المقدّمة

سبعة ميامر تركها لنا يعقوب السروجيّ حول الأيّام الستّة (هكساإميرون) أو بالأحرى الأيّام السبعة، وهي تضمّ 3020 بيتًا من الشعر. نشرها الأب بيجان في بداية القرن العشرين، في الجزء الثالث من "ميامر مختارة من مار يعقوب السروجيّ"[1]. نشير إلى أنّ ما قدّمه الأب بيجان اللعازاريّ في أجزائه الخمسة وصل إلى 195 ميمرًا أو خطبة، أو عظة أو مقال. ولكنّ كاتب سيرة السروجيّ تحدّث عن 736 ميمرًا، ونحن لا نعرف سوى نصف هذا العدد من المجموعات التي وصلت إلينا[2].

جاءت ميامر على الأيّام السبعة في أكثر من مخطوط، يعود بعضها إلى القرن السادس أو السابع (لندن، المكتبة البريطانيّة، 14584)[3]. وهذا ما يفرّحنا حين نعلم أنّ السروجيّ توفّي في بداية القرن السادس. وتوالت المخطوطات في السابع أو الثامن (فاتيكان سريانيّ، 115)[4]. ولبث النسّاخ يخطّون هذه المواعظ، كما في مخطوط أكسفورد 404 الذي يعود إلى سنة 1640-1641[5]. بل تحدّث منغانا عن مخطوط خُطَّ سنة 1930 عن مخطوطين يعودان إلى سنة 1229 وسنة 1302[6].

* * *

بعد مقدّمة أبجديّة (1-52)، جاءت الأيّام السبعة على التوالي: في اليوم الأوّل، وجود الله الخالق (53-520)، وفي الثاني، الرقيع وجلد السماء بمياهه (521-842). ثمّ، المياه ببحارها واليابسة بنباتها (843-1180). في اليوم الرابع (1181-1566) تحدّث السروجيّ عن الكواكب النيّرة، وفي اليوم الخامس (1567-1920) عن تكوين الحيوانات. ووصلنا في اليوم السادس (1921-2562) إلى الإنسان المخلوق على صورة الله ومثاله. والسبت يوم الراحة كان موضوع اليوم السابع (2563-3020).

نكتشف في هذه الميامر بعض النشاط الأدبيّ لدى يعقوب السروجيّ الذي دُعيَ "كنّارة الروح القدس وقيثارة الكنيسة الأرثوذكسيّة" أي المستقيمة الإيمان. فهو الواعظ قبل كلّ شيء، والواعظ شعرًا في وزن خاصّ به، يتضمّن 12 مقطعًا صوتيًّا[7]. همّه الراعويّ أوّل الهموم، والبحث عن "أرثوذكسيّته" واعتقاده، لا يصل بنا إلى هدف[8]. وتحدّثوا عن التكرار في شعره، وعابوا عليه ذلك، لأنّه لا يُشبه المفهوم الغربيّ في الكتابة. ونسوا أنّ فنّ البلاغة يقوم في التكرار الذي يجعل الفكرة تدخل في قلوب السامعين.

ونكتشف في هذه الميامر بعض الشيء عن طريقة السروجيّ في تفسير الكتاب المقدّس. هو يرافق النصّ مرافقة حرفيّة. ويربطه بالتاريخ الذي كُتب فيه قبل أن يتوقّف عند المعنى الروحيّ الذي يوصلنا إلى سرّ المسيح.

* * *

بعد قرن ونصف قرن، قام يعقوب آخر، أسقف الرها، يعقوب الرهاويّ بتأليف كتاب واسع حول الأيّام الستّة[9]. وسعى إلى تقديم نظرة شاملة بين التعاليم المرتبطة بسفر التكوين، وتلك التي تحمله علوم عصره حول العالم وظهوره[10].

ثمّ كان موسى بركيفا (813-903) الذي سار في خطى يعقوب الرهاويّ، فجاء كتابه في خمسة أجزاء. ونُشرت منه مقاطع. وغريغوريوس ابن العبريّ (+1286) حاول أن يقدّم في منارة الأقداس مجموعة العلوم في عصره.

* * *

هذا في العالم السريانيّ. وماذا في العالم اليونانيّ؟

نبدأ مع فيلون، فيلسوف الإسكندريّة (13 أو 20 ق.م.- 50 ب. م). هو يهوديّ من الشتات. حاول أن يبيّن التواصل بين الكتاب المقدّس والفكر الأفلاطونيّ. فقدّم التفسير الإستعاريّ أو الألّيغوريّ لسفر التكوين ولشريعة موسى، وهكذا أثّر على آباء الكنيسة. وكتابه في خلق العالم أثّر فعلاً على ما كتبه باسيليوس أسقف قيصريّة في الكبادوك.

كتب باسيليوس الذي لقّب بالكبير (330-379) تسع عظات في الهكساإميرون أو خبر "ستّة أيّام"[11] الخلق في تك 1: 1-26. ألقاها قبل سنة 370 وكان بعدُ كاهنًا. وذلك خلال أسبوع من أسابيع الصوم. اختلف هدف باسيليوس عن هدف السريان الذين أرادوا أن تقديم علوم عصرهم من خلال العظات حول الأيّام الستّة. أمّا باسيليوس فقدّم الفكرة المسيحيّة عن العالم، في وجه المفاهيم الوثنيّة والتعاليم المانويّة. وهكذا نكتشف الخالق من خلال الخليقة. كان كلام عن جمال الخليقة ومدهشات الكون مع توسّع في العلوم وفي الفلسفة.

* * *

وإذا تركنا جانبًا شرح الأيّام الستّة في شكل حصريّ، نرافق الوعّاظ والمفسّرين، السريان واليونان، وجامعي الأخبار المنحولة، الذين درسوا سفر التكوين، ولا سيّما الفصل الأوّل منه. تيوفيلس الأنطاكيّ، في كتبه الثلاثة إلى أوتوليكس (الينابيع المسيحيّة، 20). يوحنّا الذهبيّ الفم في عظاته على سفر التكوين (الينابيع، 433). سيفيريانس أسقف جبلة، تيودورس أسقف المصيصة، تيودوريتس القورشيّ، ونحن لا ننسى شرح أفرام السريانيّ لسفر التكوين، ومغارة الكنوز. والطوبوغرافيا المسيحيّة (الينابيع 141، 159، 197) وأوسابيوس الحمصيّ ونرساي.

عالم واسع سبق يعقوب السروجيّ أو تبعه. أمّا نحن فنقلنا النصّ إلى العربيّة. مستنيرين بما تركه الأب الدكتور بهنام سوني، في الجزء الثاني من ترحمة ميامر يعقوب السروجيّ (رومة، 2002). قدّم بعض الحواشي اللغويّة، وكان في ودّنا أن نبرز التقارب بين السروجيّ وأولئك الذين توقّفوا عند الأيّام الستّة، ولكنّنا نترك هذا العمل لمن يريد دراسة شاملة، تتجاوز إطار ينابيع الإيمان.

* * *

جاءت ميامر السروجيّ في 3020 بيتًا من الشعر. فحافظنا على الترقيم، ولم نفصل يومًا عن يوم في ما يتعلّق بالتسلسل الذي قدّمه السروجيّ. غير أنّنا قسمنا هذه الأبيات في ثماني محطّات: المقدّمة، ثمّ الأيّام السبعة، وكلّ يوم وحده.

فإلى مرافقة هذا الشاعر الكبير ندعوكم. سحر السامعين من معاصريه، ونرجو أن يسحرنا ونحن نقرأ مواعظه.

 



[1] P. BEDJAN, Homéliae selectae Mar-Jacobi Sarugensis, vol III, Paris- Leipzig, 1907, p. 1-151.

[2] مخطوطات عديدة ذكرت M. A. BAUMSTARK, Geschichte der syriischen Literatur, Boun, 1922, p. 149 n 12, p. 150 n 1-2.

[3] W. WRIGHT, Catalogue of Syriac Manuscripts in the British Museum, vol II, Londres, 1871, n DCXXXVIII, p. 506-507.

[4] S. E. et J. S. ASSEMANI, Bibliothecae Apostolicae Vaticanae Codicum Manuscriptorum Catalogus, vol III, Rome, 1759, réimpression Paris, 1926, n CXV, p. 84-85.

[5] R. PAYNE-SMITH, Catalogi Codicum Manuscriptorum Bibliothecae Bodheianae, Oxford, 1864, n 135, p. 422-430.

[6] A. MINGANA, Catalogue of the Mingana Collection of Manuscripts, col I, Cambridge, 1930, col 1010-1013.

[7] G. KHOURY, SARKIS, “Note sur les mètres poétiques syriaques dans l’Orient Syrien, III(1958), p. 63-72.

[8] واحد حسبه مونوفيسيًّا أي من أصحاب الطبيعة الواحدة، من خلال المراسلة مع رهبان باسوس. وآخر دافع عن أرثوذكسيّته.

P. MOUTERDE, “Deux Homélies inédites de Jacques de Sarough”, dans Mélanges de l’Université Saint-Joseph, vol XXVI (1944-1946), p. 3-36.أمّا بيترس فكان هجومه عنيفًا على مزوّرين مونوفيسيّين. ثمّ استند إلى اعتبارات تاريخيّة فدافع عن أرثوذكسيّة يعقوب

P. PEETERS, « Jacques de Saroug appartient-il à la secte monophysite ? » dans Analceta Bellandiana, LXVI(1948), p. 134-198.

[9] J. B. CHABOT, Jacobi Edesseni Hexaemeron sen in opus orationis libri septem, Paris, 1928 pour le texte. Et pour la traduction en latin, A. VASCHALDE, Louvain, 1932, Réimpression anastatique, Louvain, 1953, CSCO, Vol 92, 97.

[10] نشير إلى أنّ يعقوب الرهاويّ (ي ع ق وب. د او ر ه ي) عاش سنة 633-7-8. أمّا العنوان الأساسيّ فهو "في الخلق والخلائق" وقد جاء في ستّة أجزاء، الأوّل منها عن الملائكة والأخير عن الإنسان. أمّا الاسم "هكساإميرون" (الأيّام الستّة)، فيرتبط بعنوان كتاب القدّيس باسيليوس الذي سنقول كلمة فيه.

[11] S. GIET, Basile de Césarée, Homélies sur l’Hxaéméron, Texte Grec. نشير إلى أنّ هذا الكتاب نُقل باكرًا إلى السريانيّة، إذ نجد العظتين الثامنة والتاسعة في مخطوط يعود إلى القرن الخامس.

CSCO, 550-551, Louvain, 1995.

 

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM