إعتماد يسوع
3: 13- 17
إنفتحت السماوات وهبط الروح على يسوع.
يبدو عماد يسوع من الأحداث النادرة التي توردها الأناجيل الأربعة كلّها: هذا ما يدلّ على أهمّيّته في ذاكرة المسيحيين الذين اعتقدوا بأنّ كل شيء بدأ هنا. لن نعرف أبداً ما الذي حصل بدقّة. إنضمّ يسوع إلى كلّ الجموع التي تتزاحم حول يوحنا لكي تقبل العماد، فجاء إلى ضفّة الأردن. وحين دوّن الإنجيليون التقاليد، رووا الحدث مع نظرة تأمّلّية عميقة على ضوء خبرة الفصح والقيامة: عرفوا حقّاً هذا الحدث، فتجلّى إيمانهُم في خبرهم.
وتفرّد متّى بين الأناجيل الأربعة فأورد الحوار بين يسوع والمعمدان. تردّد يوحنا في تعميد ذلك الذي هو بلا خطيئة. وهذا التردّد يعكس رفض المسيحيين الأوّلين القول بأن يسوع، إبن الله، قد خضع لعماد التوبة. لا جدال في واقع العماد. ولكنّ المسألة كانت في مدلوله.
لا يطيل متّى الحديث عن العماد نفسه. ولكنّه يشدّد على نتائجه الهامّة. بعضها يتوجّه إلى يسوع: يبدو أنّ يسوع وحده رأى الروح. والبعض الآخر يتوجّه إلى كل الشعب: إنفتحت السماء وأعلن الصوت إعلاناً (بصوت جهير) هويّة يسوع كإبن الله.
حين دُوِّن هذا الخبر، كان الرسل قد عرفوا الفصح والقيامة. لهذا استطاع متّى لا أن يقول لنا فقط أنّ شيئاً قد بدأ، أو أن يروي لنا حدثاً خارجيّاً، بل أن شيئاً إلهيّاً بدأ حقّاً. إنفتحت السماء بعد أن كانت مغلقة حتى الآن. فهناك تقليد يهوديّ يؤكّد أن الروح غاب من إسرائيل منذ القرن الثاني ق. م. فلم يترك للجماعة إلاّ ظلّه. إن انغلاق السماء يعني نهاية الأنبياء وبالتالي صمت الله. وفي الواقع، منذ سنة 150 ق. م. تقريباً، ترك الأنبياء مكانهم لأهل الجليان والرؤى، إلى هؤلاء الشهود عن غياب الله والموكّلين بأن يعلنوا عودته القريبة.
عرف المسيحيون الأوّلون أنّ هذا الانغلاق انتهى على ضفة الأردن في شخص المعمدان وبعد مجيء يسوع. لقد عاد الله يكلّم شعبه، فرأى في يسوع لا نبيّه فحسب، بل ابنه الحبيب. إستعاد متّى كلمات أشعيا التي تدلّ على خادم الله وعابده، فتجاوز هذه الصورة. لقد استنار المسيحيون بنور القيامة فعرفوا أن يسوع هو ابن الله حقّاً، هو ذلك الذي أرسله الله إلى البشر ليقول لهم آخر كلمات الله.
يدلّ هذا الخبر على أنّ الجماعة وعت عظمة العماد المسيحيّ ومتطلّباته. فهذا العماد يجعل كل مؤمن في حضرة الآب، في الروح، وعلى خطى الابن.
حين أَعتمِدُ "أصعَدُ" من ماء الخطيئة والموت بقدرة الروح. حين أَعتَمدُ، أَكتشف نفسي "الابن الحبيب". حين أعتمِد، يقودني الروح مع يسوع إلى برّيّة العالم لكي أنتصر معه على المحن وأُتمّ رسالتي.
بما أنّك تعمّدت في فصح المسيح وقيامته، كن متنبّهاً إلى تمتمات الروح الساكن في قلبك. فهو نورك وهو يدعوك إلى السهر الداخلي. حينئذٍ تتقبّل ينابيع الحياة والسلام والفرح. حينئذٍ تسمع خطى الربّ الذي يبحث عنك. حينئذٍ تتغلّب على أكاذيب الشّرير وقوى الشّر. حينئذٍ تتشجّع وترفض كل ظلم وكل بغض. حينئذٍ تتحرّى "علامات الأزمنة" وسط شعب الرجاء وتعمل وسط مملكة الحبّ لتعجّل في مجيء الربّ يسوع.
نحن ندخل في الماء مع المسيح، نتعمّد، نغطس في موته وقيامته، ندخل في روح الحبّ والنار كما في العنصرة، ونسمع صوت الآب يقول لنا: "أنتم أبنائي الأحبّاء. المجد للآب الذي صيرَّنا له أبناء!