الفصل الثاني عشر: تيودورس بركوني وسفر يشوع

الفصل الثاني عشر
تيودورس بركوني وسفر يشوع
عاش في القرن الرابع وترك لنا كتاب "سكوليون". اللفظ يونانيّ، ويعني التفسير والشرح. أمّا تيودورس، فيطرح هنا سؤالاً ويقدّم له الجواب. وها نحن نورد ما قاله في سفر يشوع، ثمّ في سفر القضاة.
السؤال 56: لماذا لم يهب الله وصاياه لجميع البشر بالتساوي؟
إن كان بالتساوي وهب لجميع البشر وصايا الناموس، فأنّهم كلّهم مالوا إلى الخطيئة. ولكن قد لا يقدرون كلّهم أن يحفظوها (= الوصايا)، بالضرورة. حينئذٍ أو تبطل أو لدى الجميع يُعلَن عقاب تجاوز الخطيئة. فاليهود وُجدوا خطأة أكثر من سائر الشعوب: "عرفوا الله وما مجّدوه على أنّه الله، ولا شكروه" (روم 1: 21).
وبما أنّ التدبير مزمع أن يتمّ من أجل خلاصنا، ختمها (= الوصايا) لدى الشعب الوحيد الذي منه سيظهر، لئلاّ يتبلبل مجيئه ويكون موضع للذين لا يطيعون. ومن المعروف أنّه بعد أن اختار شعب إسرائيل، فصل منهم سبط يهوذا. ثمّ من يهوذا بيت داود كما علّم الإنجيليّ متّى في توالي المواعيد، فبيّن أنّه بسبب مواعيد الله، ظهر مخلّصنا من إبراهيم وداود.
السؤال 61: لماذا أدخل الشعب في أرض الموعد؟
أوّلاً، ليثبّت الوعدَ لإبراهيم: "في الجيل الرابع يرجعون إلى هنا" (تك 15: 16). وإن لم يرجع في الجيل الرابع، فالله ما دجَّل، فشرُّهم منعهم وأعافهم. أو يكون حصل خطأ في التعداد. أو عدّ الجيل الرابع من يعقوب، الذي مات في مصر (تك 49: 33).
ثمّ بسبب سرعتهم في حبّ الشياطين، وجب أن يسكنوا وحدهم بدون اختلاط مع الشعوب.
السؤال 62: لماذا ما أسكنهم في مكان آخر، بل حيث أسكنهم. أما يكون هذا شرًّا، بأن تُخطف قنيةُ الآخرين وتوهَب لآخر؟
"لا شرّ لدى الله" (مز 17: 3). وما اعتاد أن يسيء إلى الآخرين ويظلمهم جورًا. فالذي أمر البشر وعلّمهم أن يكونوا أبرارًا ورحماء، كيف نفكّر أنّه يعمل شيئًا آخر؟ هو لا يلاحق الجهالات، يل يطيل روحه وينظر إلى إصلاحنا وتشهد الخطايا الفرديّة والجماعيّة التي يفعلها البشر في الخفية وعلنًا. فبسبب كثرة شرّنا وإثمنا نستحقّ أن نعود إلى لا شيء (إلى العدم).
هكذا لاق هنا الربّ أن يفعل. أوّلاً، بسبب خطيئتهم التي قويَت. هكذا سبق وعرّف إبراهيم: "حتّى الآن ما كملت ذنوبُ الأموريّين" (تك 15: 16). ثانيًا وجب أن يُعاقبوا. فإن طال إثمهم أساؤوا الواحدُ إلى الآخر، وظلمت عدالةُ الله. ولذلك حين أغرق فرعون، ما جاء عليه، بل وقاحتُه رفعته للغرق في المياه (خر 14: 23). هكذا أيضًا الكنعانيّون. ليس إكراهه لهم استقوى عليهم وهم فضلاء، بل شرُّهم قوي ودفع عليهم سيف بني إسرائيل. وما عوقبَ الكنعانيّون وحدهم بيد بني إسرائيل، بل العماليقيّون والأدوميّون والعمّونيّون والموآبيّون والفلسطيّون والآراميّون مع ما تبقّى من الآخرين. جُعلوا في شكل قضيب ضارب وسط الشعوب الغلف الذين لا إله لهم. وكما عوقبت الشعوب بيدهم، كذلك هم حين خطئوا نالوا العقاب بيد الشعوب ليُعرف اختبار الله العادل قيل: "هؤلاء الشعوب تركهم الله ليجرِّب بهم بني إسرائيل (قض 5: 1). وأيضًا: "يكونون لكم أوتادًا في أصداغكم وصنانير في عيونكم" (عد 33: 55؛ يش 23: 13)...
السؤال 63: لماذا كان التدبير بيد يشوع بن نون؟
هذا ما يشرحه بولس. قال: مثّل (هذا التدبير، سرّ راحة السماء." ذاك الذي دخل في راحته، ارتاح هو أيضًا من أعماله، كما الله من عمله" (عب 4: 10؛ رج تك 2: 3). وأيضًا: "نجتهد لكي ندخل في هذه الراحة" (عب 4: 11). بما أنّ "الشريعة كانت ظلّ الخيرات الآتية" (عب 10: 1)، أحسن منذ البدء ورسمها مسبقًا بأمور يشوع بن نون. أوّلاً، بتبديل اسم يشوع. سمّاه يسوع الربّ والمخلّص...
السؤال 65: لماذا أمر الله يشوع بن نون أن يدوروا حول أريحا، سبعة أيّام؟
كلامُ هذا الأمر برهانٌ على رحمة الله. ولكي يُعرّف أنّه لا يرضى بموت الخاطئ بل أن يتوب من إثمه ويعود" (خر 33: 11). كان باستطاعة الله، في رفّة عين، أن يدمّرها لو هو شاء، ولكنّه أطال روحه. فقد يُصلِحون بالتوبة آثامهم وينجون من العقاب الذي يهدّدهم. وإلاّ، فلأيّ سبب أمروا في اليوم السابع أن يدوروا سبعَ مرّات، وهذا كمال الاحتمال؟ لا أظنّ أنّ إنسانًا يجرؤ فيقول: لو دلّوا لا إصلاح مثل أهل نينوى (يون 3: 5؛ مت 12: 41)، لما نجوا في ساعتها من المجازاة والعقاب. نقول ونحن واثقون بقدرته: ذاك الذي يسهّل عليه أن يصنع كلّ شيء، أما كان باستطاعته أن ينتشل المضايقين من وسط الضيقات.
في هذا الخبر، توبيخ لإسرائيل البشريّ: كما سوف يعلّم ربُّنا المسيح فيما بعد، أنّ "السبت خُلق للإنسان لا الإنسان للسبت، وأنّ ربّ السبت هو ابن الإنسان" (مر 2: 27-28). فقد سبق ورسم صورة الحقّ. ففي هذه الأيّام السبعة، حُبس السبتُ في شكل من الأشكال: فقد لام مخلّصنا اليهود بجلاء أنّ الكهنة يحلّونه بنحر الذبائح (عد 28: 9؛ مت 19: 5). وأنّ داود صنع ما لا يحقّ له (1 صم 21: 1-7؛ مت 12: 3-4)، وأنّه يُسمَح لمن سقط ثوره أو حمارُه في بئر، يومَ السبت، أن ينتشله ويصعده (لو 14: 5).
السؤال 66: لماذا لم يُكشَف عاكان ساعة سرق؟
بهذا بيّن أيضًا أنّه يرغب كثيرًا في إصلاح المذنبين. فتطلّع إلى التحوّل والعودة إلى الفضيلة. ثمّ لكي يحسّوا حين يُضرَبون بضربة بني عاي، كم يكون قاسيًا تجاوزُ الإنسان لأمر الله: كيف نفت خطيئةُ واحدٍ لتضرب الكثيرين. وأعجبُ من كلّ هذا، إذ استطاع أن يكشف السارق، ما فعل، بل بيد القرعة أخرجه من وسط العشائر العديدة وعرّفه من هو (يش 7: 16-18). وهكذا علّم أمرين اثنين. الأوّل، لا تسطتيع القرعةُ أن تعمل هذا من نفسها. الثاني، ليعطي مكانًا للمذنب فيتوب. من الواضح أنّه لو تألّم وندم، لكان غُفر له. (اللفظ: اعترف) يعني اعترف أمام كلّ إنسان لا أنّ الله يعرف كلّ شيء. فقد ظنّ في جنونه أنّ "الربّ لا يرى، وأنّ إله يعقوب لا يفهم" (مز 94: 7).
السؤال 70: لماذا مدن الملجأ والخلاص؟
أوّلاً ليعلّم رحمة الله. ثانيًا، ليبيّن أنّ ما يُذمّ ليس فقط عمل القتل، بل النقمة والإرادة والاجتهاد في الشرّ. هذا ما نتعلّمه بوضوح من خبر قايين ولامك. الأوّل، قتل أخاه في الغضب، فورث الخوف والرعدة (تك 4: 12). والآخر، ما نال لومًا، لأنّه (فعل) بدون إرادته. فكثيرون يفكّرون في الشرّ ويخفونه، وحين يجدون المناسبة، يخرجون إرادتهم ويصنعونه. ثمّ يلجأون قائلين: ما حصل هذا بإرادتهم. أمّا هو (الربّ) فيعمل بحسب رحمته، ويحفظه للدينونة، ليوم الجزاء العظيم.

 

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM