الفصل الأول :مدخل إلى الرسالة الثانية إلى تيموتاوس

الفصل الأول

مدخل إلى الرسالة الثانية
إلى تيموتاوس

منذ القرن الثامن عشر، عُرفت رسائل ثلاث باسم الرسائل الرعائيّة، 1 تم، 2تم، تي. تحدّثنا عن 1تم واعتبرنا أنها دُوّنت في نهاية القرن الأول أو بداية القرن الثاني. دوّنها تلميذ من تلاميذه بولس، بعد أن تشرّب من رسائل الرسول، ودخل في "مدرسته". وها نحن نتحدّث عن 2 تم، هذه الرسالة التي يفصلها الشرّاح عن 1تم، لأن كاتبها لم يعرف 1 تم على ما يبدو. هذه الرسالة التي ترتبط ببولس ارتباطًا أوثق لا تعرفه 1 تم، تي، قد تكون آخر ما كتب بولس، إن لم يكن النصّ ككلّ، فبعض العناصر. وهكذا بدت 2 تم وصيّة بولس الأخيرة، بعد أن اقتربت ساعة رحيله بحيث يصبح موته ذبيحة يراق فيها دمه كختم لحياة رسوليّة تمّت كما تمّت حياة يسوع.

1- مضمون الرسالة
الفاتحة (1: 1- 2) تشبه فاتحة 1تم، ولكنها تدلّ على بولس كرسول "بمشيئة" الله لا "بأمره". وهكذا جاءت 2تم في رسمتها أقرب إلى الرسائل البولسيّة الأولى. نقرأ مثلاً في 1كور 1: 1: "بولس الذي دُعي ليكون رسول المسيح يسوع، بمشيئة الله" (رج 2كور 1: 1). وكانت 2تم قريبة أيضًا من الخط البولسيّ، فجعلت فعل الشكر (1: 3- 5) بعد الفاتحة، فتميّزت عن 1تم التي غاب عنها فعل الشكر، في البداية، إذ بدأت في 1: 3: "طلبتُ منك...". ثم إن 2 تم تتركّز على تيموتاوس، فتدلّ على طابعها الشخصيّ الذي يميّزها عن الرسالتين الرعائيّتين الأخريين. ووصلت إلينا معلومة عن جدّة تيموتاوس (لوئيس) وعن أمه (أفنيكة) اللتين كانتا يهوديّتين، دون كلام عن الايمان بالمسيح كينبوع خلاف مع العالم اليهوديّ (هذا يعني أننا قبل مجمع يمنية الذي عُقد حوالي سنة 90). وفي 3: 14- 15، دُعي تيموتاوس لأن يتمسّك بما تعلّمه في طفولته، أي كتب العهد القديم. هذا الموقف الايجابيّ من العالم اليهوديّ، يجعلنا قريبين ممّا في روم 9: 1- 5، ويجعلنا نتطلّع إلى كنيسة رومة كمناخ دُوّنت فيه 2 تم. ونضيف: حين يتحدّث بولس عن نفسه في 4: 6- 8 (أراق سكيبًا، كالدم على المذبح) فهو يعود إلى روم 3: 25 (المسيح ذبيحة تكفير)؛ 12: 1 (جسده ذبيحة حيّة)؛ 15: 16 (بولس خادم انجيل الله كي تكون تقدمة "الأمم" مرضيّة).
مع 1: 6، يبدأ جسم الرسالة التي تبدو أقصر من 1تم، ولكنها تتفوّق عليها في تماسك المضمون. نتعرّف هنا إلى شخصيّة تيموتاوس، إلى وضعه، كما نكتشف عزلة الرسول وألمه، في السجن، وقد أحسّ باقتراب أجله، بساعة رحيله. وهكذا نستطيع القول إن 2تم هي الوصيّة الثالثة في وصيات بولس في العهد الجديد: الوصيّة الأولى هي الرسالة إلى رومة، التي قد تكون آخر ما كتب بولس، قبل الذهاب إلى السجن، فوجّهها من كورنتوس، في شتاء 57- 58، فبدا واعيًا للصعوبات التي تنتظره في أورشليم، كما كان راجيًا أن يصل إلى رومة لينطلق من هناك إلى اسبانية. والوصيّة الثانية هي خطبة ميليتس التي وجّهها إلى شيوخ أفسس (أع 20: 17- 36)، حين كان ماضيًا إلى أورشليم خلال صيف 58، وهو واع، أنه لن يراهم من بعد. ولكن لا كلام واضحًا عن الموت، في هاتين الوصيّتين، كما في 2تم 4: 7- 8 حيث نقرأ: "جاهدتُ الجهاد الحسن، وأكملت سعيي، وحفظت الايمان. والآن ينتظرني إكليل البر".
ماذا في أدب الوصيّة؟ يعلن الكاتب (أو المتكلّم) بلهجة الحزن عن اقتراب رحيله (4: 6- 8)، ويدعو أخصَّاءه الذين يتركهم إلى نبذ الخوف (2: 1- 2، 14- 15؛ 4: 1- 2. هذا لا يعني بالضرورة أن تيموتاوس كان خائفًا، قلقًا). يعود الكاتب إلى وضعه السابق وحياته (1: 1-13؛ 15- 18؛ 3: 10- 17)، ويدعو الذين يتركهم بعده إلى الوحدة والتماسك (2: 14، 23- 25)، ويُنبئ بالأخطار الآتية من الأعداء (2: 16- 17؛ 3: 1- 9، 12- 13؛ 4: 3-4)، ويشجّع على الأمانة التي لا يمكن إلاّ أن تنال أفضل جزاء (2: 11- 13؛ 3: 14؛ 4: 8). ويعبّر عن حبّه لأبنائه الذين يغادرهم (1: 4- 5؛ 2: 1: "ابني").
في مناخ الوداع الذي نكتشفه في 2تم، بدا بولس المسجون كمجرم، مناديًا بالمسيح المصلوب الذي جُعل بين مجرمَين. ولكن بحسب أقوال بولس، تحوّل هذا الشك والعقبة إلى صرخة انتصار ساطعة، إلى تشجيع لتيموتاوس ولجميع الذين يتألّمون من أجل الانجيل. في هذا الاطار، نقرأ 3: 10- 11: "أما أنت فتبعتني في تعليمي وسيرتي ومقاصدي وإيماني وصبري ومحبّتي وثباتي في الاضطهادات والعذابات... وأنقذني الربّ منها كلّها". ونقرأ 4: 2: "بشّرْ بكلام الله، ألحّ في إعلانه، في وقته وفي غير وقته. وبّخْ وأنذر وعظ صابرًا كل الصبر على التعليم".
ويُذكر التعليم الكاذب في 2تم، كما في 1تم وفي تي: إنه جزء من الخطر الذي تتطلّع إليه خطبة (أو رسالة) الوداع. نشير هنا إلى أن التعليم الكاذب في 2تم، جاء خاصًا ومحددًا: اعتبر هيمينايس وفيليتس أن القيامة قد تمّت (2: 17- 18). فلا ننتظر إذن قيامة بعد. قد نكون قريبين ممّا حاربه بولس سنة 56- 57 في 1كور 15: 12 (ما دمنا نبشّر بأن المسيح قام من بين الأموات، فكيف يقول بعضكم إن الأموات لا يقومون). نشير هنا إلى أننا لا نعرف شيئًا عن فيليتس. أما هيمينايس الذي يتّهمه بولس هنا بأنه يبلبل الايمان، فهو ذلك المذكور في 1تم 1: 20: أسلمه بولس إلى الشيطان ليعلّمه ألاّ يجدّف من بعد. هذا يعني أن 2تم دوّنت قبل 1تم.
وصوِّر الضلال أيضًا في 2تم، ولكن بشكل ملتبس بعض الشيء، لأن تكديس الرذائل المنسوبة إلى الآتين في الأزمنة النهائيّة (2تم 3: 1- 9) قد تضمّ جميع الناس تقريبًا. فلائحة الرذائل في 3: 2- 5 قريبة من روم 1: 29- 31 (وأقرب ممّا في 1تم 1: 9- 10). وما يُذمّ به بعض النساء في 3: 6- 7، صار كلامًا معمّمًا. فاللغة هي لغة نهاية الأزمنة وما فيها من كشف لسرّ الله. فإن كانت تي و1تم دُوّنتا بعد 2تم، فهذا يعني أنهما تأثّرتا بهذه القطعة من 2تم (3: 1- 9)، فكيّفتا الوصف على خطر واجهته الجماعات حقًا (نشير إلى تخصيص آخر. في 2: 12، تيموتاوس هو شاب: في 1تم 4: 12 يُدعى تيموتاوس إلى مواجهة زمن الشباب). ونقلُ التقليد الخلاّق من الجيل الرسوليّ إلى الجيل اللاحق من المعلّمين، نقرأ عنه في 1: 13-14 (الأقوال الصحيحة التي سمعتها مني.... الوديعة الصالحة) و2: 1- 2 (سلّم ما سمعته مني وديعة إلى أناس أمناء). هذا ما يمكن أن يشجّع الجيل الثالث والجيل الرابع من التلاميذ البولسيّين لكي يواصلوا تقليد المعلّم، فيكونوا "أناسًا أمناء"، ويكونوا جديرين "بأن يعلّموا غيرهم".
إن خاتمة جسم الرسالة (4: 9- 18) مع توصيات تُرسل إلى تيموتاوس، وأخبار عن وضع بولس، تقودنا إلى السلامات والعبارة الأخيرة (4: 19- 22). ما قيمة هذه التذكّرات بالنظر إلى سجن بولس الأول أو سجنه الثاني؟ أم تُرى عاد الكاتب إلى ما وجده في الرسائل البولسيّة وفي سفر الأعمال، فأعطانا ما أعطانا من أسماء. ديماس الذي ترك الرسول ومضى إلى تسالونيكي، كان مع بولس حين كتب فلم 24 (في أفسس، حوالي سنة 55) وكو 4: 14 (أين؟ وهل كو هي حقًا بولسيّة). قيل أن كريسنس مضى إلى غلاطية (تركيا حول أنقره)، أو غالية (= فرنسا). إذا كانت "غالية" هي القراءة الصحيحة، فهذا يعني أن رسالة بولس امتدّت إلى أوروبا الغربيّة. تيطس مضى إلى دلماطية. ولكن هل مضى قبل الحقبة الكريتيّة المذكور في تي 1: 25 أو بعدها؟ اسكندر النحّاس أساء كثيرًا إلى بولس. وخلال فتنة أفسس سنة 56 (أع 19: 33)، قدّم اليهود شخصًا منهم اسمه اسكندر أيضًا، لكي يدلّوا على أن لا علاقة للجماعة اليهوديّة مع هذا الذي جاء يضع البلبلة في المدينة. في 1تم 1: 20، يُذكر اسكندر وقد سُلّم إلى الشيطان. فإن كان هو المذكور في 1تم، فهذا يعني أن ما قيل في 2تم 4: 14- 15 يرتبط بوضع سابق لما في 1تم. حين دُوّنت روم (16: 3)، سنة 58، كانت برسكة وأكيلا في رومة. وها هما قد عادا الآن إلى آسية الصغرى (عاصمتها أفسس) مع تيموتاوس. أما بوديس (بودنس) ولينس وكلودية، فلا نقرأ عنهما شيئًا في أعمال الرسل ولا في سائر الرسائل البولسيّة. هي أمور عديدة تبقى بلا جواب. ونشير إلى علاقة 2تم مع أعمال بولس وتقلا.
2- متى دوّنت هذه الرسالة
تبدو 2تم وكأنها آخر الرسائل الرعائيّة، في الزمن. فقد كتب فيها بولس: "أتممتُ شوطي" (4: 7). هذا يعني أنها تسبق موته بوقت قليل. وهذا يجعلنا في سجن ثان قاساه بولس، بعد السجن الأول الذي يتحدّث عنه سفر الأعمال. أوقف خلال اضطهاد نيرون (64- 68)، فمات شهيدًا في تلك الفترة، ربما سنة 67 كما يقول أوسابيوس القيصري في التاريخ الكنسيّ (2/25: 5). وهكذا تكون 2تم دوّنت في ذلك الوقت. ماذا نجد في نصّ الرسالة؟
تبدو 2تم وكأنها دُوّنت في رومة (1: 17) خلال سجن قاس جدًا، اعتبر بولس كمجرم (2: 9). هذا السجن بدا له مذلاً جدًا، فطلب مرّتين من تيموتاوس أن لا يخجل منه (1: 8، 12)، بل أن يقتدي بأونسيفورس، الذي لم يخجل من قيود الرسول (1: 16)، بل ذهب يطلب بولس باهتمام وغيرة (1: 16). وفي النهاية وجده في سجنه.
وعى الرسول كل الوعي أن دعواه خاسرة، وأن زمن رحيله صار قريبًا. لهذا، قدّم نفسه ذبيحة، قبل أن يراق دمه على طريق اوستية (4: 6). في هذه الحالة، أحسّ بالعزلة: هو وحده وحده، بعد أن تركه ديماس "حبًا بالعالم الحاضر"، ومضى كريسنس إلى غلاطية، وتيطس إلى دلماطية (4: 16). حين أراد أن يدافع عن نفسه، تركه الجميع، وما أعانه أحد (4: 16). ولكن بقي لوقا وحده بقربه (4: 11). لهذا، توسّل إلى تيموتاوس لكي يأتي إليه عاجلاً (4: 9)، وقبل الشتاء (4: 21). فإن تأخّر إلى ما بعد الإبحار (أي بعد 10 آذار)، لن يجد معلّمه على قيد الحياة.
ذاك موقف الذين يرون أن ما قيل في 2تم وتي و1تم، لا يمكن أن يتوافق مع ما نقرأ في سفر الأعمال. لهذا يتحدّثون عن رسالة لبولس مع تيطس في كريت، وعودة إلى أفسس (حيث ترك تيموتاوس في موقع المسؤوليّة) وانطلاقة إلى مكدونية. والموقف الآخر يعتبر أن ما في 2تم يتوافق مع في سفر الأعمال. بعد سنتين من السجن في رومة (أع 28: 30- 31)، ظلّ بولس سجينًا حتى سنة 64. في ذلك الوقت دوّنت 2تم خلال سجن قاساه بولس وعرف أن ساعة الرحيل دقّت.
في النهاية، ماذا نستطيع أن نقول عن زمن تدوين 2تم؟ هناك إمكانيات أربع:
1- إن بولس دوّن حقًا الرسائل الرعائيّة الثلاث، كما ترتّبت في العهد الجديد: 1تم، 2تم، تي، خلال مرحلة ثانية امتدّت من سنة 65 إلى سنة 67، مع سجن ثان في رومة.
2- دوّن بولس 2تم حوالي سنة 64، وخلال سجن روماني واحد، امتدّ فقاده إلى الموت. أما تي و2تم فجاءتا فيما بعد. دوّنهما أحد تلاميذ بولس، في نهاية القرن الأول تقريبًا، منطلقًا من مواد 2تم. لهذا، اختُرع "سجن ثان".
3- لم يكتب بولس أية رسالة من الرسائل الرعائيّة، بل تلاميذه. ولكن 2تم دوّنت حالاً بعد موته كوصيّة أخيرة بيد شخص عرف بولس قرب ساعة موته. وهكذا جاءت التفاصيل السيرويّة تاريخيّة، وإن دُوّنت بشكل دراماتيكيّ. أما تي و1تم، فدُوّنتا في نهاية القرن الأول. من أجل هذا، كان حديث عن مرحلة رسوليّة ثانية سُجن فيها بولس بعد أن أخلي سبيله.
4- لم يكتب بولس أية رسالة من الرسائل الرعائيّة، بل كتبها تلاميذه، فجاءت كما يلي: تي، 1تم، 2تم. وذلك في نهاية القرن الأول. وكانت مرحلة رسوليّة ثانية لبولس مع سجن ثان، بحيث تكون له الكلمة الأخيرة حول مسائل بلبلت، في ذلك الوقت، تلك المناطق التي سبق له وبشّرها.
يبدو أن معظم الشرّاح يأخذون بالامكانيّة الرابعة. أي دوّنت الرسائل الرعائيّة في إطار المدرسة البولسيّة، في نهاية القرن الأول المسيحيّ. وهذا يعني بعد موت الرسول بثلاثين سنة على الأقلّ. في هذا الاطار، هناك من جعل جزءًا من 2تم مدوّنًا في أيام الرسول، أو منقولاً نقلاً شفهيًا، لأنه لا يُعقل أن توجد تفاصيل مثل تلك التي تتحدّث عن رداء نسيه بولس في ترواس، دون أن ترتبط بحياة بولس. ويميل بعضهم إلى اعتبار 2تم رسالة بولسيّة، كانت في الحقيقة وصيّة بولس قبل موته، مع لمسات أخيرة جعلتها تعاصر الواقع الذي تعيشه كنائس آسية في نهاية القرن الأول.
ومهما كان النقاش حول صاحب 2تم وزمان تدوينها، يبقى أننا حين نقرأ هذه الرسالة، نجد فيها نداء ملحًا ومؤثرًا يطلقه أعظم رسل المسيح، لكي يتواصل عمله بعد موته، بواسطة أجيال من التلاميذ. لقد بذل بولس حياته لله، في المسيح، وقد عرف، وسط الآلام، أن الله يحفظ هذه الوديعة التي سُلّمت إليه (1: 12). هو مقيّد بسلاسل الآن. أما الانجيل الذي أعلنه فليس بمقيّد (2: 9). هو حرّ. ويتمنّى بولس أن ينادي به التلاميذ بجرأة، نابذين كل خوف وتردّد.

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM