الفصل الخامس عشر: جزة جدعون

الفصل الخامس عشر

جزة جدعون

حين ننشد طلبة العذراء، يلفت انتباهنا تسمية العذراء كجزّة جدعون فنقول: أنت هي جزّة جدعون، ندى السماوات أعطينا.
جدعون قاضٍ من القضاة الاثني عشر. يقضي في الناس. يخلّصهم من الضيق. دعاه الربّ. فأراد "القاضي" أن يعرف هل يخلّص الله شعبه بيديه. لهذا، طلب علامتين، والواحدة تعاكس الأخرى. جعل على بيدر القمح جزّة من الصوف. في مرحلة أولى، طلب أن يكون ندى على الجزّة، وتبقى الأرض حولها جافّة. وفي مرحلة ثانية، طلب أن تكون الجزّة ناشفة، ويكون الندى على الأرض من حولها. وفي الحالتين، وافق الربّ على طلبه:
وقال جدعون لله: "إن كنتَ مخلّص بني إسرائيل على يدي كما قلتَ، فها أنا واضعٌ جزّة صوف على البيدر. فإذا سقط الندى على الجزّة وحدها، وكان على الأرض حولها جفاف، علمتُ أنّك مخلّص بني إسرائيل على يدي". فكان كذلك. وبكّر في الغد وعصر الجزّة فخرج منها الماء ملء سطلٍ. فقال جدعون لله: "لا تغضب عليّ. دعني أتكلّم فقط هذه المرّة، وأجرِّب هذه المرّة أيضًا بجزّة الصوف: ليكن على الجزّة وحدها جفاف وعلى الأرض حولها ندى". ففعل الربّ كذلك في تلك الليلة، فكان على الجزّة وحدها جفاف وعلى الأرض حولها ندى قض (6: 36-40).
ماذا يعني هذا النصّ بالنسبة إلينا. ولا سيّما في منظار مريميّ؟ ولكن نبدأ فنتكلّم عن دعوة جدعون، قبل أن نكتشف مدلول الجزّة وتطبيقها على مريم.

نبدأ فنورد النصّ الكتابيّ:
وجاء ملاك الربّ وجلس تحت سنابل البطمة التي في عقرة وهي ليوآش الأبيعزريّ. وكان جدعون ابنُه يدوس سنابل الحنطة في المعصرة هربًا من المديانيّين. فتراءى له ملاكُ الربّ وقال له: "الربُّ معنا، فلماذا أصابنا ما أصابنا، وإنّ جميع معجزاته التي حدّثنا بها آباؤنا وقالوا لنا إنّه أخرجنا من أرض مصر. والآن، خذلنا وجعلنا في قبضة بني مديان". فالتفت إليه الربُّ وقال: أنا الذي أرسلك، فاذهبْ بقوّتك هذه وخلّص بني إسرائيل من قبضة مديان... فقال له جدعون: "ناشدتُك يا سيّدي، بماذا أخلّص بني إسرائيل؟ فقبيلتي أضعف قبيلة في بني منسّى. وأنا الأصغر في بيت أبي". فقال له الربّ: "أنا معك وستضرب بني مديان كما لو كانوا رجلاً واحدًا". فقال له: "إن كنتَ راضيًا عليّ، فأعطني علامة أنّك أنت الذي تكلّمني. لا تذهب من هنا حتّى آتيك وأضع تقدمتي أمامك". فقال له: "أنا هنا حتّى تعود" (قض 6: 11-18).
جدعون هو الخامس بين القضاة الذين أوكل إليهم خلاص قبيلتهم أو شعبهم. جاء قبله عتنئيل فقلب الأدوميّين "واستراحت الأرض من الحروب أربعين سنة. ثمّ توفّي عتنئيل" (3: 10). ثم أهود الذي من قبيلة بنيامين. فخلّص قبيلته من عجلون ملك موآب (3: 14ي). ثمّ شمجر بن عنات (آ 31). وسبقت جدعون القاضية دبّورة التي استعانت بباراق، من قبيلة نفتالي (4: 4-5). أمّا جدعون فكان من قبيلة منسّى، ومن عشيرة أبيعازر (أبي عون). والده يوآش.
أمّا الخطر فجاء من بني مديان، وهي قبائل عربيّة من البدو كانت مراعيها شرقيّ خليج العقبة. اجتاحوا البلاد وما تركوا للسكّان "غنمًا ولا بقرًا ولا حميرًا" (6: 4). من أجل هذا، احتاجت الأرض إلى مخلّص. ولكنّ مثل هذا المخلّص لا يستطيع أن ينصّب نفسه، بل الربّ يدعوه. وينفحه بروحه روح القوّة.

ترد دعوة جدعون في خبرين، في قض 6. الأوّل الذي قرأناه الآن يشبه ذاك الذي يروي نداء الله إلى موسى في العلّيقة الملتهبة (خر 3: 1ي). كما إنّه يهيّئ الطريق لنداء مريم في البشارة (لو 1: 26-38). في الحالتين، الملاك حاضر. هذا الملاك هو مرسَل الله وممثّله. ففي أسلوب أدبيّ معروف، لا يريد أن يلامس الإنسان الله ملامسة مباشرة، يبدو الملاك وكأنّه وكيل الله ومن يحلّ محلّه ويلعب دوره. قال النصّ: "ملاك الربّ" تراءى لجدعون وقال الله (آ 12). هذا الملاك يدلّ على الله نفسه، الذي يجب أن يبقى بعيدًا في اقتراب أوّل. وفي آ 14، لن يعود الكلام عن الملاك. فقد اختفى بعد أن أعدّ الطريق. فنقرأ: "فالتفت إليه الربّ". إلتفت إلى جدعون. وكذا نقول في آ 16 وآ 23. حيث الربّ يجيب، يتكلّم. ولكن هنا، كما في عدد من النصوص الكتابيّة، لا يلاحظ المؤمن أنّه أمام الله إلاّ في نهاية الظهور. هذا ما نقرأ في آ 22: "فعلم جدعون أنّه ملاك الربّ (ظنّه إنسانًا من الناس). فقال: "آه، أيّها الربّ الإله (يتماهى الملاك هنا مع الله). رأيت ملاك الربّ (أي الربّ بالذات) وجهًا إلى وجه". ومن يقدر أن يرى وجه الله ويبقى على قيد الحياة. لهذا خاف جدعون. فقال له الربّ (لا ملاك الربّ. نلاحظ: مرّة يُقال: ملاك الربّ ومرّة يقال": الربّ): "سالمًا ستبقى. لا تخف. فإنّك لا تموت" (آ 23). وبما أنّ الربّ كان حاضرًا هنا، بنى جدعون له مذبحًا (آ 24).

في وضع جدعون هذا، أتى ملاك الربّ. هذا الرجل الذي كان على البيدر، ما كان لينتظر أن يراه. ونستطيع أن نقول الكلام عينه بالنسبة إلى مريم التي تلقّت سلام الملاك وتحيّته. في هذا المجال، كلّ مبادرة تأتي من الله. قيل لمريم: "الربّ معك"، وكذا قيل لجدعون. لا شكّ في أنّنا أمام عبارة تقليديّة في العالم الساميّ تعبّر عن التمنّى والدعاء بالخير. غير أنّ جدعون فهم ذلك على أنّه حقيقة يرافق المسؤولين ويعهدهم بعون الله. ثمّ إنّ المدعوّ يَسمع من يقول له في آ 16: "أنا معك" الآن. أنا سأكون معك. أمّا مرم، فالربّ يكون حقًّا معها – أو بالأحرى فيها: "ها أنت تحبلين وتلدين ابنًا وتدعين اسمه يسوع، هذا يكون عظيمًا وابن العليّ يُدعى" (لو 1: 31-32). أمّا متّى فتحدّث عن "عمانوئيل" أي ألهنا معنا (مت 1: 23).

دُهش جدعون. من هو لكي يُدعى إلى هذه المهمّة السامية، أن يخلّص شعبه؟ عشيرته أصغر عشائر منسّى، وهو الصغير في بيت أبيه (آ 15). ودُهشت مريم هي أيضًا. لا تعرف رجلاً. هي عذراء تبقى عذراء إذا أريد لها أن تكون أمّ المسيح. كانت عذراء قبل ولادة يسوع، وبعد ولادته. وحين كتب عنها إنجيلا متّى ولوقا، تحدّثا عنها أنّها العذراء، بحيث صار هذا اللقب اسمها، كما كان اسمها في إنجيل يوحنّا: "أمّ يسوع" (يو 2: 1). وفي نهاية اللقاء بالملاك، وبالأحرى بالربّ كان جوابها: "ها أنا خادمة للربّ". فلا يبقى سوى الطاعة لكلام الله.

نودّ هنا أن نورد مقطعًا من فرنسيس السالسيّ (1567-1622) يتحدّث فيه عن هذا النصّ: "إنّ حنان الله الكبير للبشر... عزم أن يرحمهم، فأرسل ملاكًا يبشّر جدعون بأنّه سوف يعيدهم إلى السلام الذي كان لهم من قبل، بواسطته. التقى به الملاك في موضع يدرس فيه القمح. فحيّاه بهذه التحيّة: "السلام عليك، يا رجلاً قويًّا بين البشر".

أوردنا أوّل خبر لدعوة جدعون، وقابلناه مع بشارة مريم على يد الملاك جبرائيل. وها نحن نورد الخبر الثاني الذي يبدأ بكلام جدعون لله: "إن كنت مخلّص بني إسرائيل بيدي". وهنا يأتي عنصر جديد: احتاج جدعون إلى علامة. وهذا أمرٌ عاديّ، قبله طلب موسى ونال. قال للربّ: "هم لا يصدّقونني ولا يسمعون لكلامي" (خر 4: 1). إذن، لا بدّ من علامة لحامل الرؤيا. فالعصا التي رماها موسى من يده تحوّلت إلى حيّة، ويده التي أخرجها من جيبه، صارت برصاء كالثلج (خر 4: 1-9). طلب العلامة قد يكون وسيلة للإفلات من نداء الله. ذاك كان وضع موسى الذي قال للربّ في النهاية: "أرسل من تريد، أرسل أحدًا غيري" (آ 13).

إنّ طلب العلامة عنصر جوهريّ في أخبار الدعوة، في العهد القديم كما في العهد الجديد. فزكريّا الكاهن الذي بشّره الملاك بميلاد يوحنّا المعمدان، طلب علامة: "فكيف يكون هذا وأنا شيخ كبير وامرأتي عجوز" (لو 1: 18). والعلامة ستكون صمتًا حتّى ولادة الولد. ثمّ نشيد المباركة (تبارك الربّ، آ 68) بعد أن كتب اسم الولد على اللوح: "اسمه يوحنّا" (آ 63). أمّا مريم فما طلبت علامة، ولكنّها نالت علامة: "ها أليصابات نسيبتك حبلى في شيخوختها... فما من شيء غير ممكن عند الله" (آ 36-37). في الواقع، ما طلبت علامة، وإن جاء سؤالها، في الخارج، شبيهًا بسؤال زكريّا (كيف يكون هذا؟). عرفت من كلام الملاك أنّها ستكون أمّ المسيح. إذًا، يجب أن تكون بتولاً. هي لم تعرف رجلاً ولن تستطيع بعد الآن أن تعرف رجلاً. فكيف تتصرّف؟ كيف تكون أمًّا وهي بتولٌ؟ هذا يتعدّى مفهوم البشر وإدراكهم. فما حصل لمريم لم يحصل لامرأة في العالم ولن يحصل: حبلها حبل إلهيّ. لهذا جاء الجواب من الله نفسه: لا تهتمّي. "الروح القدس يحلّ عليك" ويكوّن في حشاك المولود الذي هو ابن الله.

في الواقع، طلب جدعون آيتين، علامتين. وهذا بالرغم من أنّه يُمنَع على الإنسان أن يجرِّب الله. فقد قيل في سفر التثنية: "لا تجرّبوا الربّ إلهكم" (6: 16). واستعمل يسوع هذه العبارة ليردّ على إبليس الذي يريده أن يجرّب الربّ: يرمي بنفسه من أعلى إلى أسفل (لو 4: 9). لا تخف، قال له إبليس "يوصي ملائكته بك ليحفظوك، وهم يحملونك على أيديهم لئلاّ تصدم رجلك بحجر" (آ 11). وسوف تقول يهوديت لشيوخ الشعب ورؤسائه الذين أرادوا أن يضعوا شروطًا على الله: "من أنتم حتّى تجرّبوا الله، وتحلّوا محلّه في تدبير الأمور" (يه 8: 12). وكانت خطيئة العبرانيّين كبيرة حين تساءلوا في البرّيّة: هل الله معنا أم لا. أتراه تركهم وما بقي حاضرًا معهم. أيّ تجديف مثل هذا الكلام!

ومع ذلك، جرّب جدعون الله مرّتين. وتنازل الله معه مرّتين، فصنع له مشيئته، لأنّه أحسّ نفسه ضعيفًا، والحالة ميئوسًا منها: "فلماذا أصابنا ما أصابنا" (قض 6: 13). وبدا شبيهًا بالعبرانيّين: في الماضي فعل الله كما أخبرنا آباؤنا. أمّا اليوم فبدا أنّه لم يعد يحفل. أترى هو إله البرّيّة، لا إله الأرض المزروعة؟ كانت سلطته في جبل سيناء، وقد يكون خسرها في فلسطين! لهذا طلب آية ثمّ طلب آية لكي يكون أكيدًا من حضور الله ومساندته لهذا الذي يريد أن يخلّص الشعب بيده. مرّة أولى وضع شرطًا: "إن كنتَ مخلّص بني إسرائيل" (آ 36). في المرّة الثانية، ما تجرّأ أن يفعل، فاتّخذ لغة إبراهيم في دفاعه عن سدوم وعمورة: "لا يغضب سيّدي فأتكلّم" (تك 18: 30). وهنا جدعون قال لله: "لا يشتعل غضبك عليّ" (آ 39). لا تغضب عليّ! والربّ صبور معنا. قبل أن "يجرّبه" جدعون مرّتين. وفي كلّ مرّة يقول النصّ بعد الشرط الذي يضعه جدعون: "فكان كذلك" (آ 38). "وفي تلك الليلة فعل الربّ كذلك" آ (40).

ذاك يكون تصرّفه أمام توما الذي شكّ بالقيامة وارتاب، وطلب أن يرى في يديه "أثر المسامير". قال يسوع: يا توما،هات إصبعك إلى هنا وانظر يديّ"يو( 20: 22-25)

شرح إوريجانس هذا المشهد في عظته الثامنة حول سفر القضاة، فقال: "والآن نتأمّل في شرح هذا السرّ. قالوا: "جزّة جدعون مثّلت شعب إسرائيل، والأرض التي حولها صوّرت الأمم الوثنيّة. والندى الذي سقط على الجزّة هو كلام الله الذي أعطيَ لشعب إسرائيل وحده. فعلى أرض إسرائيل أتى ندى الشريعة الإلهيّة، ساعة تألّمت سائر الأمم من العطش، إذ ما جاءت نقطة ماء واحدة من كلام الله فولجتهم... الآن، على سطح الأرض، كلّها اجتمع شعبُ الأمم الوثنيّة فامتلك الندى الإلهيّ. تأمّله (هذا الشعب الجديد) بعد أن ولجه ندى موسى، فغمرته أقوال الأنبياء واخضرّ بمياه الإنجيل والرسول (بولس)..." 1- دعوة جدعون (قض 6: 11-18) 2- خبرتان للدعوة وجزّة جدعون (6: 36-40)

- الجزّة رمز إلى مريم

ذاك كان تفسير أوريجانس. انتقل من شعب إسرائيل الذي أتت إليه شريعة الله فشابه الجزّة التي نالت وحدها الندى، إلى الأمم الوثنيّة الذين نقصتهم أوّلاً "المياه" إلى أن اقتبلوا الإيمان. حينئذٍ غمرهم الماء، وكان جفاف لدى شعب إسرائيل الذي لم يؤمن بالإنجيل.

ويبرز أمامنا شرحٌ آخر، فنهتمّ له اهتمامًا خاصًّا. فالجزّة هي رمز مريم العذراء. اختلفت عن جميع البشر. فهي النقيّة، النقيّة. وولدت ابنها وهي بتول. ونالت سعادة السماء حين انتقلت بجسدها ونفسها ملء الانتقال. لهذا تميّزت عمّن يكون حولها، كما الجزّة بالنسبة إلى الأرض التي تحيط بها. أما دعتها إليصابات: المباركة من بين النساء، فوق النساء؟ فقد نالت بركة لم تنلها امرأة على الأرض. وفاقت جميع البشر، فكانت سلطانة الملائكة والبشر.

هنا نسمع العظة الثانية للقدّيس برنردس (1090-1153): "ما معنى جزّة جدعون هذه التي أخذت من البشريّ دون أن تجرح، إلاّ البشريّ الذي أخذ من العذراء دون إساءة إلى البتوليّة؟ إنّ السماوات قطّرت ندى السماء على مريم. ففاض فيها ملءُ اللاهوت بحيث نلنا كلّنا من هذا الملء، وإلاّ كنّا في الواقع أرضًا جافّة، قاحلة. قال مز 72: 6: "ينزل كالمطر على الجزّة". كلمات المرتّل النبويّة تنطبق بشكل عجيب على جزّة جدعون هذه. وتنطبق أيضًا على البيدر الذي بلّله الندى، هذه الكلمات التاليه: "ينزل مثل قطرات الندى على الأرض". فالندى العجائبيّ الذي يحتفط به الله لميراثه، يبدأ بهدوء، دون ضجّة تدخّل بشريّ، فينزل في حشا مريم البتوليّ. ثمّ يفيض في كلّ الأرض بفم الواعظين".

وقال دون سكوت، اللاهوتيّ الفرنسيسكانيّ في القرن الثالث عشر، في العظة 16: "يا مريم، ذاك الذي أردته وحدك، ذاك الذي أتى من حضن الآب إليك، هو أيضًا بك. ذاك الذي أتى إلينا. فالندى الذي لم يكن إلاّ على الجزّة، رطّب، بعد ذلك البيدر كلّه. والله جاء أوّلاً فيك، ثمّ أعيدَ لجميع الأمم. نزل أوّلاً على الجزّة، وبعد ذلك امتلكته الأرض كلّها. ولكنّه فاض على الجزّة مثل مطر غزير، وعلى الأرض مثل قطرات ماء. يسوع المسيح أتى أوّلاً من العذراء مع ملء النعمة. ثمّ دعى المؤمنين ومختاريه للمشاركة فيها. وهكذا، كما أنّ الندى نزل أوّلاً على الجزّة، ثمّ على البيدر، كذلك الربّ أتى على العذراء، وبوساطتها أتى بالإيمان إلى الكنيسة".

وقال القدّيس بوناونتورا (1221-1274) في العظة 143: "ينزل كالمطر على الجزّة. شُبّهت الطوباويّة مريم العذراء بالجزّة، لأنّ بالجزّة تُصنع الثياب، وصُنعت بشريّة يسوع المسيح من بشريّة العذراء لكي تكون لباسه. وقال القدّيس بولس في الرسالة إلى فيلبّي: "صار المسيح يسوع في شبه البشر (2: 7). فمن دم العذراء مريم النقيّ أخذ لحمه ودمه. وكما تؤخذ الجزّة من النعجة دون أن تجرحها، كذلك حُبل يسوع المسيح من العذراء بدون رجل، وولدته دون أن تخسر بتوليّتها. وكما امتلأت جزّة جدعون بالندى، هكذا امتلأت مريم بمواهب النعمة".

وقال بطرس الذهبيّ الكلام: "نزل المطر السماويّ فحلّ على الجزّة. مريم العذراء، فاختفى في جسدنا كلُّ ملء اللاهوت ففاض مطرًا خلاصيًّا.

الخاتمة

ذاك كان تأمّلنا في دعوة جدعون التي برزت في خبرين. في الخبر الأوّل قابلنا بين بشارة نالها جدعون وبشارة نالتها مريم. في الخبر الثاني، كانت جزّة جدعون الرابط مع مريم العذراء، الذي رأت فيها الكنيسة تلك المميّزة بين النساء. كما أنّ الجزّة اختلفت عمّا حولها، كذلك العذراء مريم. أمّا جدعون الذي "جرّب" الله مرّتين، فنال نعمة كبيرة أفهمتنا أنّ الله طويل البال، وهو يستعدّ أن يرافق ضعفنا ليعطينا القوّة ويتفهّم شكوكنا ليعطينا ملء الإيمان.

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM