الفصل الثالث عشر :الأسفار القانونيّة في العهد الجديد والأسفار المنحولة

الفصل الثالث عشر
الأسفار القانونيّة في العهد الجديد
والأسفار المنحولة

سنةَ 382 انعقد مجمع في رومة برئاسة البابا دماسيوس (366- 384) وأعلن قرارًا (سمّي فيما بعد "قرار دماسيوس") يحتوي لائحة أسفار الكتاب المقدّس بعهديه القديم والجديد. يقول هذا القرار: ونتطرّق الآن إلى الكتب الإلهيّة التي تقبلها الكنيسة الجامعة... وبعد أن يعدّد أسفار العهد القديم يتابع كلامه. وأيضاً، لائحة أسفار العهد الجديد الأبديّ التي تلقّتها الكنيسة المقدّسة الكاثوليكيّة، أناجيل متّى ومرقس ولوقا ويوحنّا (4 أسفار)، ورسائل القدّيس بولس إلى أهل رومة وكورنتوس وأفسس وتسالونيكي وغلاطية وفيلبّي وكولسّي، وإلى تيموثاوس وتيطس وفيلمون والعبرانيّين (14 سفرًا)، ورؤيا يوحنّا وأعمال الرسل (سفران)، والرسائل القانونيّة السبع لكلّ من الرسل بطرس ويعقوب ويوحنّا ويهوذا (7 أسفار).
هذه اللائحة سيوردها الآباء مرارًا، وستعلنها الكنيسة في مجامعها فترفض وتحرّم كلّ ما نسمّيه كتبًا منحولة كتبها أحد الأشخاص ونسبها إلى رسول من الرسل. أجل، إزاء الكتب المسمّاة قانونيّة نجد الكتب المنحولة. ونحن سنتساءل في مقالنا هذا عن الإطار الذي حدَّدت فيه الكنيسة لائحة الكتب التي تقرأها في اجتماعاتها المقدّسة لأنّها تعتبرها قاعدة إيمانها، ثمّ نستعرض الأسفار المنحولة التي تخفّت وراء أسفار العهد الجديد لتروج وتشتهر في صفوف المؤمنين.

أ- كيف تكوَّن قانونُ العهد الجديد؟
يقول المثل اللاتينيّ: يعيش الإنسان أوّلاً ويتفلسف ثانيًا. ونحن نقول: إنّ الكنيسة عاشت عقائدها قبل أن تجد الحاجة إلى تحديدها، وقرأت الأسفار أجيالاً قبل أن تشعر بالحاجة إلى وضع لائحة الأسفار القانونيّة (أي قانون العهد الجديد) التي تحمل إليها وحي الله وإلهامَه. فلولا انحراف في الدين وعدول عن جادة الصواب لظلَّ التقليد ينتقل في كنيسة المسيح حيًّا نقيًّا من كلّ شائبة. ولكنّ التيّاراتِ العديدةَ التي دفعت كتّاب العهد الجديد إلى أن يدوّنوا ما سمعوه ورأوه واختبروه ستدفع الآباء والمعلّمين في الكنيسة إلى تثبيت الكتب القانونيّة واستبعاد سائر الكتب التي دوَّن أكثرها الهراطقةُ والمنشقّون.

1- التقليد الحيّ
إنّ ما يميّز التقليد الحيّ هو تواصله واستمراريّته. لقد انتقل تعليم المسيح بغير انقطاع من يد الرسل إلى يد الذين حملوا المشعل بعدهم. كان للرسل دور في تثبيت نصوص العهد الجديد، وكان لخلفائهم دور في جعل هذه الوديعة المسلّمة إليهم تثمر أفضل الثمار في العالم. ولقد تمّ هذا الانتقال منذ أيّام الرسل الذين أَوْكلوا إلى من بعثوهم الكرازة بالإنجيل، وسلّموا مسؤوليّة الكنائس إلى قادة لم يتّصلوا مباشرة بالمسيح القائم من بين الأموات. هذا ما فعله القدّيس بولس عندما أرسل كلاًّ من تيطس وتيموثاوس، والقديسُ يوحنّا عندما كتب إلى غايُس (3 يو 1) وإلى أسقف (أو ملاك أو رسول) الكنيسة التي بأفسس وبرغامس... (رؤ 2: 1، 12). هؤلاء الذين ساعدوا الرسل وخلفوهم هم الذين وضعوا اللمساتِ الأخيرةَ على الكتب التي تعتبرها الكنيسة حقًّا تقليدًا رسوليًّا.
إنّ استمراريّة هذا التقليد الحيّ تبدو عبر النُظُم الكنسيّة وعبر المؤلَّفات الأدبيّة.

أوّلاً: الاستمراريّة في النُظُم الكنسيّة
إنّ تأليف الكتابات الرسوليّة قد تمّ في إطار بنى منظّمة، وقد لعبت هذه الكتابات دورها في هذه البنى. وهنا نستطيع أن ندرك الزخم الذي دفع الإنجيل إلى أن ينتشر في كلّ العالم اليهوديّ والوثنيّ، والذي ظهر من خلال مواهب الروح في الكنائس. فكلّ جماعة كانت واعيةً لدور الروح فيها، فكانت تنتظم داخل إطار خاصّ بها، وكان المسؤولون في كلّ جماعة، أحاملي الكلمة كانوا أم مهتمّين بالرعاية، يحسبون الحفاظ على وديعة الإنجيل أوّل واجباتهم.
ولكن، عندما نقرأ آخر أسفار العهد الجديد نلاحظ أنّ مسؤوليّة خدمة الكلمة انتقلت من يد الأنبياء والمعلّمين إلى الأساقفة والشيوخ والشمامسة. قال القدّيس بولس: "وقد أقام الله في الكنيسة الرسل أوّلاً والأنبياء ثانيًا والمعلّمين ثالثًا" (1 كور 12: 28؛ رج أع 13: 1، 2)، ولكنّه سيعمد فيما بعد إلى تسليم مسؤوليّة القطيع إلى شيوخ الكنيسة في أفسس، إلى أساقفة جعلهم الروح القدس على هذا القطيع ليرعوه (أع 20: 28) ويحفظوه من الذئاب الخاطفة. هذا التطوّر يقابل مرحلة التنظيم التي بلغتها الكنائس، وإمكان الكرازة لدى شيوخ الكنيسة (1 تم 5: 17) وأساقفتها وشمامستها القادرين على الوعظ في التعليم الصحيح والردّ على المعارضين (تي 1: 9).
وإنّ أولى الوثائق المسيحيّة، كالديداكيه (أو تعليم الرسل الذي كتب في نهاية القرن الأوّل أو بداية القرن الثاني)، ورسالة البابا إكلمنضوس (95 ب. م.)، تدلّ على تشابه بين الكنائس الأولى وهذه الجماعات التي يصوّرها لنا القدّيس بولس في رسائله الراعويّة. نقرأ مثلاً في رسالة إكلمنضوس إلى الكورنثيّين (42: 4، 5) أنّ الرسل وعظوا في المدن والقرى، واختبروا في الروح القدس المسيحيّين الأوّلين وأقاموا منهم أساقفة وشمامسة للمؤمنين المقبلين.
وتدلّ رسائل أغناطيوس الأنطاكيّ (110/115 ب. م.) على أنّه كان في كلّ كنيسة مجلس محلّيّ يرئسه الأسقف: "اهتمّوا أن تعملوا عملكم بإتقان مع الله، تحت رعاية الأسقف القائم مقامه، والكهنة القائمين مقام الرسل، والشمامسة الأحبّاء حدًّا إليَّ، والذين أُسندت إليه خدمةُ يسوع المسيح" (إلى كنيسة مغْنيزية، 4)؛ ويضيف: "إنّ الوحدة في الجماعة الواحدة وبين الجماعات تتأسّس على التعلّق بالإنجيل الحقيقيّ، وهي أوّل واجبات المسؤولين الذين لا تكون أعمالهم مقبولة إلاَّ إذا كانت مع الأسقف" (إلى كنيسة إزمير، 8؛ راجع: إلى كنيسة فيلبّي، 4).
من هذا المنطلق تبدو استمراريّة التقليد الحيّ واقعًا متشعّبًا ترتبط عناصره بعضها ببعض: قيام جماعات بقيادة الراعي الشرعيّ، خدمة الكلمة في خطّ التعليم الرسوليّ الصحيح، قراءة الكتب المقدّسة على ضع الإنجيل، العمل بحسب الشرائع الأخلاقيّة. ومن أجل كلّ هذا يسهر الأساقفة على القطيع ليبقى على أمانته للإنجيل، لأنّ هناك جماعات عديدة ومنشقّة تعيش على هامش الكنائس فتنتحل الاسم المسيحيّ وتفسد الإيمان وتقوم باجتماعات خاصّة بها فتضلّل الذين يسيرون وراءها.

ثانيًا: الاستمراريّة في المؤلَّفات الأدبيّة
كان هذا الإطارُ الكنسيُّ الذي ذكرناه موضعَ خَلْقٍ أدبيّ سيعمل باستمراريّة وتواصل. ففي هذه الجماعات المسيحيّة الأولى دوّنت نصوص العهد الجديد، ثمّ دوّن كتاب الديداكيه الذي ينظّم حياة الجماعة الكنسيّة، ورسالة اكلمنضوس التي تتوجّه إلى أهل كورنتوس بمناسبة الخلاف على السلطة الأسقفيّة، ورسالة بوليكربوس الإزميريّ، ورسائل أغناطيوس الأنطاكيّ التي جاءت شبيهة برسائل القدّيس بولس. هذه الكتابات أبرزت الشركة القائمة بين الكنائس ورعاتها وشدّدت على أخطار الساعة.
وفي مرحلة ثانية نقرأ رسالة اكلمنضوس الثانية، وتفسير كلمات الربّ لبابياس، ودفاع كوادراتوس وأرستيدس وراعي هرماس، وما كتب يوستينوس وغيره من الآباء فجدّدوا الفكر الدينيّ. في هذه المرحلة نجد أيضاً كتبًا دوّنت تحت أسماء مستعارة وكان لها بعض الرواج، منها صعود أشعيا ورسالة برنابا ورؤيا بطرس التي قرأتها الجماعات المسيحيّة في اجتماعاتها.
كتبٌ عديدة دُوِّنت، بعضها في زمن تدوين العهد الجديد، والبعض الآخر بعده، وكان الخطر في الانحراف عن التعليم وفي تكوين كنائس إزاء "الكنيسة الكبيرة". وظهرت تيّارات المتهوّدين الذين ما زالوا يحنّون إلى الشريعة اليهوديّة وممارساتها، وبرزت حركات التقوى المشبوهة التي تريد أن تفرض باسم الإنجيل مفاهيم فلسفيّة، وسيطرت الغنوصيّة في الشرق وانتشرت المونتانيّة في الغرب. وكان لكلّ فئة من هذه الفئات كتبها "المقدّسة" إزاء الكتاب المقدّس الواحد. فأمام هذا الخطر ستعمل الكنيسة على تحديد عقيدتها وتعيين كتبها المقدّسة فلا ينساق المؤمنون إلى تيّارات الضلال ولا تتباعد الكنيسة عن أختها في تقاليدها وتعاليمها وطقوسها.
نشر المتهوّدون كتبهم ونسبوها إلى بطرس ويعقوب، وكان للأبيونيّين إنجيل خاصّ بهم انحرفت فيه نظرتهم إلى المسيح عن المثال الرسوليّ، وانجرّت جماعات أخرى في التيّار الغنوصيّ وأقحمت في كتبها أفكارًا خاصّة بهذا التيّار.
ثمّ قامت جماعات تخفَّت وراء الرسل وقدّمت لنا باسم الإيمان والتقوى مؤلّفات فيها المضمون الرديء إن لم يكن مضمونًا مشتبهًا فيه، وتركت العنان لمخيّلها وتصوّراتها على حساب الإيمان، على نحو ما كتب عن طفولة يسوع وآلامه وموته وقيامته. ففي إنجيل يعقوب مثلاً تطالعنا نِظرة خاصّة إلى بتوليّة مريم، وفي إنجيل بطرس ورسالة الرسل نُجعل في موقف يفقدنا الثقة بقاعدة الإيمان. هذه الكتب وغيرها تنطلق من رأي انتشر في الأوساط المسيحيّة ويقول إنّ المسيح القائم من بين الأموات سلَّم رسله وحيًا سرّيًّا باطنيًّا، وهذا ما برّر وجود الأسفار الخفيّة (أي الأبوكريف). من هذه الوجهة بدا من الضروري للكنيسة أن تميّز بين إرث الرسل الحقيقيّ المريح وما علق بهذا الإرث من عناصرَ ولّدتها المخيّلة ولم يكن للإيمان فيها أيّ دور.
ولما أطلّت المونتانيّة (شيعةُ أسّسها مونتانوس في آسية الصغرى) اعتبر مؤسّسُها أنّه تلقّى من الروح القدس وحيًا مباشرًا يسمو على الوحي الموجود في الأسفار المقدّسة، فأخذ يختلق من عنديّاته كتبًا مقدّسة جديدة لم يبقَ لنا منها إلاَّ النزر اليسير. أمّا الغنوصيّة التي تهدف إلى إدراك الأسرار الرابّانيّة والوصول إلى الخلاص عبر المعرفة، فقد قلّدت الفنون الأدبيّة المعروفة في العهد الجديد، وكتب أصحابها أناجيل ورسائل ورؤى نسبوها إلى توما أو يعقوب أو فيلبّس أو برتلماوس أو متّيّا، وأقحموا فيها تعليمًا خاصًّا بهم، وقالوا إنّ يسوع أعطى تعليمًا سرّيًّا لبعض تلاميذه بشكل أقوال متفرّقة ("لوغيون" في اليونانيّة) جمعها الغنوصيّون وفسّروها وتوسّعوا فيها بعبارات نجد بعضها في إنجيل توما.

2- تثبيتُ مجموعةِ أسفارِ العهدِ الجديد
علينا، نحن الذين وصلت إليهم وديعة الإيمان، أن نطّلع على الصعوبات التي جابهت الكنيسة في الحفاظ على هذه الوديعة، وأن نتيقّن أنّ الروح الذي ألهم الكتّاب ليدوّنوا هذه الأسفار هو عينه يساعد الكنيسة على تمييز النصّ الصحيح عن النصّ المُنتحِلِ صفة ليست له.

أوّلاً: تعلّق وتقيّد بالتقليد الرسوليّ
السؤال المطروح هو: أيّة سلطة ستجيب على تساؤلات الكنيسة العديدة؟ لا ننسَ أنّه لم يكن للكنيسة سلطةٌ مركزيّة، كما هي الحالة اليوم، ولاسيّما أنّها كانت تلاقي الاضطهاد من السلطات الرومانيّة. لهذا كان على السلطات المحلّيّة في كلّ كنيسة أن تسعى لحفظ الوديعة الكريمة (2 تم 1: 14) التي هي سفينة الإيمان (1 تم 1: 20) فلا تنكسرَ بالمؤمنين ولا يضلّوا بتعاليم مختلفة غريبة (عب 13: 9). والسبيل إلى ذلك كان في الرجوع إلى التقليد الرسوليّ الذي نقله الرسل إلى الشيوخ (أو الكهنة) وحافظ عليه هؤلاء في كلّ كنيسة محلّيّة. قالوا: لا تعليم يسمو على تعليم الرسل، لا تعليم حقيقيًّا خارجًا عن تعليم الرسل. بهذه الطريقة أغلقوا الباب على كلّ وحي جاء بطريقة سرّيّة باطنيّة أو كشف عنه الروح لهذا أو ذاك من أصحاب الرؤى المتوهّمين أنّ الله كلّمهم بمعزل عن الكنيسة عمودِ الحقّ وأساسه (1 تم 3: 15).
وهناك سؤال ثانٍ هو: أين نجد هذا التقليد الرسوليَّ بصورة أكيدة وصريحة؟ إنّ الأساقفة المتعاقبين بطريقة شرعيّة على الكنائس المحلّيّة قد حفظوا لنا هذا التقليد الرسوليّ عبر النظم والليتورجيَّا وقواعد السلوك وشروح الإيمان، وكلها ثروة الكنيسة المشتركة. ونجد أيضاً هذا التقليد في نصوص الكتاب المقدّس الذي ورثته الكنيسة عن العالم اليهوديّ.
في مرحلة أولى فرز "الآباء" الكتب الملهمة في التوراة وميّزوها عن سائر الكتب التي كانت تتكاثر متخفّية وراء شخصيّات العهد القديم. وفي مرحلة ثانية أكّدت الكنيسة أنّ كتابات العهد القديم هذه قد تمّت في شخص المسيح. وفي مرحلة ثالثة أدركت بتأكيد كتب العهد الجديد التي يمكنها أن تنسبها إلى التقليد الرسوليّ. فلقد كانت أناجيل عديدة إزاء الأناجيل الأربعة القانونيّة، وكتب لأعمال الرسل إزاء سفر أعمال الرسل الواحد الذي كتبه القدّيس لوقا، ورسائل عديدة إزاء رسائل بولس وسائر الرسل التي اعتبرتها الكنيسة قاعدة إيمانها، وأسفار رؤى إزاء سفر رؤيا يوحنّا. وهكذا ستعمل الكنيسة بهدي الروح القدس فتميّز الكتب القانونيّة عن المنحولة وتدلّ المؤمنين على الأسفار المقدّسة التي يحقّ لها أن تدخل في لائحة العهد القديم والعهد الجديد.
ولكن كيف ندرك سلطة الكتب الرسوليّة؟ هناك معيار أوّل يتّصل بمضمون الكتب وتعليمها: نحن ننبذ كلّ كتاب يُنسب إلى الرسل ولكنّه ينحرف عمّا آمن به وعلّمه بطرس وبولس ويعقوب ويوحنّا وسائر الرسل. إنّه تقليد حيّ وصل إلينا عبر سلسلة من الأساقفة مستمرّة، ينفي كلّ قيمة للكتب الباطنيّة التي تعارض الوحي، ويشدّد على أنّ الكنيسة تنادي علنًا بالتعليم الذي سلّمه إليها ربُّنا. وهناك معيار ثانٍ يُثَبِّت المعيارَ الأوّل ويوضحُه: عندما نعرف أيّة كتب استعملتها الكنائس نستطيع أن نعرف أيّة كتب قبلتها الكنائس شاهدًا حقيقيًّا على تعليمها. إنّ الكتب التي ترتبط حقًّا بالرسل أو بمن تتلمذ لهم تحمل طابع أصلها بانتسابها إلى هذا الرسول أو ذاك. من أجل هذا اهتمّ القديس إيريناوس بجمع المعلومات عن تأليف هذه الكتب وعن الأشخاص الذين وُجّهت إليهم.
في هذا الإطار يمكننا أن نتحدّث عن قاعدة الحقّ والإيمان التي هي صفة هذه الكتب القانونيّة. فالآباء الرسوليّون والكتّاب المدافعون عن الإيمان يوردون نصوصاً من الأناجيل أو الرسائل دون أن يذكروا اسم كاتبها، وهذا يبيّن أنّهم ينسبون إليها سلطة خاصّة هي سلطة التقليد الرسوليّ. فيوستينوس يرجع إلى الأناجيل ويسمّيها مذكّرات الرسل، ويورد نصوصاً من إنجيل القدّيس مرقس الذي يسمّيه مذكّرات بطرس. ثمّ يقول إنّ هذه الكتابات تقرأ وأسفار الأنبياء (أي أسفار العهد العتيق) في الجماعة المسيحيّة. وهكذا فالجماعة المسيحيّة هي المكان الذي تحفظ فيه هذه الكتب وتُقرأ وتُفسَّر كما كانت المكان الذي فيه أُعدّت وكُتبت. وتكون الاستمراريّةُ كاملةً بين تأليف هذه الكتب في الزمن الرسوليّ واستعمالها أبّان القرن الثاني المسيحيّ.

ثانيًا: لائحة الكتب الرسوليّة
قلنا إنّ الكنيسة عاشت من الكتب القانونيّة فلم تحتجْ إلى تحديدها وتثبيت لائحة بها. ولكن الظروف فرضت عليها أن تعلن أسفارها المقدّسة وتميّزها عن الكتب المنحولة التي كانت تقرأ هنا أو هناك عند المونتانيّين والغنوصيّين وغيرهم، فقالت: لا وحيَ يسمو على وحي الإنجيل، ولا كتب رسولية إلاَّ التي تقرأها الكنيسة وتجد فيها قاعدة إيمانها.
كان هناك كتّاب ضلّوا عن الإيمان فتخفَّوا وراء سلطة الرسل ونشروا الكثير من الضلال، نذكر منهم مرقيون الذي نبذ العهد القديم كلّه، لأنّه عملُ إله شرّير، ولم يحتفظ من العهد الجديد إلاَّ بإنجيل القدّيس لوقا، بعد أن شوّهه وحذف بعضاً من أجزائه، وبقسم من رسائل القدّيس بولس. حُرِمَ هذا المبتدع سنة 144 ب. م.، ولكنّ تبّاعه ظلّوا يعملون على خطاه في القرن الثالث المسيحيّ (بشهادة ترتليانس) والرابع وما بعده (بشهادة أفرام السريانيّ). ونذكر أيضاً طاطيانس السوريّ (القرن الثاني) الذي تتلمذ ليوستينوس قبل أنْ يميل إلى المرقيونيّة، وألّف الدياتسارون أي التناغم الإنجيليّ، وفيه دمج نصوص الأناجيل القانونيّة الأربعة، فأزال كلّ ترداد في النصوص وزاد بعض المقاطع المنحولة وقدّم كتابًا أخذ محلّ الأناجيل الأربعة في بعض الجماعات المسيحيّة. تجاه هذين المضلَّين وغيرهما كان لا بدّ للكنائس من أن تتّخذ موقفًا فتفصل القمح عن الزؤان، فأثبتت لائحة الكتب المقدّسة واستبعدت كلّ ما هو متخفٍّ وباطنيّ ومشتبَه به، وشدّدت على قراءة الأناجيل بالصِيغَ القانونيّة الأربع التي تتمتعّ وحدها بسلطة رسوليّة لا تقبل الجدل.
في هذه الظروف المتشعّبة أخذت الكنائس تنظّم لنفسها لائحة رسميّة تمثّل بالنسبة إليها قاعدة الإيمان، ثمّ سعى النسَّاخ إلى تحسين نصّ الأسفار التي يعتمد عليها إيمان الكنيسة وتعليمها، فانتقلوا من نصّ شعبيّ فيه العديد من القراءات المختلفة إلى نصّ مثبت بطريقة علميّة، وهكذا مهّدوا للنصوص المحقّقة التي سيعرفها القرن الرابع، كالنصّ الفاتيكانيّ والسينائيّ والإسكندرانيّ والأفراميّ.
أمّا إذا أردنا أن نبحث عن إشارات تدلّنا على لوائحً رسميّةٍ بأسفار العهد الجديد، فلنا على الأخص قانون موراتوي الرومانيّ الذي كُتب بين سنة 165 وسنة 185 والذي نقرأ فيه أسماء الأناجيل الأربعة وكلَّ رسائل بولس ويهوذا ويوحنّا وبطرس وسفر الأعمال وسفر الرؤيا.
ونجد أيضاً لوائح هنا وهناك همّها أن تقف بوجه الدعاوة المرقيونيّة وتستبعد الكتب التي تحمل معها روح البدعة والهرطقة.

ب- الأسفار المنحولة
لم تنتظر الكنيسةُ نهايةَ العالم لتدلّ على زؤان الكتب المنحولة وتفردَه عن قمح الكتب القانونيّة (رج مت 13: 24- 30)، واعتبرت أنّه ليس خفيّ إلاَّ سيظهر، ولا مكتوم إلاَّ ويجب أن يُعْلَمَ ويُعلن (مت 10: 26)، وأنّ السرّ (أف 1: 9؛ كو 1: 27) الذي أعلنه الربّ في ملء الزمن (غل 4: 4) لم يعد مخفيًّا على المؤمنين، وأنّ الربّ عندما أعطانا ابنه أعطانا معه كلّ شيء (روم 8: 32). إنّ الربّ بعد أن كلّمنا بابنه قال لنا به كلّ شيء، وليس من كلام يعتبر نفسه وحيًا بعد الوحي الذي حمله إلينا المسيح في الأناجيل خاصّة والعهد الجديد عامّة. هذا هو الأساس الذي استندت إليه الكنائس فاعتبرت أنّ الوحي انتهى بموت آخر الرسل، وأنّ كلّ ما كتب بعد ذلك لا يتعدّى كونه كتبًا تقويّة، إذا ظلّت داخل إطار الإيمان المستقيم، أو كتبًا مبدعة ومضلّلة إن خرجت عن هذا الإطار.
ليس كلّ ما سُمِّيَ إنجيلاً هو إنجيل يسوع المسيح ابن الله (مر 1: 1)، وليس كلّ ما سميّ رؤيا قد كشفه يسوع المسيح (رؤ 1: 1)، ولا تتلى كلّ رسالة على الإخوة أجمعين (1 تس 5: 27) وكأنّها رسالة من القدّيس بولس، ولا تقرأ إلاَّ رسائل الرسل الحقيقيّة على الكنيسة المجتمعة في اللاذقيّة وكولسّي (كو 4: 16) وغيرها من الكنائس، ولا يتزعزع المؤمنون سريعًا من قول أو رسالة (2 تس 2: 2) حملها أحدهم وغلَّفها بكلام نبوءة، وقدّمها وكأنّها إلهام من الروح القدس. فلا بشارة إلاَّ التي بشّر بها الرسل (غل 1: 7- 9)، ولا تعليم إلاَّ الذي نقرأه في الأسفار المقدّسة كما تسلّمتها الكنيسة وديعة تحافظ عليها. فمن بشَّر بخلاف هذا التعليم فليكن ملعونًا، ومن اتّبع غير هذه البشارة لم يعد خادمًا للمسيح يتوخّى رضاه. هذا ما فهمه المؤمنون في الأجيال الأولى المسيحيّة، وهذا ما يجب علينا أن نفهمه نحن الذين تتقاذفهم أمواجُ المذاهب وتميل بهم كلُّ ريحِ تعليم فتخدعنا وتقودنا إلى الضلال (أف 4: 14).

1- الأناجيل المنحولة
نجد خارج الأناجيل الأربعة مجموعاتٍ عديدةً حملت اسم "إنجيل". فهناك مجموعة أولى تتعلّق بالتيّارات المسيحيّة المرتبطة باليهوديّة، ولم يبق لنا منها إلاَّ أجزاء بسيطة؛ وهناك مجموعة ثانية كتبت في زمن متأخّر فجاءت بشكل قصص خياليّة؛ وهناك مجموعة ثالثة بدأ الغنوصيّون يدوّنونها منذ القرن الثاني ب. م. ويضمّنونها تعاليم خاصّة ينشرونها في الأوساط المسيحيّة والوثنيّة على السواء.

أوّلاً: المجموعة الأولى: أناجيل المتهوّدين
نجد في هذه المجموعة إنجيل العبرانيّين وإنجيل الناصرّيين وإنجيل الأبيونيّين (أو إنجيل الرسل الاثني عشر) وإنجيل المصرّيين وإنجيل بطرس. ونسارع إلى القول إنّه لم يبق لنا من هذه الأناجيل إلاَّ بضعة أجزاء ومقاطع إن لم تكن نتفًا. ولو بقيت لنا هذه الأناجيل لعَلِمنا الكثير عن تاريخ المسيحيّة الأولى وعن مراحل تكوين النصّ الإنجيليّ.

إنجيل العبرانيّين
اكتشف هذا الإنجيلَ القدّيسُ إيرونيموس (القرن الرابع ب. م.) إذ وَجَدَ نسخة منه في قيصريّة وبيره، قرب أنطاكية. قرأه قراءة سريعة، وكان مكتوبًا بالآراميّة، فبدا له وكأنّه الأصلُ الساميّ لإنجيل متّى. فنسخ منه بعض المقاطع وترجمها وأدرجها في كتبه.
إذا اطلّعنا على ما وصل إلينا من إنجيل العبرانيّين وجدنا فيه شرحًا مسهبًا لنصّ يسرده متّى اليونانيّ بإيجاز. نقرأ مثلاً كيف يبيّن يسوع مطوّلاً لعائلته، قبل اقتبال معموديّة يوحنّا، أنّه ليس بحاجة إلى المعموديّة؛ ونقرأ أيضاً من كلمات يسوع: "لا تكونون سعداء إلاّ إذا نظرتم إلى أخيكم بالمحبّة"؛ وأيضاً: "أُلمسوني وجسّوني واعلموا أنّني لست روحًا، بل جسدًا".

إنجيل الناصرّين
يذكره هيجيسيب وأوسابيوس القيصريّ، ويعتقد بعض العلماء أنّه إنجيل العبرانيّين، بدليل اكتشاف إيرونيموس له عند الناصرّيين قرب أنطاكية. بقي لنا ثلاثون شاهدة من هذا الإنجيل الذي يعطي أهمّيّة كبيرة لشخصيّة يعقوب أخي الربّ.

إنجيل الأبيونيّين (أو إنجيل الرسل الأثني عشر)
كتب في اليونانيّة في النصف الأوّل من القرن الثاني، واستعملته الجماعات المسيحيّة المنشقّة في شرقيّ الأردنّ. يروي خبر عماد يسوع واختياره للاثني عشر دامجًا نصوص الإزائيّين الثلاثة مّتى ومرقس ولوقا. وهو ينكر ولادة يسوع مع بقاء مريم في البتوليّة، ويعتبر أنّ يسوع صار ابن الله لمّا قبل العماد، ويُعرض عن الذبائح وشعائر العبادة، ويجعل من يوحنّا المعمدان إنسانًا نباتيًّا لا يأكل إلاّ البقول، ويتردّد في جعل يسوع يأكل خروف الفصح. ونلاحظ لدى قراءة هذا الإنجيل ميلاً إلى الهرطقة وتأثيرًا غنوصيًّا في التعليم عن المسيح.

إنجيل المصرّيين
يبدو أنّه كتب في الزمان الذي فيه كتب إنجيل الأبيونيّين، وهو يرتبط مثله بالتيار الغنوصيّ. وُجّه إلى المسيحيّين الآتين من الوثنيّة، ولم يبق لنا منه إلاَّ مقطعان (حوار بين يسوع وسالومة بنت هيرودس وهيروديا، مت 14: 3- 12) أوردهما القدّيس إكلمنضوس الإسكندرانيّ، وفيهما ما فيهما من التشديد على منع الزواج.

إنجيل بطرس
لم يبق لنا من هذا الإنجيل إلاَّ جزء بسيط. يبدأ بالحكم على يسوع وينتهي بظهوره بعد قيامته في أورشليم والجليل. كتب حوالي سنة 130 في سورية، وذكره سرابيون الأنطاكيّ (حوالي سنة 200) وحذّر المؤمنين من قراءته. يبدي كاتبُه معرفة بالأناجيل القانونيّة الأربعة، ويورد الشواهد النبويّة دون أن يشدّد على أنّها تمّت في آلام المسيح وموته، ويعتبر بيلاطس بريئًا من تهمة قتل يسوع وينحي باللائمة على هيرودس الذي حكم على يسوع بالموت، بحسب زعمه. وخلال آلام يسوع نلاحظ أنّه الإله الذي لا يمكنه أن يتألّم، وهذا ما يجعلنا قريبين من بدعة الظاهريّين الذين يعتبرون أنّ الربّ لم يتجسّد بل أخذ شبه جسد. ثمّ إنّ تمجيدَ يسوع تمَّ حالاً بعد موته على الصليب. أمّا خبر قيامته وظهوره أمام أعدائه فهو يحوي عناصرَ جليانيّةً يبدو فيها الصليب كائنًا حيًّا: "خرج ثلاثة رجال من القبر يتبعهم صليب. كان رأس كلّ من الرجلين الأوّلين يصل إلى السماء، أمّا رأس الرجل الثالث الذي يقودهما فكان يتجاوز السماء. وسمعوا صوتًا من السماء يقول: هل بشرت الموتى؟ فأجاب الصليب: نعم". ويروي هذا الإنجيل أنّ يسوع تراءى بعد قيامته للنسوة القدّيسات، وأنّه لما ظهر للرسل على بحيرة طبريّا كانوا على جهل بقيامته.

ثانيًا: المجموعة الثانية: الأناجيل المطبوعة بالقصص الخياليّ
أرادت أناجيل المجموعة الأولى أن تجمع تعليم المسيح وتنقله إلى المؤمنين، أمّا أناجيل المجموعة الثانية فبغت أن تخبرنا بما سكت عنه الإنجيليّون، متوخيّة إرضاء رغبة الاطّلاع عند الشعب المسيحيّ بالنسبة إلى مريم ويوسف وبالنسبة إلى طفولة يسوع وآلامه. وهكذا كان لنا في هذه المجموعة الثانية قَصَصٌ قريب من الخرافات ومطبوع بطابع الخيال، كتب بين القرن الثالث والقرن الرابع ب. م.
كتابان يلفتان انتباهنا: إنجيل يعقوب وإنجيل انتقال مريم، إذ فيهما الخطوط الأولى لِلاَهوتٍ مريميّ وفكر دينيّ عن الحياة الأخرى، يستند إلى مواضيعَ مأخوذةٍ من العهد القديم.
نجد في هذه المجموعة: إنجيل يعقوب وإنجيل متّى المزيَّف وإنجيل انتقال مريم وإنجيل يوسف النجّار وإنجيل توما الفيلسوف الإسرائيليّ وإنجيل نيقوديمس وإنجيل جملائيل.

إنجيل يعقوب
تعود أوّل مخطوطة اكتشفت إلى القرن الثالث وكان عنوانها: "ميلاد مريم، رؤيا يعقوب" (أخو الربّ). يروي هذا الإنجيل أحداثًا بعضها سبق الأحداث المروية في الأناجيل القانونيّة، ثمّ يرجع إلى الأناجيل الأربعة وإلى تقاليدَ شفهيّةٍ قديمة من القرن الثاني المسيحيّ (وقد أثبتها الآباء الأوّلون في كتاباتهم) ليحدّثنا عن ميلاد يسوع في المغارة، كما ورد عند يوستينوس وأغناطيوس الأنطاكيّ. ونقرأ فيه أنّ يواكيم وحنّة (والدَيِ العذراء) كانا شيخين عقيمين فعرفا بواسطة الملاك أنّه سيكون لهما ولد في وقت قريب. وهكذا كان، فرزقهما الله ابنة سمّياها مريم وكرّساها للربّ منذ ولادتها وقدّماها إلى الهيكل وهي بعمر الثلاث سنوات. وكانت تقتات بطعام يحمله إليها كلّ يوم ملاك من السماء. ولمّا بلغت اثنتي عشرة سنة وكل الكاهن الأعظم حماية بكارتها إلى يوسف (وكان أرملاً وكان له أولاد) الذي اختاره الله لهذه المهمّة بطريقة عجيبة. وأتى الملاكُ مريم مرّة أولى عند عين البلدة ثمّ مرّة ثانية في غرفتها ليُبْلِغَها أنّها ستكون أمّ يسوع. وعند ولادة يسوع امتلأت المغارة بسحاب (علامة حضور الله) حلَّ محلّه نور يعمي البصر. وما إن اختفت السحابة المضيئة حتّى بدا الطفل في المغارة (تشديد على سرّ ولادته). وشكّت سالومة ببتولِية مريم فكان عقابها قاسيًا. وعرف الجميع أنّ مريم بقيت عذراء قبل الميلاد وفيه وبعده.

إنجيل مّتى المزّيف
هذا الإنجيل هو ترجمة لاتينيّة لإنجيل يعقوب مع بعض الزيادات، كالهرب إلى مصر وفيه ما فيه من إسهاب في ذكر المدهشات، وميلاد يسوع المملوء عجائب، ولقاء حنة ويواكيم عند الباب الذهبيّ (تشديد على ولادة مريم العجيبة)، ووجود الحمار والثور قرب يسوع لتتم نبوءة أشعيا (1: 3) وحبقوق (3: 2، بحسب الترجمة السبعينيّة).

إنجيل انتقال مريم
دُوِّن هذا الإنجيل في القرن الخامس في اللغة اليونانيّة وتُرجم إلى السريانيّة والأرمنيّة والقبطيّة واللاتينيّة، فانتشر في كلّ أنحاء الكنيسة. يروي هذا الإنجيل في أحد أجزائه أنّ يسوع سلَّم نفس أمّه مريم إلى الملاك ميخائيل بحضور بولس وسائر الرسل. وبعد أن دُفنت مريم في وادي يوشافاط، تراءى يسوع مرّة ثانية وأقامها، فصعدت إلى السماء مع ابنها تحملها أجواق الملائكة. ونلاحظ في النسخة العربيّة لإنجيل انتقال مريم مقاطع كثيرة تحكي عن عبادتها وطلب شفاعتها وأولى عجائبها والأعياد المنظّمة إكرامًا لها.

إنجيل يوسف النجّار
كُتب باليونانيّة في القرن الرابع وبقي لنا منه ترجمة في العربيّة وأخرى في القبطيّة. في هذا الإنجيل نسمع يسوع يروي لتلاميذه على جبل الزيتون حياة أبيه بحسب الجسد، وموته ودفنه. مات يوسف الشيخ بين يدي يسوع ومريم وعمره 111 سنة، وكان آنذاك صحيح الجسم والعقل. أمّا نفسه فُوضعت في ستار مضيء وحملها الملاكان ميخائيل وجبرائيل، وأمّا جسده فسيبقى من دون فساد إلى يوم يملك المسيح الممجّد ألف سنة على الأرض (رؤ 20: 2). وينهي يسوع حديثه فيوصي المؤمنين بطلب شفاعة يوسف والاحتفال بعيدة مرّة كلّ سنة.

إنجيل توما الفيلسوف الإسرائيليّ
كتبه باليونانيّة في القرن الخامس أحدُ المسيحيّين وقد كان على جهل بالحياة اليهوديّة وعاداتها. تُرجم إلى السريانيّة والجيورجيّة والسلافونيّة، ودمج بإنجيل يعقوب، فنتج من هذا الدمج إنجيلُ الطفولة كما نقرأه في الأرمنيّة والعربيّة.
يروي هذا الإنجيل أحداثًا مثل زيارة حوّاء إلى مغارة بيت لحم وشفاء الطفل الأبرص، أو أخبارًا صبيانيّة كتلك التي تجعل يسوع يصنع عصافير من تراب الأرض يوم السبت ويمنحها الحياة.

إنجيل نيقوديمس (أو أعمال بيلاطس)
مؤلَّف وصلنا في صيغَ متعدّدة، في اليونانيّة والسريانيّة والقبطيّة والأرمنيّة والحبشيّة واللاتينيّة. في قسمه الأوّل نقرأ رواية حكم بيلاطس على يسوع بلسان نيقوديمس، للردّ على التجديف على يسوع، الذي وضع على لسان بيلاطس في القرن الرابع. ثمّ يدلي نيقوديمس ويوسف الراميّ ببراهينَ على قيامة يسوع فيقنعان حنّان وقيافا. وفي القسم الثاني يروي شقيقان توأمان، هما ابنا سمعان الشيخ، كيف نزل يسوع إلى الجحيم وكيف قاما معه من الموت يوم موته. هذا الخبر المطبوع بطابع صبيانيّ يشرح نصّ رسالة القدّيس بطرس الأولى (3: 9) ويجيب على تساؤلات المسيحيّين عمّا فعله يسوع خلال رقاد جسده بعد الموت.

إنجبل جملائيل
كُتب باللغة القبطيّة في القرن الخامس أو السادس، وبقي لنا منه نصّ في اللغة العربيّة وآخر في اللغة الحبشيّة. يروي أحداث الالام بروح العداء ضدّ الشعب اليهوديّ.

ثالثًا: المجموعة الثالثة: أناجيل الغنوصيّين
إنّ الغنوصيّة التي تغرز جذورها في عالم مجهول قد ظهرت في سورية في بداية العهد المسيحيّ فوجدت أرضاً خصبة في الآداب الجليانيّة، ثمّ انتقلت إلى مصرفي بداية القرن الثاني، ومن هناك انتشرت انتشارًا واسعًا في كلّ العالم المسيحيّ، وكان من ثمارها الديانة المانويّة.
لم نكن، إلى هذه السنوات الأخيرة، نعرف الكثيرَ عن الغنوصيّة المسيحيّة. ما كنّا نعرفه يقتصر على شواهدَ وجدناها في كتب الآباء يردّون عليها (مثل إيريناوس وهيبوليتس وإبيفانيوس). غير أنّ اكتشافات في نجع حمادي (مصر، سنة 1945) وضعت بين أيدينا مكتبة في اللغة القبطيّة تحتوي ثلاثة عشر كتابًا في ألف صفحة تتضمّن 44 مؤلَّفًا من مؤلَّفات الغنوصيّين. نجد كتبًا ترتبط بالغنوصيّة الوثنيّة وغيرها تتقارب وأسفار العهد الجديد القانونيّة إمّا بعناوينها (إنجيل، أعمال، رؤيا) وإمّا بنسبتها إلى يوحنّا أو توما... وهي تكشف عن سرّ خَفِيَ على العامّة ونقلَه يسوع إلى بعض أخصّائه الذين ليسوا كتبة الأناجيل الأربعة.
نذكر في هذه المجموعة الثالثة: إنجيل توما وإنجيل الحقيقة وأبوكريفون يوحنّا وإنجيل فيلبّس.

إنجيل توما (أو أقوال يسوع الخفيّة لتوما)
هذا الإنجيل هو أقدم شاهد بين أيدينا على الغنوصيّة السريانيّة في بداية عهدها. كُتب في القرن الثاني وانتقل إلى القبطيّة في القرن الثالث. غرف كاتبه من نصوص وتقاليد قديمة فجمعها وبدّل فيها على هواه وأصحبها بتعابير غنوصيّة وسبكها في مجموعة سمّاها أقوال يسوع. تتكوّن هذه المجموعة من 114 قولاً أوحى بها يسوع إلى توما (يظهر اسمه في القول الثالث عشر) الذي يعتبره الكاتب فوق بطرس ومتّى.

إنجيل الحقيقة
هو عظة لا نعرف من كتبها ولا إلى مَنْ وُجِّهت، وهي ترمي إلى الكشف عن حقيقة الأناجيل الخفيّة. كتب في القرن الثاني في الإسكندريّة وارتبط بولنطينس الغنوصيّ الذي هاجمه إيريناوس في شخص تلاميذه ونسب إليهم اختلاق إنجيل الحقيقة.

أبوكريفون يوحنّا (أو إنجيل يوحنا المنحول)
هو وحي يوصله المسيح الممجّد إلى يوحنّا على جبل الزيتون. كُتب في بداية القرن الثاني ورمى إلى عرض التعليم الغنوصيّ بشكل تفسير لسفر التكوين. لهذا يرتبط هذا الأبوكريفون باليهوديّة المعاصرة للمسيح وبحركة المسيحيّين المتهوّدين.

إنجيل فيليبّس
سمّي بهذا الاسم لأنّ فيليبّس هو الرسول الوحيد الذي يذكره الكتاب. يبدو هذا الإنجيل بشكل رسالة لا تصميم لها تطلعنا على أسرار الغنوصيّين المأخوذة عن الليتورجيَّا المسيحيّة. ونجد فيه مقابلة بين الصبغة والمعموديّة: فالصافي يرمي في قِدْرِهِ موادّ ملوّنةً فمّخرج بيضاء، والمسيحي يخرج نقيًّا من مياه المعموديّة. ونقرأ فيه إشارة إلى أنّ خشب الصليب هو جذع شجرة زرعها يوسف النجّار، ترتبط بشجرة الحياة في الفردوس.
وهناك كتب عديدة أخرى نجدها بين نصوص نجع حمادي: رؤيا بولس، رؤيا يعقوب، رسالة بطرس إلى فيليبّس، أول بطرس، رؤيا بطرس، كتاب توما وفيه كلمات دوّنها متّيّا، صلاة الرسول بطرس. وما نلاحظه من خلال هذه اسم هو أنّ الغنوصيّين يبرزون بشكل خاصّ إنجيل فيليبّس وإنجيل توما وكتاب توما لأنّهم يعتبرون هذين الرسولين المؤتمنين الوحيدين على البشارة الجديدة، ويتجاهلون كلاًّ من متّى ومرقس ولوقا.

2- سائر الكتب المنحولة
كما حاول كتّاب الأناجيل المنحولة أن يقلّدوا الأناجيل القانونيّة، حاول غيرهم أن يقلّدوا أعمال الرسل ورسائل بولس وسائر الرسل ورؤيا القدّيس يوحنّا. ولكنّ أهمّيّة هذه الكتب هي دون أهمّيّة الأناجيل، لذلك سنكتفي بِنظرة عاجلة إلى الأعمال والرسائل والرؤى المنحولة.

أوّلاً: الأعمال المنحولة
كُتبت هذه الأعمال في القرنين الثاني والثالث فكوّنت بينها وحدة متماسكة رغم اختلاف في التعليم وتباعد في التأليف. أمّا وحدتها فظاهرة في ميول مؤلِّفيها التعليميّة، وأمّا أسلوبها الأدبيّ فهو الإخبار الشعبيّ الذي تكثر فيه الصور العجيبة والخارقة.
منبع هذه الأعمال آسية الصغرى أو سورية، وقد جمعها المانويّون في كتاب واحد ليعارضوا بها سفر أعمال الرسل القانونيّ، مشدّدين على ما فيها من آثار تعففيّة وتعاليم غنوصيّة.
نذكر في هذا الإطار: أعمال يوحنّا وأعمال بولس وأول بطرس وأعمال توما وأعمال أندراوس.

أعمال يوحنّا
دُوِّنت بين السنة 140 والسنة 160، وقد استفادت منها سائر الأعمال المنحولة التي سنوردها. تبدأ ساعة يستقدم دوميسيانس يوحنّا الرسول من أفسس إلى رومة، فيقيم الموتى ويشرب سمًّا فلا يلحق به أذى ويُلقى في أتّون من الزيت المغليّ. بقي لنا من هذا الكتاب نسخة يونانيّة طويلة ونسخة لاتينيّة مشذّبة مهذّبة.

أعمال بولس
يُقسم الكتاب ثلاثة أقسام: أعمال بولس واستشهاده ورسالته إلى الكورنثيّين. يؤكّد ترتليانس في مقالته "في العماد" أنّ كاهنًا من آسية كتب أعمال يوحنّا والرسول لم يزل على قيد الحياة، فكذّبه وعزله من خدمته. ونلاحظ في هذه الأعمال ما كُتب عن القدّيسة تقلا، وقد أخذت به الكنيسة الأولى على أنّه خبر تاريخيّ، وما ورد عن وجه بولس وشكله، وقد استوحاه رسّامو الإيقونات للصورة التي نعرفها عن القدّيس بولس.

أعمال بطرس
بقي لنا من هذه الأعمال مقاطعُ عن بطرس وسمعان الساحر، تخبرنا أنّ الرسول جعل الكلب يتكلّم والسمكَ المجفّف تعود إليه الحياة فيسبح من جديد، وترينا زعيم الرسل الهارب من رومة بسبب الاضطهاد، كيف التقاه الربّ فقال له إنّه ذاهب إلى رومة ليُصلب مرّة ثانية، فتشجّع بطرس وعاد أدراجه إلى رومة وصُلب هناك، وتفيدنا أخيرًا أنَّ بطرس أقام اثنتي عشرة سنة في أورشليم بعد صعود ربّنا إلى السماء ثمّ توجّه إلى رومة حيث مات بعد أن قضى فيها سنة واحدة.

أعمل توما
كُتبت باليونانيّة في منطقة الرها في القرن الثالث، غير أنّه لم يصل إلينا منها إلاَّ الترجمة اليونانيّة المتأثّرة بإنجيل توما. تروي هذه الأعمال بطريقة أسطوريّة نشاط توما في الهند وموته هناك شهيدًا. ونجد فيها "أناشيد الدرّة" التي ستروج في عالم الشرق (راجع أفرام السريانيّ في أناشيد الإيمان 81- 85)، كما نجد مزامير توما التي سيستعملها المانويّون لما فيها من ميول غنوصيّة وتعففيّة.

أعمال أندراوس
لم يبقَ لنا منها إلاَّ النسخ اليونانيّة واللاتينيّة المنقّحة، وهي تروي كيف أنّ حاكم أخائية رمى الرسول أندراوس طعمًا للحيوانات لأنّه علّم امرأته العفّة بفضل الكرازة المسيحيّة، غير أنّ الحيوانات لم تمسّ الرسول بأذى، فجلده الحاكم وصلبه، ولكنّه ظلّ يكرز بالإيمان المسيحيّ من على صليبه مدّة ثلاثة أيّام.

ثانيًا: الرسائل المنحولة
لا نجد الكثير من الرسائل المنحولة لأنّ هذا الفنّ الأدبيّ لا يسمح للكاتب بأن يرخي العنان لتصوّرات مخيّلته.

رسائل منسوبة إلى بولس
هناك الرسالة الثالثة إلى أهل كورنتوس التي كتبت على ما يبدو في القرن الثالث وأقحمت في أعمال بولس التي ذكرناها. تتكوّن من ستّين سطرًا، وهي تحارب بدعة سمعان وكليوبيوس في كورنتوس، وتناهض التعليم الغنوصيّ مشدّدة على قيامة الأجساد؛ وهناك الرسالة إلى اللاذقيّين (راجع ص 4: 15) التي تؤلف بين مقاطعَ مأخوةٍ من رسائلِ بولس القانونيّة، ولاسيّما الرسالة إلى أهل فيليبّي (بقي لنا نسخة في اللاتينيّة)؛ وهناك المراسلة بين بولس وسينيكا (الكاتب الرومانيّ) التي كتبت باللغة اللاتينيّة في القرن الرابع ب. م.، وقد عرف إيرونيموس منها أربع عشرة رسالة.

رسالة الرسل (أو وصيّة ربّنا في الجليل)
نعرفها في ترجمة قبطيّة وأخرى حبشيّة، إلاَّ أنّها كُتبت على ما يبدو باليونانيّة في القسم الأوّل من القرن الثاني، في مصر أو في سورية. هذه الرسالة يوجّهها الرسل إلى جميع الكنائس لينقلوا إليهم الكلام الذي أوحى به السيّد المسيح، بعد قيامته، عن نزوله إلى الجحيم وتبشيره الموتى ومجيئه الثاني والدينونة الأخيرة. نلاحظ في هذه الرسالة ردّة فعل على الغنوصيّة ورجوعًا إلى نصوص العهد الجديد القانونيّة، كما اعتاد المسيحيّون المتهوّدون أن يفعلوا.

كرازة بطرس
ذكر هذه الكرازة إكلمنضوس الإسكندرانيّ، وعرفها أوريجانس الكاتب المسيحيّ وهرقليون الكاتب الغنوصيّ، ولكن لم يبقَ لنا منها إلاَّ بضعة مقاطع تساعدنا على القول إنّها دوّنت في القرن الثاني ب. م. وإنّها ترتبط بأدب الدفاع المسيحيّ الذي انتشر في ذلك الوقت.
ولدينا إلى جانب "كرازة بطرس" كتاب "كرازات بطرس" حيث يعطي كاتبها ليعقوب المقام الأوّل، ويهاجم بولس على طريقة المسيحيّين المتهوّدين. كتبت باليونانيّة، في القرن الثالث في سورية، وتأثير الغنوصيّة واضح فيها.

ثالثًا: الرؤى المنحولة
لقد انتشر الأدب الجليانيّ عند اليهود انتشارًا واسعًا من القرن الثاني ق. م. إلى القرن الأوّل ب. م. ولمّا حرمته أوساط المعلّمين اليهود ضعف جدًّا وكاد يتلاشى لو لم ينتقل إلى اليونانيّة على أيدي المسيحيّين الذين عرفوا سفر رؤيا يوحنّا القانونيّ وأسفار رؤى تخفّت وراء هذا الرسول أو ذاك. من هذه الرؤى نذكر: رؤيا بطرس ورؤيا بولس وغيرهما.

رؤيا بطرس
من المرجّح أنّها ترجع إلى القرن الثاني، وقد ذكرها قانون موراتوري مع رؤيا يوحنّا وقال فيها إنّ بعضًا يرفضون قراءتها في الجماعة المسيحيّة. وصلت إلينا باللغة الحبشيّة واللغة اليونانيّة مع إنجيل بطرس، فبدت بشكل وحي أوصله يسوع إلى بطرس، ونقله هذا إلى تلميذه إكلمنضوس. أمّا موضوع هذه الرؤيا فهو عودة المسيح بالمجد للدينونة العامّة مع تصوير مطوَّل لعذابات المحكوم عليهم بالموت الثاني في جهنمّ. ونقرأ فيها نصوصاً من الكتاب المقدّس بعهديه القديم والجديد، ونرى صورًا مأخوذة من أساطير العالم اليونانيّ، وقد وصل إلينا بعضها عبر ما قيل في الكتب القديمة عن عذاب جهنمّ وأنواعه.

رؤيا بولس
يُقال إنّ نصّ هذه الرؤيا اكتشف في عهد تيودوسيان وغراسيان (سنة 380) في بيت بولس الطرسوسيّ. كتبت في فلسطين باللغة اليونانيّة، ولكنْ لم يبقَ لنا منها إلاّ الترجمات. ينطلقُ الكاتب في تدوين هذه الرؤيا من انخطاف بولس (2 كور 2: 2) فيعمل خياله في الحياة الأخرى ويطيل شرحه عن عذابات الهالكين.
وهناك أيضاً رؤى متعدّدة جاءت في زمن متأخر: رؤيا العذراء، رؤيا توما، رؤيا يوحنّا، رؤيا إسطفانس، وأخرى عديدة ورثها المسيحيّون عن اليهود ومهروها بطابع العهد الجديد: رؤيا باروك، رؤيا عزرا، رؤيا شدرك، رؤيا إيليّا، رؤيا صفنيا. ونذكر أيضاً صعود أشعيا بعد موته شهيدًا، وكتاب الأمثال المقحم في سفر أخنوخ. وإنّ هذه اللائحة الأخيرة تبيّن لنا اتّصال فنون أدبيّة عرفتها التقاليد اليهوديّة بفنون عرفتها التقاليد المسيحيّة.

خاتمة
بعد هذا العرض السرج نتساءل: أيُّ جديد جاءت به الأسفار المنحولة المرتبطة بالعهد الجديد، وأي فائدة تحملها إلينا لمعرفة الكتاب المقدّس ولدرس المسيحيّة الأولى درسًا أدبيًّا وعلميًّا؟
بالنسبة إلى الكتاب المقدّس، لم تحمل إلينا هذه الكتب الشيء الكثير. قد نجد في الأناجيل بعض العبارات والنصوص المختلفة عن النص القانونيّ، أو بعض كلمات ليسوع لم ترد في الأناجيل القانونيّة، أمّا الرسائل والرؤى فلا تضيف شيئًا إلى العهد الجديد.
أمّا بالنسبة إلى المسيحيّة الأولى، فنلاحظ أنّ الفنون الأدبيّة التي لجأ إليها كتّاب العهد القديم قد أثّرت في الكنيسة في بداية عهدها، وكان تبّاع هذه الفنون عديدين. وأمّا قيمة هذه المؤلّفات مختلفة: فالمؤلّفات الآتية من عالم المسيحيّين المتهوّدين تبيّن استمرار تعبير جليانيّ ورثه المسيحيّون عن اليهود، ولكنّها ستنحرف سريعًا إلى تيّارات متشعّبة كالأبيونيّة أو الغنوصيّة؛ أمّا المؤلّفات التي تحتوي عناصر التقوى الشعبيّة فهي تلفت انتباهنا بما تقوله عن طفولة يسوع والعذراء وعن أسرار الحياة الأخرى وانتظار نهاية كلّ شيء. لا شكّ في أنّ هذه المؤلّفات الأخيرة تتضمّن قيمة لاهوتيّة لا بأس بها، ولكنّها لا تعتم أن تنحرف إلى حُبِّ الاطّلاع الباطل وتبعد بنا عن الذوق السليم؛ أمّا ما انتقل من الأناجيل وأسفار الرؤى إلى كتب الآباء الشرقيّين وإلى الفنّ الذي عرفته القرون الوسطى في الغرب فيبقى أمرًا منوطاً بالفنّ لا بالإيمان.
أمّا أخطار الأسفار المنحولة فعديدة نذكر منها اثنين: الخطر الأوّل هو أن نجعل الأناجيل المنحولة مساوية للأناجيل القانونيّة الأربعة: فالأناجيل المنحولة لا تعدو أن تكون كتبًا تقويّة إن لم تحمل في طيّاتها البدعة والضلال التي أثّرت في كتب كثيرة دوّنت بعدها في عالمنا الشرقيّ. أمّا الأناجيل القانونيّة ففيها وحدها نجد قاعدة الإيمان المسيحيّ. وإن كان في الإمكان أن نورد نصًّا من الأسفار المنحولة كعنصر أدبيّ نزيّن به أفكارنا، إلاّ أنّنا لا نستطيع أن نخدع أنفسنا ونخدع الآخرين عند إيراد مثل هذا النصّ معتبرينه نصّاً إنجيليًّا وهو لا يحمل من الإنجيل إلاَّ اسمه. أمّا الخطر الثاني فآتٍ من الالتباس في الأفكار، بعد أن أخذ أصحابُ الشيعَ بإقحام نصوص من العهد الجديد في كتبهم، فأخفَوا تعاليمهم وراءها وخدعوا مؤمنين بسطاء. وهذا ما فعله التيّار الغنوصيّ وكان هدفه ابتلاع نصوص الأناجيل القانونيّة وكتابتها بروح جديدة وتعبير أفضل. إلاّ أنّ الكنيسة وقفت بوجه هذا التيّار فجمعت الكتب التي تجد فيها الكنائس التقليد الرسوليّ الصريح وقاعدة الإيمان الواحد وأوصلتها إلينا خالية من كلّ شائبة وضلال.

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM