الفصل التاسع: خليقة الله الصالحة

الفصل التاسع
خليقة الله الصالحة
4: 1- 7
يبدأ هذا القسم الأخير في الرسالة، شأنه شأن الأول، بتحذير من معلّمي الضلال، وكيف نستطيع أن نعرفهم. تشكّل هذه التنبيهات انتقالة بين العرض الايماني (3: 14- 16) والنصائح حول الطريقة التي بها نحارب الضلال (4: 6- 10) وندبّر الكنيسة.
الروح القدس نفسه أعلن ظهور المعلّمين الكذبة (آ 1- 5). فكما أن الرب حين بنى كنيسته على الصخرة، أشار إلى أبواب الجحيم، كذلك أشار بولس إلى عمل الشيطان الذي يُلهم المضلّين في الكنيسة ويدفع المسيحيّين إلى الجحود، ساعة ذكرَ ايمان بيت الله بالمسيح الممجَّد. هي ضلالات حول الزواج، حول الأطعمة، تقود إلى كوارث روحيّة. هذا يعني أن الحقيقة التي تحفظها الكنيسة ترتبط بالعقيدة كما ترتبط بالأخلاق. هذا ما يجب على تيموتاوس أن يعرضه على المؤمنين. فيبيّن لهم أن كل ما خلقه الله صالح، إن تناوله المؤمن بالشكر.

1- عيش في التقوى
ما يميّز ألفاظ الرسائل الرعائيّة، هو الأهميّة المعطاة لكلمات ترتبط بالجذر "أوسب" الذي يدلّ على الورع والتقوى. فالموصوف "أوسابايا" يرد عشر مرّات في هذه الرسائل، وخمس مرّات فقط في سائر العهد الجديد (لا يرد مرّة واحدة في رسائل بولس الكبرى). والفعل "اوساباين" يرد مرّة واحدة من مرّتين في العهد الجديد. والظرف "أوسابوس" (بالتقوى) يرد مرّتين في الرسائل الرعائيّة، ولا يرد أبدًا في سائر نصوص العهد الجديد. كل هذا الاستعمال (13 مرّة) يتيح لنا القول إن الحثّ على "التقوى" ميزة خاصّة بروحانيّة الرسائل الرعائيّة.
قد ندهش حين نرى هذا الاهتمام بالتقوى، لأن الجذر "أوسب" لا يرد إلاّ نادرًا في السبعينيّة. نذكر هنا أش 11: 2. ذكر النصّ العبري ست مواهب للروح القدس. فأضاف النصّ اليونانيّ موهبة سابعة: التقوى (اوسابايا). وهذا ما برّر التوسّعات اللاهوتيّة حول مواهب الروح القدس السبع. يبدو أن المترجم اليوناني أراد أن يوضح مفهوم مخافة الله. فتحدّث عن التقوى والورع.
تظهر التقوى عبر ممارسة الطقوس في العالم اليونانيّ. أما في 1تم، 2تم، تي، فتظهر في الحياة اليوميّة، داخل العائلة، أو في المدينة. وهدف الصلاة من أجل السلطات المدنيّة هو أن تستطيع الجماعاتُ "أن تقضي حياة مطمئنّة هادئة في كل تقوى ووقار" (2: 2).
إن لفظة "سامنوتيس" خاصّة بالرسائل الرعائيّة، شأنها شأن التقوى. يرد الموصوف ثلاث مرّات، والصفة ثلاث مرّات أيضًا. ولا يرد أبدًا في سائر أسفار العهد الجديدة. نحسّ هنا بتأثير التيّار الهلينيّ حيث "سامنوس" تصف الاله وكل ما يتعلّق به. وحين تطبّق على الناس والأشياء، تشير إلى ما هو عظيم، رائع، مهيب، يحرّك الاحترام والمخافة والوقار. كان بولس قد دعا أهل فيلبيّ أن يطلبوا "كل ما هو حقّ ونبيل (سامنا) وعادل وطاهر ولطيف ومكرّم، وكل ما هو فضيلة، وكل ما يمتدح" (فل 4: 8). ذاك هو البرنامج الذي تتوسّع فيه 1تم، 2تم، تي.
وتترافق التقوى مع مجموعة من المزايا. مثلاً، نقرأ في 6: 11- 12: "اقتف البرّ والتقوى والايمان والمحبّة والثبات والوداعة. جاهد جهاد الايمان الحسن". هذا ما قاله بولس لتيموتاوس. فالايمان (بستيس) الذي نجده بين التقوى والمحبّة، لا يدلّ على فضيلة إلهيّة، بل على الأمانة في العلاقة مع القريب. وفي عالم حرّ من الخصومات والشتائم (رج 6: 4- 5؛ الحسد، الخصام، التجاديف)، جاء الارشاد حول الوداعة في محلّه. في هذا قالت غل 5: 26: "فلا نكن ذوي عُجب. ولا نتحدَّ بعضُنا بعضًا. ولا نحسد بعضنا بعضًا". وقالت فل 2: 3- 4: "لا تعملوا شيئًا عن منازعة أو عجب، بل فليحسب بتواضع كل واحد منكم، أن الآخرين خير منه. ولا ينظر كل واحد إلى ما هو لنفسه، بل بالحري إلى ما هو لغيره".
وحياة التقوى هذه ترافقها حياة من النسك والتجرّد. هل وُجد في هذه الجماعات مراؤون ارتدوا رداء التقوى، ليجمعوا المال من مؤمنين سذَّج (6: 5)؟ المهمّ أن الجواب أتى واضحًا: "التقوى تجارة عظيمة، شرط أن تقترن بالقناعة" (6: 6). ففي نظرة قريبة من العالم الرواقيّ، وشبيهة بما في فل 4: 11- 12 (تعلّمت أن أكون قنوعًا... أعيش في العوز، وأعيش في السعة... روّضتُ نفسي على جميع الأحوال)، يدعو الكاتب قرّاءه إلى البساطة والزهد: "لم ندخل العالم بشيء، ولن نستطيع أن نخرج منه بشيء. لذلك، إذا كان لنا القوت والكسوة فلنقتنع بهما" (6: 7- 8).
والتقوى الحقيقيّة تتجذّر في حياة الايمان، في إيمان حقيقيّ، لا في تعاليم ضالّة (6: 3؛ تي 1: 1). لهذا نستطيع أن نتكلّم عن "سرّ التقوى" (3: 16) الذي يجب على الكنيسة أن تُعلنه للعالم، أو عن "سرّ الايمان" (3: 9) الذي نحافظ عليه بضمير طاهر. وهكذا نتجاوز خلقيّة أعمال خارجيّة فنطلب النوايا الطاهرة التي تصل بنا إلى إيمان لا رئاء فيه (1: 5). وإلاّ انكسرت سفينتنا وتاهت، وضاع إيماننا (1: 19).

2- دراسة النصّ
ونبدأ بالنقد النصوصيّ. في آ 1، قرأت المخطوطات الجرّارة والشعبيّة "بلانيس" بدل "بلانويس" (مضلّلة) بتأثير من 1يو 4: 6. في آ 2، نقرأ "كاكاوتيرياسمانون" (في السينائي والاسكندراني)، لا "كاكاتيرياسمانون" (الافرامي وغيره). في آ 6، نقرأ "هي" بدل "هيس" كما في الاسكندراني. ونقرأ صيغة الكامل، لا صيغة الاحتمال (باراكولوتيساس، الافرامي).
أ- يقول الروح (4: 1- 2)
ما زال روح النبوءة (1كور 12: 10) يتدخّل في حياة الكنيسة من أجل المنفعة العامّة (1كور 12: 7) للمؤمنين في نهاية الأزمنة. قد يكون حصل تدخّله خلال اجتماع ليتورجيّ (أع 11: 27- 28؛ 13: 2)، أو بشكل مباشر مع الرسل، ومنهم بولس (أع 20: 22- 23، 29- 30). يبقى وجودُ الوسطاء أمرًا ثانويًا. المهمّ هم الالهام الالهيّ وما قيل (ريتوس) ومدلول ما قيل.
لا يُقال شيء بوضوح كما يُقال في العهد الجديد حول الأزمنة الأخيرة، أو الأزمنة الآتية، التي تلي آلام يسوع وقيامته (1كور 7: 26). هي الحقبة التي تفصل المجيء الأول عن المجيء الثاني. استعمل الكاتب "كايروس" (الوقت المناسب) ليدلّ على الصفة الدينيّة للزمن كله: سيتطوّر العالم من سيِّئ إلى أسوأ، حتى الكارثة الأخيرة: يكثر المضلّون، وينجح تعليمهم لدى المؤمنين. هذا ما قاله يسوع حين حذّر تلاميذه من الأنبياء الكذبة (مت 7: 15؛ 24: 11؛ مر 13: 5- 6، 22). وقال بولس الشيء عينه لشيوخ أفسس حين اجتمع بهم في ميليتس (أع 20: 29)، ولأهل تسالونيكي (2تس 2: 3- 4). وقال يوحنا في 1يو 2: 18: "ها هي الساعة الأخيرة. سمعتم أن مسيحًا دجّالاً (انتيكرست، مناوئ للمسيح) سيأتي، وها مسحاء دجّالون كثيرون. فمن هذا نعرف أن هذه هي الساعة الأخيرة".
نقرأ فعل "أفيستيمي"، ابتعد. سقط، بدّل موقفه (لو 8: 13؛ عب 3: 12). مدلول الفعل دينيّ هو في التوراة: ثورة وخيانة للربّ (يش 22: 22). خروج من العهد وابتعاد عن شعائر العبادة (1مك 1: 15؛ 2: 19). وهنا، ابتعاد عن الايمان وعيشه بملء إرادتنا.
هذا الضلال يعود إلى إبليس (يع 3: 15)، لأن كل كذب وخيانة يُنسبان إليه (2كور 4: 4؛ 11: 13- 15). هناك مسيحيون تعلّقوا (بروساخاين) بأشخاص مغامرين: متهوّرين (بلانوس)، لا يريدون الحقّ ولا يعرفون الصدق. أما الاسم "بلاني" فيشير إلى ضلال خارج طريق الحقّ (1تس 2: 3؛ 2تس 2: 11). إلى الكذب، إلى حياة شرّيرة (2بط 2: 18؛ 3: 17).
ولكن كيف يكون المسيحيّ فريسة مثل هذا الكذب (آ 2)؟ لا يكفي أن يغويه إبليس. فهناك "ظاهر التقوى" (3: 5) الذي لا نعرف أن نميّزه. هو يلبس قناعًا (هيبوكريسيس، 1بط 2: 1). يُخفي هويّته الحقيقيّة (مت 7: 15)، ويمزج في تعليمه الحقّ والكذب (يع 3: 17). هذا يعني أن المسيحيّ خسر كل حسّ أدبيّ. صار ضميرُه محجّرًا، فما عاد يسمع صوت الله. مثل هؤلاء الكذّابين اكتوت ضمائرهم فماتت. فما عاد ينفعهم النصحُ والإرشاد.
ب- يمنعون ويمنعون (4: 3- 5)
هؤلاء المعلّمون الكذبة يمنعون عن الزواج، يمنعون عن الأطعمة، وينسون أن الله حين خلق الكون رأى أنه حسن جدًا. إنطلاقًا من هذين المنعين اللذين لا شيء يبرّرهما، نجد نفوسنا في فلسفة ثنائيّة، تقابل بين الروح والمادة، بين الجسد والنفس، وتحتقر ما هو بشريّ. يمكن أن يرتبط هذا الموقفُ بغنوصيّة سابقة للغنوصيّة، أو بجماعة قمران التي ابتعدت عن الزواج وبعض الأطعمة. بل نحن في هذا العالم الشرقيّ الذي يمتدّ حتى الهند، فيقدّم الممنوعات المختلفة. أما المسيحيّ الحقيقيّ، فكل ما خلقه الله حسن. وهو يأخذه بالشكر.
كان بولس قاسيًا ضد هؤلاء الذين ينسبون إلى الزواج أو بعض الأطعمة، فكرة شريرة: مثلُ هذه النظرة المتشائمة إلى الخليقة ترتبط بإبليس. فذكّر أن الأطعمة (بروماتا) خلقها الله لكي نأكلها بفرح (أع 2: 46)، فنشعر أننا نشارك في عطيّة إلهيّة. ولهذا نرفع الشكر إلى ربّ الحياة، الذي يحفظنا في الحياة، ويعطينا فيض خيراته. في هذا المعنى نقرأ سي 39: ،25 27: "من البدء خلق (= الله) الخير للصالحين، وللخاطئين خلق الشرور... كل هذه خيرات للأتقياء، وتستحيل شرورًا للخاطئين".
بما أن كل ما على الأرض هو خليقة الله، إذن كل شيء حسن، صالح (آ 4). رج تك 1: ،4 31. وهذا ينطبق على الزواج كما على الأطعمة. هنا نتذكّر كلام الرب في مر 7: 19: »جعل يسوع الأطعمة كلها طاهرة«. ما من شيء يجب رفضه. عبارة سلبية، وقد تكون قولاً مأثورًا. »أبوبليتوس«، لا شيء يُستبعد، لا شيء يُحتقر. نلاحظ التشديد على الشكر، على عرفان الجميل. هناك شكر على حسنات الله (كو 3: 17؛ أف 5: 20). وهناك مباركة المائدة (أع 27: 35؛ 1كور 10: 30- 31). وكل هذا على مثال المعلّم الذي "رفع عينيه إلى السماء، وبارك وكسر الأرغفة، وناول تلاميذه ليوزّعوها على الناس" (مر 6: 41؛ رج 8: 6- 7؛ 14: 22؛ لو 24: 30).
وتأتي "غار" لأن (آ 5)، فتفسّر فاعليّة المديح والشكر. يتحوّل الاستعمال الدنيويّ إلى عمل دينيّ: حين نأخذ طعامًا بالشكر، يصبح مقدّسًا، مكرّسًا (هاغيازاين). رج 2تم 2: 21؛ يو 10: 36؛ 17: 19. بما أن كل شيء يأتي من الله، فهو يعود إليه (مز 24: 1؛ 1كور 10: 26). إذن، يتقدّس الطعام حين نكرّسه لخدمة الله. »كلمة الله والصلاة«. هي صلاة تتردّد فيها كلمة الله، كلمة المباركة.

ج- الايمان والتعليم (4: 6- 7)
بما أن الكنيسة هي "عائلة الله" (3: 15)، فأعضاؤها "إخوة" (5: 1؛ 6: 2؛ 2تم 4: 21). فيجب أن يُنبَّهوا إلى تعليمات الروح القدس حول ما يحدث في نهاية الأزمنة: المعرفة السابقة تمنع الشكوك التي يمكن أن تجعل الضعفاء يعثرون ويسقطون: هذا مبدأ رعائيّ (يو 16: 1، 4، 5، 33) وتربويّ. "هيبوتيتيمي"، عرض نصيحة. قدّم فرضيّة ليفحصها الانسان ويستخرج نتائجها. وحين يفعل تيموتاوس هذا، يكون خادمًا كاملاً ليسوع المسيح (يخصّ المسيح) في عمل الرسالة أو الرعاية (1: 12؛ 1كور 3: 5؛ 2كور 11: 23). يقوم بوظيفته خير قيام (يحفظ سر الايمان، يعرضه، 3: 9).
هذا يعني أن تيموتاوس يتغذّى دومًا بتعليم الوحي (إنترافومانوس، اسم الفاعل، يدلّ على التواصل، مغذّي. الله يغذّيه). بما أن التعليم طعام (1كور 22)، يجب أن يُهضم كما يُهضم الطعام. وهكذا يتكيّف التعليم حسب وضع السامعين. قال الذهبيّ الفمّ: "بما أننا نوزّع كل يوم هذا الطعام، فعلينا أيضًا كل يوم أن نغتذي نحن أيضًا من دروس الايمان، ونغتذي على الدوام. أجل، نغتذي منها، نجترّها، نعود دومًا إلى ذات التعاليم، نتأمّل فيها بلا انقطاع. فهي ليست بطعام عاديّ".
هذا الطعام يعطي الصحّة والقوّة (آ 7- 8): إن حقائق الايمان الوحيدة، التي تشكّل تعليم الكنيسة، عمود الحقّ (1: 10؛ 6: 3)، تقدر وحدها أن تجهّز رجل الله (2تم 3: 15) من أجل الجهاد. في أزمة على مستوى العقل، وفي موضع تكثر فيه المجادلات، عاد بولس إلى تعليم تتبّعه تيموتاوس (مر 16: 17). هكذا يرتبط التلميذ بالمثال الذي أمامه (2تم 3: 10). نحن هنا أمام مديح يبرّر ثقة بولس، ويهيّئ الارشادات اللاحقة. ويرتبط الفهمُ بالممارسة المتواترة: تغذّى تيموتاوس بالكتب المقدّسة منذ نعومة أظفاره (2تم 3: 5)، فكان دومًا أمينًا لتعليم الكنيسة كما نقله الرسول، وثابر عليه اليوم، وفهمه وهضمه، فاستطاع أن يقدّمه للمؤمنين. بما أن عليه أن يعظ، وجب عليه أن يتعلّم، يعمّق عقيدته. يستنير لكي يكون نورًا، يشتعل ليعطي الدفء للذين حوله. فمن أهمل التعلّم خطئ تجاه الرسالة الموكولة إليه.
أمام كرازة لا تعرض إلاّ الايمان وتعليم الكنيسة في كماله ونقاوته (آ 7)، يجب أن نرفض ما هو مبتذل، وما هو خاطئ: لا مساومة، ولا تنازل، بل لا حوار مع الهرطقة. لا نستقبل (بارايتاستاي)، نرفض الدعوة (عب 12: 19، 25). نترك الخرافات الدنيويّة (بابيلوس، 2نتم 4: 4) أي التي تعارض ما هو مقدّس. تعارض التقوى، وتُدخل عناصر لا علاقة لها الدين.
"روّض نفسك بالتقوى". هذه هي الرياضة الحقّة في حلبة الجهاد. هي قوّة النفس تجاه قوّة الجسد، وذلك بالصلاة والتجرّد وممارسة الرحمة ودراسة الكتب المقدّسة.

3- قراءة إجماليّة
لا تقوم مهمّة تيموتاوس الرعائيّة فقط بالسهر على شعائر العبادة، وتنظيم الاساقفة والشمامسة والشماسات، بل هو مسؤول أيضًا عن الحياة المسيحيّة لدى المؤمنين. إذن، عليه أن يحذّر مسيحيّي أفسس من نسك كاذب لا يأخذ بعين الاعتبار الظرف الملموس لكل انسان. في 1: 3، أشار الكاتب إلى التعاليم الباطلة. وها هو يعود الآن ليتحدّث عن كثرة المعلّمين الضالّين والمضلّين. لا يتبلبل المؤمنون من هذا الوضع، لأنه جزء من مخطّط الله. ثم إن إبليس هو وراء هذه التعاليم. من أجل هذا نقول في الصلاة الربيّة: نجّنا من الشرير.
كما أن الشيطان تزيّا بزيّ ملاك النور (2كور 11: 14)، هكذا يلجأ تابعوه إلى الغواية والمكر والكذب. يأتون إلى المؤمنين بثياب الحملان وهم في الواقع ذئاب خاطفة (مت 7: 15). قال بولس لشيوخ أفسس: "أنا أعرف أن الذئاب الخاطفة ستدخل بينكم" (أع 20: 29). هم تلاميذ معلّمهم، الكاذب وأبي الكذب، والقاتل منذ البدء (يو 8: 44). هو أسد يستعدّ للوثوب طالبًا فريسة ينقضّ عليهما (1بط 5: 8). ومهما تظاهروا، فقد طُبعت فيهم علامةُ سيّدهم، كما يُطبع الخروف بالحديد المحمّى فيدلّ على أنه يخصّ صاحبه. أما تلميذ المسيح فيحمل آثار جراح مخلّصه (غل 6: 17). أما المختارون فقد خُتموا بختم الاله الحيّ (رؤ 7: 2؛ 9: 4). ولكن أصحاب إبليس ختموا بختم الوحش (رؤ 13: 16- 17) الذين يسجنهم في شباكه، ويستعبدهم لمشيئته (2تم 2: 26).
وخبثُ المعلّمين الكذبة يظهر في شكل خاص حين يعرضون على المؤمنين مثال حياة يبدو متطلّبًا في الخارج: تنكّرٌ للزواج. امتناع عن بعض الأطعمة. تحدّث بولس عن البتوليّة، ولكنه شدّد أيضًا على الزواج والعائلة (1كور 7). وعلى مستوى الأطعمة، قال بولس: "أنا أعرف، أنا متأكّد في الرب يسوع، بأن ما من شيء نجس في ذاته" (روم 14: 14). وقال في آ 17: "ليس ملكوت الله أكلاً وشربًا". وقال في تي 1: 15: "كل شيء نقيّ للأنقياء". ونقرأ هنا: "كل ما خلقه الله صالح". هنا نتذكّر ما قاله الرب لبطرس في رؤية: "ما طهّره الله، لا تعتبره أنت نجسًا" (أع 10: 15).
سيكون سلوك تيموتاوس الشخصيّ عنصرًا هامًا في صراعه مع المعلّمين الكذبة. لهذا جاءت النصائح إيجابيّة في آ 6- 16، ما عدا آ 7 حيث قيل لتيموتاوس بأن يتجنّب الخرافات الباطلة وحكايات العجائز. أولاً، على تيموتاوس أن يعرض على إخوته ما تعلّمه من بولس. وأن يقنعهم. قد يأتي وقت يعطي فيه أوامر، ولكن يجب أن يجتذب إليه الناس بلطفه. هو »رئيس« إذا شئنا. ولكن يجب أن لا ينسى أن المسيحيين الذين يرئسهم هم إخوته. فإن سار بحسب توصيات الرسول، كان خادمًا صالحًا ليسوع المسيح. وكيف يكون الخادم الصالح؟ يرذل الخرافات وحكايات العجائز. هذا على المستوى السلبيّ. وعلى المستوى الايجابي، يغتذي من كلمات الايمان والتعليم الصحيح. ويتوّج عمله الرسولي بالتقوى التي هي امتداد لمخافة الله.

خاتمة
وجهان في هذا الفصل من القسم الرابع في 1تم: وجه سلبيّ ووجه ايجابيّ. على مستوى الزواج، رفضه المعلّمون الهراطقة. على مستوى الأطعمة، امتنعوا عن بعضها ليدلّوا على روح الإماتة والتجرّد. في الواقع، تعليمهم خاطئ وهو يتعارض مع الانجيل والتقليد الصحيح. ذاك هو الوجه السلبيّ. أما الوجه الايجابي، فهو أن الله خلق كل شيء. وبالتالي خلقه حسنًا. فلماذا نعتبره شرًا. فلماذا لا نقتبل عطايا الله بالشكر ونقدّسها بالصلاة. وتجاه المعلّمين، يتّخذ تيموتاوس موقفًا سلبيًا: لا يستقبلهم، بل لا يحاورهم. فلا مساومة معهم. أما الموقف الايجابيّ فهو تغذية بالكتب المقدّسة، وترويض النفس بالتقوى. هكذا يكون تيموتاوس خادمًا صالحًا للمسيح. يغتذي فيغذّي إخوته، ولا يكتفي باللبن (= الحليب)، بل يقدّم لهم الطعام القويّ، لكي يستطيعوا أن يقاوموا تعليم المضلّين، فلا يقعوا في حبائل إبليس لهلاك نفوسهم.

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM