الفصل الثالث: من رسول إلى ابنه الحبيب

الفصل الثالث
من رسول إلى ابنه الحبيب
1: 1- 5

رسالة تشبه بعنوانها 1تم، مع بعض اختلافات. هي أكثر من كلام يصل إلى تيموتاوس. هي وثيقة رسميّة في الكنيسة. لا يشير بولس إلى المدينة التي كتب منها، ولا إلى تلك التي يقيم فيها قرّاؤه. ولكن نفهم من آ 15، 18، أنهم يقيمون في آسية الصغرى، وفي أفسس العاصمة. وضعُ تيموتاوس هو هو. أما حياة بولس فصارت إلى النهاية: هو سجين (آ 8، 16؛ 2: 19). ولا يستطيع أن يلتقي تلميذه اللقاء الحميم إلاّ في السجن، في رومة (آ 17). في الواقع، سيُحكم على الرسول بالموت، بحيث تكون 2تم وصيّته الأخيرة التي فيها يودّع تلميذه الحبيب ويحضّه على تحمّل الآلام بشجاعة.

1- التلميذ ومعلّمه
كانت 2تم بطابعها الشخصيّ موضع جدال حول صحّة نسبة الرسائل الرعائيّة إلى بولس. إذا كان تحريض بولس يُعطى كتوجيه من أجل الكنيسة، في 1تم، ففي 2تم، يعود الكاتب إلى 1تم 1: 12- 17 فيقدّم خبرته ومسيرته من أجل تأمّل يصل بالتلميذ إلى الاقتداء بمعلِّمه. فبولس ليس فقط المعلّم في الجماعة والموجِّه. بل إن استعداده للألم هو خدمة للانجيل.
إن هذا التشديد على السمات الخاصة في العلاقة، يطرح سؤالاً على الفن الأدبيّ في 2تم. اختلف الوضع عمّا في 1تم. لا نجد المثلّث: بولس، القارئ، الجماعة، بل المثنّى: بولس، القارئ. في 2تم بولس سجين، متألّم (آ 8، 12، 16؛ 2: 9). تخلّى عنه الجميع (آ 15؛ 4: 10، 16) فصار قريبًا من الموت (4: 6- 7). نلاحظ فرقًا بين "الأعمال المنحولة" و2تم. ففي "الأعمال" تأسّس خبرُ استشهاد بولس على تعارض بين ملكوت الله ومملكة الموت. أما في 2تم، فبولس يتقبّل مصيره بهدوء. ارتبط سجنه بالمناداة بالانجيل (آ 8، 11- 12؛ 2: 9؛ 4: 17). فالنصّ الذي لا يتضمّن كلمة ضد رومة، يقدّم موقفًا إيجابيًا بالنسبة إلى السلطة التي يخضع لها الرسول (1تم 2: 1- 2؛ تي 3: 1- 2؛ 1بط 2: 5).
إن القرب من الموت هو في أساس خطبة تُناسب المقام: وصيّة، وداع، كلام نودّع به الأهل والأصدقاء. في الوصيّة، نرى الذاهب إلى الموت يستنتج من حياته أمثلة نتبعها أو نتجنبها. أما الإطار فساعة الموت. وتشكّل خطبة الكاتب قلب النصّ مع سيرة سابقة وتحريض حاضر ونظرة مستقبليّة. وتنتهي الوصيّة بتعليمات من الموصي. هو "الأب" يقدّم خبرته "لابنه".
شدّدت 1تم على الخصوم وتعليمهم. أما 2تم، فحصرت الصراع في داخل الجماعة: دموع وانفصال (آ 4). عذاب وسجن (آ 8، 12، 16). تخلّوا عنه (آ 15). لا تستحي (آ 8، 12، 16). التواصل بين المعلّم وتلميذه هو في خطر. ونحن سنجد في وسط تحريضات شخصيّة أمورًا تدلّ على "الوصيّة": ابني (آ 2). الوديعة أو التعليم الذي يحفظه (آ 13- 14؛ 3: 14). تعليم نسلّمه إلى آخرين (2: 2، 9- 10؛ 4: 7- 8). كلام عن المعلّمين الكذبة (3: 1- 9، 13؛ 4: 3- 4). ساعة الرحيل والموت (4: 6). ويُضاف: الموصي مثال نتبعه (آ 8، 12؛ 4: 5). وهناك أمثلة سيّئة نتجنّبها (2: 16، 23؛ 3: 5؛ رج أع 20: 18- 25). ففي 2تم كما في أع 20، بدا موتُ بولس قريبًا. وتوجّه كلامُه إلى المسؤولين في الكنيسة تجاه خطر الهراطقة. وشدّد المتكلّم على نقل التعليم الرسوليّ الذي نحفظه، والمثال الذي نقتدي به.
وبجانب هذه السمات التي تدلّ على الوصيّة وما فيها من تحريض شخصيّ، نلاحظ في فعل الشكر (آ 3- 5) مواضيع خاصّة برسالة يُرسلها صديق إلى صديقه. يتذكّر الكاتبُ ذاك الذي يكتب إليه، يتذكّره "دومًا" (آ 3) "في صلواته"، ويرغب في رؤيته أيضًا. هنا نلاحظ الفرق بين 1تم و2تم. في 1تم 1: 2 (رج تي 1: 4) نقرأ: "ابني الحقيقي". في 2تم 1: 2: "ابني الحبيب". في 1تم (كما في تي) يذكّر الرسول تلميذه بواجبه. في 2تم، هي صلاة: لم نعد أمام تعليم وسلطة، بل أمام الحفاظ على الوحدة، مع بولس السجين والمتألّم والذاهب إلى الموت.
وفعل الشكر هذا لا يبدو بشكل "تاريخ خلاص"، بل كإرث عائليّ وتقليد دينيّ (آ 3، من الجدّة، إلى الأم، إلى الولد... لا ننسى أن التقليد ينتقل في العالم اليهوديّ بواسطة الأمّهات). وما قيل في آ 5 من أمور متعلّقة بحياة تيموتاوس، يعود إلى مسيحيين من الجيل الثالث، مع تقليد انتقل في إطار التربية الدينيّة في العائلة.

2- دراسة النصّ
بعد العنوان والتحيّة (1: 1- 2)، نتوقّف عند فعل الشكر (آ 3- 5). وقبل ذلك نشير في آ 2 إلى قلب العبارة: الربّ يسوع المسيح (السينائيّ، البسيطة). وفي آ 5، "لمبانون" (أخذ) بدل "لابون".

أ- العنوان والتحيّة (1: 1- 2)
أولاً: من بولس رسول المسيح (آ 1)
منذ البداية، نكتشف في 2تم كلامًا قريبًا من بولس. فدعوة بولس إلى الرسالة لا ترتبط إلاّ بمشيئة (تاليما) الله السامية. رج أف 1: 1؛ كو 1: 1. والهدف: تعريف الناس بوعد عطيّة الحياة الذي تحقّق في المسيح يسوع. حسب (كاتا). تدلّ أولاً على الهدف (روم 1: 2): هو رسول من أجل انجيل الله الذي وعد به الأنبياءُ. ثم تدلّ على المرجع: حسب الوعد الالهيّ. تندرج الرسالة في تدبير العناية الالهيّة وتاريخ الخلاص. وهي عنصر رئيسيّ في تتمّة هذا الخلاص. رج 1تم 1: 1: "الله مخلّصنا".
وموضوع وعد الآب هو تارة الروح القدس المرسَل (إكسابوستالو). رج لو 24: 49؛ أع 1: 4؛ 3: 33؛ غل 3: 14؛ أف 1: 13. وطورًا، المخلّص والعهد الجديد (أع 13: 23؛ 2كور 1: 20؛ عب 8: 6). وهنا: الحياة الحقّة (1تم 6: 19؛ زوئي) أو الحياة الأبديّة (1تم 1: 16؛ 6: 12؛ تي 3: 7؛ يو 3: 15- 17) التي أعلنت هنا كما في 1تم 4: 8 (الوعد بالحياة الحاضرة والمستقبلة). رج يع 1: 12؛ 1يو 2: 25. وكما في تي 1: 2 (رجاء الحياة الأبديّة). "التي هي في المسيح يسوع" (في 1تم 1: 1: رجائنا) تدلّ على اعتراف عماديّ في الكنيسة (1بط 1: 3). فالمسيح حياة وينبوع حياة (يو 1: 4؛ 11: 25؛ 14: 6). ووساطتُه تُتيح لنا أن ننال هذه الحياة من الآب (1كور 1: 4) وساعة نكون متّحدين (غل 2: 20؛ 3: 27). فالمسيح هو الذي يمنحنا الحياة. كما أنه حياتنا (1كور 3: 4؛ فل 1: 21). لهذا يُذكر "المسيح يسوع" ثلاث مرات في آ 1- 2. والعطايا الالهيّة المذكورة نقتبلها فيه: الخلاص (2: 10؛ 3: 5). النعمة (آ 9؛ 2: 1). الايمان والمحبّة (آ 13؛ 1تم 1: 14؛ 3: 13). حياة التقوى (3: 12؛ روم 8: 12).
ثانيًا: إلى ابني الحبيب (آ 2)
حين كتب بولس إلى أهل كورنتوس، بدا مربيًا حقيقيًا. فشرح للمؤمنين أن تنبيهاته تشبه (هوس) تنبيهات أب لأولاده (1كور 4: 14؛ رج أف 5: 1). وعى أن نقل كلمة الله هي إيلاد حقيقيّ (الرسول يلد المؤمنين)، فاعتبر الغلاطيين "أبناءه الصغار" (غل 4: 19). فعملُ الرسالة يفترض تضحية وحنانًا أين منه حنان الأم تجاه أولادها (1تس 2: 7- 8). إذن، له أحشاء أب وأم بالنسبة إلى الذين نقل إليهم الحياة الأبديّة (آ 1). وأولهم تيموتاوس الذي سمّاه "غنيسيوس" (حقيقيّ، شرعيّ) في 1تم 1: 2 (رج تي 1: 4). وحين دعاه ابني (تاكنون) الحبيب (أغابيتون)، استعاد ما في 1كور 4: 17، الذي يشمل تعلّقًا بشريًا حسيًا وتقوى دينيّة عميقة (رج فلم 16). فتيموتاوس ليس فقط "أخًا محبوبًا" أو"ابنًا حقيقيًا"، بل "الابن تيموتاوس" (1تم 1: 18)، "ابني" (آ 2). إن لفظ "تاكنون" يبدو أكثر تعبيرًا من "هيوس". اسم لم يستعمله بولس لأي تلميذ من تلاميذه. فتيموتاوس لا شبيه له. قال فيه: "فما لي أحد مثله يهتمّ اهتمامًا صادقًا بأمركم. فكلّهم يعمل لنفسه، لا ليسوع المسيح. وأنتم تعرفون خبرته وكيف خدم البشارة معي خدمة الابن مع أبيه" (غل 2: 20- 22).
هنا نستطيع أن نُعطي للصفة "أغابيتون": الابن العزيز، البكر، الذي يرث (غل 4: 7)، الابن المفضّل (كما سوف نرى في آ 3- 5). إن 2تم هي وصية الرسول الأخيرة لتلميذ كريم، أمين، مختار (3: 10- 11؛ 4: 1- 2). مثلُ هذا التعبير عن المحبّة، عاطفة طبيعيّة لدى شيخ سجين إلى ابن بعيد عنه، يتشوّق إلى رؤيته.

ب- فعل الشكر (1: 3- 5)
أتبع بولس، كعادة زمانة، التحيّة الأولى بفعل شكر لله. هذا الشكر سيتوسّع وينتهي في صلاة. ما يحرّكه هو عاطفة بولس الشخصيّة تجاه تلميذه، وتذكّرُ ماض حلو وبعيد. وموضوعه إيمان تيموتاوس الصادق.
أولاً: أحمد الله (آ 3)
أحمد الله. أشكره. أنا ممتلئ من عرفان الجميل. اعتاد الرسول أن يستعمل "اوخاريستيو" (شكر) أو "أولوغيتوس" (مبارك)، رج 2كور 1: 3. أما هنا فاستعمل "خارين إخو" (روم 6: 17؛ 1تم 1: 2): عندي امتنان، نعمة. نستطيع القول: امتلأ قلبي امتنانًا، فتوجّه إلى الله في فعل عبادة وطاعة. هكذا يفعل الرسول. "لاتراوو". كلمة تعود إلى السبعينيّة. هناك "لايتورغيو" التي تُفهم عن الخدمة الكهنوتيّة والاحتفال بالطقوس. أما "لاتراوو" فتعني شعائر العبادة (عب 8: 5؛ 9: 9، 14؛ 10: 2؛ 13: 10) كما تدلّ على العبادة الروحيّة (روم 1: 9)، على حياة دينيّة وصلاة (لو 2: 37؛ فل 3: 3؛ عب 12: 28)، على ممارسة نشاط يرتبط بعبادة الله (تي 1: 1؛ 1بط 2: 16؛ رؤ 22: 2). وهي لا قيمة لها إلاّ إذا صدرت عن ضمير طاهر (أع 23: 1؛ 24: 14- 16؛ رج 1تم 1: 5؛ 3: 9). هل أراد بولس السجين أن يلمّح أنه بريء؟ ربما.
ويُتمّ الرسول هذه الحياة الدينيّة، هذا التكريس لخدمة الله بأمانة لتقليد مجيد. نقرأ "بروغونوس" الأجداد. في معنى أول، والدا بولس (1تم 5: 4) ومعلموه في المجمع أو على قدمي جملائيل. وفي معنى ثان، نحن أمام إرث مقدّس يتسلّمه المؤمن كوديعة (سي 44: 1) يحافظ عليها فيدلّ على إيمانه. نحن هنا في إطار دينيّ من الأمانة والغيرة تجاه الاله الحقيقيّ ومواعيده وعهده في تدبير الخلاص، على مستوى العهد القديم كما على مستوى العهد الجديد (روم 11: 13-20؛ عب 11). فبولس الشيخ المحكوم عليه، يعود إلى الماضي: تعرّف إلى الله بوحي وصل إلى الآباء، فاقتدى بفضائلهم وسار في خطى أمانتهم (عب 13: 7).
إن محبّة الرسول الأبويّة تعبّر عن نفسها بتذكّر دائم وصلاة متواصلة. نجد في آ 3- 6 أربع ألفاظ تشير إلى هذا التذكّر: إخو منايان (آ 3، أذكر، أملك تذكرًا). منيسكو (آ 4، أتذكر) هيبومنيسين لمبانو (آ 5، أخذ تذكّرًا). أناميمنيسكو (آ 6، ذكّر، بمعنى نبّه). دومًا. أي في كل مكان وفي كل وقت "أديالايبتوس". يُستعمل هذا الظرف للكلام عن خدمة كهنوتيّة أو صلاة (1مك 12: 11). كل مرّة يبدأ بولس صلاة، يتذكّر تيموتاوس. "دائيسيس" (صلاة) هي شكل من العبادة الدائمة (لو 2: 37). هي صلاة المسيح (عب 5: 7) والكنيسة (1تم 2: 1) وأعضاء الكنيسة (أف 6: 18؛ فل 4: 6). "ليلاً ونهارًا". رج 1تس 3: 10. هي صلاة دائمة، صلاة لا تملّ (لو 18: 1).
ثانيًا: أتذكّر دموعك (آ 4)
لا يقدر بولس بعدُ أن يتحمّل غياب تيموتاوس. فيرغب كل الرغبة في رؤيته. فكأن قلبه يتوق إليه. "إبيبوتايو" اشتاق، تحسّر لرؤية شخص. نحن أمام حنين بسبب غياب شخص نُحبّه. يستعمل بولس الفعل للكلام عن الموطن السماوي (2كور 5: 2) كما عن اللقاء بالتلاميذ (1تس 3: 6؛ روم 1: 11؛ 15: 23؛ فل 2: 26). استعمل بولس اسم الفاعل ليدلّ على أن هذا الشوق يرافق الصلاة والشكر والتذكّر.
إذا كانت الحسرة في قلب الرسول بهذا المقدار، فلأنه يتذكّر دموع ابنه. أترى حين قُبض على بولس فأجبر تيموتاوس على توديعه؟ أترى لأنه لا يستطيع بعد أن ينعم بحضور معلّمه بعد أن ظلّ وحده في أفسس فاحتاج إلى نصائح من رافقه منذ زمان بعيد؟ فرض الواجبُ على تيموتاوس أن يبقى في مهمته ولا يرافق الرسول كما رافقه ديماس، ولوقا وتيخيكس (4: 10، 11، 20). استُعملت صيغة الكامل فدلّت على أن ما أحسّ به الرسول في ما مضى ما زال يحسّ به الآن. والتذكّر في الكتاب المقدّس يتضمّن الحنان والرحمة. رج لو 1: 54؛ أع 10: 31؛ عب 13: 9.
كانت الدموع موضوع التذكّر. أما "هينا" (لكي) فارتبطت برغبة بولس بأن يرى أيضًا تلميذه. فإن تحقّقت، صار بولس في منتهى السعادة (روم 15: 13؛ أع 13: 52). "بليرون". امتلأ. ترافق الفرحُ مع المحنة. رج 2كور 6: 10؛ 7: 4- 9؛ فل 2: 17. هذا السجين العائش وحده يعيش في الرجاء الذي هو ينبوع فرح (روم 12: 12).
ثالثًا: وأتذكّر إيمانك (آ 5)
في هذا التذكّر، في سرد الذكريات (هيبومنيسيس، رج حك 16: 11؛ 2مك 6: 17؛ 2بط 1: 13؛ 3: 1)، يتوقّف بولس عند إيمان تلميذه. أترى تسلّم رسالة تشير إلى ثبات في الايمان (1تس 3: 6). إيمان صادق، حقيقي، لا رياء فيه ولا خبث (1تم 1: 15: "أنيبوكريتوس". يضمّ الايمان المستقيم والتصرّف الديني، والأمانة للالتزامات على مستوى العاطفة كما على مستوى العمل.
"بستيس" (إيمان). ورثه تيموتاوس من والدته وجدّته (هذا ما حدث في لسترة، أع 16: 1). هو "ذات" (هوستيس) الايمان الذي يسكن (قلب عامر بالايمان) في جدّته وأمّه. "إنويكايو" (سكن). يستعمله بولس للكلام عن الروح القدس والله وكلمته. رج روم 8: 11؛ 2كور 6: 11؛ كو 3: 16. "مامي". لغة تحبّب. مثل "ماما" في العربية، مع الاشارة إلى أن اللفظ يدلّ في اليونانيّة على الجدّة لا على الأمّ، كما هي العادة عندنا.
هذه الآية تقدّم لنا معلومة أضافية إلى ما نعرف عن تيموتاوس في أع 16: 1. أم يهودية مؤمنة. وأب متحضّر بالحضارة اليونانيّة. وفي أي حال، هو وثني، لأنه رفض أن يُختن ابنه (أع 16: 13). حين مرّ بولس في لسترة، كانت افنيكة مسيحيّة وقد تسلّمت إيمانها من أمّها لوئيس. وهكذا بدا تيموتاوس وارثًا لايمان مرّ على جيلين. فوجب عليه أن يحافظ على هذه الوديعة. في هذا قال تيودوريتس: "لا شيء يحرك الانسان كالمثل العائليّ". وقال يوحنا الدمشقي: "أول مديح للتلميذ هو أنه يتحدّر من عائلة هي في خدمة المسيح".

3- قراءة إجماليّة
إن عنوان هذه الرسالة الذي يبدو أقلّ اتساعًا من عنوان تي، يعود بنا إلى بساطة 1تم. رسالتان توجّهتا إلى ممثّل بولس في أفسس. استعاد بولس تعابير الرسائل السابقة (1كور 1: 1؛ 2كور 1: 1؛ أف 1: 1؛ كو 1: 1)، فأعلن أنه رسول "بمشيئة الله". هو ليس موفَدًا من جماعة، ولا ممثلاً لسلطة بشريّة. ليس "رسولاً من قبل الناس ولا بدعوة من انسان" (غل 1: 1). لقد نال نداء خاصًا من الله (روم 1: 1).
وهدف رسالة بولس: إعلان وعد الحياة. فقد اختاره الله ليكون رسولاً (روم 1: 1: فرزه من أجل الانجيل، من أجل إعلان الانجيل)، بالنظر إلى وعد الحياة. فكرازةُ بولس هي في جوهرها إعلان سيقول بأن المواعيد التي أعطيت لابراهيم تمّت في يسوع المسيح (2كور 1: 20؛ غل 3: 16): بالايمان يُدعى المؤمنُ إلى ميراث الوعد (روم 4: 13- 16؛ غل 3: 22). ينال "روح الوعد" (غل 3: 14؛ أف 1: 13). صار "ابن الموعد" (روم 9: 8). لقد تدشّن تحقيقُ الوعد على الأرض، ولكنه لن يكون تامًا ونهائيًا إلاّ فيما بعد وساعة يشارك المؤمن في قيامة المسيح المجيدة، ويُقهر آخرُ عدوّ فيخضع كل شيء للمسيح "الذي سيخضع هو للذي أخضع له كل شيء، لكي يكون الله كلاّ في الكلّ" (1كور 15: 28). أما الآن، فالحياة، شأنها شأن الخلاص، تبقى في ملئها الأخير، موضوع رجاء. رج تي 2: 13؛ 3: 7.
وتستعيد آ 2، ما في1تم 1: 2 مع تفصيل هام. يُسمّى تيموتاوس "الابن الحبيب" لا "الابن الحقيقي" كما في 1كور 4: 17. استعمل بولس عبارة "الأبناء الأحبّاء" ليدلّ على المسيحيين الذين بشَّرهم (1كور 4: 14؛ أف 5: 1)، ولكنه لا يستعملها أبدًا للكلام عن أحد تلاميذه. هذا ما يدلّ على حنان أب تجاه ابن "وحيد" له. هي عاطفة فريدة يعبّر عنها بولس في رسالة تبدو وصيّته الأخيرة.
ما الذي دفع بولس إلى رفع آيات الشكر. فالفعل "شكر" هنا (بخلاف روم 1: 8؛ 1كور 1: 4- 5؛ 2تس 1: 3) لا يتبعه مفعول به، بل عددٌ من أسماء الفاعل كما في 1تس 1: 2- 4. اعتبر بعض الشرّاح أن آ 4 هي معترضة. لهذا، ربطوا بين آ 3 وآ 5: أشكر حين أتذكّر إيمانك الصادق. وقد يكون الباعثُ على الشكر تذكّر الرسول لأصدقاء تعلّق بهم، وبعضهم تركوه. ولتيموتاوس الذي ظلّ أمينًا له رغم المحنة.
بولس خادم لله في خطّ أجداده. فنشاطه الرسولي يُعتبر خدمة ليتورجيّة تتوخّى أن تجعل المسيحيين تقدمة روحيّة ترضي الله (روم 1: 9؛ 12: 1؛ 15: 16) في طاعة الايمان (روم 1: 5؛ 16: 26)، فتنضمّ إلى ذبيحة المسيح الطائع حتى الموت (فل 2: 8). حين يخدم بولس الله بأمانة، فهو يتابع مسيرة الذين سبقوه. فعائلته تمسّكت بالقيم الدينيّة في شعبه (فل 3: 5). وهو نفسه تفوّق على أقرانه (غل 1: 14). فالإله الذي عبده حين كان يهوديًا، هو الذي يعبده الآن. والانجيل الذي تلقّاه، هو تتمّة المواعيد التي أعطيت للآباء (أع 13: 32- 33؛ روم 4: 9- 24). وهو لا يستحي حين يذكر إيمان آبائه (أع 22: 14؛ 24: 14؛ 26: 7).
ذاك هو بولس في صمت سجنه بعد أن تركه أصحابه (1: 15). وإذ يفكّر في موته القريب، ينتظر تعزية: أن يرى تيموتاوس. وسيدعوه مرتين في نهاية الرسالة (4: 9، 21) أن يأتي إليه عاجلاً. وهو منذ الآن يدلّ على شوقه الكبير. ويتذكّر دموع التلميذ الذي فُرض عليه أن لا يلحق بمعلّمه في السجن بسبب واجبات رسالته. رؤية تيموتاوس هي مصدر فرح، بالنسبة إلى بولس.
أتذكّر ايمانك. أترى وصلت إلى بولس رسالة تخبره بثبات تيموتاوس في الايمان للمسيح وفي الأمانة لبولس؟ يبدو أن الأمر كذلك. فهناك عدد كبير من مشاركي بولس قد تركوا الرسول والرسالة. ومنهم ديماس الذي يبدو وكأنه ترك المسيحيّة! أما إيمان تيموتاوس فيتجذّر في محيط عائليّ عرفه بولس حين كان في لسترة: إيمان الجدة، وإيمان الأم. هذا الايمان يسكن في قلب لوئيس (الجدة) وافنيكة (الوالدة)، بعد أن تقبّلته هاتان المرأتان كعطيّة من الله.

خاتمة
تلك هي بداية 2تم. كلام أب إلى ابن يحبّه ويرغب في رؤيته. كلام يحمل الذكريات منذ الساعة الأولى التي فيها التقى بولس بتيموتاوس في لسترة، وهناك تعرّف إلى ايمان الوالدة والجدّة. وذكريات في ساعة الوداع والذهاب إلى سجن رومة، وما رافق هذا الوداع من دموع. ولكن ما يثلج صدر هذا "الأب" ويملأه فرحًا، هو ايمان ثابت لدى تيموتاوس. وأمانة صادقة لا رياء فيها. أما الاطار اللاهوتي فالوعد بالحياة. وُعد بولس بالحياة الابدية فنالها في ملئها حين دخل في التدبير الجديد، حين تعرّف إلى يسوع المسيح. وكان مصير التلميذ كمصير المعلّم. ينتظر بولس أن يُجازى خير جزاء على يد الديّان العادل بعد أن ظلّ أمينًا حتى النهاية. فلا يبقى لتيموتاوس سوى الاقتداء بذاك الذي سباه إلى طاعة المسيح، فجعله شريكًا في حمل الانجيل ومشاركًا في تدوين عدد من الرسائل. فهل نعجب بعد ذلك أن يشتاق بولس، العجوز السجين، إلى بعض قوّة وعزاء من ذاك الذي أحبّه حبًَا خاصًا، بعد أن تركه جميعُهم.

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM