الفصل العاشر: مثال المؤمنين

الفصل العاشر
مثال المؤمنين
4: 8- 16
بعد أن حدّد بولس المهمّة الرسميّة التي يجب أن يقوم بها تيموتاوس، أعطى تلميذه تعليمات شخصيّة ترتبط بعمله الراعوي. هكذا يكون مثالاً للمؤمنين. مثل هذه التعليمات تعطي نعمة "الرسامة" كل ثمارها (آ 14). غير أنها تطلب من رئيس الجماعة مجهودًا أخلاقيًا جديًا. على الرسول أن يكون نورًا في الكنيسة بتعليمه وبحياته. إذن، يتعلّم بلا انقطاع وينمو في الفضائل، لكي يكون جديرًا بالتعليم والبناء. بفضل هذه الحياة والأمانة للمهمّة الرسوليّة، يستطيع الراعي أن يخلّص نفسه (آ 16)، ويقود إلى الخلاص نفوسًا كان لها مثالاً.

1- نعمة الله
في الرسائل الرعائيّة، تبدو الحياة المسيحيّة جوابًا على تجلّي نعمة الله، وانتظارًا هادئًا ومطمئنًا لعودة المسيح. في هذا المجال نقرأ تي 2: 11- 13: "نعمة الله، ينبوع الخلاص لجميع البشر، ظهرت لتعلّمنا أن نمتنع عن الكفر وشهوات هذه الدنيا لنعيش بتعقّل (سوفرونوس) وصلاح (ديكايوس، برّ) وتقوى (اوسابوس) في العالم الحاضر، منتظرين اليوم المبارك الذي نرجوه، يوم ظهور مجد إلهنا العظيم ومخلّصنا يسوع المسيح".
حين تحدّث الرسول عن عمل الله على أنه "تربية" (بايداواين)، استلهم ما في الحكمة اليهوديّة والحكمة اليونانيّة. استُعملت صيغة الظرف ثلاث مرّات: بتعقّل، بصلاح. بتقوى. فدلّت على حياة المسيحيّ. "سوفرونوس" تشير إلى المثال اليوناني في النظام والاعتدال. "ديكايوس"، هي حياة حسب البرّ: إن توق البشر الأساسي لاحترام الحق وممارسة الواجب، يغتني بنفحة دينيّة نجدها في البيبليا، لأن البرّ يجعلنا في علاقة مع إله العهد. "اوسابوس" هي حياة حسب التقوى، هي تجاوب مع حنان الرب ولطفه ومحبّته للبشر (تي 3: 4).
هذا المثال اليونانيّ الذي ألهم حك 11: 20 (اخترتَ أن تقيس كل شيء، أن تعدّه وتزنه، أيها الربّ)، نجده هنا في كماله. غير أن اختلافًا أساسيًا يبقى ظاهرًا: عبادة الارادة كانت في قلب الفلسفة الرواقية، التي هي أقرب ما يكون إلى المثال المسيحيّ. ولكن هذه الارادة صارت صنمًا نعبده ونتعلّق به وننسى أن الانسان ضعيف وخاطئ، وأنه يحتاج إلى خلاص يأتيه من الخارج، من الله. لهذا، قالت الرسائل الرعائيّة إن الانسان لا يستطيع بنفسه أن يبلغ الكمال. قال بولس إنه كان في بداية حياته "مجدِّفًا، مضطهدًا، عنيفًا" (1: 13). لم يكن أفضل من الذين حوله، الذين كانوا عبيدًا للشهوات ولجميع الملّذات (تي 3: 3). لقد دلّت خبرتُه الخاصّة أن الحياة الحقّة لا يمكن أن تكون سوى جواب على تدخّل حاسم من الله في حياتنا، بعد أن تجلّت نعمته في يسوع المسيح.
وهكذا نستطيع القول إن الرسائل الرعائيّة تهتمّ "بالرعاة" في الكنيسة. ولكنّها أيضًا ترسم لجميع المؤمنين الطريق الحقّة للحياة المسيحيّة. فتكيّفها حسب حضارة الزمن ومتطلّبات الحياة الاجتماعيّة. هي تكيّفها ولكنها لا تنتقدها بروح النبوءة. فكأني بها ترضى بالوضع الذي تعيشه الكنيسة في جوّ من القبول "والمساومة". كم هي بعيدة عن سفر الرؤيا الذي رفض الامبراطوريّة الرومانيّة العابدة لنفسها والمعتبرة أنها تحمل الخلاص إلى البشريّة. لهذا، حكم يوحنا على هذا العالم الذي يتمرّد على الله. ذاك هو صوت في الكنيسة، يهزّ القلوب والضمائر. أما الرسائل الرعائيّة فأشارت إلى لطف الله وحنانه تجاه جميع البشر: يريد أن يخلّصهم بوسيط وحيد هو يسوع المسيح الذي صار انسانًا بين البشر، فشابهنا في كل شيء ما عدا الخطيئة.

2- دراسة النصّ
ماذا نجد في النصّ من اختلافات؟ في آ 10، جُعلت "كاي" (واو العطف) بعد "غار" (الفاء). وجعل السينائي والسريانيّة والقبطيّة والذهبيّ الفمّ "اونايديزوماتا" بدل "أغونيزوماتا" (كافح). أضيف في آ 2، "في الروح" (إن بنفماتي) بعد "في المحبّة" (إن أغابي)، فصارت: في المحبّة، في الروح، في الايمان، في العفاف. في آ 15، جُعل حرف الجر (إن) أمام "باسين" (الجميع).

أ- الرياضة والتقوى (4: 8)
إن الارشاد حول "الرياضة الروحيّة"، يرتبط بما يقال عن الرياضة البدنيّة. لا عقل سليمًا بدون جسم تمرّس على الرياضة. ويُنظر إلى الرياضة من جهة فائدتها.
»سوماتيكي غمناسيا« (مراحدة في البيبليا): رياضة بدنيّة، جسديّة. هي مفيدة لأنها تحمل إلينا الخير، بل هي تحمل بعض الخير، وتنفع بعض النفع. هذا في نظر الايمان (أوليغون، قليل). رج 2كور 8: 15. نفع موقت (يع 4: 14). ثم إن هتاف الناس والاكاليل، كل هذا لا يجعلنا بمنأى عن الموت.
أما ممارسة حياة دينيّة حقّة، فهي نافعة في كل الوجوه، في كل المجالات (روم 8: 28؛ 2بط 1: 3، 7- 8). لهذا، نهتمّ لها. قال العالم اليونانيّ: "لا يخسر الأبرار أبدًا جزاء تقواهم". فالتقوى تُدخلنا إلى مقام الابرار. في العالم اليهوديّ، كان الجزاء بركة زمنيّة (تث 28: 1- 14). كان البار سعيدًا (مز 1: 1- 3). ولكننا سننتظر العهد الجديد لكي نجد ملء الحياة الأبديّة في هذه الدنيا وفي الآخرة. رج 1: 16؛ 6: 19؛ 1بط 5: 1.

ب- رجاؤنا في الله (4: 9- 11)
نقرأ في آ 9 إيمانَ الكنيسة بوعد المسيح، رغم أن الحياة الآتية لا تُرى، وأن محن الحياة الحاضرة كثيرة: يريد الربّ أن يكون تلاميذه سعداء منذ الآن، فيأخذهم بعنايته الأبديّة (لو 12: 22- 34). يعطيهم مئة ضعف في هذا العالم. يعطيهم سلام القلب النقيّ الذي يفوق كل سلام (فل 4: 7). وإن أعطيَ لهم أن يحملوا صليبًا، فالفرحُ الروحي يرافق مثلَ هذا الألم (2كور 1: 3- 11؛ 6: 9- 10؛ 12: 9- 10)، لدى الأتقياء الذين يعيشون على الأرض برفقة الله. مثل هذه التقوى تحمل كل الخير. ذاك هو إيماننا.
طلب بولس من تيموتاوس أن يكون مثالاً للمؤمنين. وها هو يقدّم نفسه مثالاً، فيعلن أن الخادم الصالح لا يكتفي بالتعليم، بل يصل إلى الممارسة. فإذا أردنا الحصول على المواعيد المرتبطة بالتقوى، في هذا العالم وفي الآخر، نتعب، نكافح، كما يفعل الرياضي. "كوبياوو"، عمل، تعب (5: 17؛ 1كور 4: 12؛ 15: 10؛ 16: 1؛ غل 4: 11). ثم "أغونيزوماي"، تسابق، كافح، جاهد (6: 12؛ 2تم 4: 7؛ 1كور 9: 25؛ كو 1: 29)؛ نحن على مستوى العمل الرسولي الذي يعلّمنا احتمال الاتعاب والتجرّد والزهد من أجل هدف نضعه أمامنا. هذه الآية تعبّر عن أخلاقيّة ترتبط بالنهاية: لا يتشجّع أحد على جهاد الحياة المسيحيّة (1تس 1: 3؛ رؤ 2: 2) إن لم ينتظر عالمًا أفضل (1كور 15: 19، 30- 34، 58).
وينبوع القوّة من أجل هذا الجهاد، رجاء ثابت، أكيد. هذا الرجاء هو أكثر من انتظار وشوق. هو استناد إلى إله يعد الخلاص، يقدّمه، يحقّقه. هو "سوتير" (تي 1: 3؛ 2: 10؛ 3: 4). هذا ما يدلّ على قدرته وسخائه من أجل البشريّة كلها.
وفي قلب البشريّة، ينعم المؤمنون بموقع خاص في تدبير الخلاص (أع 15: 14). "ماليستا"، خصوصًا، بشكل خاص، قبل كل شيء. هناك أقليّة في قلب الأكثريّة (فل 4: 22). أراد بولس بمثل هذا الكلام أن يُبرز ثقةَ الذين يمارسون التقوى: لن يخيبوا (روم 5: 5). هنا نتذكّر أن الكنيسة هي بيت الله (3: 15). إليها يلجأ من الخطر، أعضاء العائلة (أو 2: 12، 19) الذين تسجّلت أسماؤهم في السماء، ونالوا الخيرات الاسكاتولوجيّة (روم 9: 22؛ عب 6: 5). هم منذ الآن مخلّصون في الرجاء (روم 8: 24؛ 15: 3؛ أف 2: 5، 8)، بعد أن فازوا بالحياة الأبديّة (6: 12).
يرد في آ 11 فعلان في صيغة الأمر: وصِّ، علّم. ثم نقرأ الارشاد الملحّ في آ 12- 16. هذا يدلّ على ثقة بولس بتيموتاوس وامكانياته بعد أن روّض نفسه: افتخار بالعمل وشجاعة. عزم ثابت. يعطي الأوامر كرئيس كنيسة، ولكن يعامل المؤمنين كأب مع أولاده. ويعطي الرسول نصائحه: إفعل هذا (واطلب)، لا تفعل (لا تهمل)، فكّر، تنبّه. عاش تيموتاوس مع معلّمه فاستند إليه. ولكن ابتعد المعلّم، فأحس تيموتاوس بالعزلة. تحيّر. تخوّف حين رأى نفسه في مدينة كبيرة. فزع من المسؤوليّة الملقاة على عاتقه.

ج- هبة النبوءة (4: 12- 16)
أولاً: الوعظ والتعليم (آ 12- 13)
"لا يستخفّ أحد بشبابك". فالعمر هو معيار الخبرة والسلطة. كان تيموتاوس شابًا حين دعاه بولس في لسترة، سنة 50 (أع 16: 1- 3). بالنسبة إلى بولس الذي صار شيخًا (فلم 9) والذي كان تيموتاوس بمثابة إبن له أخذه من جدّته لوئيس وأمه أفنيكة (2تم 1: 5)، يبقى تلميذه شابًا بالنسبة إليه. لهذا يقول له بأن يعامل الشبّان والشابات كإخوته وأخواته. ويحترم الشيوخ كما يحترم والده ووالدته (5: 1- 2). وفي أفسس، أحسّت حلقة الشيوخ (5: 17، 19) أنها مهانة بعض الشيء لأنها ترتبط بشاب، لا خبرة له، لا بشيخ، مثل بولس. فالشيخوخة وحدها تفرض الاحترام.
كن قدوة، مثالاً. يرونك فينجذبون إلى خدمة الربّ. تي 2: 7؛ 1بط 5: 3؛ فل 3: 17؛ 2تس 3: 9؛ 1تس 1: 17. "تيبوس" تعني النموذج والمثال، وتعني أيضًا القالب والمعيار والقاعدة. أين تظهر فضيلة تيموتاوس؟ في مجمل تصرّفه (أناستروفي، 3: 15) الشبيه بتصرّف بولس (غل 1: 13) والمدبّرين (عب 13: 7)، والكاشف عن حضور النعمة فيه (يع 3: 13؛ 1بط 2: 12؛ 3: 16). ونوع هذه الحياة (أف 4: 22؛ 1بط 1: 18) يتضمّن طريقة التصرّف واللبس، والعلاقات مع الآخرين وفي داخل الجماعات. حضور وكلام. وكله مفعم بالمحبّة التي يرافقها اللطف والوداعة والتواضع والصبر، مع البحث عن خير الجميع. والايمان الذي هو ثقة بعناية الله، وتفاؤل ضروريّ لكل راع، وأمانة لموهبة نالها (غل 5: 22) لأنه وكيل نعمة الله (1بط 4: 20؛ روم 12: 6). أما العفاف (أغنايا)، فليست طهارة دينيّة أو خلقيّة (عد 6: 2، 21)، بل نقاوة النيّة، واستقامة عميقة (2كور 11: 3)، وتصرّف شفّاف فوق كل شبهة (5: 22؛ 1بط 3: 2). اذن، لا يخاف من أحد، ولا يلومه أحد. جاءت حياتُه مثالاً، فاستحقّ احترام الجميع.
هل ترك بولس تيموتاوس وحده (آ 13)؟ كلا. فهو سيجيء إليه (رج 3: 14). بانتظار ذلك يهتمّ التلميذ بالاحتفالات الليتورجيّة، وتوزيع كلمة الله، وتنفيذ التوصيات الرسوليّة (5: 11) من قراءة وأرشاد وتعليم. اعتادت الجماعات اليهوديّة أن تقرأ الكتب المقدّسة يوم السبت، في المجمع. والكنيسة المسيحيّة ورثت عادة قراءة كلام الله والليتورجيا. وأضافت قراءة رسائل الرسل (1تس 5: 27؛ 2كور 1: 13؛ تو 4: 16) وأقوال الأنبياء (رؤ 1: 3). وبما أن كلمة الله لا تصل فقط إلى العقول (عب 4: 12)، بل تصل إلى القلب وتحرّك سلوك المؤمنين، يُتبع تيموتاوس القراءة بإرشاد (2تم 4: 2؛ عب 13: 22)، "يبني، يشجّع، يعزّي" (1كور 14: 3). هكذا يقوّي المؤمنين ويثبّت رجاءهم (روم 15: 2).
ولا يكتفي تيموتاوس بذلك، بل يهتمّ بالتعليم (ديدسكاليا). تعليم العقيدة (1: 10؛ 5: 17؛ تي 2: 1، 7، 10؛ 2تم 3: 10؛ 4: 3، 6، 16). لا تعليم في الكنيسة لا يرتكز على الكتاب المقدس (2تم 3: 16). والوعظ الذي يقدّمه الانبياء ينطلق من الايمان. فالمؤمنون يحتاجون إلى عرض متماسك ومعمّق عن الديانة، ليقفوا في وجه معلّمي الضلال.
ثانيًا: عمل الرسول (آ 14- 16)
بعد الدعوة إلى "الرياضة" والجهاد (آ 8، 13) من أجل حياة أخلاقيّة توافق الانجيل، هناك إشارة إلى موهبة النبوءة (آ 14). فالخادم يستعمل مواهبه الشخصيّة. ولكنه يستند بالاحرى إلى ما ناله من مواهب من الله. لا تهمل (أمالايو). بل اهتمّ. إحسب حساب (مت 22: 5). يجب أن لا ينسى تيموتاوس أنه جُهّز تجهيزًا علويًا لكي يمارس مهمّته. فليَعُد إلى نعمة الله ليواجه مسؤوليته كمعلّم في الكنيسة وقدوة في الجماعة.
الهبة هي عطيّة من الروح القدس تؤهّلنا وتقوّينا لممارسة وظيفة في الكنيسة. من أجل جميع أعضائها (روم 12: 6؛ 1كور 12: 4؛ 1بط 4: 10). لم تُعط هذه الهبة لتيموتاوس بشكل سرّي، فلم يعرف بها أحد. ولم تُعطَ لفترة معيّنة، وبعد ذلك زالت. بل أعطيت له بمناسبة نبوءة. أي خلال اجتماع الجماعة وبحضور أعضائها. وهي تلازم الراعي في عمله. وكيف تسلّم تيموتاوس هذه الموهبة؟ بوضع اليه (إبيتاسيس). هكذا بارك الآباء أبناءهم (تك 48: 14؛ لا 9: 22؛ سي 50: 20). هكذا بارك يسوع تلاميذه (لو 24: 50- 51). فوضعُ اليد ينقل قدرة الله، كما فعل يسوع حين شفى المرضى (مر 5: 23). صارت هذه الفعلة في الكنيسة الأولى طقسًا يُعطى به الروح القدس (أع 8: 17؛ 19: 6) وبوضع اليد رُسم السبعة (أع 6: 6). فمن تُوضع عليه اليدُ ينال الموهبة التي لدى واضع اليد.
وضع الشيوخ أيديهم على تيموتاوس: هم يؤلّفون حلقة. يرئسون جماعة محليّة (أع 11: 30)، ولا سيّما في أفسس (أع 20: 17). إذن، نحن أمام احتفال تكريس، يعبّر فيه شعبُ الله عن نفسه. هذا ما حصل في لسترة حين عيّن بولس وبرنابا قسوسًا في كل كنيسة (أع 14: 23).
بدأ الارشاد في آ 6، وصار ملحًا في آ 15. توجّه إلى المجاهد جهاد التقوى (آ 7) مع الهبة التي نالها: فكّرْ، تأمّل. هناك واجبات نقوم بها. هناك فضائل نمارسها (آ 12). وهناك كرازة نقوم بها (آ 13) لكي نحافظ على الإيمان لدى نفوس تجتذبها تعاليمُ شيطانيّة (آ 1). ذاك هو الطلب الأول. والطلب الثاني، التزام مطلق، تكرّسٌ تام لمهمّة محدّدة دون النظر إلى الوراء (لو 9: 62). فالخطر الذي يتربّص بخادم الله هو أن ينشغل بأمور ثانويّة (أو باطلة) على حساب حياته الروحيّة وخدمة النفوس. بعد ذلك، لن نحسب تيموتاوس شابًا بلا خبرة (آ 12). تروّضَ، فسار من أحسن إلى أحسن. وهذا ما يظهر لعيون الجميع فينال إعجابهم.
نقرأ في آ 16 فعل "إباخاين"، انتبه، فكّر، تأمّل، توقّف (سي 34: 2). هذا على المستوى النظريّ. وعلى المستوى العمليّ، اتّخذ خيارًا (لو 14: 7؛ أع 19: 22) تمسّك (فل 2: 16). هذا ما يدلّ على السهر والثبات في تصرّف شخصيّ وتعليم يقدّمه للجماعة. انتباه دائم. لا أهمال ولا تراخي. والسبب: هناك خلاص للرسول وخلاص للمؤمنين.

3- قراءة إجمالية
طلب الرسول من تيموتاوس أن لا يُضيع وقته في ترّهات، بل يمارس التقوى. يروّض نفسه كالمتسابقين في الحلبة. الرياضة البدنيّة تنفع لوقت، تنفع لبعض الشيء. أما الرياضة الروحيّة فتنفع كل وقت، وتقودنا إلى الحياة. هي لا تعطينا فقط إكليلاً يذبل، بل إكليلاً لا يذبل (1تس 2: 19؛ 2تم 4: 8).
على تيموتاوس أن يتعب، أن يجاهد دومًا ليقوم بمهمّته بأمانة. فليس هو وحده في هذا الجهاد. بل كل مسيحيّ هو في وقت من الأوقات وحده. هذا على المستوى المنظور. أما على المستوى غير المنظور، فيسوع هو رفيقنا وإن لم ننتبه له على مثال تلميذي عماوس في بداية مسيرتهما. كان تيموتاوس شابًا، فخاف (1كور 16: 10- 11) بعض الشيء أمام الشيوخ في كنيسته، وهم أكثر خبرة منه. ولكن هذا لا يعني أن الكنيسة لا تكرمه ولا تخضع له. عند ذاك تكون فقدت فضيلة الايمان. ويبقى على التلميذ أن يعوّض عن شبابه ليكون قدوة للجميع: بحياة لا لوم فيها. باهتمام بعمل الرعاية المسيحية: في الكلام والتصرّف والمحبّة والايمان والعفاف. قبل أن يكون تيموتاوس راعي جماعة، فهو مسيحيّ، وهو قدوة لكل مسيحيّ في أفسس. وهو أيضًا مسؤول: يُدعى لأن يتكرّس للقراءة والوعظ والتعليم، أي خدمة الكلمة. هي قراءة علنيّة للكلمة يتبعها التفسير والارشاد (باراكليسيس). وفي النهاية، التعليم على مثال الرسل في كنيسة أورشليم. نقرأ في أع 2: 42 عن التلاميذ الأوّلين: »كانوا يداومون على الاستماع إلى تعليم الرسل«.
وسلطة تيموتاوس لا تأتيه من نفسه. ولا تأتيه من سلطة إداريّة ذي طابع بشري. هي نعمة تكرّسه لرسالته. هو لا يستند فقط إلى سلطة بولس، ولا إلى صفات تدبير يمتلكها، بل إلى هبة إلهيّة تجعله جديرًا بوظيفته وتساعده على ممارستها. والهبة التي يشير إليها بولس هنا، ليست هبة عابرة، ولا ظاهرة خارقة لا يمكن التسلّط عليها. بل هي نعمة دائمة، لا تُرى، ولكنها تعمل. هي تشبه الروح الذي يهبّ كما يشاء (يو 3: 8). ولكنّنا نرى آثاره (أع 2: 12؛ 8: 17).
ما نلاحظه في هذا المقطع، هو العلاقة الوثيقة بين هبة نالها تيموتاوس، وحدثين رافقا قبول هذه الموهبة. هما: تدخّل نبويّ. وضع اليد. هنا نعود إلى 1: 18: "وفقًا للنبوءات التي قيلت فيك من قبل". قيلت هذه النبوءات في ظرف هام في حياته، حين تكرَّس للخدمة الرسوليّة. وهنا يذكر بولس أيضًا هذا التدخّل النبويّ. كما يحدّد أن تكريس تيموتاوس رافقه وضعُ أيدي حلقة الشيوخ. في 2تم 1: 6، لا يذكر الرسول النبوءات، بل يكتفي بالكلام عن وضع الأيدي، ولا يقول شيئًا عن الشيوخ: "لذلك أنبهك (يا تيموتاوس) أن تضرم الهبة التي جعلها الله لك بوضع يديّ"
وتأتي آ 15- 16 في خاتمة إرشاد بولس لتلميذه. دعاه إلى الاهتام بكل ما قيل له (رج 1صم 3: 19: لا يهمل كلمة، لا يدع كلمة من كلمات الله تسقط). هكذا، ينمو أمام الجميع، فتقوى سلطتُه في الجماعة. فالناس يثقون بمن تتوافق حياته مع المثال الذي يعظ به. كما أنه ينال الخلاص لنفسه وللذين أوكل بهم. فإذا كنا قد تبرّرنا (روم 5: 1)، فنحن ما خلّصنا إلا في الرجاء (روم 8: 24). وإذا كنا منذ الآن وارثي الخلاص (عب 1: 14)، فميراثنا لا ينكشف إلاّ في نهاية الأزمنة (1بط 1: 5). وكل يوم يمرّ، يقرّبنا من ساعة الخلاص (روم 13: 11). ويتيح لنا، في مسيرة ايماننا (فل 1: 25) وعزم جهادنا، أن لا نُخزى في اليوم الأخير (1كور 9: 27)، بل نكون مع الربّ على الدوام.

خاتمة
تلك كانت نصائح بولس لتلميذه تيموتاوس، الذي هو راعي كنيسة أفسس. بولس بنى، وتيموتاوس يتابع البناء. قد يحسّ التلميذ نفسه وحده. يحسّ بضعفه. يخاف، يتردّد. سيجيء إليه بولس. وبانتظار ذلك يدعوه ليكون مثالاً للمؤمنين في سيرته، وللرعاة في قراءة الكتب المقدّسة وحمل كلمة الله بالوعظ والارشاد والتعليم. منذ هذه الحياة تكون له السعادة مئة ضعف، وهو في رفقة الرب. وفي النهاية، يخلّص نفسه ونفوس الجماعة التي أوكل بها. من أجل هذا، لا يهمل هذا الراعي موهبةَ الله، بل يتنبّه لحياة يحياها، ولتعليم يقدّمه. فالرسول يثق بتلميذه، ويذكّره بنعمة نالها في البداية وترافقه حتى النهاية. يبقى عليه أن يجاهد ليفوز بالحياة الأبدية (6: 11).

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM