البيان ليوسف

البيان ليوسف

الرسالة : أف 3: 1-13

الإنجيل : مت 1: 18-25

تدبير نعمة الله

يا إخوتي، لذلك أنا بولس سجين المسيح يسوع في سبيلكم، أيّها الذين هم غير يهود. ولا بدّ أنّكم سمعتم بالنعمة التي وهبها الله لي من أجلكم، كيف كشف لي سرّ تدبيره بوحي كما كتبت لكم بإيجاز من قبل. وبإمكانكم إذا قرأتم ذلك أن تعرفوا كيف أفهم سرّ المسيح، هذا السرّ الذي ما كشفه الله لأحد من البشر في العصور الماضية وكشفه الآن في الروح لرسله وأنبيائه القدّيسين، وهو أنّه غير اليهود هم في المسيح يسوع شركاء اليهود في ميراث الله وأعضاء في جسد واحد ولهم نصيب في الوعد الذي وعده الله بفضل البشارة التي جعلني الله خادمًا لها بالنعمة التي وهبها إلي بفعل قدرته. أنا أصغر المؤمنين جميعًا أعطاني الله هذه النعمة لأبشّر غير اليهود بما في المسيح من غنى لا حدّ له، ولأبيّن لجميع الناس تدبير ذلك السرّ الذي بقي مكتومًا طوال العصور في الله خالق كلّ شيء. ليكون للكنيسة الآن فضلُ إطلاع أهل الرئاسة والسلطة في العالم السماويّ على حكمة الله في جميع وجوهها. وكان هذا حسب التدبير الأزليّ الذي حقّقه الله في ربّنا المسيح يسوع. فبإيماننا به تكون لنا الجرأة على التقرّب إلى الله مطمئنّين. فأطلب إليكم أن لا تيأسوا في ما أعانيه من الشدائد لأجلكم، فهي مجد لكم.

بشّر الملاك مريم. فكان عيد البشارة. وجاء الملاك في الحلم إلى يوسف فبيّن له السرّ الذي يدخل فيه. فكانت له بشارة بأنّه يدخل مع مريم في تدبير نعمة الله التي ظلَّ مخفيًّا لدى الدهور. وها هو يُعلن الآن. وكما طلب من مريم أن تكون الخادمة، طلب من يوسف أن يكون "خادمًا" لهذا السرّ بحسب هبة نعمة الله.

1- سرّ مكتوم

السرّ في المفهوم البولسيّ هو مشروع الله من أجل البشر. هو حاضر في قلب الله قبل إنشاء العالم. استشفّه الآباء منذ إبراهيم الذي رأى مجد يسوع. استشفه يعقوب في تلك السلّم التي تصل السماء بالأرض. واستشفّه يوسف من خلال غفران إخوته. واستشفّه الأنبياء ولا سيّما أشعيا الذي نظرت كلمته إلى العذراء التي تحبل وتلد ابنًا.

هذا السرّ هو تجسّد الابن. هذا ما قصده الله منذ الأزل، وحقّقه الآن في المسيح يسوع ربّنا. تحقّق السرّ فعرفه يوسف، فدخل فيه، وذلك بالإيمان لا بالعيان.

2- وكُشف السرّ

الله ذاته كشف السر ليوسف. هذا الولد الذي في حشا مريم لا يشبه سائر الأولاد. حُبل به بواسطة الروح القدس. هذا السرّ الذي لم تعرفه الأجيال الغابرة، أعلن الآن. صار معروفًا. ما عدنا في انتظار بعيد أو قريب، كما كانت حال الأنبياء. قال أشعيا للربّ: ليتك تشقّ السماء وتنزل. والآن شقّ الله السماء ونزل. لا بواسطة حلم في الليل مع ما في هذا الظهور من نور وعتمة. ولا بواسطة ملاك. الله ذاته نزل. أخذ جسدًا في جسد مريم. ويوسف يرى هذا الحبل دون أن يفهم. ولكنّ الله سوف يبيّن له حقيقة الحبل.

أحسّت مريم أنّها لا تستحقّ. وأحسّ يوسف أنّه لا يستحقّ. ولهذا حاول الهرب. قال بولس عن نفسه إنّه أصغر القدّيسين أي أصغر المؤمنين، ومع ذلك وُهبت له هذه النعمة. أجل، نعمة فريدة لم يحصل عليها أحدٌ إلاّ مريم. هي أمّ يسوع بعد أن حبلت به وولدته. ويوسف والد يسوع بعد أن تبنّاه، قبل أن يكون له أبًا على الأرض. ولكنّ أبا يسوع هو الآب السماويّ ويجب أن يكون في النهاية له، في بيته.

3- خادم السرّ

نظر بولس إلى هذا الفرح العظيم أن يكون خادم هذا السرّ، بعد أن كُشف له. لا فقط أن يعرف يسوع المسيح على طريق دمشق، بل أن يخدمه حين يحمل البشارة إلى الأمم الوثنيّة، جميع البشر مدعوّون لأن يدخلوا في تدبير الله. جميعهم مدعوون ليسمعوا الإنجيل فتصل إليهما البشارة. هم شركاء مثل الذين سبق لهم وآمنوا بالله الواحد. ولهم الميراث الواحد.

ويوسف سيكون الخادم، وسيفتخر بهذه الخدمة. كُشف له السرّ. أتراه يسكت؟ كلاّ. ذهبت مريم إلى نسيبتها إليصابات وأدخلتها في السرّ. ولا شكّ في أنّ يوسف مضى إلى نسيبه كليوبا والد يعقوب ويهوذا ويوسي وسمعان، فأخبره بهذه النعمة العظيمة أن يكون أبًا للمسيح بحيث يقول لوقا: كان الناس يحسبون يسوع ابن يوسف بن عالي.

ذاك هو تدبير الله. دبّر، رأى مسبقًا. هيّأ السرّ. كشفه. ودخلت فيه أسرة الناصرة. ودخلت فيه جماعة الرسل والكنيسة. ونحن دخلنا فيه، كشفناه. يبقى علينا أن نخدمه، كلّ في موقعه، فتصل البشارة إلى أقاصي الأرض.

 

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM