مولد يوحنّا

مولد يوحنّا

الرسالة : غل 4: 21-5: 1

الإنجيل : لو 1: 57-66

ابن الجارية وابن الحرّة

يا إخوتي، قولوا، أنتم الذين يريدون أن يكونوا في حكم الشريعة. أما تسمعون الشريعة؟ يقول الكتاب: "كان لإبراهيم ابنان، أحدهما من الجارية، والآخرُ من الحرّة. أمّا الذي من الجارية فولد حسب الجسد، وأمّا الذي من الحرّة فولد بفضل وعد الله.

وفي ذلك رمز، لأنّ هاتين المرأتين تمثّلان العهدين. فإحداهما هاجر من جبل سيناء تلد للعبوديّة، وجبل سيناء في بلاد العرب، وهاجر تعني أورشليم الحاضرة التي هي وبنوها في العبوديّة. أمّا أورشليم السماويّة فحرّة وهي أمّنا، فالكتاب يقول: "إفرحي أيّتها العاقر التي لا ولد لها. إهتفي وتهلّلي أيّتها التي ما عرفت آلام الولادة! فأبناء المهجورة أكثر عددًا من أبناء التي لها زوج".

فأنتم، يا إخوتي، أبناء الوعد مثل إسحق. وكما كان المولود بحكم الجسد يضطهد المولود بحكم الروح، فكذلك هي الحال اليوم. ولكن ماذا يقول الكتاب؟ يقول: "إطرد الجارية وابنها، لأنّ ابن الجارية لن يرث مع ابن الحرّة". فما نحن إذًا، يا إخوتي، أبناء الجارية، بل أبناء الحرّة.

فالمسيح حرّرنا لنكون أحرارًا. فاثبتوا إذًا، ولا تعودوا إلى نير العبوديّة.

تحقّقت بشارة أولى. وُلد يوحنّا المعمدان. وخُتن وكان عيدٌ في ذلك اليوم. ولكنّ هذا المختون مضى إلى البريّة وكأنّه يعاود خبرة الشعب العبرانيّ. ولكنّ ابن الكاهن هذا لم يمارس الكهنوت، بل كان النبيّ الذي يحمل كلام الله، والصوت الصارخ الذي ينادي: "أعدّوا طريق الربّ، واجعلوا سبله قويمة". ما أراد أن يكون ابن إبراهيم بحسب الجسد، بل ابنه بحسب الروح. ما أراد أن يكون ابن العبوديّة التي عاشها شعبه في مصر، بل ابن الحرّيّة التي سيدعو إليها الربّ يسوع. ترك جبل سيناء وتطلّع إلى أورشليم العليا.

1- ابن بحسب الجسد

لو أنّ يوحنّا وُلد كما يُولد سائر الأولاد، أي إنّ أمّه حبلت به بعد زواجها حالاً، لما كان الناس يتساءلون. ولكنّ والديه انتظرا. ووالده نال الوعد خلال وضع البخور في الهيكل، ووالدته نسيت العار الذي يلحق بالعاقر. وهكذا كانت ولادته شبيهة بالمعجزة، على مثال ولادة إسحق الذي انتظره والده إبراهيم السنين الطويلة.

في العالم اليهوديّ، الكاهن هو ابن الكاهن. واليهوديّ هو ابن اليهوديّ. وكلّ هذا بحسب الجسد. ويتأكّد هذا من خلال ممارسة لأعمال الشريعة وأوّلها الختان. مثل هذا الولد يعتبر نفسه ابن إبراهيم. وبالتالي ابن الخلاص. فلا يحتاج أن يقوم بأيّ مجهود. ففي الساعة الأخيرة، ساعة الدينونة، يكون في حضن إبراهيم. هو يعرف الشريعة وهذا يكفي. ويحكم على الآخرين دون أن يحكم على نفسه. فماذا ينتظره؟ إعلان حكم الله العادل "الذي يجازي كلّ واحد بحسب أعماله". وسيقول يوحنّا المعمدان لهؤلاء الأولاد بحسب الجسد: "أثمروا ثمرًا يليق بالتوبة". ولا تقولوا: "أبانا إبراهيم". فالله قادر أن يخرج من هذه الحجارة أولادًا لإبراهيم". ونحن المعمّدين، هل ننسى واجبات عمادنا وانتماءنا إلى الكنيسة؟ أما نخاف أن نسمع صوت الربّ الذي قد لا يعرفنا!

2- ابن بحسب الروح

أو ابن بحسب الوعد. وعد الله إبراهيم وسارة، فكان إسحق. ووعد الله زكريّا وإليصابات فكان يوحنّا. فمهمّة ابن الجسد تبقى على مستوى الجسد: يبني البيوت، يغرس الكروم، يتزوّج، يلد الأولاد. ومهمّة ابن الموعد تكون على مستوى الروح. فإسحق صار ابن الله، وُلد من جديد بعد ذبيحة موريّا. ويوحنّا راح يستقبل الخطأة ويعمّدهم في مياه الأردنّ، ويقول لكلّ واحد ماذا يجب أن يعمل.

ونحن، أيّ ابن نحن؟ حدّثنا الرسول عن حياة بحسب الجسد. وهي تعمل أعمال الجسد: الفجور، النجاسة، العداوات، الخصام، الغضب، المنازعات. أمّا الحياة بحسب الروح، فثمرتها الأولى والأخيرة المحبّة. ومن هذه المحبّة ينبع الفرح والسلام والأناة واللطف والصلاح والأمانة والوداعة والعفاف. هناك صراع في الإنسان بين الجسد والروح. الجسد يضادّ الروح، والروح يضادّ الجسد. فإذا أردنا أن نكون أبناء الروح نصلب ما هو جسديّ فينا، نصلب الأهواء والشهوات، وإلاّ نرجع إلى العبوديّة بعد أن حرّرنا المسيح. نرجع إلى جبل سيناء بعد أن دخلنا في أورشليم السماويّة مع أبنائها العديدين.

3- من سيناء إلى أورشليم

إلى سيناء مضت هاجر بعد أن تركت سارة وإبراهيم. هي الجارية. ولدت ابنها كما يُولد كلّ ابن. وفي سيناء نال الشعب الأوّل الوصايا وسائر الفرائض. ولكن شتّان بين شريعة حملها الملائكة وشريعة حملها الابن الوحيد. أمّا شريعة سيناء فكبّلت الشعب الأوّل فما عرف أن يتحرّر منها ليسير وراء المسيح. عثروا بحجر العثرة، فدعاهم الرسول الأغبياء. بدأوا بالروح، وها هم يكمّلون بالجسد. بعد أن استناروا وذاقوا الموهبة السماويّة واشتركوا في الروح القدس، عادوا فصلبوا ابن الله ثانية. ورفضوا أن يصلبوا نفوسهم.

كان ذلك في أورشليم الحاليّة حيث صُلب يسوع المسيح. فأورشليم هي امتداد لسيناء، وهي في العبوديّة مع أولادها. أمّا أورشليم العليا فهي حرّة بعد أن حرّرها المسيح. حرّرها من الخطيئة ودعاها إلى البرّ. حرّرها من االشريعة ومن أعمال الشريعة، لئلاّ تظنّ أنها تبرّر نفسها بأعمالها. حرّرها من الختان لأنّ علامة في الجسد تمحى، أمّا سمة العماد فلا تمحى. حرّرها من فرائض الطعام، لأنّ كلّ ما خلقه الله حسن، ونحن نأكله فنمجّده.

إنتقلنا من العهد الأوّل الذي حبس اليهود في الشريعة فلبثوا سجناء تفكيرهم المسبق ورفضوا الانفتاح على الإيمان الذي يحمله يسوع المسيح. وصرنا في العهد الثاني. أمّا الخطر الكبير الذي يتهدّدنا: أن نتحوّل عن المسيح الذي تدعونا إليه الكنيسة ونتّبع إنجيلاً آخر هو مجموعة تعاليم تحاول أن ترضي البشر ولا تمتّ إلى البشارة بصلة.

 

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM