ساراي وهاجر وابرام علاقة مثلّثة من العنف

ساراي وهاجر وابرام علاقة مثلّثة من العنف

حين نقرأ الفصل السادس عشر من سفر التكوين، نكتشف ثلاثة أشخاص ساراي أو سارة، أي الأميرة، لما لها من مركز في قلب زوجها. ابرام الذي سيصبح ابراهيم، أي أبا شعوب كثيرة، على ما قال الله له: بك تتبارك جميع قبائل الأرض. هاجر، الأمة المهاجرة، التي ظلّت غريبة في بيت سيّدها. الزوج ابراهيم. الزوجة ساراي. الأمة ستصبح زوجة لفترة محدودة، هاجر. وكل هذا يدور حول ولادة اسماعيل الذي أراد الكاتب الكهنوتيّ أن يعيد له مكانته في إطار وطنيّ يريد أن يبعد سائر الأمم عن علاقة مع الإله الواحد. اسماعيل هو نسل إبراهيم، شأنه شأن اسحق. واسحق لم ينل الوعد وحده، بل وُعد ابنُ هاجر أيضاً بنسل كبير أيضاً: "كثيراً أجعل نسلك حتى لا يُحصى لكثرته" (تك 16: 10). وهذا النسل قال فيه الملاك لهاجر: "أنتِ حبلى وستلدين ابناً فتسمّينه اسماعيل" (آ 11).
في إطار هذه الأيام البيبلية التي شدّدت على احترام الشخص البشريّ، على كرامته وعلى حرّيته على دور كل شخص بمفرده، أردنا أن نقدّم لمحة عن علاقة مثلّثة عرفها الشرق الأوسط القديم، حيث للرجل أكثر من امرأة. وهذا الوضع لم يكن اسثنائياً. من لا يعرف قصة الأختين راحيل وليئة مع يعقوب زوجهما، وحنّة (أم صموئيل) وفنّنة مع أبيمالك، حيث كانت صاحبة الأولاد تُغضب المحبوبة وتهينها لأنها عاقر (1 صم 1: 5- 6)؟ هذا لا يعني أن الكتاب المقدّس يوافق على هذا الوضع، مهما كانت التبريرات اللاحقة. ففي مثل هذه الزواجات يسيطر العنفُ، لا عهدٌ بين رجل وامرأة يقول فيهما الله كما في البدء: "يصير الاثنان جسداً واحداً" (تك 2: 24).

1- العلاقة بين ابرام وساراي
يبدأ خبر هذه العلاقة منذ تك 11- 12، مع زواج يرافقه عقمُ المرأة، فيقول الكتاب ويكرّر: "وكانت ساراي عاقراً". ثم يضيف: "لا ولد لها" (11: 30). هي لا تفعل شيئاً، بل تكتفي بأن تكون في حال من الحالات، فتتميّز عن المرأة العاديّة ولكن يُذكر اسمُها بشكل لافت، ساعت اختفى اسم جدّاتها، بنات سام، اللواتي ولدن البنين والبنات. فشالح هو الذي ولد عابر، ولا تُذكر امرأته (111: 4). وعابر ولد فالح... وتتواصل السلسلة حتّى ناحور، جدّ ابرام، الذي "ولد بنين وبنات" (آ 25). فالاسم يدلّ على الشخص، ولا سيّما لدى المرأة التي تسمّى زوجة ذاك الرجل، بانتظار أن تصبح أم فلان. كأن تصبح المرأة "أم اسحق" بعد أن كانت "زوجة ابراهيم". وهكذا يصبح اسمها كما تضيع هويّتها، بعد أن تضيع تقاسيم وجهها وراء برقع كما كان الوضع مع رفقة، زوجة اسحق (24: 65)، وتُجعل في خدمة رجل تنقاد له (3: 16).
أول مشهد نقرأ فيه العلاقة بين ساراي وابرام، يحصل عند وصولها إلى مصر (12: 10). وجّه ابرام إلى ساراي صلاة. "أعرف أنك جميلة المنظر. فإذا رآك المصريون سيقولون: هذه امرأته، فيقتلونني ويُبقون عليك. قولي إنك أختي، فيُحسنوا معاملتي بسببك ويُبقوا على حياتي لأجلك" (آ 11: 12).
ما قاله ابرام لساراي يجعلنا نفكّر بما قاله آدم لامرأته دون أن يسمّيها: "هذه عظم من عظامي، ولحم من لحمي. هذه تُسمّى امرأته، فهي من امرئ أُخذت" (2: 23). نلاحظ هنا النقض الكبير في العلاقة. أولاً، لا يكلّم آدم امرأته في صيغة المخاطب، كما في حوار، بل يكلّم نفسه. ثانياً، يجعل نفسه في الوسط، وكأنه هو أصل المرأة، "خالقها"، بعد أن أُخذت منه. وهذا مع أن الراوي يقول إن الربّ أخذ الضلع من آدم وبنى المرأة، وإن ذاك الذي جبل الرجل، بنى المرأة. ثالثاً، فُصلت المرأة عن الرجل، فلم يعد جزءاً منه، ويجب أن تعود إليه كشيء يمتلكه، أو أمة اشتراها بماله. ومع ذلك، فهي امرأة من امرئ، وعظم من عظم، ولحم من لحم، لا يريدها مميّزة عنه، بل تابعة له من دون شخصيّة محدّدة. وفي النهاية، سيكون اسمُها حواء، أي تلك التي تلد، تُعطى الحياة. فكل امرأة هي حواء. وبالتالي لا تتميّز عن أختها في علاقتها بزوجها وأولادها. هي في الخدمة البسيطة، في امّحاء لوجودها الخاصّ وشخصيّتها بما فيها من غنى على جميع المستويات. وقبلتْ حواء بوضعها. جعلها الله تجاه الرجل، من أجل الحوار (رج "ن ج د" في العبريّة)، فصارت بجانب الرجل، كبعض متاعه.
ونعود إلى ابرام في ما قاله لامرأته. فهناك تقدّم بالنسبة إلى آدم. فأبرام لا يتكلّم عن امرأته، في صيغة الغائب، بل يكّلمها في صيغة المخاطب: أعرف أنك أنت... قولي أنت... تكلّم ابرام وانتظر الجواب. بل توسّل إلى ساراي. غير أن سارة لا تجيب، لا تقول شيئاً، بل تطيع صامتة، مع أن ابرام يطلب منها أن تنكر أنها زوجته. هذه الذي تركت شعبها وبيت أبيها ونسيتهم (مز 45: 11)، كما ترك الرجل أباه وأمّه (تك 2: 24)، يُطلب منها الأن أن تعود إلى بيت أبيها وكأنها ما تزوّجت، أن تحسب نفسها فتاة يمكن أن تتزوّج، وجمالُها الذي يلاقي جمال زوجها (مز 45: 12) صار موضع تجارة.
واعترف ابرام نفسه لماذا طلب من ساراي ما طلب: هكذا يُحسنون إليه. يستطيع أن يبقى على قيد الحياة بفضل امرأته (تك 12: 13). تلك العلاقة التي أرادها الله للإنسان لئلاّ يبقى وحده، فيمضي إلى الموت، حطّمها ابراهيم لينجو بحياته. نلاحظ هنا منطق العنف (عند الرجل) بما فيه من أنانيّة كما نلاحظ موقف الضعف الذي لا يسمح للمرأة أن تدافع عن نفسها وتكون أمام الرجل، لا جزءاً منه وامتداداً لشخصه، إن لم يكن رداً على حاجاته ومخاوفه. قلق ابرامُ من المجهول (إذا رآك المصريون)، وترك دوره كزوج مع ما في هذه العلاقة من محدوديّة، من أجل ما ظنّه خيراً له، دون التطلّع إلى الآخر.
ما تجرّأت ساراي أن تجيب زوجها. أخذوها من بيتها، وتفّق الخير على ابرام: "غنم، بقر، عبيد، إماء، أتن، جمال" (12: 16). وكل هذا "بسببها"، من أجل سارة وكرامة عينيها. ولكن النتيجة هي أن الأميرة صارت أمَة وجارية، بل صارت سلعة في التبادل. ولكنّ النصّ يفتح نافذة رائعة، إن نحن قرأناه في حرفيّته، لا كما في الترجمات التي لا تُبرز المعنى. ففي آ 16: بسببها، وفي آ 17: بسببها. ولكن يختلف الشخص عن الآخر. في المرّة الأولى هو ابرام. وفي المرّة الثانية، فرعون. اللفظ العبريّ في آ 16: ب ع ب و ر ه. عبر سارة. بواسطة سارة. وهكذا عبر ابرام بواسطة امرأته، فنال كل هذا الخير. صارت المرأة وسيلة ناجحة. أما اللفظ العبري في آ 17 فهو: د ب ر. أي الكلمة. هذا يعني أن ساراي التي لبثت صامتة، أمام ابرام، تكلّمت أمام فرعون. دافعت عن نفسها أمام الله، وطلبتْ منه، فضرب فرعون وأهل بيته. ودافعت عن نفسها أمام فرعون. ما زالت "امرأة ابرام" (آ17). دلّت على شخصيّتها، ورفضت كذبَ زوجها. فتفهّم فرعونُ وضعَها، وأعاد المرأة إلى زواجها (12: 18- 19). وللمرأة الأولى أخذت ساراي مكانها بجانب زوجها. فنقرأ في 13: 1: "فصعد ابرام... هو امرأته ولوط...". أما في 12: 1 فنقرأ: "فرحل ابرام وذهب معه لوط". ذُكر الرجل دون المرأة. وبعد ذلك يقال: "أخذ ابرام ساراي امرأته".
نلاحظ في هذا الخبر كيف يحكم الكاتب الملهم على من كلّمه الربّ ووعده بالبركة (12: 2). بدا فرعون أفضل منه، فقرأ الأحداث وفهمها كنداء من الربّ. بالبركة (12: 2). بدا فرعون أفضل منه، فقرأ الأحداث وفهمها كنداء من الربّ وبشكل خاص سمع لسارة، كلّمها وما فرض عليها إرادته إلى النهاية. أما ابرام فاتخذ قراره، ولم يتنظر جواب امرأته، وربّما دموعها. فكّك ابرام الرباط الزوجيّ حفاظاً على حياته، وطلباً لمنافع ماديّة. أما فرعون فأعاد هذا الرباط. ويبقى العامل الأهمّ ساراي، التي تكلّمت. فلو ظلّت صامتة في خنوعها وإذلالها والمتاجرة بها، لما كان تصرّف الفرعون كما تصرّف، وهو يجهل أن ساراي هي امرأة ابرام. ولكن الإنسان لا يتعلّم فيقع في الخطأ عينه. فمع أن ابرام ذُلّ، وطُرد كما يُطرد سارق، عاد إلى الخبرة عينها مع أبيمالك، ملك جرار. فاحتال وراء قرابة بعيدة، مستنبَطة أو حقيقيّة، وقال: سارة "هي أختي" (تك 20: 2). وانكشفت الحقيقة في تدخّل إلهيّ. فخاف أبيمالك ورجاله خوفاً عظيماً (آ 8) من الله، ساعة قال لهم ابراهيم: ظننتُ أن لا وجود لخوف الله في هذا المكان" (آ 9). وما حصل لإبراهيم سيحصل لإسحق. خاف أن يقول: هي امرأتي. فقال: هي أختي (تك 26: 7). استعدّ اسحق هو أيضاً أن يضحيّ برباط الزواج وعلاقته مع امرأته رفقة، بسبب الخوف. أما أبيمالك فأعلن: "من مسّ هذا الرجل أو امرأته فموتاً يموت" (آ 11).

2- بين هاجر وساراي
هنا نعود إلى تك 16: 1- 16. كيف بدت ساراي تجاه هاجر؟ منذ آ 1، نقرأ: "وأما ساراي، امرأة ابرام، فلم تلد له". نلاحظ هنا الانتقال. في 11: 30 ب قرأنا: "لا ولد لها". فالأمُّ تجد ملء شخصيّتها حين يكون له ولد. أما هنا (16: 1) فنقرأ: "لم تلد له". فالولد لا يكون لها، بل لرجلها. فالولد يخصّ ابرام، وساراي أيضاً تخصّه، لهذا تصرّف بها كما تصرّف في مصر. ما زالت الطريق طويلة أمامه قبل أن يفهم فرادة علاقته مع ساراي، سواء ولداً أم لا.
بما أن لا ولداً لابرام، سوف يُفعل المستحيلُ لكي يكون له هذا الولد، دون الأخذ في الاعتبار بشخص ساراي. هنا يبرز شخص هاجر التي ترتبط بابرام عبر ساراي سيّدتها. هي إشارة إلى ما ناله ابرام بسبب امرأته من "عبيد وإماء" (12: 16). ولكن ما يلفت الانتباه، هو أ، هذه الأمة لها اسم، هاجر. والراوي في هذا الخبر يُسمّي هذه الأمّة دوماً باسمها، ليدلّ على أنه يرى فيها المرأة تجاه الرجل. رج آ 3، 4، 15، 16. هنا نشير إلى ما قاله رابي راشي (1040- 1105، مفسّر التلمود)، بأن هاجر كانت ابنة فرعون. فاستعاد ما يقول مدراش ربا: "حسب رابي شمعون بر يوحاي (تلميذ رابي عقيبة، القرن الثاني)، كانت هاجر ابنة فرعون. فالملك الذي رأى داخل بيته معجزات تمّت من أجل سارة، أخذ ابنته وأعطاها إياها قائلاً: "خيرٌ لابنتي أن تكون خادمة في هذا البيت من أن تكون من سيّدة في موضع آخر". ثمّ توضح النصوص أن هاجر أعطيت كتعويض عن الإساءة التي حصلت لسارة حين أخذها الفرعون.
الوضع صعب بالنسبة إلى سارة. فاتخذت المبادرة لتؤمّن النسل لزوجها. وقد تكون خافت على نفسها. فدعت زوجها كي يشاركها في مواجهة هذا الوضع. قدّمت الواقع: هي عاقر. ولكنها فسّرت هذا الواقع، فجعلت الله معنياً بشكل مباشر بهذا الأمر: إن هو وعد أبرام بنسل، وإن كانت زوجة ابرام لم تعطه ولداً، فهذا يعني أن الربّ لا يريدها أن تكون أم أولاده. تلك هي وجهة. غير أن هناك وجهة أخرى تتعلّق بساراي في حياتها كامرأة: إن كان الربّ منعها من الولادة، فهذا المنع ليس سلبياً فقط، ولا دلّ على الحرمان. فالعقر يمكن أن يحمل لها ثمار حياة في علاقتها ابرام.
وبعد أن فسّرت ساراي وضعها، قدّمت حلاً. وهكذا احتلفت عن ابرام الذي وضع ثقته في الربّ (15: 6). فوجدت الحيلة: "جارتني، لعلّ الربّ يرزقني منها بينين" (16: 2). فقدّمت جواباً بشرياً اعتاد عليه الشرق القديم. وسوف تمارسه راحيل وليئة، امرأتا يعقوب، فتقول راحيل حين تلدُ بلهةُ جاريتُها ليعقوب ابنا: "سمع الله لصوتي ورزقني ابناً" (تك 30: 6). إن المشكلة من عند الله. والوعد من عند الله. ومع ذلك، لم تصبر ساراي، فوضعت أملها في الوسائل البشرية. وما الذي دفعها إلى مثل هذا العمل؟ هنا نعود إلى الأصل: ا و ل ى. ا ب ن ه. م م ن ه: أي لعلّي ابني منها. أو لعلّه يكون لي ابن منها. إذن، هناك معنيان يتكاملان. إذا كانت ساراي ترجو أن يكون لها ابن بفضل جارتها، فلأنها ترجو أيضاً أن "تُبنى" كامرأة بفضل هذه الأمومة البدليّة. ونتذكّر خبر الخلق في تك 2: 2 حيث يقال أن المرأة بُنيت (و ي ب ن). أخذ الربّ الضلع وبنى المرأة. بناها في ذاتها قبل أن تكون أماً. ثم إن مبادرة البناء لا تعود إلى المرأة، بل إلى الله الذي جعل المرأة تجاه الرجل.
وإذا طلبت سارة ما طلبت، فبالنظر إلى شهوتها. وهي أن يكون لها ولد مهما كان الأمر فاستعملت هاجَر كوسيلة لتصل إلى هدفها. بل استعملت ابرام نفسه بقدر ما ابرام هو عنصر في مخطّط ساراي. في أي حال، لا يسرع ابرام في القيام بما طلبتْ منه. فالنصّ يقول: "أخذت ساراي، امرأة ابرام، هاجر المصريّة، جاريتها، وأعطتها لابرام لتكون له زوجة" (16: 3). هل سألتها رأيها؟ لا شكّ في أنها لم تفعل. بل تركت الشهوة تلعب دورها. ولكن مثل هذا الموقف سيعود بالشرّ على ساراي.
في هذا الإطار، سقطت ساراي وارتفعت هاجر. استعملت الأميرةُ العنف، فارتدّ عليها. استعملتْ هاجرَ كغرض. أخذتها كشيء من الأشياء. وأعطتها لابرام. غير أن هذا العمل منح الجارية وضعاً لم تكن لتحلم به من قبل. شدّد النصّ فقال: هي المصريّة. هي جارية ساراي، فصارت زوجة ابرام، وبالتالي السيّدة، في ما يتعلّق بابرام "زوجها". أملتْ ساراي أن تُبنى، فإذا هي تُذلّ وتنحدر. وحين أحسّت بالنتائج الملموسة لهذا الاذلال، حاولت أن تستعيد المبادرة.

3- ابرام بين هاجر وساراي
ما نلاحظ في حيلة ساراي، هو أن أبرام الذي نعمَ بما قدّمته له ساراي (له زوجة)، لا يفعل شيئاً. أخذت هاجر، فنظر إليها تفعل. أعطته هاجر، فما تحرّك ولا تكلّم ولم يعمل ما يعمله الرجل العديّ الذي يُدخل امرأة أخرى في قلب علاقته مع امرأته. كان بالامكان أن يقول النص: "أعطتها لابرام فأخذها زوجة له". كلا. بل تركها تفعل. يبدو أنها استسلم للقدر، بعد أن وصل اليأس إلى قلبه. فلتفعل ساراي. المهمّ أن يكون له ولد. وهكذا التقتْ شهوةُ الرجل مع شهوة المرأة. هذا الذي آمن بالربّ فبرّره الله لايمانه (15: 6)، ترك الأمور تسير مجراها البشريّ، لا مجراها الالهيّ.
في آ 4، صار ابام فاعل الأعمال، بعد أن كانت ساراي صاحبة المبادرة وهو ينفّذ لها ما تطلب في انفعال يُدهش القارئ. "دخل على هاجر"، كما يدخل الرجل على امرأته. طلبتْ منه ساراي أن "يدخل على جارتيها"، أما هو "فدخل على هاجر". أخذت ساراي "هاجر المصرية جاريتها" وأعطتها له، أما هو فأقام علاقة مع "هاجر". نحن هنا أمام ذهاب الرجل إلى امرأته، ى أما امتلاك شيء أُعطيَ لابرام. فوجود الاسم مهمّ جداً وهكذا لم يتّحد ابرام بالغريبة ولا بالجارية، بل بهذه المرأة التي اسمها هاجر. وحين دخل ابرام في "لعبة" ساراي، لم يفعل كما فعلتْ، ولم يعتبر الجارية غرضاً يؤخذ ويُعطى. بل رأى فيها شخصاً يُحترم. فكأني بهذا العنف الذي تصرّفت به ساراي، لم يجد تجاوباً عند الرجل. وهذا ما سوف يغيظها جعلتْ زوجها أمام الأمر الواقع والخطر المهدّد. وأدخلت بالقوّة، لا بالاقناع، امرأة في علاقتها مع زوجها، فكانت النتائج قاسية جداً، بحيث ستقول لابرام: "غضبي عليك" (16: 5).
كرّم ابرام هاجر حين دخل عليها، فحبلت. هنا نعود إلى الفعل العبريّ في جذره القريب ممّا في اللغة العربيّة: ق ل ل. قلّت ساراي في عين الجارية، قلّلت من قيمتها. استخفّت بها. اختقرتها. افتخرت هاجرُ بأنها الزوجة التي حبلتْ تجاه العاقر التي لم تستطع أن تحبل. استعملت ساراي هاجرَ كوسيلة تُحقّق بها رغباتها، فأخذت الجارية ثأرها. ارتقى وضعُها، بعد أن صارت زوجة ابرام، شأنها شأن ساراي، وتفوّقت على السيّدة حين حبلت وكان لها ولد تُبنى به. أجل، لم تعد هاجر "شيئاً" يؤخذ ويُعطى. صارت شخصاً يقيم علاقة مع شخص آخر في إطار الزواج.
وهكذا صارت الأميرة، القويّة "ج ب ي ر ه" ضعيفة، وانتصرتْ عليها جاريةٌ أخذتها هي وأعطتها لزوجها. ذاك هو معنى أول: صارت ساراي محتقرة في عيني سيّدتها. غير أن هناك معنى آخر: صارت السيّدة محتقرة في عينيها، فرأت في حبل الجارية صفعة لها. لعب الحسدُ في قلب ساراي، فاستفادت هاجر من هذا الوضع في حبل الجارية صفعة لها. لعب الحسدُ في قلب ساراي، فاستفادت هاجر من هذا الوضع وجعلت سيّدتها تحسّ في قلب ساراي، فاستفادت هاجر من هذا الوضع وجعلت سيّدتها تحسّ باستخفافها بها. إلاّ إذا كانت السيّدة تجعل في الجارية احتقاراً تُسقطه على نفسها.
تألمت سارة من عقمها. ولعب الحسدُ في قلبها من هذه الجارية. فمن المسؤول عن هذا الوضع؟ ليست الجارية التي كانت بين يدي السيّدة غرضاً أخذته وقدّمته لزوجها. إذن، هو ابرام. فكانت صرختها: العنف الذي يحيط بي، يأتي منك. ذاك هو معنى العبارة "غضبي عليك".
ولكن ما هو هذا العنف الذي تتكلّم عنه ساراي؟ ولماذا توجّه كلامها إلى ابرام، لا إلى هاجر؟ ولماذا تلجأ إلى الله، ذاك الذي تجاهلتْه حين بحثتْ وحدها عن حلّ لعقمها، فحطّمت حياتها الزوجيّة؟ اللفظ العبريّ "ح م س" يعني العنف، الظلم، الغضب... ولفظة "عنفي" تعني العنف الذي تحسّ به ساراي، تدلّ على الغضب الذي تشعر به بعد أن صارت الحالة إلى ما صارت. كما تعني العنف الذي تحسّ به، أو الظلم الذي تتحمّله بسبب زوجها، ومع "ح م س" نقرأ "ع ل" (على في العربية) الذي يدلّ على عداوة، كما يدلّ على السبب. لهذا نستطيع أن نقرأ: أنت سبب العنف الذي يصيبني. والعنف الذي يصيبني، ياليته يقع عليك. نلاحظ هنا في حياة ساراي وابرام، ما يمكن أن نقرأه في مسيرة آدم وحواء، وبالتالي في مسيرة آدم وحواء، وبالتالي في مسيرة الرجل مع امرأته والمرأة مع زوجها. كان التناغم تاماً. ولكن حين جاءت الخطيئة، تهرّب كل واحد من المسؤولية وجعلها في الآخر. وقد يكون الآخر بريئاً. قد يكون أنه لم يفعل شيئاً فخضع لإرادة شريكه. ذاك كان وضع ابراهيم. ومع ذلك، اعتبرت سارة أنها ضحيّة عنفه. في الواقع، حين يغيب الله، يسود العنف، ويصبح الانسان ذئباً لأخيه الإنسان. بعد الخطيئة الأولى وغياب الله من حياة العائلة التي خرجت من الفردوس، وبالتالي أضاعت حضور الله، قتل الأخ أخاه. وفي تك 16: 1 ي، بعد أن تركت ساراي، ثم ابرام، مخطّط الله، وبنيا مخطّطاً على قياسهما، فهِما خطأَهما. أرادا أن يصيرا "آلهة" كما قالت الحيّة، يعرفان ما يجب أن يُعمل. سيطر العنف في حياتهما، بانتظار أن يصل إلى هاجر التي اكتفت بأن تطيع سيّدتها وتخضع لإرادة ابرام.
هنا نتوسّع في العبارة "غضبي عليك" في خطّين متكاملين.
الخطّ الأوّل يقدم المعنى الذي يتّضح أمام القارئ للوهلة الأولى. اعتبر ابراهيم هذه الجارية كامرأة له في كل معنى الكلمة، في علاقة من الاحترام. وها هي الآن تحمل ولداً في حشاها. وفسّرت سارةُ النظرة المتعالية، سواء كانت حقيقيّة أو خياليّة، لدى جاريتها. في هذا المعنى، غضبت ساراي على ابرام، لأنها رأت في الإكرام المقدّم للجارية التي "تزوّجها"، ضرراً لها هي السيّدة. فكأنّي بها لم يُعد لها حقّ على جاريتها.
على هذا المستوى، نشدّد على أن الألم، عند ساراي، شوّه النظرة إلى الأمور. تناست الزوجة أنها "أخذت" هاجر، وحسبْتها شيئاً من الأشياء، حين قدّمتها لزوجها (آ 3). وها هي الآن تقول إن هذه الجارية هي أساس حياة حميمة من الاحترام، تَقبّل فيها أبرامُ هاجر. "دفعتُ جاريتي إلى حضنك" (آ 5). تخيّلتُ عنها وأعطيتُك إياها، وها أنتى تنسى زوجتك وتمارس العنف الخفيّ معي. تتركني فتظلمني. وحين نسيت ساراي إلى نفسها أن العلاقة بين هاجر وابرام، تتركني بفضلها هي، دلّت على ما في تصرفها من وجهة بغيضة. جعلت من هاجر أداة لتحقيق رغبتها، وما فكّرت يوماً بجاريتها، كانسانة يحقّ لها الاحترام.
وأنهت ساراي كلامها: "الربّ يحكم بيني وبينك" (آ5). هي تطلب أن يكون الله حكَماً. اعتبرت أنها على حقّ، فطلبت من الربّ أن يحكم ويدلّ المخطئ على خطأه من أجل إقامة العدالة، بل هي أملت أن يحكم الربّ لصلحها، بعد أن صارت ضحيّة العنف الذي مارسه ابرام تجاهها.
والخطّ الثاني يكشف مدلولاً متشعّباً: أملت ساراي أن "تُبنى" (آ 2) كامرأة. وإذا ترك ابرام امرأته تتصرّف كما تشاء، بدا وكأنه لا يحترم ساراي أكثر من هاجر. فحين قبل أن يرتبط مع الجارية بعلاقة زوجيّة، بدا وكأنه لم يستطع أن يؤكّد أنه زوج هذه المرأة، فما عارض رغبتها، وما فهم الشوق العميق الذي عبّر عن نفسه لدى ساراي التي طلبت ما طلبتْ. فلو أراد ابرام أن يبني ساراي كامرأة، لوجب عليه أن يرفض لها طلبها المباشر في أن يكون له ولد. هذا يفترض قبولاً لواقع يُفهمه أن لا نسل له، واستعداداً لنزاع مع ساراي تجاه وضعها كامرأة عاقر. لو تصرّف بهذه الصورة، لكان دلّ على احترام عميق لها. ولكنه دلّ على هاجر، واحترامها كما لم يحترم ساراي المتألمة. في هذه المعنى، بدا ابرامُ سببَ الظلم الذي تتحمّله امرأتُه، التي لم تُبنى في علاقتها الزوجيّة كشخص في حوار، فصارت مثلها مثل الجارية، بل أقّ من الجارية، بعد أن حبلتْ الجارية وظلت هي عاقراً.
في هذا الخطّ الثاني، يتّخذ نداء ساراي إلى الربّ مفهوماً جديداً. فنحن تصرّف ابرام كما تصرّف، فنسي الرغبة العميقة عند امرأته، ولبث على مستوى الرغبة العميقة عند امرأته، ولبث على مستوى الرغبة السطحيّة، كان لساراي الحقّ أنّ تطلب من الربّ أن يحكم بينها وبين زوجها. فمنذ البداية، أراد الربّ أن تكون العلاقةُ بين الرجل وزوجته، علاقةَ وحدةٍ يلتصق ( د ب ق في العبريّة) فيها الواحد بالآخر (تك 2: 24). أما وقد تمّ الانفصال، فليحكم الربّ.
واستسلم ابرام مرّة ثانية لساراي، فدلّ على أنه لم ينفصل عن امرأته. قال: "هذه جاريتك في يدك" (آ 6). أجل، ليست هاجر زوجة ابرام، كما أرادت ساراي في وقت من الأوقات (آ 3). بل هي الجارية وتبقى كذلك. والزوجتن هما ابرام وساراي. ولكن ابرام، في الواقع، غسل يديه وكأن شيئاً لم يكن. رفض أيضاً أن يأخذ مسؤوليّته تجاه هذه صارت زوجته وحبلت منه. "فافعلي بها ما يحلو لك" (آ 6). أي ما ترينه موافقاً ولكن لا تعامليها معاملة سيّئة، بل "سيّبة" (في العبريّة هـ ط ي ب).
والمعاملة الطيّبة في بظر ساراي تعني إذلال هاجر وقهرها (ر ج "ع ن ه" في العبريّة، عنا في العربيّة). وإذ عنّت سارة جاريتها، رسمت عند غيرها العذاب الذي أحسّت به في نفسها، في وقت من الأوقات. وهكذا، بعد أن كانت هاجر وسيلة خلاص لسيّدتها، صارت كبش محرقة. نلاحظ هنا منطق العنف الذي لا يسمح بالحوار، والخطأ الكبير يعود على ابراهيم الذي قطع الحوار مع امرأته وتركها تفعل كما تشاء، وكأنه عالم في النهاية أين ستكون نهايتها. فيا ليته نبّهها إلى ما هي واصلة إليه! ويا ليته رفض طلبها، مهما كانت نتائج هذا الرفض! ولم يكن حوار بين السيّدة وجاريتها. بل استعملت ساراي هاجر كوسيلة لإرضاء رغبتها. ولما وصلت إلى ما أرادت، استغنت عن هذه الوسيلة، كما استعدّ ابرام أن يعود كما في البداية، دون أية مراعاة لتلك التي قبلت لأن تكون معه في حياة حميمة. كانت هاجر غرضاً من الأغراض، فاخذتها ساراي وأعطتها لزوجها. أحسّت أنها صارت انسانية بين الناس حين صارت زوجة ابراهيم. أما الآن، فتُذلّها سيّدةٌ ظالمة سيطرت المرارةُ عليها. فما بقي لها سوى الهرب ومبارحة (رج "ب ر ح" في العبريّة، آ 8 ب) المكان. مثل هذا العنف كاد يقودها إلى الموت. ولكن ملاك الربّ أعادها إلى الحياة. ونسلُها سيكون كبيراً بحيث لا يُحصى لكثرته (آ 10). بدا الله وكأنه غائب في تك 16: 1 ي. وتصرّف الأشخاص الثلاثة، ساراي وابرام وهاجر، كل من منطقة البشريّ، وتوالت الحيلُ حيث القويّ يسيطر على الضعيف، والسيّد على العبد. وفي النهاية، أحسّت هاجر بحضور الربّ: "رأيتُ الله الذي يراني" (آ 13). وتوجّهت في صلاتها إليه. وسارة التي عرفت في محاولتها الفشل التام، فما نالت ولداً، بل اكتشفت رغبة ظلّت دفينة عندها، وبُعداً عن الحوار مع زوج يخاف أن يعارض امرأته، ستلتقي هي أيضاً بالربّ وتعيد ابراهيم معها.

خاتمة
تلك هي قرائتنا لمثلّث العنف لدى ساراي وهاجر وابرام. غاب الله، ففُتحت الطريق أمام المحاولات البشريّة والحِيَل المتعدّدة. منذ الخطيئة الأولى، كان انقطاع بين الرجل والمرأة. الرجل يسود زوجته. والزوجة تتبع بعلها بعد أن يدفعها اشتياقُها ورغبتها. لا هي سيّدة نفسها، ولا هو سيّد نفسه. كلاهما يخضعان للعنف، فينسيان الحوار الذي فيه يأخذ كلّ واحد مكانه تجاه الآخر، لا بجانب الآخر، ولا وراء آخر. وحين يغيب واحد أو يُغيّب، يضع الحوار. هكذا غُيّبت ساراي في مصر، فصارت وسيلة في يد زوجها، الذي اغتنى بسببها ونجا بحياته من الموت. زمتى عادت؟ ساعة جاءت الكلمة التي تعبّر عن عمق الإنسان. كلمة توجّهت إلى الله الذي يحامي عن الضعفاء، وكلمة توجّهت إلى فرعون الذي أعادها إلى زوجها. وغاب أبرام أمام امرأته، فما أخذ مسؤوليته تجاهها ولا تجاه جاريتها، بل نسي إيمانه واتكاله على الله، واستسلم لحيلة امرأته. عندئذ عرفت الجارية العنف مرّتين، ولن تخرج من وضعها إلاّ حين تحسّ بحضور الله الذي رآها في عذع البرية المقفرة التي هي صورة عن عزلتها وألمها بين امرأة ممرمرة وزوج لا يهمّه إلاّ إشباع رغبته في أن يكون له ابن. أما ساراي التي جعلت نفسها خارج مخطّط الله، بعد أن توقّفت عند عقمها على المستوى البشريّ، وتخلّت عن دورها لجارية ستعطي نسلاً، فهي ستعود بمبادرة من لدن الربّ. "قال الله لابراهيم: "أما ساراي امرأتك فلا تسمّها ساراي، بل سارة. وأنا أباركها، وأعطيك منها ابناً. أباركها فيكون منها أمم وشعوب، ويخرج من نسلها ملوك"" (تك 17: 15- 16). غاب الله فسيطر العنف. عاد الله، فحلّ السلام، واتّخذ كل واحد مكانه في مشروع الله الذي يختلف عن مشاريع البشر، وهو مشروع لا يستعبد أحداً ولا يُذلّ أحداً، فيكون الرجل تجاه المرأة، والسيّد تجاه العبد، والوالدون تجاه أولادهم، "لأن الأرض تمتلئ من معرفة الربّ كما يمتلئ البحر بالمياه" (أش 11: 9).

الخوري بولس الفغالي

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM