القسم الخامس :رسالة يوحنا المعمدان

رسالة يوحنا المعمدان
3: 1-12

أعدّوا طريق الربّ واجعَلوا سُبُلَه قويمة.
نحن نسمع نداء يوحنا المعمدان يدعونا لكي نعدّ طريق الربّ.
يقابل متّى بين السابق (سبق المسيح) والأعظم (يأتي بعدي من هو أعظم منّي). ما قاله يوحنا سيكون قلب التعليم الإنجيلي: إقتربَ ملكوت السماوات (4: 17). ولكن، إن بشرَّ يوحنا بعماد التوبة، فهذا العماد لا يُعطي بعد "مغفرة الخطايا". فهذه المغفرة ستتمّ بدم العهد الجديد الأبديّ، بدم يسوع الى الصليب (26: 28).
إجتمع الفرّيسيون والصادوقيون ضد رسول السماء (21: 25). ولكن يوحنا سيوبّخهم (يا أولاد الأفاعي) كما سيوبّخهم يسوع نفسه (12: 34). فالانتماء إلى سلالة إبراهيم لا يكفل الخلاص: يجب أن نُتمّ الأعمال التي تدلّ على صدق توبتنا. إذن، هناك تنبيه: يجب أن تطابق أعمالُنا أقوالَنا (ليس من يقول: يا ربّ، بل من يعمل).
وفي النهاية، إنّ التوبة المطلوبة هي أكثر من إصلاح أخلاقي (لا تعمل). نستعدّ بالتواضع لكي نستقبل ذلك الذي يعمّد وحده بالروح القدس والنار. للنار مدلولان. هي تحرق. تحرق التبن والقش. ولكنها تطهّر، تطهّر المعدن الثمين. أي نوع نحن؟ قش يُحرَق أم معدن في بوتقة الله؟
هذا الإعلان الأوّل للعماد يقابل الإعلان الأخير على جبل "الصعود". عمّد يوحنا، ويسوع سيعمِّد. أو بالأحرى إن كنيسته ستعمّد الأمم كلها باسم الآب والابن والروح القدس (28: 19).
قد نجد في "بريّتنا" الخاصة حدثاً أو شخصاً أو نداءً داخلياً يصبح صوتاً نبوياً. يصبح مثل صوت يوحنا المعمدان الذي يدعونا لكي نحوّل وجهة حياتنا، لكي نبدّل تراتبية خياراتنا (ما هو الأوّل في حياتنا؟). هذا الصوت يدعونا إلى النور، فنميّز في هذه المرحلة من حياتنا طريقاً يقودنا إلى الجوهر.
كل شيء عطية، كل شيء نعمة. والخلاص هو ثمرة حبّ مجانيّ وعهد في يسوع الذي صار بشراً. وقرار الله بأن يأتي إلينا على طرق البشر هو إنجيل وخبر سارّ، وهو يفرض علينا تبدّلاً في نظرتنا إلى الله. ليس هو البعيد، إنه القريب بل أقرب إلينا ممّا نحن قريبون إلى أنفسنا.
التوبة ليست أوّلاً إنتقالاً من الرذيلة إلى الفضيلة، بل تهيئة طريق قلبنا، وانفتاح على هذا الحدث غير المألوف في دنيا البشر. التوبة هي قبل كل شيء إيمان بأن يسوع هو ملك الحبّ الذي يقترب من الإنسان، بأنّه جاء يعمّد الإنسان في الروح القدس والنار.
لا يكفي بأن نقول: نحن أبناء ابراهيم. نحن أبناء هذا الشعب وهذه الطائفة! فالمسيح يدعو كلّ واحد باسمه وينتظر منّا أن نتعلّق به تعلّقاً شخصياً. حياتنا كلها لا تكفي من أجل هذه المسيرة. فليزعزعنا وحي سرّ الله وسرّ مصيرنا.
والتوبة تعني أن نحمل الثمار، أن نجعل حياتنا موافقة مع هذه البُشرى. ليس من الضروري أن نتخيّل "غضب الله" الذي يشبّهه يوحنا بغضب سيّد على عبده. نحن هنا أمام طريقة بشريّة تقول: إنّ رفضنا لعطيّة الله، وانغلاق قلبنا يصلان بنا إلى دمار ذواتنا، إلى الموت. في هذا المعنى، وُضعت "الفأس" على أصل الشجرة، على أصل قراراتنا وأعمالنا كلّها. بعضها سيكون ينبوع حياة والبعض الآخر ينبوع موت.
ما الذي يدلّ على صدق توبتنا ونوعيّة تجذرنا في المسيح؟ أعمالنا والثمار التي نحملها.
أعلن يوحنا المعمدان حالة الطوارىء. لقد تمّ الزمان. جاء يسوع يشعل النار على الأرض (لو 12: 49). هناك أوّلاً نار يوم الغضب للذّين يرفضون أن يتوبوا ويحملوا ثمار توبة. "فكلّ شجرة لا تُثمر ثمراً طيّبا تُقطع وتُلقى في النار".
النار هي إحدى الصور الشعبيّة التي تدلّ على الدينونة والحكم على الأشرار. وهناك نار جهنّم. ولكنّ الإنجيل لا يتحدّث فقط عن النار التي تدمّر. فيوحنا يعلن عن عماد "في الروح القدس والنار". في العنصرة، تعمّد التلاميذ في النار (أع 2: 3) لكي يكونوا شهوداً للقيامة. حينئذِ صارت النار بوتقة جديدة (تُصفّى فيها المعادن)، وشعلة تلمع في عيون المرتدّين إلى المسيح، وحرقة في قلب الذين كُسر لهم الخبز وأُشعل المصباح من أجل نشر البشارة.
أجل، أتركوا هذه النار تحرقكم!

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM