الفصل السابع:حاصور أهمّ الممالك

الفصل السابع

حاصور أهمّ الممالك

حين يتحدّث سفر يشوع عن معارك يشوع، يذكر "يابين ملك حاصور" (يش 11: 1) ومعه ملوك آخرون في معركة عند مياه ميروم. ثم يقول:

"وعاد يشوع في ذلك الوقت، واجتاح حاصور، وقتل ملكها بالسيف، لأنّ حاصور كانت آنذاك أهمّ جميع تلك الممالك" (آ 10). لا نريد أن نتوقّف عند الأسلوب الملحميّ، الذي يجعل جميع مدن فلسطين في يد الله، عبر وكيله يشوع. ولا عند الأسلوب الدينيّ الذي يرى في زوال هذه الشعوب زوال الوثنيّة، التي لبثت حاضرة في فلسطين. هي محرّمة، أي يجب أن تكون مكرّسة لله، شأنها شأن الجماعة التي رافقت يشوع من موآب إلى أريحا وغيرها من المدن.

أمّا كلامنا هنا فيتوقّف عند حاصور، تلك الحاضرة الواردة في الكتاب المقدّسة، والتي كشفتها الحفريّات منذ نهاية القرن التاسع عشر.

هي تل القدح أو تل وقّاص. تلّة كبيرة واقعة إلى الشمال من بحيرة طبريّة، وتبعد عنها 15 كلم. وإلى الجنوب الغربيّ من بحيرة الحولة. تبعد 8 كلم عنها. فمدينة حاصور، إذا صحّ تحديد موقعها، هي عند سفح القمّة الشرقيّة لجبال الجليل، في نقطة ستراتيجيّة مميّزة. هي تشرف على طريق الاتّصال الرئيسيّة التي تربط مصر ببلاد الرافدين وأناتولية (تركيا).

أوّل عالم تعرّف إلى حاصور في تلّ القدح هو بورتر[1]. كان ذلك سنة 1875. وفي سنة 1929، تعرّف أيضًا إلى حاصور دون أن يدري بنظريّة بورتر، المنقّب الإنكليزيّ غارستانغ[2]. قام سنة 1928 بإرجاسات[3] في عمق الأرض على قسم من التلّ، ولكنّه لم ينشر سوى القليل من النتائج التي توصّل إليها. فوجب أن تكون الحفريّات منهجيّة بسبب أبعاد المدينة وموقعها سنة 1957-1958، كانت أربع حملات في تلّ القدح بقيادة يادين وبعد اسبارات سنة 1965. تنظّمت حملة خاصّة سنة 1968، فكشفت فيما كشفت، النظام الهدروليكيّ[4]، أي استثمار الماء. وهكذا أجمع الباحثون على أنّ تلّ القدح هو حاصور، وأنّ البئر تعود في الحقبة الأخيرة إلى سنة 732 ق.م.

1- تلّ بشكل قنّينة

حين ننظر إلى الموقع، نجد منطقتين متميّزتين. التلّ بحصر المعنى، وندعوه المدينة العليا، وهضبة مستطيلة، واسعة، تقع إلى الشمال وإلى الشرق من التلّ: هي المدينة السفلى. أمّا التلّ فتلّةٌ بشكل قنّينة يتوجّه فمها إلى الغرب وقعرها إلى الشرق. يرتفع 40 مترًا فوق أرضيّة وادي الوقّاص أبعاده كبيرة: من الشرق إلى الغرب بقياس 540 م في الطول عند الأساس، و470م من الشمال إلى الجنوب، في القمّة. مسحته قريبة من 6 هكتار، أي مساحة مجدّو، إذا حصرنا نفوسنا في المدينة العليا، جميع أبعاد الهضبة المستطيلة، هي أيضًا كبيرة: الطول من الشمال إلى الجنوب: ألف متر. والعرض من الشرق إلى الغرب، سبع مئة متر. تحدّه في الشمال والشرق والجنوب وديان سحيقة. وإلى الغرب، كان سور كبير على الهضبة. وقد صُنع بالتراب المضروب، وجُعل قبله خندق طويل يوازيه. هذه المنطقة المحصّنة حسبها غارستانغ مخيّمًا محصّنًا يستطيع أن يضمّ ثلاثين ألف رجل مع المركبات والجياد. ولكن سيُعرف فيما بعد أنّه سور المدينة المهمّة جدًّا. وقد لعبت دورًا رئيسيًّا، فذكرتها نصوص اللعنات المصريّة التي نشرها بوسنر[5]: هي تورد لائحة بالمدن المعادية في مناطق بعيدة عن المملكة. في ES نجد اسم حاصور واسم رئيسها. هناك تردّد موازٍ من هذا النصّ. بعضهم عاد به إلى القرن التاسع عشر مع السلالة الثانية عشرة. وآخرون بين 1800 و1750 ق.م. مع السلالة الثالثة عشرة. هذا ما يجعلنا في بداية البرونز المتوسّط II B. وهذا ما يقابل تأسيس المدينة السفلى.

ولا نكتفي بهذا النصّ المصريّ. فأرشيف ماري على الفرات يقدّم لنا معلومات دقيقة حول مدينة حاصور. في نصّ أوّل، يحدي ليم – والي القصر – يُعلم زجري ليم، آخر رئيس في مملكة ماري، بوصول مجموعة من الموفدين الآتين من حاصور ومن قطنة. وتعلّمنا الوثيقة نفسها أنّه كان للملك حمورابي سفراء أقاموا مدّة طويلة في حاصور. وفي رسالة ثانية، ورد اسم حاصور مع أسماء مدن أخرى هامّة في ذلك الوقت. وإن ذُكرت في نهاية اللائحة، فلأنّها تقع جنوبيّ سائر المدن المذكورة. وبحسب نصوص عديدة، تبدو مدينة حاصور مركزًا تجاريًّا يتسلّم القصدير من الخارج.

2- حاصور وتجارة القصدير

هذا المعدن الضروريّ لصناعة البرونز، كان من البضائع الرئيسيّة التي تصل من الشرق، من الهضبة الإيرانيّة، أو من الشمال على حدود الكوكاز. بعد عبوره في ماري التي كان يحفظ عندها بعض المرّات ما يقارب خمسمئة كلغ من هذا المعدن. وجزء منه كان موضوع تجارة مع مدن أخرى كبيرة مثل حاصور. وتوقّفت تجارة القصدير هذه، مع شهادات تقدّمها سورية وفلسطين حيث وُجد نتاج كبير من الأوعية في الحقبة البرونزيّة الوسيطة II B. وبما أنّ نسبة النحاس والقصدير لدمج البرونز كانت ستّة تجاه واحدة وتسعة تجاه واحد، فعشر وزنات (5 كلغ) من القصدير كانت كافية لصنع 30 أو 45 كلغ من الأوعية البرونزيّة. وهكذا نكوّن فكرة عن اتّساع هذه التجارة حين نورد نصًّا نشره دوسين[6]، بحسب هذه الرسالة، تسلّم ملك حاصور، ابني هدد، ستّين وزنة قصدير أي 30 كلغ في ثلاث دفعات مختلفة. وهكذا كانت رباطات حاصور ببلاد الرافدين، ولا سيّما بماري، أكثر من رباطات سياسيّة. بل كانت تجاريّة أيضًا. في القرن الثامن عشر، ذُكرت فقط مدينة حاصور وحدها، بين مدن فلسطين في نصوص ماري، هذا إذا جعلنا جانبًا لاكيش التي ستصبح دان، والتي كانت مركز التوزيع لبيع القصدير في فلسطين.

لاحظنا اسم ملك حاصور. ابني هدد. هو شكل أكّاديّ لاسم ساميّ غربيّ (الفرات): يبني هدد. هل نستطيع أن ننطلق من هذا الاسم لنقدّم فرضيّة تقول إن اسم يابين المذكور في يش 11: 1؛ قض 4: 2-3، هو اسم سلالة حملها ملوك أشور حتّى القرن الثالث عشر؟ حتّى الآن، نحن في فرضيّة لم تجد ما يثبّتها.

وتُذكر حاصور أيضًا في لوائح المدن السوريّة الفلسطينيّة التي احتلّها الفرعون تحوتمس الثالث (1504-1450). نقرأ هذه اللوائح على جدران هيكل أمون الكبير في الكرنك. وفي الحقبة عينها، نذكر برديّة كهنوتيّة (هيراتيّة) في سان بترسبورغ (روسيّا) (No 1116 A versa)  تذكر مرّتين مدينة حاصور. في محاضر آتية من إدارة الأمراء في المقام الملكيّ )فارو. لنا فسار( قرب ممفيس (مصر). نجد فيها تسجيلاً للمؤمن والجعة المعطاة لمتخلف الوفود الآتية من المدن الفلسطينيّة الواقعة، بشكل رئيسيّ، في الجليل وفي سهل يزرعيل. هؤلاء الموفدون هم أسيادنا (مريانو) في جاحي[7] الذي هو الاسم المصريّ لفلسطين. انتمى هؤلاء إلى النبلاء العسكريّين ولا ندهش إن رأيناهم يُرسَلون إلى فرعون.

3- ملك حاصور يتحدّى مصر

وذُكرت حاصور أيضًا بين المدن الممثّلة في زمن الفرعون أمينوفيس الثاني (1450-1425). غير أنّنا نجد تفاصيل أكثر حول الموقف السياسيّ لملك حاصور في مراسلة تلّ العمارنة الدبلوماسيّة، التي تعود بشكل خاصّ إلى حكم أمينوفيس الرابع (1370-1352). سُجّلت في رسالتين تشكّيات جيران مدينة حصرون: إليك ما كتب ابن عبدي ملكي، أمير صور، إلى الفرعون: "ملك مدينة حاصور ترك مدينة وأخذ جانب ساغاز"[8]. وبعد ذلك بقليل نقرأ: "أرض الملك انضمّت إلى ساغاز (رسالة رقم 148). هؤلاء الساغاز أو عابيرو، هم جنود مرتزقة استند إليهم ملك حاصور لكي يوسّع مملكته، ويزدري، في الوقت عينه، بالسلطة المصريّة.

وتشكّي أبّاب، أمير عشتارتو (بلاّ في شرقيّ الأردنّ) يبدو أكثر وضوحًا: "ها ملك حاصور أخذ منه ثلاث مدن. فما إن علمتُ بالأمر، حتّى أمرتُ أبدأ الحرب عليهم حتّى يعرف بالأمر، الملكُ سيّدي" (رسالة رقم 364). وهكذا بدا ملك حاصور صاحب سلطان. أعطيَ لقب ملك، وهو لقب يُحفظ عادة للفرعون. ما تردّد بأن يدعو نفسه "ملك" مدينة حاصور. وهذا ما لا نجد موازي له في جميع الرسائل التي بعث بها ملوك كنعان. ففي هذه الرسالة (رقمها 227)، أكّد ملك حاصور للفرعون، أنّه يحمي المدن الواقعة تحت سلطة فرعون إلى أن يصل. لهجة الرسالة واضحة تجعلنا ندرك قوّة ملك حاصور. في رسالة ثانية (رقم 228) تحتفظ لنا باسم "ملك"، نجد نفوسنا أمام مضمون غامض بعض الشيء بالنسبة إلينا: "ليتذكّر سيّدي كلَّ ما صُنع ضدّ مدينة حاصور، مدينتك وضدّ عبدك". فما الذي حدث؟ أترى أُجبر ملك حاصور أن يترك مدينته؟ وما هي الضغوط التي واجهته؟ أم أنّ جيرانه افتروا عليه فحاول أن يدافع عن نفسه؟ لا نستطيع أن نجزم في هذا الوضع. ولكن تبقى لهجة هذه الرسالة الثانية أكثر توضعًا من الأولى.

وتّذكر حاصور أيضًا في عهد سيتي الأوّل (1302-1298) في لائحة المدن المحتلّة، ثمّ في برديّة أنستاسي I التي تعود إلى عهد رعمسيس الثاني (1298-1292). في هذا النصّ الأخير، يُطرح على كاتبٍ السؤال التالي: "في أيّ طريق يمضي الموفد الحربيّ لكي يصل إلى حاصور؟ بماذا يشبّه نهرها؟" فكلّ هذه النصوص تتضمّن وجود مدينة في حقبات مختلفة. ومن الوجهة الأركيولوجيّة، التلّ الذي عليه يحدّد موقع حاصور، سيتألّف من طبقات تعود إلى البرونز المتوسّط والبرونز الحديث.

4- قبائل يشوع في حاصور

بعد أن تفحّصنا النصوص الآتية من خارج البيبليا، نعود إلى النصوص البيبليّة وإن كانت قليلة تلك التي تذكر حاصور. ففي يش 11: 1-9، نرى يابين ملك حاصور على رأس حلف يضمّ في ما يضمّ يوباب ملك ميروم. يرى معظم الباحثين هنا حدثًا تاريخيًّا حصل في الجليل الأعلى، بالقرب من حاصور. وفي تواصل مع هذا الخبر، يُذكر ذكرًا سريعًا الاستيلاء على حاصور وحرقها (آ 10-11). نظنّ أنّ هذا العمل تشكّل بسبب النصر قرب ميروم. من قام بهذا العمل؟ لا كلّ إسرائيل، بل قبائل الشمال وخصوصًا زبولون ونفتالي. ربّما أشار قض 5: 18 إلى معركة ميروم إذا اعتبرنا أنّ هذا القول عن القبيلتين يتطلّع إلى مشاركتهما في المعركة هذه، لا في معركة تعنك كما يرويها سفرُ القضاة في الفصلين الرابع والخامس.

وتتعقّد الأمور إذا قرأنا قض 4-5 في تواصل مع سفر يشوع. ففي معركة تعنك، ذكر قض 4 يابين ملك حاصور، هل هو الملك الذي ذكره سفر يشوع؟ وهل حمل ملكان اثنان الاسم الواحد؟ وهل سبقت معركة تعنك معركة ميروم وبالتالي دمارَ حاصور؟ تنوّعت الحلول لحلّ هذه الصعوبات التي تلاقينا في النصّ البيبليّ. في خبر القضاة، نلاحظ أنّ عدوّ "بني إسرائيل" هو سيسرا وجيشه، كما يقول نشيد دبورة (قض 5: 26-31)، حيث لا وجود ليابين، بل لسيسرا الذي يبدو ملكًا. ثمّ إنّ يابين ليس في قلب الخبر، إنّما هو موضوع إشارات عابرة (قض 4: 2-3، 17). والآن، يبدو الحلّ الأفضل بأن نقول: امتزج الحدثان، لأنّ قبائل الشمال التي دخلت هي هي المذكورة هنا وهناك إن كان الأمر صحيحًا، فهذا يعني أنّ القبائل دمّرت حاصور في نهاية القرن الثالث عشر.

وحين نعود إلى 1 مل 9: 15، نعرف أنّ حاصور هي إحدى المدن التي أعاد بناءها وتحصينها الملك سليمان، في القرن العاشر. وذاك كان أيضًا وضع مجدّو وجازر. وفي 2 مل 15: 29، نعرف أنّ حاصور وعددًا من مدن الجليل، قد احتلّها الملك الأشوريّ تفلت فلاسر، سنة 732. بعد ذلك الوقت، صارت الوثائق نادرة. نصل إلى حقبة الحشمونيّين مع يوناتان (160-143) الذي قال عنه 1 مك 11: 67 إنّه خيّم في سهل حاصور استعداد لمقابلة ديمتريوس الثاني سنة 147. هذه المعلومة لا تتيح لنا أن نستنتج أنّ المدينة صارت مأهولة. ويذكر المؤرخ اليهوديّ فلافيوس يوسيفُس حاصور، في القرن الأوّل المسيحيّ. فقال إنّها قريبة من بحيرة ساماخونيتيس[9] أي بحرة الحولة التي لم تعد موجودة اليوم بعد أن جفّفت على يد دولة إسرائيل.

5- التنقيبات وعلم الآثار

حين نقابل المعطيات النصوصيّة ولوحة الطبقات في حاصور، نفهم أنّ تضاربًا في القول بأنّ حاصور هي تلّ القدح. هذا الاستنتاج الأوّل الذي يعرّفنا إلى موقع المدينة القديمة، لا يعكس غنى الملاحظات الأركيولوجيّة خلال الحملات الخمس من التنقيبات.

بدأت الإقامة على التلّ في نهاية البرونز القديم، أي حوالي سنة 2700 ق.م. وتواصلت خلال البرونز المتوسط  III(265-2350) لم يبقَ من الحقبات التالية إلاّ دلائل قليلة، لأنّ في المتوسّط I كانت قبائل نصف يدويّة فما تركت أثرًا لمرورها سوى الفخّاريّة. ولأن في المتوسّط II A (1950-1750) لم يبقَ سوى بيوت بدائيّة وبعض المدافن. مع الطبقة XVII على التلّ، والطبقة الرابعة على الهضبة بدأت الحقبة الكبرى من الازدهار لحاصور. هي حقبة البرونز المتوسّط II B. هذا ما يقودنا إلى سنة 1750 ق.م. تقريبًا.

أ‌-     المدينة الكنعانيّة

على الهضبة التي هي مدينة حاصور السفلى، فُتحت أكثر من ورشة. فالسور المصنوع بتراب مضروب إلى جهة الغرب، بدا كبيرًا جدًّا. كان سمكه في طرقه الجنوبيّ 90 مترًا، وارتفاعه 15 مترًا. وحُفر خندق غميق عند خطّ السور. في الورشة K كُشف باب المدينة الذي شيّد أكثر من مرّة، في الموقع نفسه، كلّ الزمن الذي فيه وُجدت المدينة السفلى. وبرزت عمارات عديدة في مختلف الورشات، فكانت البرهان أنّنا أمام مدينة. في الورشة H، كُشف عدد من الهياكل منذ الطبقة الثالثة حتّى الطبقة الأولى أ. وأهمّ ما فيها هيكل الطبقة الأولى ب، لقارئ العهد القديم. فتصميمه يختلف عن تصميم الهياكل السابقة، ويشتمل ثلاثة أقسام بُنيت في شكل متلاحق من الجنوب إلى الشمال: تضمّن الرواق والقاعةُ الرئيسيّة وقوسُ الأقداس، كوّة مستطيلة في القسم الشماليّ مع عدد من الأغراض العباديّة. قدَّم لنا هذا الهيكل تصميم معبد قريب من هيكل سليمان. ثمّ إنّ الاكتشافات على التلّ دلّت على ازدهار حاصور بين سنة 1750- وسنة 1550، وإن بدا بعض الانحطاط في نهاية البرونز الحديث.

مع الحقبة "الإسرائيليّة" نجد معطيات عديدة تهمّ المؤرّخ فالطبقة XII على التلّ والطبقة I في المدينة السفلى، اللتان تعودان إلى البرونز الحديث، قد دُمِّرتا في نهاية القرن الثالث عشر. وهكذا لم تَعُد تبنى هذه المدينة الكنعانيّة كما كانت. والتقليد الذي يورده سفر يشوع يبدو معقولاً.

بعد فترة من الزمن، وفوق بقايا الطبقة XIII نرى أنّ جزءًا من التلّ صار مأهولاً في حقبة الحديد I (الطبقة XII). الطابع النصف البدويّ للسكّان يظهر من خلال ما كُشف: أهراء عميقة، مواقد نار، أساسات من أجل العرزال أو لنصب الخيام. والفخّار الذي يعود إلى الثاني عشر يُشبه الذي وُجد في أماكن فقيرة في الجليل الأعلى، ويعود إلى الحديد I. في الحقبة XI وعلى قسم محدود من التلّ، تكشف بعض الأبنية حول معبد الفخّار يعود إلى القرن الحادي عشر. وهكذا، فالمؤرّخ الذي يتفحّص الطبقات XIII إلى XI على التلّ، يقدر أن يحدّد حقبة تدمير حاصور على يد "بني إسرائيل.

ب‌-حاصور التي حصّنها سليمان

ما أعيد بناء حاصور كمدينة محصّنة إلاّ في الطبقة X، أي في عهد سليمان. اكتشف سور مع موانع في القسم الغربيّ من المدينة العليا القديمة، وبوّابة مدينة مع ستّ غرف، كلّ ثلاث من جهة، مع برجين لحماية المدخل. طريقة بناء السور وتصميم الباب يشبهان ما في جازر وفي مجدّو.

ج- مدينة أخاب

في الطبقة VIII برزت حقبة جديدة من الازدهار لحاصور، ودليلنا الأعمال العامّة التي تمّت على التلّ. وهذا ما اختلف عن الطبقة X. فالمدينة العليا القديمة كلّها، حُصرت في سور متداخل مع بقايا من سور سليمان التي استُعملت في بناء المخازن. في الورشة G كُشف حصن أماميّ. كان جزءًا من التحصينات لحماية باب خفيّ عرضه متر ونصف المتر. في قلب المدينة، كشفت عمارة كبيرة عامّة، مع صفّين من العواميد المونوليتيّة (من حجر واحد) التي ترتفع مترين عن الأرض. قد يكون هذا المبنى المخزن الملكيّ الذي استعمل أيضًا في الحقبة التالية (الطبقة VIII). في غربيّ المدينة (ورشة B) كانت قلعة تحيط بها المباني. إذا أضيف إلى كلّ هذا النظام المائيّ. نستطيع أن نعود بهذه المدينة إلى زمن أخاب ملك إسرائيل.

د- قلعة الأشوريّين

وبقيت مدينةُ الطبقة VIII موجودة حتّى الطبقة VII. وفوق هذه، مدينة يربعام الثاني (الطبقة VI) مع بنايات رائعة ولكن مع الشعور بالازدهار، نحسّ ببعض الأحمال في ما يتعلّق بالأبنية العامّة، بما فيها القلعة الغربيّة التي لبثت في الاستعمال. دمّر المدينة زلزال تحدّث عنه العهد القديم (عا 1: 4؛ زك 14: 5)، فحلّ محلّ مدينة الطبقة VI مدينة الطبقة V التي كانت آخر مدينة إسرائيليّة محصّنة أعاد السكّان بناء مدينتهم حسب التصميم الماضي. وتقوّت المدينة لتواجه المدّ الأشوريّ. ويمكن أن نحدّد تاريخ الطبقة V مستندين إلى 2 مل 15: 29 وعلامات الدمار: جاء الجيش الأشوريّ، سنة 732 ق.م.، بقيادة تفلت فلاسر. فلم تعُد المدينة بعد ذلك الوقت قويّة ومزدهرة. إذا وضعنا جانبًا بعض الأبنية "الإسرائيليّة" (الطبقة IV)، انحصرت الإقامة بقلعة  (ورشة B) تسند الجيوش التي تجتاح البلاد. فمرّ الأشوريّون والبابليّون (طبقة III) والفرس ( طبقة II) والإسكندر وخلفاؤه (طبقة I). وحدها الحقبة الفارسيّة دلّت على بعض الامتداد لحاصور.

 

خاتمة

وهكذا التقت المعلومات الآتية من الكتاب المقدّس ومن النصوص اللابيبليّة، مع الحفريّات التنقيبات فعرّفتنا إلى مدينة صارت اليوم خرابًا لا يزورها إلاّ السوّاح والباحثون عن تاريخ مدن فلسطين وسائر بلدان الشرق الأوسط[10].

 



[1] J.L. Porter

[2] J. Garstang

[3] Sondage

[4] système Hydraulique: بئر مع نفق كبير، ودرج يوصل إلى عمق البئر (16 مترًا تقريبًا).

[5] G. Posener

[6] G. Dossin

[7] maryannu de Diahi

[8] SA. GAZ.

[9] Semachonitis

[10] J. Briend, Bible et Terre Sainte, no 156, (déc 1973), p. 3-6.

 

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM