الفصل الثاني موقع 2تم بين الرسائل الرعائيّة

الفصل الثاني
موقع 2تم بين الرسائل الرعائيّة

عُرفت الرسائل الثلاث، 1تم، 2تم، تي، باسم الرسائل الرعائيّة، منذ بداية القرن الثامن عشر. فاعتاد الشرّاح على هذا الوضع، فما فصلوا الرسالة عن أختها. قالوا: الأسلوب هو هو. والتعليم هو هو. والاتجاهات الضالة تدلّ على ذات الظروف الزمانيّة والمكانيّة. وقالوا: اللغة واحدة. والمضامين اللاهوتيّة واحدة. والفكرة المسبقة حول وحدة هذه الرسائل أثّرت على نسبة هذه الرسائل إلى بولس أو إلى تلاميذه. ولكن جاء من يناقش هذا المقال ويطلب أن تُعزل 2تم عن أختيها، وتُدرس وحدها، فيبدو ارتباطها ببولس قريبًا من المعقول. لهذا، نحاول أن نتوقّف عند بعض السمات، علّ الطريق تستضيء لنا بأن نحرّر 2تم من هذا الإطار، فنفهم أنها دوّنت قبل 1تم وتي، وأنها جاءت قريبة من الزمن الذي فيه رحل بولس من هذا العالم بعد أن أريق دمه سكيبًا على مذبح الانجيل.

1- العنوان
حين نقرأ عنوان هذه الرسائل الثلاث، نرى كيف تتميّز 2تم. نقرأ في 1: 1: "من بولس رسول المسيح يسوع بمشيئة الله". هكذا عرّف الكاتب عن نفسه، وعرّف عن الشخص الذي يرسل إليه الرسالة: تيموتاوس "الابن الحبيب" (1: 2). نحن هنا أمام لغة بولسيّة واضحة. فعبارة "بمشيئة الله" نقرأها في 1كور 1: 1؛ 2كور 1: 1. وفي 2كور 4: 17 يُسمّى تيموتاوس "ابني الحبيب". لا مجال للشك في هذه العلاقة العميقة.
أما تي و1تم، فتوجّهتا إلى "الابن الحقيقي" مع، عبارة "في الايمان" (1تم 1: 2)، أو "حسب الايمان المشترك" (تي 1: 4). قد يعني اللفظ "غنيسيوس" عاطفة حميمة. ولكنه يجعلنا، في المقام الأول، في الاطار الدينيّ. فالمعنى "الحقيقي، الشرعيّ" تفرضه العودة إلى الايمان (رج فل 4: 23، الرفيق الأمين). وكاتب 1تم وتي يفكّر في الذين يعلّمون تعليمًا مختلفًا (1تم 1: 3؛ تي 1: 1). ونتيجة هذا الاعلان أن تبيّن أن تيموتاوس وتيطس هما معلّمان تستطيع الجماعات أن تثق بهما.
ونكتشف الاختلاف أيضًا في الطريق التي بها يدلّ الكاتب على نفسه. في 1تم 1: 1: "رسول المسيح يسوع حسب أمر الله مخلّصنا والمسيح يسوع رجائنا". وفي تي 1: 1: "خادم الله رسول المسيح يسوع". ويفسّر كل هذا: "بالبشارة التي أوتمنت عليها بأمر الله مخلّصنا" (تي 1: 3). فالكلمة المفتاح هي "أمر" (إبيتاغي). لا "بمشيئة" الله، بل "بأمر" الله. فالبحث عن إرادة الله، يترك للشخص ذاتيّته. أما الأمر فيُطاع أو لا يُطاع.
2- الكرستولوجيا
دُُرست الكرستولوجيا بشكل مفصّل في عدد من المصادر. ولكن التشديد على الوحدة الأدبيّة واللاهوتيّة جعلنا نخسر بعض التفاصيل التي تميّز 2تم عن تي و1تم.
ونبدأ بعلاقة الله بالمسيح. تتضمّن الرسائل الرعائيّة ما يُسمّى "الكرستولوجيا الدنيا": مات كانسان لكي يخلّص الآخرين، وأقيم من الموت ونال المجازاة. ومع أن تي 2: 13 (إلهنا العظيم ومخلّصنا يسوع المسيح) يمكّن أن تُقرأ في إطار "كرستولوجيا عليا"، يبقى أن موضوع لاهوت المسيح لا يُطرح في الرسائل الرعائيّة. فنحن نفسّر الآية الملتبسة بألفاظ أوضح. فلفظ "مخلّص" يعني الله (تي 1: 3؛ 2: 10؛ 3: 4) كما يعني المسيح (تي 1: 4؛ 3: 6). لهذا، لا نستطيع أن نقابل المسيح البشريّ في 2تم مع المسيح الالهي في تي.
ما يميّز الرسائل الرعائيّة، هو استعمالها "ابيفانيا" (ظهور) و"ابيفانيو" (ظهر). لا اختلاف بين الرسائل الثلاث في استعمالها الاسم بالنظر إلى المجيء الثاني (1تم 6: 14؛ تي 2: 13؛ 2تم 4: 1، 8؛ رج 2تس 2: 8: باروسيا). ولكن في 2تم 1: 10، استعملت "ابيفانيا" للكلام عن رسالة يسوع على الأرض (رج الفعل في تي 2: 11؛ 3: 4). في تي 2: 11، ما يظهر هو "نعمة الله". وفي 3: 4 "حنان الله مخلّصنا ومحبّته". قد يظنّ القارئ أن هاتين الآيتين تشيران إلى رسالة يسوع على الأرض. ويظلّ متردّدًا حتى 3: 6. من هذا القبيل، تبدو 2تم مختلفة اختلافًا هامًا، لأن ما ظهر ليس صفة إلهيّة، بل شخص "بظهور مخلّصنا المسيح يسوع" (1: 10). هذا لا يعني أن النظرتين لا تتوافقان، ولكن تتعارض النظرة المجرّدة مع النظرة الملموسة.
كيف قام المسيح بمهمّته؟ نجد في تي و1تم العبارة عينها: "ضحّى بنفسه فدية عن الجميع" (1تم 2: 6). "ضحّى بنفسه لأجلنا لكي يفتدينا" (تي 2: 14). إن فكرة التضحية وبذل الذات، غائبة كليًا عن 2تم، كمدلول فداء. في الواقع، تتحدّث 2تم عن المسيح، ولكن بشكل غير مباشر: "إن متنا معه" (2: 11. هذا يعني أنه هو مات أيضًا ونحن رافقناه في موته). وهذا القول يفترق عمّا في 1تم، تي، فيشير إلى القيامة: "قام من بين الأموات" (2تم 2: 8).
وتقدّم 2تم نتيجة خدمة المسيح كما يلي: "قضى على الموت وأنار الحياة والخلود بالبشارة" (1: 10). إن وضْع "الخلود" هنا يعطي "الحياة" نكهة اسكاتولوجيّة، ولا سيّما مع الفعل في صيغة المضارع في 2: 11 (سوف نعيش معه). غير أننا لا نستطيع أن ننفي المعنى الوجوديّ (الحياة الحاضرة) الذي تتضمّنه عبارة "الحياة التي في المسيح يسوع" (2تم 1: 1؛ رج 1: 13؛ 2: 1؛ 3: 12)، وليس فقط لأن الواحد هو زرع الآخر. ولكن المعنى الوجوديّ "للحياة" لا يرد في 1تم (رج المعنى الوجوديّ "للموت" في 1تم 5: 6) ولا في تي.
ومع أن "الحياة" اتّخذت منحى اسكاتولوجيًا في 2تم 1: 1، 10، فهناك اختلاف أيضًا. إن "حياة" في 1تم وتي ترافقها دومًا صفة: "الحياة الأبديّة" (1تم 1: 16؛ 6: 12؛ تي 1: 2؛ 3: 7). "الحياة الآتية" تقابل "الحياة الحاضرة" (1تم 4: 8: "الوعد بالحياة الحاضرة والمستقبلة")، وتتماهى مع "الحياة الحقيقيّة" (1تم 6: 19). هذا ما لا نجده أبدًا في 2تم.
قد نقول باختلاف بين الكرستولوجيا في 2تم، وبين 1تم وتي. ومع ذلك، فالاختلاف ليس بجوهريّ، بل هو يقف على مستوى الألفاظ والتعابير.

3- خدمة البشارة
ما نلاحظه من سمات في 1تم وتي هو لائحة الصفات المرغوبة في خادم الانجيل (1تم 3: 1- 13؛ تي 1: 5- 9). وهذا ما لا نجده في 2تم التي تعطي للخادم ألقابًا لا نجدها في الرسالتين الأخريين. نترك جانبًا اللقب الذي أعطاه "بولس" لنفسه: "المنادي والرسول والمعلّم" (1تم 2: 7؛ 2تم 1: 11). ولا نتوقّف عند ألقاب تكشف فهم الكاتب للخدمة. نجد في 1تم وتي "الشيخ" (1تم 5: 1، 17؛ تي 1: 5)، "الأسقف" (1تم 3: 1؛ تي 1: 7). وتضيف 1تم لقب "شماس" (3: 8- 13؛ 4: 6). هذه الألقاب الثلاثة لا ترد في 2تم. كل ما نجد هو لفظ "الخدمة" (4: 5) في معنى عاديّ جدًا (4: 11).
وهناك لقب روحيّ في 1تم: "رجل الله" (6: 11) الذي يظهر بشكل احتفاليّ في 2تم 3: 17 (ليكون رجل الله كاملاً). تلتقي 1تم و2تم عند هذا اللقب الواحد، الذي يُبعدنا عن التقسيم "الوظيفيّ" في الكنيسة. والخادم هو في 2: 3 "جندي صالح للمسيح يسوع" (رج 1تم 3: 18)، وفي 2: 15 "عامل لا يخجل"، وفي 2: 21 "إناء لاستعمال شريف"، وفي 2: 24 "عبد (خادم) الربّ"، وفي 4: 5 "المبشّر".
نفهم هذه الألقاب في سياقاتها، وهي تدلّ على خاصيّة 2تم. "فجنديّ المسيح يسوع" سيلقي الضوء على علاقة الخادم بالمسيح، وهو بُعدٌ غائب كلَّ البعد عن 1تم وتي. على الجندي أن يكون مستعدًا لتحمّل الآلام. وفي نظر 2تم، المشاركة في الآلام جزء لا يتجزّأ من الخدمة (سينكاكوباتاين، 1: 8؛ 2: 3؛ رج 4: 5). وهي أمر طبيعيّ في الحياة المسيحيّة: "فكل من أراد أن يحيا في المسيح يسوع حياة التقوى أصابه الاضطهاد" (3: 12؛ رج فل 3: 10). لا إشارة في 1تم وتي إلى أن الحياة المسيحيّة تتضمّن الآلام. بل إن 1تم تعمل كل شيء من أجل "حياة مطمئنة هادئة" (2: 2)، وتشدّد على أن الخادم يجب أن يشهد له الذين هم في خارج الكنيسة (3: 7). أما حسب تي، فسلوك الجماعة يجب أن لا يلفت النظر (3: 1- 2؛ رج 2: 5).
هذه الرغبة في عدم "الظهور" هي ما يعارض النظرة البولسيّة في أن على الكنيسة المحليّة أن تكون حياتها من القوّة بحيث تعلن الانجيل إلى العالم (فل 2: 14- 16). إذا وضعنا تي 2: 9- 10، فإن 1تم وتي لا تهتمّان بالبعد الارساليّ في الكنيسة. بل هما تهتمّان بحياة الجماعة في الداخل. حين نقرّ بهذه الوجهة نفهم معنى لفظ "المبشّر" (2تم 4: 5) الذي يقوم دوره في إعلان الكلمة والمناداة بها (4: 2، كيريكس). فالمبشّر (أو حامل الانجيل) هو الذي يعلن المسيح للذين لم يسمعوا الكلمة بعد. فهو يذهب إلى الخارج كرسول.
إن الاستعمال الايجابيّ للفظ "عامل" في سياق الخدمة (2: 15) ليس بعاديّ للوهلة الأولى. فلا بدّ من بعض التمعّن لنرى تقابله مع "الشيوخ" و"الأساقفة" في تي و1تم. ومع ذلك، استعمل بولس اللفظ فقط تجاه معارضيه الذين ينادون بانجيل آخر: هم عاملون مخادعون (2كور 11: 13). "عمّال السوء" (فل 3: 2). هذا الاستعمال يشرح أفضل شرح الصفة "لا يخجل" (2تم 2: 15). يشير النصّ إلى الدينونة الاسكاتولوجيّة المرتكزة على التتمّة. أما 1تم وتي فتهتمّان بالحياة في الآخرة.
ووصف الخادم بأنه "إناء من أجل استعمال شريف" (2تم 2: 21)، يكشف ما هو الأهم في الخدمة. "البرّ، الايمان، المحبّة، السلام" (2: 22). وهي ستكمّل فيما بعد. "فعلى خادم الربّ أن لا يكون مشاجرًا، بل رفيقًا بجميع الناس، أهلاً للتعليم، صبورًا، وديعًا في تأديب المخالفين" (2: 24- 25). هذه المزايا تجد ما يقابلها في 1تم وتي. فتيموتاوس يحرَّض على "طلب البرّ والتقوى والايمان والمحبّة والصبر والوداعة" (1تم 6: 11؛ رج 1: 14؛ 2: 15؛ 4: 12؛ 6: 2؛ تي1: 1؛ 2: 2؛ 3: 2). ولكن في 1تم وفي تي هي مزايا مسيحيّة عاديّة، وليست مرتبطة بالخدم. هذا يعني بالنسبة إلى 2تم أن ما يجعل الانسان مسيحيًا صالحًا يجعله أيضًا خادمًا. فالظروف التي تشير إلى الأساقفة والشيوخ في 1تم، تي، لا تنطبق على 2تم.
هذا لا يعني أنه لا يوجد تداخل بين هذه الصفات والصفات المطلوبة من الأساقفة والشيوخ والشمامسة (1تم 3: 1- 13؛ تي 1: 6- 9). ولكن ما لم تذكره هاتان اللائحتان هو الفضيلة العظمى، فضيلة المحبّة التي هي في قلب 2تم (1: 7). فهذه الفضيلة تُشرف على مواقفنا تجاه الخصوم وتجاه الأعضاء في الجماعة.
وكما دلّ الكلام في 2: 24، فمرمى 2تم هو أن ننتصر على الخصوم بالصبر والثبات، بحيث يتوبون "فيُفلتون من فخّ إبليس الذي أطبق عليهم وجعلهم يطيعون مشيئته" (2: 26). إن نظرة المحبّة التي تعتبر أن الخصوم ليسوا مسؤولين كل المسؤوليّة عن الشرّ الذي يصنعون (4: 16)، يتعارض بوضوح مع الحكم القاسي على الخصوم في 1تم 6: 4. على تيموتاوس أن يأمرهم أن لا يعلّموا التعليم الضّال (1تم 1: 3). للوهلة الأولى، لا يكون تيطس بهذه القساوة فيقول بأن المعلّم الجديد عليه أن يردّ على المعارضين (تي 1: 9). ولكن الفعل "إلانخاين" يعني أيضًا "أدّب، وبّخ، عاقب". إذن، يجب أن يُخزوا. وهذا المعنى يفرضه ما يلي: عليك أن تسدّ أفواههم (1: 11). لا يهتمّ بالتبدّل لدى المعارضين، بل بسحقهم.
ونجد السمة عينها حين النظر إلى ممارسة السلطة داخل الجماعة. فالفعل "إلانخاين" الذي قرأناه في تي 1: 9، نقرأه أكثر من مرّة في الرسالة عينها. في 1: 13: "وبّخهم (أدّبهم) بشدّة لكي يكون إيمانهم صحيحًا". وفي 2: 15: "وبّخ بما لك من سلطان تام". تدلّ هذه العبارة الأخيرة على سلطة قريبة من التسلّط. فهناك مخافة باطنيّة تصبح واضحة بعبارة "لا يستخفّ بك أحد" (2: 15). يُعطى المعاندون فرصتين، ثم يتجاهلهم تيطس (3: 10: أعرض عنه بعد أن تنذره مرتين). ونجد الطريقة عينها في 1تم. قيل لتيموتاوس: "لا يستخفّ أحد بك" (4: 12). وأمر: "أما المذنبون فوبّخهم أمام الجميع حتى يخاف غيرهم" ((5: 20). لا نجد شيئًا مثل هذا في 2تم. وإن وُجد فعل "وبّخ"، فهو لا يبدو بارزًا. ففي الجماعة، الفعل المستعمل هو: ناشد، استحلف (ديامرتيروماي). كأني بالكاتب يتوسّل، ويطلب من الله أن يكون شاهدًا لما يقول (2: 14).
ونلاحظ أيضًا أن 1تم وتي تطلبان من المسؤولين في الجماعة أن يقدّموا القدوة الصالحة لجماعاتهما، وهذا ما تفعله 2تم. نقرأ في 1تم 4: 12- 15: "كن قدوة للمؤمنين في الكلام والتصرّف والمحبّة والايمان والعفاف... فكّر في هذه الأمور، وكرّس نفسك لها حتى يظهر نجاحك لجميع الناس". ونقرأ في تي 2: 7: "وكن أنت نفسك قدوة لهم في العمل الصالح". أما في 2تم، فبولس هو قدوة لتيموتاوس في القول (1: 13؛ 2: 2؛ 3: 14) وفي العمل (3: 10). ولكن لا يقال لتيموتاوس أن يكون قدوة للجماعة.
كيف يعيَّن الرؤساء في الكنيسة؟ لا تقدّم تي جوابًا. أما 1تم فتعطي جوابًا يختلف عن جواب 2تم. فحسب 1تم، اختير المرشّحُ بنبوءة، ووضع الشيوخ أيديهم عليه: "لا تهمل الهبة (خاريسما، الموهبة) التي فيك، والتي أعطيت لك عبر نبوءة مع وضع اليد من قبل جماعة الشيوخ" (4: 14؛ رج 1: 18). أما 2تم، فبولس وحده هو مسؤول، ولا نجد ذكرًا لنبوءة. "أنبّهك أن تضرم الهبة التي جعلها الله لك بوضع يديّ" (1: 6). حاول الشرّاح أن يوفّقوا هذين الوجهين، فما استطاعوا. هذا يعني أن كاتب 1تم غير كاتب 2تم. وأن الرسالتين تعكسان وضعين كنسيّين مختلفين.
ومن يستطيع أن يكون خادم الانجيل؟ ما نجد في 1تم 3: 1- 13 وتي 1: 6- 9، يدلّ بوضوح أن الذكور وحدهم "يخدمون". لا جدال في 1تم: "لا أسمح للنساء بأن يعلّمن، ولا أن تكن لهنّ سلطة على الرجال" (2: 12). أما تي فسمح فقط للعجائز بأن يعلّمن الصبايا، وذلك في إطار مجتمع أربابيّ (2: 3- 4). للوهلة الأولى، لا تبدو 2تم مختلفة عمّا في 1تم وتي، ولكن الوضع ليس كذلك. فنحن نقرأ الاشارة الوحيدة عن النساء، في 3: 6: "نساء ضعيفات مثقلات بالخطايا، منقادات لكل أنواع الشهوات. يتعلّمن دائمًا، ولا يمكنهنّ معرفة الحق أبدًا" (3: 6- 7). استعمل الكاتب التصغير "النساء الصغيرات، النساء الطفلات" ليدلّ على أنه لا يتكلّم عن كل النساء، كما هو الأمر في تي (في 1تم 5: 11- 13، مع نظرة قاسية إلى النساء). قالت 2تم إن الخدّام يكونون من الرجال (3: 17)، ولكنها لم تستبعد النساء. ولكن يبقى نصّ في 1تم حول الشماسات وآخر حول الأرامل.

4- الانجيل
استعملت 1تم وتي لفظ "اؤتمنت". في حالة أولى، مع الانجيل. في 1تم 1: 11: "الانجيل الذي أوتمنت عليه". وفي حالة ثانية، مع الكرازة. في تي 1: 3: "الكرازة التي أوتمنت عليها". جاءت الفكرة هي هي في 2تم، ولكن عبّر عنها النصّ بألفاظ مختلفة كل الاختلاف. "إحفظ الوديعة الصالحة" (1: 14؛ رج 1: 12) التي تجد ما يقابلها في 1تم 6: 20 (إحفظ الوديعة). ومع ذلك، فهناك اختلاف. في 1تم، يترك بولسُ تيموتاوسَ ومشورته. أمّا 2تم فتقول: "بعون الروح القدس الذي يسكن فينا" (1: 14).
والاشارة الأخرى الوحيدة إلى الروح القدس، نقرأها في تي 3: 16 مع تلميح إلى المعموديّة: الروح "أفيض علينا". وأشارت 1تم 4: 1 إلى روح النبوءة. مقابل هذا نجد فكرة سكن الروح فينا، في 2تم، كما في 1كور 3: 16؛ 6: 19.
وهناك سمة مميّزة في الرسائل الرعائيّة. استعمال لفظ "الصحيح". كانت تي وحدها حين وصفت الايمان ب "الصحيح" (1: 13؛ 2: 1). ولكن توافقت الرسائل الثلاث على وضع هذه الصفة مع "التعليم" (ديدسكاليا) ومع "الأقوال". ومع ذلك، نتعلّم الكثير من الاختلافات.
في 2تم، الأقوال هي أقوال بولس (1: 13). في 1تم هي أقوال المسيح (6: 9). إن الإشارة الوحيدة إلى "التعليم الصحيح" في 2تم 4: 3 لا ترجع إلى عادة معمول بها، بل تُستعمل في نقيضة مع تعليم لاصحيح يتماهى مع "الخرافات" (4: 4)، ويتعارض مع "كلام" الله (4: 2) و"الحق" (4: 4؛ رج 3: 8). أما الزمن المستعمل فهو المستقبل اللامحدّد: "سيأتي وقت" (4: 3). لا حاجة للعودة إلى الأيام الأخيرة (رج 4: 6) حيث تُستعمل صيغةُ الجمع (2تم 3: 1).
في 1تم، يتّسم التعليم الصحيح بالطابع الأخلاقيّ المؤسّس على الانجيل (1: 10). ونحسّ أن لائحة الرذائل في 1: 9- 10 يمنعها "التعليم الصحيح". هذا يعني أن للعبارة معنى تقنيًا خاصًا. ونقول الشيء عينه عن تي. فالمضمون الأخلاقيّ "للتعليم الصحيح" واضح من لائحة توصيات تتبع الأمر: "أما أنت فتكلّم بما يوافق التعليم الصحيح" (2: 1). ما يُطلب من الشيوخ من صفات، جاء في لغة مقولبة. فإذا أراد الخادم أن يدافع عن التعليم الصحيح، عليه أن يتمتّع بمعرفة أكيدة لما يريد أن يعلّم (1: 9).
نلاحظ أن 1تم وتي تعطيان قيمة لما في 2تم من كلام حول معرفة الحق. نقرأ مرّتين عبارة "معرفة الحق" في 2تم. فعلى الشيوخ أن يُصلحوا المخالفين بوداعة "لعلّ الله يهديهم إلى التوبة ومعرفة الحق" (2: 25). ومن جهة ثانية، نرى أن بعض الناس يسمعون إلى كل انسان، بحيث لا يمكنهم أن يبلغوا "معرفة الحق" (3: 7). في الحالتين، تُشرح العبارة كنقيضة لمعرفة هي بنت المخيّلة، وبالتالي كاذبة.
مقابل هذا، نقرأ في 1تم أن الله "يريد أن يخلُص جميع البشر ويبلغوا إلى معرفة الحق" (2: 4). فالذين يؤمنون هم الذين يعرفون الحقّ (1تم 4: 3). هذا المزج بين الايمان ومعرفة الحق يظهر أيضًا في تي. فهدفُ خدمة الكاتب هداية "الذين اختارهم الله إلى الايمان وإلى معرفة الحق الموافقة للتقوى" (تي 1: 1). في كلا الحالين، "معرفة الحق" ترادف "الايمان" والخلاص. ومعناها الدقيق: المعرفة الصحيحة للديانة. هذا ما يقابل 1تم 6: 3 (التعليم الموافق للتقوى). وهذا ما يربط تي مع 1تم رباطًا حميمًا. وهذا ما يبعد 2تم عنهما حيث لفظ "تقوى" (أوسيبايا)، يُستعمل في شكل دنيء: "متمسّكين بقشور التقوى، رافضين جوهرها" (3: 5).
على المستوى الاجتماعيّ، عملُ الانجيل الرئيسيّ (تُذكر قوته، ديناميس، في 2تم 1: 7- 8؛ 2: 9؛ 3: 5) هو تقديم مثال سلوك يجسّد قيمه. ففي الرسائل الثلاث، نجد عبارة "الأعمال الصالحة (الحسنة)". ولكن 2تم تتحدّث دومًا عن "كل عمل صالح" (2: 21؛ 3: 17). وتنتقل تي و1تم بين "عمل صالح" (1تم 2: 10؛ 5: 10؛ تي 1: 16) و"عمل سوء" (1تم 3: 1؛ 5: 10، 25؛ 6: 18؛ تي 2: 7، 14؛ 3: 8، 14). إن 1تم 5: 10 التي تتحدّث عن "كل عمل صالح"، تمنع وجود الاختلاف الجوهريّ، ولكن لا يمكن أن نتجاهل العنصر الأسلوبيّ.

5- التعليم الكاذب
كيف تطلّعت الرسائل الرعائيّة إلى تعاليم الضلال؟ هنا نتذكّر ما قاله بعض الشرّاح عن الضلالات في 1تم، 2تم، تي: نحن أمام دليل الواعظ لكي يعرف ما تقدّمه الغنوصيّة من تعليم. ولكن سوف نرى كم تختلف 2تم عن 1تم وتي في أكثر من عنصر هام.
إن التعاليم الذي تحارَب في 1تم، تي، لها بُعد يهوديّ. فالمعلّمون الكذبة يتوقون إلى أن يكونوا "معلّمي الشريعة" (1تم 1: 7؛ رج أع 5: 34؛ لو 5: 17). والمسألة التي نجدها في تي ترتبط بالذين هم من الختان (1: 10)، بأناس من أصل يهوديّ (غل 2: 12؛ كو 4: 11). هم يعلّمون الامتناع عن الأطعمة بشكل صريح (1تم 4: 3) أو ضمنيّ (تي 1: 14- 15)، وهذا ما يجعلنا في إطار الشريعة اليهوديّة.
ويقومون أيضًا بتنظيرات حول الأنساب (1تم 1: 4؛ تي 3: 9). هذا يعني أمرين. جعلت 1تم 4: 7 الأنساب مع "الخرافات" . أما تي 3: 9 فجعلتها مع "مجادلات حول الشريعة". وجّهت 1تم أنظارنا نحو العالم الغنوصيّ حيث تترافق الخرافات والأنساب (يتحرّر الناس من الايونات). أما تي 1: 14 فتتحدّث عن خرافات يهوديّة. وهذا ما يعود بنا إلى زمن الآباء ابراهيم واسحاق ويعقوب. وأخيرًا، حسب 1تم وتي، الباعث على هذا التعليم هو الجشع وحبّ المال (1تم 6: 5، 10؛ تي 1: 11).
ولكن لا نجد عنصرًا واحدًا من هذه العناصر في 2تم. فالرسالة تقدّم فقط مثالاً ملتبسًا من تعليم ضال: هيمينايس وفيليتس أكّدا أن القيامة قد تمّت (2تم 2: 18). أما الاهتمام الرئيسيّ في 2تم، فهو الجدال العقيم (2: 14) والكلام الفارغ (2: 16) والمماحكات الغبيّة والحمقاء (3: 23). مثلُ هذا الوضع يقود إلى خراب السامعين (2: 14)، إلى المشاجرات (2: 23)، إلى الكفر (2: 16). ما يهتمّ له هو "الآكلة" (2: 16) وتأثيرها على الجسم كله.
مثل هذا الكلام نجده في 1تم وتي. فإن تي 1: 10 تتحدّث عن "الكلام الباطل"، عن أصحاب "المجادلات السخيفة والأنساب والخلاف والمناقشة في الشريعة" (3: 9). أما 1تم فهاجمت "أصحاب الخرافات والأنساب" (1: 4)، الذين "انحرفوا إلى الكلام الباطل" (1: 6)، وهاجمت "الخرافات الباطلة وحكايات العجائز" (4: 7) و"المناقشات والمماحكات" (6: 4) و"الكلام الفارغ والجدل الباطل" (6: 20). وهكذا تتشارك الرسالات الثلاث في استعمال ألفاظ مماثلة. ولكن هل يعني أنها تتكلّم عن الشيء عينه؟هذا ليس بالضروريّ. في 1تم وتي، كان الخلاف حول قراءة أسفار العهد القديم. أما 2تم فتعتبر أن العهد القديم كتاب مقدّس يصلح للتعليم والتأديب والتفنيد والتقويم (2تم 3: 15- 16). هذا يعني أننا لا نهمل الكتب المقدّسة. ويعني أن هذه الكتب تجعل رجل الله "كاملاً ومستعدًا لكل عمل صالح" (3: 17). مثل هذه النظرة إلى العهد القديم، تُبعد كلَّ جدال حول الأنساب والخرافات التي أشارت إليها 1تم وتي.

خاتمة
باتت الاختلافات عديدة بين 2تم من جهة، وتي و1تم من جهة ثانية. وهذا يعني أننا لا نستطيع بعد أن نتكلّم عن كاتب واحد دوّن الرسائل الرعائيّة الثلاث: تباينت شخصيّة الكاتب هنا وهناك. وتباينت النظرة اللاهوتيّة والاجتماعيّة. ونستطيع القول إن 2تم تبدو قريبة من بولس، دون أن نقول بالضرورة إنه هو الذي ألّفها. ولكن في أي حال، ابتعدت 1تم وتي في الزمن عن بولس، فما عدنا على مستوى الحدث، بل على مستوى المؤسّسة التي تنظّم الكنيسة في حياتها الداخليّة دون الاهتمام الكبير بنشر الانجيل في الخارج.

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM