

لا شكّ في أنّ يسوع كان بأمّه قريبًا من قبيلة لاوي، فإليصابات، نسيبة مريم، هي من نسل هارون، من نسل الكهنة. ولكنّ يسوع لم يمارس الكهنوت اليهوديّ أبدًا. ذبيحته هي من نوع آخر. ليست ذبيحة التيوس والعجول، ليست ذبيحة خارجة عن الإنسان، بل هي ذبيحة نفسه: "ما أردتَ ذبيحة ولا قربانًا (كما في الماضي)، فقلتُ: ها أنا أجيء يا الله، لأعمل مشيئتك" (عب 10: 5-6). ما كانت الذبائح الماضية تقدر أن تمحو الخطايا. "أمّا المسيح فقدّم إلى الأبد ذبيحة واحدة كفّارة للخطايا، ثمّ جلس عن يمين الله" (أ 12).

2- ملك من نسل يهوذا

ورث يسوع الكهنوت بواسطة أمّه، وإن لم يمارسه كما مارسه العهد القديم. فكهنوته يرتبط بالخبز والخمر كما سيبدأ في العشاء الربّانيّ، في الافخارستيّا إستعدادًا لتقدمة ذاته عبر الصليب. وورث الملك بواسطة أبيه بالتبنّي، بواسطة يوسف ابن داود. قيل ليوسف: "يا يوسف ابن داود، لا تخف أن تأخذ مريم امرأة لك، ستلد ابنًا تسمّيه يسوع" (مت 1: 20-31). ونحن لا ننسى أنّ داود هو من قبيلة يهوذا الذي قال فيه يعقوب: "لا يزول الصولجان من يهوذا، ولا عصا السلطان من صلبه إلى أن يأتي من له طاعة الشعوب" (تك 49: 10).

من خلال يهوذا، وصلت كلمة الله إلى يسوع الذي جاء يوجز رسالته في الإعداد لملكوت الله: "اقترب ملكوت الله، فتوبوا وآمنوا بالإنجيل" (مر 1: 15). فيسوع هو من قبيلة يهوذا، لا لاوي، ليس هو بكاهن، هو ملك. لهذا يرتبط بملك قديم أقام في أورشليم. اسمه ملكيصادق: ملك البرّ والصدق. وهكذا قفزت الرسالة إلى العبرانيّين فوق كهنوت لاوي، وعادت إلى أرض فلسطين بوسعها وتنوّعها. ليس يسوع في خطّ قبيلة مهما اعتبرت سامية. ولا ينحصر في شعب، دُعيَ ليحمل اسم الله الواحد بين الشعوب. بل هو فوق جميع القبائل وجميع الشعوب، وهو ملك يجمع في شخصه "كلّ ما في السماوات وما في الأرض" (أف 1: 10).

3- من الناموس إلى الحياة

منذ سفر التثنية سمع المؤمن مرارًا أنّ من يعمل بهذه الوصايا يحيا. وإلاّ كانت أمامه طريق الموت. فرافقت البركة "أولئك الذين يسمعون كلام الربّ ويحرصون على العمل بجميع وصاياه" (تث 28: 1). وتابع النصّ بفم الله "إن لم تسمعوا كلام الربّ إلهكم وتحفظوا وصاياه وفرائضه، تحلّ عليكم هذه اللعنات كلّها" (آ 15)، أي تحرمون من البركة. تؤخذ أرضكم، تيبس كرومكم، لا يطلع عجينكم... ولكن تبيّن أنّ الناموس يبقى حرفًا ميتًا بدون ذاك الذي يكمل الناموس. بل يقول فيه بولس الرسول: "ما عرفتُ الخطيئة إلاّ بالناموس" (روم 6: 3). "والوصيّة قادت المؤمن إلى الموت" (روم 7: 10). من توقّف عند الناموس جعل الناموس صنمًا لا حياة فيه.

من أين تأتي قوّة الحياة؟ من يسوع المسيح. فالله يبرّرنا لا بوصيّة قديمة يجب أن تتبدّل وتتعمّق، لا بناموس ضعيف لا نفع منه إن لم يكمّله يسوع. فالناموس حصرنا في العالم القديم. أمّا مع المسيح فصار كلّ شيء جديدًا. الناموس "جعل البشر كلّهم سجناء العصيان". وهكذا غاب عن الرجاء، وهو يعود حين نعرف أنّ الرب سجننا جميعًا "كي يرحمنا جميعًا" (روم 11: 32). بالمسيح يعود إلينا الرجاء. وبالمسيح نتقرّب إلى الله.

جاء يسوع إلى الهيكل وهو ابن أربعين يومًا فكان "مجدًا لشعبه إسرائيل" (لو 2: 32). ولكنّ شعب إسرائيل، ولكنّ أهل بيته لم يقبلوه (يو 1: 11). بل هو جاء لخلاص جميع الشعوب، جاء "نورًا لهداية الأمم" (لو 2: 30-32). وهؤلاء الشعوب سمعوا، أطاعوا (أع 28: 28). وجاء في عامه الثاني عشر، فترك أبا الأرض، يوسف، ليكون بكلّيّته للآب السماويّ، وما عاد يسمع لمعلّمي الشريعة. بل كان يسألهم بحيث تعجّب الجميع ممّا سمعوا منه. "كان يعلّمهم مثل من له سلطان لا مثل معلّمي الشريعة" (مت 7: 29).

 

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM