الأحد الأوّل بعد الميلاد

الأحد الأوّل بعد الميلاد

الرسالة: رؤ 21: 9-10، 21-27

الإنجيل: مت 2: 1-12

المسيرة في النور

يا إخوتي، وجاءني أحد الملائكة السبعة الذين معهم الكؤوس السبعة الممتلئة بالنكبات السبع الأخيرة وقال لي: "تعال فأريك العروس امرأة الحمل". فحملني بالروح إلى جبل عظيم شاهق وأراني أورشليم المدينة المقدّسة نازلة من السماء من عند الله... وكانت الأبواب الاثنا عشر اثنتي عشرة لؤلؤة، كلّ باب منها لؤلؤة. وساحة المدينة من ذهب خالص شفّاف كالزجاج.

وما رأيت هيكلاً في المدينة، لأنّ الربّ الإله القدير والحمل هما هيكلها. والمدينة لا تحتاج إلى نور الشمس والقمر، لأنّ مجد الله ينيرها والحمل هو مصباحها. ستمشي الأمم في نورها، ويحمل ملوك الأرض مجدهم إليها. لا تغلق أبوابها طوال اليوم، لأنّه لا ليل فيها. ويجيئون إليها بمجد الأمم وكرامتها، ولا يدخلها شيء نجس، ولا الذين يعملون القبائح ويفترون الكذب، بل الذين أسماؤهم مكتوبة في كتاب الحياة، كتاب الحمل.

في هذا اليوم الذي نقرأ فيه مسيرة المجوس، هؤلاء الباحثين عن الكواكب الذين اكتشفوا الكوكب الحقيقيّ الذي لا يخبو نوره. قادتهم الكواكب إلى عبادتها وإلى العمل في التنجيم والعرافة فجعلتهم عبيدً لقوى الكون، وصلوا إلى يسوع المسيح، عرفوا التحرير الحقيقيّ من الخوف ومن كلّ عبوديّة. هؤلاء المجوس الذين اعتُبروا ثلاثة، إنّما هم يمثّلون القارّات الثلاث التي عُرفت في زمن المسيح: أوروبّا مع يافث حيث الذهب الذي يقدّم للملوك. آسية حيث البخور الذي يُقدَّم للإله. أفريقيا مع المرّ الذي يحنّط الموتى. فالمسيح الذي يرونه في القمط هو إنسان حقيقيّ، وبالتالي ذاهب إلى الموت. ومع ذلك سجدوا له لأنّه الإنسان، ولكنّه الإله الذي قيل له: أنت ابني، أنا اليوم ولدتُك.

1- أورشليم الأولى

إحتلّ داود أورشليم التي كانت مدينة يبّوسيّة، نقل إليها تابوت العهد، عرش الله ورمز حضوره وسط شعبه. وهكذا بدأت أورشليم التي دُعيت مدينة السلام، بأن تكون مقدّسة. وصارت في الشرق مدينة القدس على ما سمّاها حزقيال. وزادت قداسة حين بنى فيها سليمان الهيكل مع القدس حيث يقيم الكهنة وقدس الأقداس، أي المكان الأكثر تقديسًا حيث يدخل عظيم الكهنة مرّة في السنة ليكفّر عن خطايا الشعب.

ولكنّها أورشليم الأرضيّة، التي هي مكان محرّر. وبسبب ملوكها الذين لم يعملوا القويم في نظر الربّ، لم تعد هذه المدينة أهلاً لأن يخرج منها الملك الآتي. فأشعيا تحدّث عن "فرع من جذع يسّى" (11: 1)، لا عن ابن داود. وميخا عاد إلى بيت لحم أفراتة ليصلب فيها الملك الجديد (5: 2). خسرت أورشليم مكانتها وخصوصًا حين لم تعرف ذاك الذي جاء يزورها، يتفقّدها، فدمّرت سنة 70 على يد الرومان.

2- أورشليم الجديدة

تأسّست أورشليم الأولى على اثني عشر سبطًا، حيث السبط يؤمّن خدمة المعبد شهرًا في السنة. وأورشليم الثانية تأسّست على اثني عشر رسولاً. هي العروس، عروس الحمل. وقداستها من قداسة الربّ يسوع. لم تعد من الأرض، بل "هي نازلة من السماء، من عند الله". وإذا كانت أورشليم هي الكنيسة، فالكنيسة جسد المسيح، الإله والإنسان. إذًا، هي أورشليم السماويّة.

ومن أجل قداستها لا تحتاج إلى هيكل مبني بحجارة كريمة، حلوة. الحمل هو هيكلها، وما هو فقط رمز حضور الله فيها، بل هو حضور الله، هو عمانوئيل، إلهنا معنا. جاء المجوس إلى أورشليم الأرض، فاستقبلهم هيرودس السفّاح الذي أراد أن يقتل الملك الجديد، والكتبة الذين عرفوا الكتاب المقدّس وكرّروا عباراته، ولكنّه لم يفهموا معناها. ولا هم تحرّكوا فرافقوا المجوس إلى حيث هو الطفل مع أمّه ويوسف. وهكذا مضى هؤلاء الغرباء الآتون من المشرق، من حيث تشرق الشمس، إلى بيت لحم. هناك صارت "القدس". فحيثُ المسيح هناك حضور الله، وإليه يأتي الحجّاج من المشرق والمغرب، من الشمال والجنوب، ساعة يبقى أبناء الملكوت في الخارج. فيا ليتنا نرافق المجوس في البحث عمّن هو نور العالم.

3- إلى نور العالم

طلب المجوس النور الذي ينير دربهم لدى الملك، فخاف هذا الملك من ملك جديد. ولكنّ هذا الملك يختلف عن كلّ ملوك العالم. لا جيش له سوى أحبّائه. ولا سلاح له سوى المحبّة. وهو لا يسفك دم أحد، بل يسفك دمه من أجل البشر جميعًا. وطلبوا النور، في الكتب المقدّسة، فوجدوا بصيصًا عنها في ما قاله لهم الكتبة.

ولكنّ المسيح نور العالم هو هنا. وهو يقود خطاهم. صارت أورشليم الجديدة في بيت لحم. هي لا تحتاج إلى نور الشمس والقمر. المسيح هو مصباحها. في الليل والنهار. فلماذا تغلق الأبواب في الليل ولا ليل فيها؟ يأتي إليها اليهود والأمم. الجميع مدعوّون، البشريّة كلّها. والذين تعلّقوا بالحمل يأتون إلى هنا، بعد أن كُتبت أسماؤهم.

أضاع المجوس النور بعض الوقت. فاحتاجوا إلى دليل. مضوا إلى البشر. لا بأس. ولكن سنبقى في الظلام ما دمنا لا نعرف أنّ المسيح هو نور العالم. بل دعانا أيضًا لأن نكون النور الذي يأخذ قوّته من النور السماويّ. هو قاد المجوس وهو يقودنا مهما كانت صعوبات الحياة، ومهما سيطر علينا الغموض والظلام الذي قد يقود اللامؤمن إلى اليأس. وكم فرح المجوس حين وجدوا النور. وكم نفرح نحن بعد المحنة، حين نجد نفوسنا في "بيت" يسوع: يملأ النور قلبنا ونرى ملوك الأرض يأتون ويحملون مجدهم إليه. فماذا نحمل نحن إلى هذا الطفل الإلهيّ؟

 

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM