الإنسان الجديد في العهد الجديد

الإنسان الجديد في العهد الجديد

إن الإنسان الذي سقط في الخطيئة "قد خسر الراحة التي له في الكلمة الله، ثم استعادها في الكلمة الإنسان. ولهذا، وفي الوقت المناسب، بينما كان الكلمة يعلم مايجب عمله فقد صار إنساناً، "وولد من امرأة". جاء المسيح "ليعرّف الإنسان، بادئ ذي بدء، بمحبة الله له وبواجب الاضطرام حباً لمن سبق فأحبّه، وليفهمه الحبَّ للقريب على مثاله، وعملاً بوصيته، وهو الذي صار للإنسان قريباً، وأحبّه يوم كان الإنسان يتيه بعيداً عنه". تلك هي الطريق التي تعرّفنا إلى وجه الإنسان في العهد الجديد.

1- الإنسان الجديد هو تلميذ التطويبات
الفقير بالروح والذي هو من أهل الرفق، والجائع والعطشان إلى البرّ، وطاهر القلب (أي باطن الإنسان، وأعمق ما فيه، فكره وذاكرته وشعوره وارادته)، والساعي إلى السلام (متى 5: 3- 9)، كلهم يشكّلون الإنسان الجديد الذي هو الملح في الطعام والنور في العالم (متى 5: 13- 16).

2- الإنسان الجديد هو الطاهر في الباطن
"لا ينجّس الإنسانَ ما يدخل الفم، بل ما يخرج من الفم ينجّس الإنسان" (متى 15: 11): ينتقل يسوع من طهارة البدن وبعض المآكل، إلى طهارة الباطن. طهارة الباطن أهمّ من طهارة الخارج، ولا مآكل نجسة في ذاتها. الشرّ الكائن في قلب الإنسان هو ما ينجّس الإنسان فكراً وقولاً وعملاً، وهو ما يفسد علاقته بأخيه الإنسان.

3- الإنسان الجديد هو المسيح
"الكلمة صار جسداً وحلّ بيننا" (يو 1: 14). "لقد انكشفت حقيقة الإنسان، يقول ايريناوس، فقط، عندما صار كلمة الله إنساناً. فابن الله الذي صار في شعبه إنسان جعل الإنسان شبيهاً به. وعندئذ جمُل الإنسانُ وطاب بعين الآب، وتوقع ما قالته البيبليا في صفحاتها، عن خلق الله للإنسان على "صورته".
الإنسان هو صورة الله غير المنظور. هو من أرانا وجه الله في وجه بشر. وهو من رآه رأى الآب. وهو "الطريق والحق والحياة" (يو 14: 6). وهو "الكرمة الحقيقية" (يو 15: 1). وهو الإنسان الذي شابهنا في كل شيء ما عدا الخطيئة (روم 8: 3؛ 2 كور 5: 21): "من منكم يمكنه أن يثبت عليّ خطيئة واحدة". هو الإنسان الكامل، والأعمال التي عملها لم يعملها آخر. هو الذي قيل عنه: "إذا جاء المسيح، ألعلّه يأتي من الآيات أكثر ممّا صنع هذا الرجل" (يو 7: 31). والتعاليم التي علّمها لا مثيل لها في أي حضارة لأي شعب في أي زمان وكان! فيسوع يبقى، على الأجيال، مثال الإنسانيّة الكاملة. وهو واهب الحياة الجديدة التي تقودنا إلى أن نعرفه ونعرف الآب الذي أرسله (يو 17: 3). وهو "الراعي الصالح" (يو 10). "وفي يده جعل الآب كل شيء" (يو 3: 35). وما أتى إلى العالم دياناً، بل مخلصاً (يو 12: 47). وأحبّ خاصته "كلّ الحبّ" (يو 13: 1)، وغسل أرجل تلاميذه، وجعل من نفسه "قدوة" (يو 13: 14- 15). "فإن الرب يسوع المسيح، الإله الإنسان، هو بالوقت عينه دليل محبة الله لنا، ومثال بيننا للتواضع البشري لكي يشفي صلفنا العاتي بنقيضٍ له أقوى منه".
و"هاهو الإنسان" (يو 19: 5): يسوع في نظر الإنجيلي، يسوع مثال الإنسان الحق. ومن إنسان الذلّ والهوان، سيخلق إنساناً جديداً. فمن يثبت فيه، هو الإنسان الكامل، يثبت في الإنسانية الكاملة. ومن يصحبه يُصبح نظيره وسفيره.

4- الإنسان الجديد يُعرف بالمحبة
"وصية جديدة أعطيكم! أن تحبّوا بعضكم بعضاً. يعرف الناس جميعاً أنكم تلاميذي" (يو 13: 34- 35): الوصية هي جديدة لأن يسوع عاشها بنوع جديد وفريد في حياته وموته وقيامته، وجعل المحبة البشرية الأخويّة امتداد لمحبة الاله لنا. مثال حبِّنا بعضنا لبعض هو حبّ يسوع نفسه لنا، مع ما يرافق هذا الحبّ من خدمة وبذل (يو 15: 13). والمحبّة الأخويّة أصدق علامة وأكبر برهان على مقدر حبّ الله للبشر. وهي أيضاً جديدة بما بلغ بها يسوع من كمال: أمر تلاميذه بحبّ الأعداء (متى 5: 43- 47)، وجعل حب القريبين في حبنا لله (متى 22: 34- 40؛ مر 12: 28- 34)، وجعل من هذه المحبّة الأخويّة علامة الأزمنة الجدية.

5- الإنسان الجديد هو المتضامن مع يسوع، آدم الثاني البارّ (روم 6: 1- 23)
"بالإنسان واحد دخلت الخطيئة إلى العالم" (روم 5: 12): يقصد بولس بكلامه الإنسانَ التاريخيّ الأول آدم، وبعده مجيء "الآتي" (5: 14)، المسيح، الذي نقض بطاعته عصيان الإنسان الأول. في لوح إيجابي، يصف بولس تضامن البشرية الوثيق الحرّ مع آدم الجديد، مع المسيح في سرّ العماد المقدّس (6: 1- 14)، وفي خدمة البرّ (آ 15- 23).
يشدّد بولس في روم 6، على الفاصل الجديد النهائي الذي حدث "في المسيح يسوع" (آ 11). يصير المُعمّد في المسيح خليقة جديدة، وإنساناً جديداً، وعضواً جديداً في جسد المسيح السري. "دُفنّا معه في الموت، بالمعمودية" (آ 4): هي المسيح عن إنسان عتيق خاطئ ليعود فيحيا مع المسيح، إنساناً جديداً مبرّراً.
"إن إنساننا العتيق صلب معه، لكي نبطل جسد الخطيئة" (روم 6: 6): "الجسد" لا يعني الجسد بدون النفس، بل يعني الإنسان كله، الذي يحيا بالجسد، ويعمل به، كون الجسد إطار وجود الإنسان، وأداة عمله، ومكان حضوره في العالم، وعلاقته بالكون، والناس والله. والتعبير "جسد الخطيئة" يعني الجسد الذي ملكت عليه الخطيئة واستعملته، فإذا هو الإنسان العتيق المذكور في الآية عينها.
"نؤمن أنّنا سنحيا أيضاً معه" (روم 6: 8): تلك الحياة الجديدة التي تبدأ سرياً وواقعياً، في حياة المؤمن هنا (6: 4، 11)، وتكتمل في قيامة الأموات هناك (6: 5، 8)، هي حقيقة لا يعرفها إلا الإيمان وحده.
يشدد بولس على أن "الموت" أجرٌ عادل لخطيئة الإنسان، أما "الحياة الأبديّة" فـ "موهبة" مجانيّة من الله للإنسان في الرب يسوع المسيح. فلا يسع إنساناً، مهما سمت أعماله، أن يستحقّ الحياة الأبديّة.

6- الإنسان الجديد محرّر بالروح
من لوح سلبيّ يصف شقاء الإنسان المقيّد بالشريعة (روم 7)، ينقلنا بولس إلى لوح جديد إيجابيّ، يصف خلاص الإنسان المحرّر بالروح القدس (روم 8). "إن شريعة روح الحياة" التي يعطيها "المسيح يسوع" (روم 8: 2)، تجدّدُ المؤمنَ، وتخوّله الطاعة لإرادة الله، لا قسراً، بل طوعاً، وفقَ شريعة روحيّة جديدة. "الروح" هنا، هو أيضاً روح المؤمن، وقد تجدّد بالروح القدس الساكن فيه (روم 5: 5؛ 1: 9). يشدّد الرسول على نظام "الروح" الجديد.
"إن ما عجزت عنه الشريعة... أنجزه الله" (روم 8: 3): عجزت شريعة موسى عن أن تكون مبدأ خلاص للإنسان. "أنجزه الله"، "في الجسد": بموت الجسد، فقدت الخطيئةُ أداةً بها تسلّطت على الإنسان. "سلوك روح لا سلوك جسد" (روم 8: 4): سلوك الجسد هو الإنسان الخالي من روح الله، الإنسان العتيق الخاطئ. "الجسد" (8: 10)، في الإنسان الخاطئ، صائر إلى الموت (5: 13). أما الروح القدس، في الإنسان المبرّر، فهو مبدأ حياة أبديّة (6: 9)، في الإنسان الجديد. الجسد "ميت"، فلا سلطان للخطيئة عليه (8: 10 و6: 6 و7: 8)، والروح مبدأ حياة أبديّة. تبدأ القيامة (8: 11)، منذ الآن، بحياة جديدة تجعل المؤمن ابناً لله (8: 14).
"وفق الجسد... أعمال الجسد" (8: 13): يستعمل بولس حرفياً لفظة "لحم" في التعبير الأول، ولفظة "جسد"، في التعبير الثاني. في كليهما يعني العيش وفقَ الإنسان العتيق" (6: 6). "ينقادون للروح" (8: 14): الروح ليس للإنسان المؤمن "معلماً" فحسب، بل هو مبدأ حياته الجديدة في المسيح (5: 5). "الروح يشفع لنا" (8: 26).

7- الإنسان الجديد يحيا حياة جديدة مع المسيح
هكذا تكون السيرة المسيحية.
كان الهيكل أقدس مكان للعبادة. صار جسد يسوع القائم من الموت هو المكان الجديد الأوحد لحضور الله ولعبادته الحقّة. وبما أن المؤمنين بالمسيح هم أعضاء حية في جسده السري، يسكن فيهم روح الله بنوع جديد، بحيث تحلّ الجماعة المسيحية محلّ الهيكل أيضاً، فتصبح مكانَ العبادة الروحيّة الحقيقية الجديدة.
"قدّموا أجسادكم" (روم 12: 1): "الجسد" هو الكيان الانساني الكامل، وهو الإطار الطبيعي الحسيّ لوجود الإنسان وعمله وعلاقته بالله والناس والعالم.
"عبادتكم الروحية" (12: 1): تعبير يميّز العبادة الخارجيّة الشكليّة من العبادة الداخلية الحقيقية التي تلزم الإنسان كلّه (1: 9).
وإذا اتحد جسم المسيحي بالذي اتخذ "جسداً بشرياً" (كو 1: 22)، واشترك بالعماد في موت يشبه موت المسيح (روم 6: 5- 6)، فإن عقله يتجرّد ويتحوّل (روم 1: 2؛ أف 4: 23). إنه يعرف كيف يحكم (روم 14: 5)، في ضوء الروم الذي يعبّر عن اختياراته: أليس له فكر المسيح ذاته؟ (1 كور 2: 16).

8- الإنسان الجديد "هو في المسيح"
"فمن هو في المسيح، هو خلق جديد: لقد ذهب العتق، وصار خلق جديد" ( 2كور 5: 17): حرفياً "صار شيئاً جديداً". خلق الله بالمسيح كلَّ شيء (يو 1: 3)، ثم جدّد في المسيح خلقاً أفسدته الخطيئة، فصار محور هذا الخلق كله إنساناً جديداً، يحيا حياة جديدة (روم 6: 4 و12: 1- 21)، حياة برّ وقداسة، بميلاد ثانٍ جديد من سرّ العماد المقدس (روم 6: 4). ولن ينفكّ آخذاً في النموّ، حتى يبلغ إلى مقدار قامة المسيح. على المسيحيّ أن ينبذ "الأنسان العتيق" (أف 4: 22)، وأن يلبس "الإنسان الجديد" (أف 2: 5؛ 4: 24؛ كو 2: 20؛ 3: 5- 17)، فيصبح "خليقة جديدة" (2 كور 5: 17؛ غل 3: 27؛ روم 13: 14).

9- الإنسان الجديد يثمر "ثمر الروح"
يحيا الإنسان إما على حسب الجسد، وإما على حسب الروح (روم 5: 5؛ 7: 5 وغل 5:16). الأول يعمل "أعمال الجسد" (غل 5: 19- 21): كل هذه الأعمال تصدُّ الإنسان عن بلوغ هدف دعوته الحقّة. "وأمّا ثمر الروح فمحبة، وفرح، وسلام، وأناة، ولطف، وصلاح، وأمانة، ورفق، وعفّة" (غل 5: 22- 23). فكل إنسان مؤمن في الرب يسوع، لم يعد وجوده مسخَّر للجسد، بل هو انتصار دائم للروح على الجسد (غل 5: 16- 25؛ روم 8: 5- 13).
والتعبير "لباس البرّ" (أي 29: 14؛ مز 132: 9؛ 59: 17)، يعني التغيير الحذريّ، الذي يحقّقه المؤمن المعمّد في حياته الجديدة. والروح القدس يجدّد عقل المؤمن (أف 4: 23)، ليصبح إنساناً جديداً، حتى في قواه العقلية نفسها، "صانعاً بيديه الصلاح" (أف 4: 28)، سالكاً سلوك أولاد النور (أف 5: 6- 21).
ينبغي أن يموت الإنسان باستمرار، عن "الإنسان العتيق"، باتحاده بيسوع المسيح الذي مات مرة من أجل الجميع، من أجل حياة جديدة. تتجدد على صورة الخالق (كو 3: 9- 10).
حينئذ نكون قد أدركنا سرّ المسيح، سرّ حياتنا الجديدة التي حدّثنا عنها بولس في رسالته إلى تلميذه تيطس (تي 2: 11- 3: 7). إن حملنا (رؤ 7: 14): ينزل إلى "كعب" الجحيم ليفتّش عن الإنسان (1 بط 3: 19). فـ "في يسوع المسيح الله لا يتكلّم فقط مع الإنسان، بل يسعى في طلبه". الله يسعى في في طلب الإنسان (1 بط لو 15: 1- 7)ز وإذا كان الله يسعى في طلب الإنسان المخلوق على صورته وكمثاله، فإنما يفعل ذلك لأنه يحبه حباً أبدياً في الكلمة ويريد أن يرفعه في المسيح إلى منزلة الابن، يريد أن يتبنّاه. اله إذا يسعى في طلب الإنسان لأنه يخصّه بنوع مميز عن سائر المخلوقات. هنا نلمس النقطة الجوهرية التي يميّز المسيحية عن سائر الأديان التي عبّر فيها الإنسان منذ البدء عن سعيه في طلب الله".


الخاتمة
الإنسان الجديد هو إنسان مؤمن بيسوع، يسير في النور، بإيمان ومحبة ورجاء. الإنسان الجديد المفتدى بدم المسيح، أصبح خليقة جديدة بعد أن حرّره المسيح. فـ "الحياة الجديدة بالمسيح" هي من "العناصر الأساسية للتبشير بالإنجيل"، التي يجب ترسيخها في "ذاكرة المؤمن".

الأب لويس الخوند

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM