البقيّة الباقية

البقيّة الباقية
تمهيد:
لماذا اخترنا هذا الموضوع في إطار الأيام البيبليّة "كرامة الإنسان وكلمة الله؟"
اخترناه لسببين: الأول لأن كرامتنا الحقيقيّة هي أن نكون من البقيّة الأمينة التي تناضل لتحقّق رغبة الربّ يسوع.
الثاني: لأنّ موضوع البقيّة مطروح على الضمير الانساني العام هذه الأيام ولأن كثيراً من المؤمنين يتساءلون، وربّما يخافون من الواقع الذي يقلّص الأعداد ويجعلهم أقليّة.
البقية الباقية ليست طبعاً لا الأقلية ولا الفضلة التي بقيت للربّ. نتطرّق في هذا البحث، الذي يستعرض كلّ الكتاب المقدّس، إلى مفهوم الكلمة عبر الكتاب وتطوّر معناها منذ الخلق إلى الأنبياء وصولاً إلى وجه السيّد الذي اختصره. ونحاول أن نستنتج أساسات المعنى الذي يطرحه يسوع المسيح لبقيّة العهد الجديد.

مفهوم كلمة بقيّة
نجد في الكتاب المقدّس عدّة معان لمفهوم كلمة بقيّة:
أ‌- نجد مرادفاتها ككلمة سلالة وسائر والبقيّب بالمعنى العادديّ (تك 45: 7؛ عز 3: 8؛ 4: 3، 7، 9، 10، 17؛ نح 2: 16؛ 4: 8، 13: 6: 1، 14؛ 10: 29؛ 11: 1، 20؛ 1 مك 3: 35) أو البقيّة من كميّة المال (عز 7: 18، 20). ولكنّ المعنى العميق للبقيّة لا نجده غلاّ بعد أن تعرّض الشعب لخبرة الانكسار الكبير أمام أشور وبابل وعاش خبرة السبي. من هنا مفهوم البقيّة الناجية والمختارة فيما بعد.
ب‌- البقيّة الناجيّة: هي البقية التي نجت من كارثة ونجاتها هي على الصعيد الجسدي والزمني.
القبائل الضعيفة أمام قوّة السلطة التي تجتاحها وهي بدون حماية. من هنا نشوء الالتجاء إلى قوّة إلهية تدافع عنها فتحافظ على المجموعة وتعطيها فرصة البقاء والاستمرار في العدد والقوّة والغنى.
كل النصوص السومرية والأكادية والحثيّة والأوغاريتيّة والمصريّة تأتي عى ذكر ما فعلته الحروب الخاضعة فأخضعت شعوباً ومحت أخرى وبقيت بقيّة. ونرى آثارها في مختلف الأنواع الأدبية: التاريخي والنبويّة وكتب العبادة والرسائل والإحصاءات الرسمية، والأساطير... ويرى المسّرون أن أصل فكرة البقيّة يأتي من السياسة الأشوريّ التي كانت تستحق وتبيد الشعوب التي تهزمها. أما البعد الدينيّ لكلمة بقيّة فهو يتلخّص يتجاذب بين قناعتين: 1) أن الكارثة هي قصاص من قبل الله. 2) وأن البقيّة هي الجسر بين تشاؤمية ترى مستقبل (الشعب) إسرائيل الذي يتعرّض للكارثة وبين تفاؤلية تعد الشعب بالسعادة والازدهار.
ج- البقية المختارة: وهي البقيّة المختارة بالنعمة، أي النخبة الديني في واقع الشعب السوسيولوجيّ. وهي الفئة الحيّة في نظر الله والوحيدة التي تمثّل الكلّ وتحمل مستقبل إسرائيل الدينيّ. هذه البقيّة المختارة تعيش إلى جانب الآخرين من بني إسرائيل وهم موتى روحياً.

كلمة بقيّة في العهد القديم
أ- نصوص التقاليد القديمة
مع نصّ الخلق، نحن أما شموليّة في الفعل وفي نوعيّته وفي أبعاده. يقول الكتاب: "قال الله: لنصنع الانسان على صورتنا كمثالنا، وليتسلّط على سمك البحر وطير السماء والبهائم وجميع وحوش الأرض وكل ما يدبّ على الأرض. فخلق الله الإنسان على صورته، على صورة الله خلق البشر، ذكراً وأنثى خلقهم. وباركهم الله، فقال لهم: أنموا واكثروا واملأوا الأرض، وأخضعوا وتسلّطوا.... ها أنا أعطيكم كل عشب... وكل شجر..." (تك 1: 26- 29). خلق الله كل شيء وأعطى كل شيء. وفعله الشامل لا يستبقي شيئاً ولا ينتظر أن يبادل إلاّ بالشموليّة. ولكن واقع الخطيئة غيّر انتظار الله ولم يبقى له سوى بقيّة.
وبالنسبة إلى نصّ الطوفان (ت 6: 5- 7)، نوح هو البقيّة بالنسبة للبشريّة كلها، فاسرائيل كشعب لا يوجد بعد. والتقليد اليهويّ يعرض منذ البداية مفهوم البقيّة على أنها في قلب التدبير الإلهيّ للبشرية كلها.
أما في نصّ تشفّع ابراهيم لسدوم وعمروة (تك 18: 23- 32) هنا أيضاً هذا النصّ اليهويّ يضع أساسات مفهوم البقيّة المختارة. ليس المقصود شعب إسرائيل لكن أمّة وثنيّة، فإما أن يخلص الجميع أو أن يهلك الجميع ولا نزال في مفهوم المسؤولية الجماعية، لكنّ عدداً صغيراً من الأبرار، عشرة، يكمن أن يُعطي الخلاص لجماعة خاطئة. نرى البُعد التمثيلي (representative)، والفدائي (erdemptrice) لعدد صغير.
ونصّ يوسف مع إخوته: "فقد أرسلني الله قدامكم ليجعل لكم بقيّة في الأرض وليستبقي لكم نجاة عظيمة" (تك 45: 7) يتكلّم أيضاً عن بقيّة تُخلّص بأمانة واحد من خلال آلامه.

ب- أما في باقي الكتاب المقدّس:
نقرأ في سفر القضاة عن جدعون الذي يُحضّر للمعركة، فأخذ ثلاثين ألفاً من الشعب. فتدخّل الربّ ليقول له إن عدد الذين معه كثير "لئلاّ يفتخر عليّ بنو اسرائيل ويقولوا "أيدينا خلّصنا" (قض 7: 2). وطلب الربّ من جدعون أن يُترك الرجال إلى الماء ليشربوا، وقال له: "كل من شرب بلسانه كما يشرب الكلب أقمه ناحية، وكذلك كل من ركع على ركبتيه ليشرب" (قض 7: 5). وقال له الرب: "هؤلاء الثلاثمئة رجل الذين شربوا بأيديهم أخلّصكم" (قض 7: 7).
مع إيليا النبيّ (1 مل 19: 18 المذكورة في روم 11: 4).
الشعب تخلّى عن العهد وألغى العبادة لإله إسرائيل وبقي إيليا وحده (1 مل 19: 10، 14). وإيليا يذهب إلى حوريت حيث يتجلّى الله ويُفهمه أنه ليس وحده الباقي أميناً كما كان يظنّ. الله أبقى له 7000 رجل لم يركعوا أمام البعل. هذا الرقم 7000 صغير ولكنه يرمز إلى الملء. وتدبير الله يكمّل مع هذه البقيّة الناجيّة وليس مع كل الشعب.
مع عاموس النبيّ نحن أمام نظريتين لكلمة بقيّة واحدة سلبيّة ترى عظمة الكارثة التي تقلّص عدد الشعب (3: 12) وتُنذر بنهايته (4: 2، 3، 11) وتنذر حتى بنهاية البقيّة (9: 1)؛ وواحدة إجابيّة ترى أن الدمار ليس شاملاً (9: 8- 10) وترى إمكانية الخلاص الذي يمكن للرب أن يُعطيه. (راجع 5: 15، 3) ويخلّص بقيّة يوسف إن تابت ويعد بمستقبل مجيد لشعب موحّد ويعد بخلق جديد (9: 11- 15) فالخلاص ليس حقاً للشعب على الله بل نعمة منه هذه النظرة الإيجابية سوف تتطوّر لتصبح قناعة نبويّة يعلنها عاموس: وحدهم الأشرار يبيدون (9: 8- 10) ويُبنى من جديد مجد مملكة داود (9: 11- 15؛ راجع هوشع 2: 20- 25).
مع إشعيا كلمة بقيّة عند النبيّ إشعيا لا تزال موضوع جدل بين مفسّري الكتاب المقدّس منهم مَن يظنّ أنها غير موجودة عند النبي ومنهم يؤكد أنها تحتلّ المركز الأساسي في نبوءته.
بالنسبة لأشعيا، كلمة بقيّة ليست فقط مستعملة لشعب إسرائيل فبابل له بقيّة (14: 22) والفلسطينيّن (14: 30) وموآب (15: 9؛16: 14) وأرام (17: 3) وقيدار (21: 17). ولكنّ هذه البقيّة هي أيضاً سوف تهلك أو على الأقل تصير أقليّة إشعيا يؤكد أن لإسرائيل بقيّة (6: 13) وأنها الودعاء (14: 28) وأنّ بيت داود هو المختار (28: 16- 17) وأنّ الهيكل أيضاً مختار وهو مكان سكنى يهوه في صهيون (8: 18).
ويؤكد أيضاً بقيّة ستعود رغم ضياع الملك والشعب وتهديدات أشور. فالله المثلّث التقديس هو قدّوس اسرائيل وهو يسكن في صهيون وسط شعبه (6: 1، 8: 18) البقيّة تشارك في قداسة الله (4: 3؛ 6: 3؛ 10: 17- 22، 37: 4)، وقربى الله من شعبه تميت الأشرار وتتطلّب تطهيراً وندامة (6: 5؛ 1: 11- 18). وهذه الندامة يعبر عنها بالإيمان الذي يجعل الشعب يصمد وينجو من الكارثة التي تعاقب الشرّ (7: 9؛ 28: 16). والبقيّة هي جماعة التائبين والمؤمنين التي يحمّلها النبيّ مسؤولية مستقبل العدالة والاستقامة والأمانة لصهيون (1: 26- 27)، وهي جماعة عبيد الربّ (65: 8)، "قال لي أنت عبدي اسرائيل الذي به أتمجّد" (49: 1- 6). إسرائيل هو الجزء الحيّ من الشعب والمدعوّ لأن يغيّر الشعب الخاطئ. هذه الدعوة يصوّرها إشعيا وكأنها تحققت بشخص وحيد، سري يجسد في ذاته هذه البقيّة الروحيّة المختارة وكل شعب إسرائيل ويتمّم باسمه ولأجله عمل الخلاص (النشيد الرابع) الذي يمتدّ إلى أقصي الأرض (الأول والثاني).
هذا العبد (53) ليس اسرائيل بما أن دعوته هي جمع شمل اسرائيل (49: 5) وتعليمه (50: 4- 10) وصبره (50: 6) وتواضعه (53: 7) يجعلاه قادراً على تقديم نفسه وتحقيق تدبير الله من خلال آلامه (53: 4- 10) وتبرير الخطأة من كلّ الأمم (53: 11، 8).

أنبياء القرن السابع
ميخا يرى البقية في الشعب المُنقّى والمُطهّر لأيام المسيحانية والذي صار أمّة عظيمة (4: 7) وهو سبب بركة أو لعنة للشعوب بحسب موقفهم منه مثل دور ابراهيم ونسله (تك 12: 3).
صفنيا يرى أن تأديب الربّ يُبقي على بقيّة متواضع وفقيرة تجد ملجأه في اسم الربّ ولا تقترف ظلماً ولا كذباً (3: 12- 13). وهذا التجديد في الإيمان يطاول الوثنيّين أنفسهم (3: 9، 19).
إلتمسوا الربّ يا جميع ودعاء الأرض الذين عملوا بأحكامه. أطلبوا العدل. أطلبوا الوداعة. فلعلّ الربّ يستركم في يوم غضبه" (2: 3). وأبقي في وسطكم شعباً بائساً ومسكيناً فيتّكلون على اسم الربّ. بقيّب إسرائيل إثما ولا يتكلّمون بالكذب ولا يوجد في أفواههم لسان غش لأنهم يرعون ويربضون ولا مُخيف. ترنّمي يا ابنة صهيون، اهتف يا اسرائيل، فرحي وابتهجي بكل قلبك يا ابنة أورشليم" (3: 12- 14).
بالنسبة إلى إرميا: تأديب الربّ في الماضي والحاضر جعل إسرائيل بقيّب (6: 9؛ 24: 8؛ 39: 9) ويصل حجتى إلى القول إن هذه البقيّة أيضاً سوف تستحق (15: 9). ويتكلّم عن الشعب المسبيّ الذي صار بقيّة وعن حالته التي تشبه الموت (8: 3). وهذه البقيّة تُعطى وعد الغفران والحياة من جديد (23: 3؛ 31: 7؛ 5: 20).
قبل إرميا كانت كلمة بقيّة تشير إلى جزء الشعب الذي بقي في أرضه المقدّسة نسبة إلى الذين ماتوا أو سبوا إلى بابل. وهذه البقيّة كانت تحمل الرجاء في وعود الله لها. أما إرميا فهو يُعطي دور حمل الرجاء للذين هجّروا إلى بابل (24: 5- 7 مقارنة مع 24: 8- 9) ليس أن المسبيّين يفوقون إخوتهم في القداسة، لكن لأن الله سيحقّق فيهم هذا التحوّل الداخليّ الذي سيوصلهم إلى التوبة (24: 5- 7)، مع إرميا يتعمّق مفهوم البقيّة: لا يزال يسمّي البقيّة جماعة الناجين من السبي والباقين في الأرض المقدّسة (40: 11؛ 42: 15؛ 44: 12؛ 6: 9؛ 15: 9) ويسمّي البقيّة أيضاً جماعة المسبيّين والحاملين الرجاء المسيحاني (24: 1- 10) والمجد المستقبليّ (23: 3؛ 31: 7؛ 11: 23؛ 40: 11).
إرميا يذهب بعيداً: يقول إن باراً واحداً يكفي لخلاص أورشليم: "سأجعلك في وجه هذا الشعب سوراً من نحاس حصيناً، فيحاربونك ولا يقدرون عليك، لأني معك لأخلّصك وأنقذك يقول الربّ" (15: 20).

حزقيال
حزقيال يعطي كلمة بقية للناجحين الباقين في الأرض المقدّسة (9: 8؛ 11: 13) ولكن خبرة السبي (سنة 587) جعلته يفهم أنّ الناجحين ليسوا أفضل من الذين ماتوا (6: 8؛ 12: 15؛ 14: 21). وحدها الدينونة تفضل البقيّة عن سائر الشعب (20: 35- 38؛ 34: 17- 20). وينسب أيضاً صفات البقيّة للمسبّين ويُنبئ بتوبتهم التي تفعلها نعمة الله (6: 8- 9). وغالباً ما لا نجد حتى بقية عند حزقيال (6: 12؛ 5: 10؛ 17: 21) لكنّ المشكلة الأساسية عند حزقيال هي نوعيّة هذه البقيّة: هل هم صالحون (9: 4؛ 14: 12- 20) أو خطأة (14: 21- 23؛ 12: 16؛ : 8- 9)؟ بالنسبة إلى مفهوم المسؤولية الشخصية التي أنبأ عنه، يظهر أنّ الصالحين وحدهم يخلصون (3: 1- 21؛ 18: 1- 23؛ 10- 20). البقيّة عند حزقيال هي جماعة الأبرار الموسومين بعلامة (9). ويأتي خلاص البقيّة بنعمة من الله الذي يعطي لشعبه قلباً جديداً وروحاً جديداً (3: 24- 32).

سفر التثنية
يجمع ما تركه إرميا وحزقيال ويؤكّد أنّ الشعب يصير بقيّة صغيرة لأنّه خطئ (4: 27) نسبةً لما أورده في الفصل 28: 1- 14 "وان سمعت سمعا لصوت الرب إلهك لتحرص أن تعمل بجميع وصاياه التي أنا أوصيك بها اليوم، يجعلك الرب إلهك مستعلياً على جميع قبائل الأرض وتأتي عليك جميع هذه البركات وتدركك إذا سمعت لصوت الرب إلهك.
يقيمك الرب لنفسه شعباً مقدساً كما حلف لك إذا حفظت وصايا الرب إلهك وسلكت في طرقه. فيرى جميع شعوب الأرض أن اسم الرب قد سمي عليم ويخافون منك. يفتح لك الرب كثرة الصالح السماء ليعطي مطر أرضك في حينه وليبارك كل عمل يدك فتقرض أمما كثيرة وأنت لا تقترض. ويجعلك الرب رأساً لا ذنباً وتكون في الارتفاع فقط ولا تكون في انطاط إذا سمعت لوصايا الرب إلهك التي أنا أوصيك بها اليوم لتحفظ وتعمل".
طاعة الشعب هي التي توصله إلى الازدهار والسعادة وخيانته توصله إلى التعاسة والعدد القليل بعد أن كان مثل نجوم السماء.

بعد السبي
النبي يوئيل يستعمل لغة العبادة ليتكلّم عن البقيّة فيقول إنها مباركة تدعو اسم الربّ (3: 5) وتتقدّس بالصوم "اضربوا بالبوق في صهيون قدّسوا صوما نادوا باعتكاف. اجمعوا الشعب قدّسوا الجماعة احشدوا الشيوخ اجمعوا الأطفال... ليبكِ الكهنة خدّام الرب بين الرواق والمذبح ويقولوا: اشفق يا رب على شعبك ولا تسلم ميراثك للعار حتى تجعلهم الأمم مثلاً. لماذا يقولون بين الشعوب أين الههم؟"
أمّا في سفري عزرا ونحميا فكلمة بقيّة تعني الأعداد المتبقيّة من سلسلة المواليد (عز 3: 8؛ 4: 3، 7، 9، 10، 17؛ نح 2: 16؛ 4: 8، 13؛ 6: 1، 14؛ 10: 29؛ 11: 1، 20) أو البقيّة من كميّة المال (عز 7: 18، 20).
ولكنّها أخذت منحىً لاهوتياً في صلاة عزرا (9: 8، 13، 15) وعنت البقيّة التي رحمها الله ونجّها لتعود وتبني أورشليم والهيكل: "ما نحن إلاّ عبيد، وفي عبوديّتنا تتركنا يا إلهنا، بل جعلت ملوك الفرس يرحموننا ويمنحوننا حياة حتى نبني هيكلك ونرمّم خرابه، ونجد لنا ملجأ وأمانا في يهوذا وأورشليم" (عز 9: 8- 9).
النبي حجّاي يتكلّم عن البقيّة الحاليّة والبقيّة المستقبلّية. شعب الله صار بقيّة صغيرة بسبب خطيئته ولكن البقيّة هي ثمرة رحمة الله التي أبقتها. وهذه البقيّة هي خاطئة وإن لم تتب فهي تزرع كثيراً وتحصد قليلاً، تأكل ولا تشبع، تشرب ولا ترتوي، تكتسي ولا تدفأ والذي يأخذ أجرة يلقيها في كيس مثقوب (حج 1: 6).
أمّا زكريا النبي فيقول إنّ الله لا يضنُّ بهذه البقيّة ولكنّه يطلب منها العدل والحق والأخوة والأمانة ليُنعم عليها بوعود العهد والخلاص (8: 11- 12 و16- 17) "أما الآن فلا أعمل بقيّة شعبي كما في تلك الأيام، يقول الرب القدير. بل يزرعون زرعهم بسلام، فيعطي الكرم ثمرة والأرض غلّتها والسماء نداها، وأورّث بقيّة هذا الشعب جميع هذه الخبرات... وهذه هي الأمور التي يجب عليكم أن تعلموها: كلّموا بعضكم بعضاً بالحق واقضوا في محاكمكم بالعدل ليحلّ السلام، ولا تفكّروا شراً في قلوبكم، والواحد على الآخر، ولا تحبّوا يمين الزور. فهذه جميعاً أكرهها، يقول الربّ".
والبقيّة المستقبليّة يتكلّم عنها عوبديا "وفي جبل صهيون تكون النجاة، وهو يكون مقدّساً، ويرث بيت يعقوب ميراثهم. يرث العائدون من السبي من بني إسرائيل ما للكنعانيّين إلى صرفة... ويصعدون على جبل صهيون منتصرين ليدينوا جبل عيسو ويكون الملك للربّ". (عو 17، 20- 21).
يميّز كاتب سفر المكابيين بين كثيرين من بني إسرائيل الذين تبعوا دين الملك أنطوخوس وذبحوا لأصنام ولم يحفظوا الشريعة وبين الاسرائيليين المُخلصين الذين بقوا أمناء للعهد "فكان عليهم الاختباء والبحث عن أماكن يلجأون إليها (1مك 1: 43، 53). هذا النصّ يحدّد أن اسرائيل هم الذين يُطيعون شريعة الله مهما كانت الظروف والضغوطات.
دانيال أيضاً يضع اللذين يعرفون إلههم في مواجهة مع الذين يخالفون العهد (11: 32- 35).
أما سفر المزامير فيجعل من كلمة إسرائيل مرادفاً لكلمة أنقياء القلوب "الله صالح للمستقيمين، صالح لأنقياء القلوب" (73: 1). والشعب هو الفقراء والمساكين "هلّلويا له في جماعة الأتقياء... الربّ يرضى عن شعبه ويمنح المساكين خلاصه" (مز 149: 1، 4). والأنقياء هم المختارون.
جماعة قمران ترى أن الشعب خاطئ والربّ أبقى له بقيّة مختارة، وهذه البقيّة هي جماعة قمران، الجزء الوحيد من شعب إسرائيل الذي بقي أميناً، بينما بقيّة الشعب فمصيرها الزوال. ويرى كتّاب قانون الجماعة أن الخطأة سيضمحلّون بالدينونة الآتية، ووحدها جماعة الأسينيّين تبقى، وهي البقيّة الناجية. ولكن في الزمن الحاضر، فالبقيّة والخطأة يعيشون معاً. والبقيّة المختارة هي التي تبقى بعد دينونة الله.
بالنسبة لقمران الخطأة في إسرائيل لم يكونوا يوماً مختارين. وهذه النظرة كانت على الأرجح منتشرة أيام يسوع. وكانت جماعات كثيرة تدّعي أنها البقيّة وأنها إسرائيل الحقيقيّ.

صفات البقيّة في العهد القديم:
تجد نعمة في عينيّ الربّ (تك 6: 8)، لا تجثو للبعل ولا تقبّله (1مل 19: 18)، تشرب دون أن تركع (قض 7: 6)، هي صغيرة (إش 1: 9)، تدعى مدينة العدل والقرية الأمينة... تُفدى بالحق وتائبوها بالبرّ (إش 1: 25- 28)، وإن قطعت فلها ساق... وساقها زرع مقدّس (إش 6: 13)، تنجو من الغضب (إش 7: 9)، تصبر وتنتظر الربّ (إش 10: 21)، تكون قليلة صغيرة لا كبيرة (إش 16: 14)، يكون الرب إكليل جمال وتاج بهاء لها (إش 28: 5)، تحتمي في صهيون التي أسّسها الربّ (إش 14: 32)، محمولة من الرحم على الربّ (إش 46: 3)، يرسلهم الربّ إلى الأمم فيخبرون بمجده (إش 66: 19)، تسبّح وتقول خلّص شعبك (إر 31: 7)، تخرج بنون وبنات من ينظر طريقهم وأعمالهم يتعزّى من ينظر طريقهم وأعمالهم يتعزّى (حز 14: 22)، تبغض الشرّ وتحبّ الخير وتثبّت الحق (عا 5: 15)، البرّ إلههم يتعهّدهم (صف 7: 2)، وديعة (صف 2: 3).
شعباً بائساً مسكيناً يتوكّلون على اسم الربّ... (صف 3: 12)، لا يفعلون إثماً ولا يتكلّمون بالكذب ولا يوجد في أفواههم لسان غشٍ (صف 3: 13)، لا تضيّع الهدف (خروج 32: 28؛ عدد 17: 14؛ 21: 6؛ 25: 9)، عنها غيرة على الربّ (حجاي 1: 14)، عنيدة وأمينة، ترجو وتصبر.
مع يسوع ومنطق العهد الجديد
نقرأ كلمة بقيّة 6 مرّات في العهد الجديد، أربعة منها تأتي بمعنى آخرين (بقيّة العذارى، متى 25: 11؛ بقيّة أصوات الأبواق، 8: 13؛ بقيّة الناس الذين لم يُقتلوا، رؤ 9: 20؛ بقيّة الأموات، رؤ 20: 5).
ولكنّ المعنى العميق للكلمة تجسّد وتوضّح في وجه الربّ يسوع.
نقرأ هذا المعنى من خلال كلّ الإنجيل، ولنا محطة مهمة نتوقف عندها وهي مثل الكرّامين كما رواه الإنجيليّ مرقس: "فما بقي للرجل سوى ابنه الحبيب. فأرسله إليهم في آخر الأمر وقال: سيهابون ابني. لكنّ الكرّامين قالوا في ما بينهم: ها هو الوارث، تعالوا نقتله فيعود الميراث إلينا. فأمسكوه وقتلوه ورموه في الخارج الكرم" (مرقس 12: 6- 8).
نقرأ، من خلال هذا المثل، التدبير الذي رافق البشرية منذ أن أوجدها الربّ بمبادرته المحبّة والمجانية. خلق الله كل شيء وسلطنا على كل شيء وأنتظر أن نعترف به خالقاً ومعطياً ومحباً، ونحن بادلناه بالتحدي ونكران الجميل وودنا لو أننا نأخذ مكانه ونصير آلهة لأنفسنا. وعبر خبرة الشعب أيضاً، لم يبق له إلاّ بقيّة لم تبحث للبعل ولم تحنِ الركب لتشرب ولم تضع لها آلهة وتعبدها. والسيّد لم ييأس منّا ولا قطع الرجاء، بل بقي يرسل لنا الكلمة بفم أنبيائه الأمينين. وصارت دائرة الخليقة تصغر تدريجياً إلى أن حُشرت بوجه ابنه الحبيب فأرسله وصار هو البقيّة، وحقق شخصه ملء رغبة الآب لنا في الحياة والفداء والسلام. وولدت من موته البقيّة الجديدة المتتلمذة لإنجيله.
ويعود الفضل إلى القديس بولس، وهو الفرّيسيّ والعالم بالشريعة، في توضيح مفهوم البقيّة في العهد الجديد. نقرأ في الفصول 9- 11 من رسالته إلى أهل روما دراسة لاهوتية كتابية تعرض الأسئلة التي تطرحها الكنيسة الناشئة وتحلّلها وتربطها بالكتاب وتصل إلى وجه المسيح الذي بتجسّده وتعليمه كشف البرقع وصار للبقيّة مفهوماً آخر ودوراً آخر.
ينطلق القدّيس بولس من ملدأ أن كلّ بني إسرائيل ولا كل الذين من نسل إبراهيم هم أبناء إبراهيم (9: 6- 7). فالإنتماء إلى نسل إبراهيم ضروريّ ولكنّه غير كافٍ. والإيمان بيسوع المسيح هو غاية الشريعة (10: 4) والغاية هنا بمعنى النهاية وبمعنى الهدف. والشريعة هي الكلمة، والكلمة هي قريبة منك (10: 6- 8؛ تث 30: 14) وهي المسيح الذي تستطيع لقياه دون أن تكون بحاجة للصعود إلى السماء ولا للنزول إلى الجحيم سبيل الوصول إليه هو الإيمان (10: 9) والاعتراف به يجعل الناس إسرائيل الحقيقيّ.
العدد القليل من اليهود الذين آمنوا بيسوع المسيح هو البقيّة المختارة بالنعمة داخل الشعب سليل الآباء الذي لا يزال موجوداً. وهذه البقيّة تمثّل كلّ إسرائيل وهي البواكير وهي أيضاً الجذور (11: 16) التي تعطي القداسة لبقيّة الشعب الذي سيخلص (11: 25- 32).
يُقارن بولس بين البقيّة من مرحلة الأنبياء وبين يهود القرن الأوّل الذين آمنوا بالمسيح ويسميّهم "الذين اختارهم الله" (1: 7 أ)، وسيمّي الذين لم يؤمنوا بالمسيح "الآخرين" (11: 7 ي). وبعد أن أعطاهم الأولويّة في بداية الرسالة "لليهوديّ أولاً ثمّ لليونانيّ" (1: 16)، يعود ويضعهم بعد الأمم في معرض كلامه عن عدم إيمانهم: "نقول إنّ الأمم الذين ما سعوا إلى البرّ تبرّروا هذه الخطوة الأولى يضع فيها القديس بولس مفهوم البقيّة على بساط البحث.
ويستنتج: أنّ شرط استمرارها من نسل إبراهيم هو أن تؤمن بيسوع المسيح.
وينتقل إلى تحليل آخر يعرضه في صورة الزيتونتين (رو 11: 13- 34): زيتونة طبيعيّة وهي إسرائيل وزيتونة بريّة وهي الأمم، تلك حال العالم قبل الخلاص الذي حقّقه يسوع المسيح. قُطعت الأغصان التي لم تؤمن وطُعّمت الأغصان البريّة لتشارك الفروع الباقية في الأصل الذي يمثّل اليهود المؤمنين بيسوع المسيح.
ويستنتج من خلال هذا التحليل تطوّراً نوعيّاً أنّ البقيّة ليست فقط من شعب إسرائيل بل هي مجموعة الذين آمنوا من اليهود ومن الأمم. ومن هنا فلا تفتخر الفروع على الأصل لأنّه هو الذي يحملها ولا الأصل يفتخر لأنّه كفر (11: 18- 19). والله قادر أن يطعّم من جديد الذين سقطوا (11: 23).
فَهِمَ بولس أنّ وجه السيّد هو تجسّد البقيّة ومنطقها الجديد وأرضها المقدسة وشرط بقائها. وكان استنتاجه الثالث: كلام عن الشريعة الجديدة التي علّمها يسوع (الفصول 12- 15): شريعة النعمة التي تتلخّص بكلمة المحبّة، أخذها من كتاب اللاوين (لا 19: 15) وكتبها بعبارات العهد الجديد "لا يكن عليكم لأحد دَين إلاّ محبّة بعضكم لبعض، فمَن أحبّ غيره أتمّ العمل بالشريعة" (رو 13: 8- 10).
ماذا يطرح يسوع المسيح؟ هل من بقيّة؟
1- عاشها وحقّقها في شخص: أخلى ذاته واتّخذ صورة العبد، صار شبيهاً بالبشر.. (فيل 2: 7- 9)
يسوع جاء من البقيّة المنتظرة أخذ المكان الأخير واختار أن يولد من الفقراء وكالفقراء (يو 2: 1- 20) ويبشّر الفقراء (لو 4: 18). وعاش بين تلاميذه كالخادم (يو 13) وقَبِلَ أن يُعامل كلصّ (لو 22: 37) ويموت على الصليب (مر 14: 24). حقّق في شخصه كلّ ما قاله الأنبياء عن العبد (إر 1: 5؛ 15: 20؛ 11: 19؛ إش 53) وصار بكراً لأخوة كثيرين (رو 8: 29؛ 1كو 15: 20).
1- في تعليمه: طرح يسوع في تعليمه نوعيّةً تجعل كلّ الناس من أهل بيت الله، قال إنّنا أبناء والأبناء يقيمون في البيت لا الأجراء (يو 8: 31- 35). في منطق العهد الجديد مفهوم البقيّة ليس عدديّاً ولا الفضلة بل نوعيّة وجود وحضور.
البقية هم الذين يقبلون: "أمّا الذين قبلوه، المؤمنون باسمه، فأعطاهم سلطاناً أن يصيروا أبناء الله، وهم الذين ولدوا لا من دم ولا من رغبة جسدٍ ولا من رغبة رجلٍ، بل من الله" (يو 1: 12- 13). والبقيّة تتخطّى كونها من أبناء إبراهيم، لأنّ الله قادرٌ أن يجعل من الحجارة أبناء لإبراهيم (مت 3: 9)، لأنها من سلالة يسوع النسل الحقيقيّ لإبراهيم (غل 3: 15: 29).
قال لها إنها نور وإنها ملح (متى 5: 13- 4)، وكِلا الرمزين يفتحان آفاقها على النوعيّة ويُبطلان مفهوم الاعداد والكميّة. فلا النور تستطيع حصيه متى وضعته في الأكل ليعطيه نكهته. وقال إنها خميرة، والخميرة صغيرة وصامتة وفاعلة في الانحجاب والتفاعل الصبور وتخمّر العجين كلّه (متى 13: 33). وهي القطيع الصغير الذي يشجّعه (لو 12: 32)، وحبة الحنطة تقبل الموت لتعطي حبّاتٍ كثيرات (يو 12: 24). وهي موكب المساكين الصانعين السلام (متى 5: 1، 9)، والأرملة التي أعطت فلسها (لو 21: 2)، وهي الخبز لأنّها جسده المكسور والمُعطى لحياة العالم (لو 22: 19). وقال بولس رسوله إنّها رائحة المسيح الطيّبة (2 كور 2: 14- 15)، والرائحة أيضاً، أنت تفرح بها وتنعش من خلالها ولكنك لا تعرف كمّها ولا يمكنك وضع يدك عليها.
مع المسيح صار الأتقياء، وصانعوا الرحمة، من أي دين كانوا ومن أيّة خلفيّة فكريّة أو عرقيّة أو إنسانية، صاروا هم البقيّة التي يجد فيها فرحة ووجهه. مع المسيح انفتحت إلى الأبد وإلى ما لا نهاية، آفاق الانتماء إليه، وصار شرط الانتماء إليه أن تكون في جوّه، جوّ منطق الحبّ الذي علّمه في شخصه وفي حياته. هذه هي البقيّة اليوم التي ينتظر منها أن تغّير وجه العالم.

ماذا يطلب منها؟
يطلب منها أولاً أن تؤمن بما ينتظره منها وتجتهد في تحقيقه لأنّ الزمان سيّء (2 تيم 3: 1)، وأن تكون باكورة (يع 1: 18). يطلب منها أن تكون أحكم من أبناء هذا العالم (لو 16: 8) لأنّها كالخراف بين الذئاب (لو 10: 3).
يطلب منها ألاّ تخاف الذين يقتلون الجسد (متى 10: 28) بل أن تعطي برهان الرجاء (1 بط 3: 15)، وأن تقف وترفع رأسها أمام الاضطهاد لأنّ خلاصها قريب (لو 21: 28).
يطلب منها أن تكون وجهه المضاعف في وجوه الناس والمختفي فيهم.
يطلب منها أن تكون طعمة وطعماً وتطعيماً: الطعمة كلّمنا عنها المعلّم لمّا قال إنها على صورة الخبز الطيّب الذي ينضج في النار والملح الضروريّ لتمليحه والخميرة التي تُخمّر العجين، والنور الذي يجعل الأشياء الموجودة مرئيّة ويقوي على كل العتمة. وكلّ هذه الرموز التي شبّهنا بها هي قائمة في علاقتها مع العالم: نحن لا نأكل الخميرة وحدها ولا الملح وحده ولا نقعد نتغزّل بالنور بل نحتاجه لنرى.
أما الطُعم، وهو الجزء من الأكل أيضاً نضعه لنصطاد، فصورته تأتي قبول السيّد أن يصير طعماً للموت ويُميته. ويقول الذهبيّ الفم إنّ الجحيم تمرمرت لمّا ذاقت جسد الربّ وألغيت وماتت. على هذه الحال يريدنا المعلّم طعماً للموت والشرّ والعنف والظلم. وهنيئاً لنا إذا "أكلونا" لأننا ما فعله السيّد معه وعلى مثاله.
وصورة التطعيم تأتي من تفسير بولس الرسول لإخوته في روما (روم 11: 17). ويقول إنّ الزيتونة البريّة تُطعّم على الأصل الطبيعيّ. المطلوب منّا هو أن نكون أولاً من الأصل الطبيعيّ، أبناء الإيمان بيسوع المسيح الذي هو الأصل. ومطلوب منّا أن نطعّم الأغصان البريّة حتى لا يبقى في الدنيا أي غصن برّي في العالم غريباً من بيت الآب.
والرموز الثلاثة فيها وجع: وجع الإمحاء (صورة الأكل) ووجع الجرح (صورة التطعيم). وهذا أساس إيماننا: نحن أحبّاء يسوع الذي قَبِلَ أن يُجرَح ليشفي جراحنا. من هنا وفقط من هنا، نحن لا نعود نخاف قلّة العدد وتُلغى كلمات اليأس من قاموسنا لأنّنا نصير رائحة الطيّبة (2 كور 2: 1- 15)، والرائحة هي نوعية لا يمكن حبسها ولا عدّها!
يطلب منها ألاّ تحسب نفسها فوق الآخرين لأنّها خميرة والخميرة تفعل من الداخل وفي الصمت، وإلاّ تشتهي احتواء الآخرين واستردادهم فتحبِسَ ذاتها في تقوقعات عرقيّة ودينيّة بل أن ترى الخليقة، كلّ الخليقة التي تئنُّ وتتمخّض ليتصوّر فيها وجه المسيح (روم 8: 22).
يطلب منها أن تكون من الذين يقبلون بمنطق جاذبية النعمة. وجاذبية النعمة تتطلب قبول الفراغ وتُترجمه إلى لغة الدهر الآتي. فتصير السلطة أخوّة، والتكديس عطاء وشركة، والتملّك تخلّ، والعددية نوعيّة. ولغة الملكوت هذه تصيّر الدنيا بداية للملكوت.
ويطلب منها أن تفهم وتؤمن أنه وحده الحيّ الباقي إلى الأبد (مز 102: 26- 27؛ مز 110: 4؛ إش 9: 6؛ دا 7: 14؛ رؤ 11: 15)، وهي تبقى إن أقامت فيه وأقام فيها، كما صلّى بولس الرسول من أجل الكنيسة في أفسس:
"أتوسل إليه أن يقوّي بروحه على مقدار غنى مجده الانسان الباطن فيكم، وأن يسكن المسيح في قلوبكم بالإيمان، حتى إذا تأصّلتم ورسختم في المحبّة، أمكنكم في كلّ شيء أن تدركوا مع جميع القديسين ما هو العرض والطول والعلو والعمق، وتعرفوا محبة المسيح التي تفوق كلّ معرفة، فتمتلئوا بكلّ ما في الله من ملء" (أف 3: 16- 19).

سوسن حبيب وجهاد الأشقر
بيت الرسالة

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM