الفصل الثالث عشر الكهنوت في وصيّة لاوي واليوبيلات

الفصل الثالث عشر
الكهنوت في وصيّة لاوي واليوبيلات

نعني بالكتب اللابيبليّة أسفارًا لم تدخل في لائحة الأسفار القانونيّة فظلّت على هامش البيبليا. سمّيت الأسفار المنحولة لأنها انتحلت (نسبت إلى نفسها) صفة الإلهام. وسمّيت أيضًا أسفار ما بين العهدين، لأنها تقع بين العهد القديم والعهد الجديد. أدب واسع جدًا. لكننا اخترنا بعضًا منه وبدأنا بوصيّة لاوي واليوبيلات.
1- وصيّة لاوي
في وصيّات الآباء الاثني عشر، أي كلام الآباء الأخير قبل موتهم لأولادهم، نتوقّف بشكل خاص عند وصيّة لاوي التي وصلت إلينا في اليونانيّة. ولكن قبل ذلك نعود إلى الأصل الأرامي.
أ- وصيّة لاوي الآرامية أو منحول لاوي
أولاً: الوصيّة مؤلّف أرامي يعود إلى القرن الثالث ق م. وُجدت منه أجزاء في "كنز" (مخبأ) القاهرة. كما وُجدت نصوص في المغارتين الأولى والرابعة من مغاور قمران. ما هي علاقته مع وصيّة لاوي اليونانيّة وكتاب اليوبيلات؟ هناك من يتحدّث عن أصل واحد للوصيّة اليونانيّة والوصيّة الآرامية. وهذا الأصل الواحد يعود إلى اليوبيلات أو إلى أخبار (هاغاده) استعملتها اليوبيلات أيضًا. ويرى الأب غرالو وراء اليوبيلات والوصية الارامية مرجعًا (قد يكون) عبريًا، مرجعًا بشكل مدراش التكوين يتركّز على شخص لاوي. أما الوصيّة اليونانيّة فهي عمل كاتب مسيحيّ انطلق من النص العبري(؟) وأعطاه وجهًا مسيحيًا. ورأى آخرون في الوصية الارامية والوصية اليونانية واليوبيلات، ثلاثة تقاليد متوازية. الواحد مستقلّ عن الآخر، ولكن الثلاثة تعود إلى تقليد شفهي مشترك.
ثانيًا: ما هو الموقع الحياتي لوصيّة لاوي الآراميّة؟ هي تتجذّر في الأوساط الكهنوتيّة المرتبطة ارتباطًا عميقًا بهيكل أورشليم. بعض عناصرها تعود إلى القرن الثالث. أما الوجه النهائيّ فيعود إلى النصف الأول من القرن الثاني. والتقليد الورعي في الوسط الكهنوتي الذي حمل هذا الكتاب يتواصل في اليوبيلات.
في الوصيّة الآراميّة، يبرز شخص لاوي ونسله. هم يبرّرون التطورّ الذي حصل بعد المنفى، والذي جعل الكهنوت، وخصوصًا عظيم الكهنة، محور الأمّة اليهوديّة. وتهتم هذه الوصيّة اهتمامًا خاصًا بقواعد الطهارة التي تحيط بالذبائح في الهيكل. والسلوك (أو: هلكه) الذي يتعلّق بالذبائح، يدلّ كله على وسط كهنوتي جاء يردّ على كهنة بدأوا يتأثرون بالهلينيّة.
هذه الوصيّة تؤيّد التمييز التقليديّ بين الكهنة واللاويين. ولكننا لا نجد أية عداوة من الكهنة تجاه اللاويين. فالكهنة واللاويون يؤلّفون معًا في تنوّع وظائفهم، مجموعة مهمّة جدًا من أجل حياة الجماعة.
وصية لاوي الآرامية ليست كتابًا أسيانيًا. لا نجد فيها أي فكرة تدلّ على الانفصال عن الهيكل. والكهنوت يُعاش في وسط الأمّة لا على هامشها. نحن بالاحرى أمام كتاب صادوقيّ خرج من محيط كهنوتي شرعيّ وعى أهميّة الكهنوت الحقيقيّ لحياة الأمة. من هذا المحيط خرج الصادوقيون الذين هم في أصل جماعة قمران الاسيانيّة.
ثالثًا: من هو لاوي في الوصيّة الآراميّة؟ هو كاهن ويشكل أخصّ كاهن إيل عليون. لا يقوم بالوظائف التي ستكون فيما بعد وظائف اللاويين، بل بتلك التي لن يحقّ للاويين القيام بها بعد المنفى. في آ 9- 10: لاوي يقدّم القربان (رج 51- 52). في آ 19: يدخل إلى المعبد ويرتدي الملابس الكهنوتيّة من أجل الذبيحة. في آ 20- 21: يقوم بالاغتسال المفروض. في آ 23: يقتّر (يحرق) البخور. في آ 25: يرش الدم على المذبح. في آ 26- 39: يضع على المذبح أجزاء الضحيّة المذبوحة.
بالإضافة إلى هذه الوظائف العبادية، أُقرّ له تعليمُ الحكمة التي ترتبط بالشريعة المكتوبة (آ 82- 95) وممارسة القضاء. وهكذا يبدو أن لاوي تسلّم مهمّة الكاهن، بل مهمّة عظيم الكهنة وقد أعلن الملائكةُ الستة (آ 6): "عظّمناك في كل شيء".
وحول الدور العبادي الذي نُسب إلى لاوي، توسّع مناخ من الطهارة والقداسة. لاوي هو قديس ونسله يكون قديسًا (آ 17). والمحرّمات والفرائض الخاصة بالطهارة تتوخّى الحفاظ على هذه القداسة وحمايتها: مثلاً الاغتسالات والملابس العباديّة (آ 19- 21). والوسط الكهنوتيّ الذي هو وراء وصيّة لاوي الآراميّة، اهتمّ اهتمامًا خاصًا بالطهارة في مجال حديثه عن الكهنوت. شدّد على فصل لاوي (عن الناس). حرّضه على أن يحفظ نفسه من كل خطيئة ومن كل نجاسة (آ 13-18)، ولا سيّما النجاسة الجنسيّة (آ 16). يسهر هذا الكتاب سهرًا كبيرًا على طهارة الكاهن العباديّة، ويشدّد بشكل يفوق التقاليد البيبليّة، على الفصل بين الكهنة والعوام.
ونجد قطعة عن الوصيّة الآرامّية في اليونانية تقول: "أنت ونسلك، تكونون مكرّسين لخدمة العلي في وسط الأرض. وأنت تكفّر خطايا الأرض". إن فكرة التكفير تقرّب لاوي من عظيم الكهنة المكرّس لخدمة العلي. ولكن في وص لاوي 3: 5، خدمة الكهنة يؤمّنها الملائكة. إذن يبدو الكهنوت وكأنه يقوم في وسط الأرض (أي في الهيكل) بالخدمة التي يقوم بها الملائكة لدى الله.
ب- وصيّة لاوي اليونانيّة
نقل النسّاخ المسيحيون وصيّات الآباء الاثني عشر ومنها وصيّة لاوي، فطرح هذا الوضع مسائل نقديّة كبيرة. إلى أيّ حدّ نُقّح هذا الكتابُ اليهوديّ وصحّح؟ لا شك في وجود عدة حواشٍ مسيحية. ولكن شدّد هولتغارد على الطابع اليهودي العميق لبعض مقاطع اعتبرها الشرَّاح متأثّرة بالمسيحيّة.
أولاً: ما هي علاقة الوصيّة اليونانية بالوصيّة الآراميّة؟ إن اليوناني يبدو مستقلاً عن مرجعه الآرامي. لا شكّ في أننا نجد ذات النزعة اللاوية الورعيّة التي تهتمّ بالطهارة. فكما في الوصيّة الآراميّة، أخذ لاوي على عاتقه مختلف وظائف الكهنوت: قدّم الذبائح (وص لاوي 9: 7، 11-14). وتنصيبه المذكور في 5: 2 (8: 3؛ 9: 3) يصوَّر في 18: 10. ومشهد التنصيب هذا يجعلنا نلاحظ أن لاوي كرِّس عظيم كهنة، وانتقلت الأوصاف الملكيّة الأساسيّة إلى عظيم الكهنة حسب التطوّر الذي حصل بعد المنفى.
وتقرّ الوصيّة أيضًا للاوي بدور حربي، يرتبط كما في الوصيّة الآراميّة، بقتل الشكيميين (5: 3). وتقرّ له ولأبنائه بوظيفة تعليميّة (13: 2) ووظيفة نبويّة (بشكل أقوى ممّا في الوصيّة الآراميّة). في الرؤية الثانية المتعلقة بالتنصيب، ينال لاوي من الملائكة السبعة "أفود النبوءة" (8: 3).
ثانيًا: دوّنت الوصيّة اليونانيّة في وقت متأخّر. بين سنة 100 و75 ق م. فدلّت على الايديولوجيا اللاوية، وفي هذه الايديولوجيا تسجّلت، تطوّرت، تحولّت. وقد أوجز هولتغارد في سبع نقاط التحوّلات التي نجدها في الوصيّة اليونانيّة بالنسبة إلى الوصيّة الارامية. الأولى: السلوكيات (هلكه) المفصّلة في آ 13- 16 من النص الارامي حول العبادة الذبائحية، قد صارت موجزة جدًا في اليونانيّة. الثانية: لم يعد يُسمّى لاوي كاهن إيل عليون . الثالثة: التشديد على قداسة لاوي ونسله، المرتبط بالوظيفة العبادية وتقدمة الذبائح، لا يعود في النص اليوناني الذي لا يشدّد كثيرًا على وظيفة الكهنوت الذبائحية. ذاك هو اتجاه جميع الوصيات: تراعي الهيكل ولا تهتمّ به كثيرًا. الرابعة: يشدّد اليوناني (9: 8؛ 13: 2) على وظيفة لاوي ونسله التعليميّة. وهي تتركّز على التوراة التي منها تنبع الحكمة. الخامسة: قام اليوناني ببعض التصحيحات حول أبناء لاوي الثلاثة، فخفّف من معنى المقطع المقابل في الارامي. السادسة: في الوصيّة الآراميّة نجد يقين الوسط الكهنوتي بأن يحافظ على طهارة العبادة ضد كهنة يهدّدونها بسبب اتجاههم الهليني. أما في الوصيّة اليونانيّة فبدا النقد واضحًا وثقيلاً (10: 2- 3؛ 14: 1- 8؛ 16: 1- 3؛ 17: 8؛ 17: 11؛ رج وص دان 5: 6). والإشارة إلى الخطايا التي اقترفها نسل لاوي تصيب بالدرجة الأولى رئاسة الكهنوت. السابعة: أصبحت صورة لاوي مثالية فساعدت على القول بأن الكهنوت المعاصر ابتعد عمّا يجب أن يكون.
ثالثًا: تتيح لنا هذه الاعتبارات أن نتصوّر المحيط الكهنوتي الذي خرجت منه وصيّة لاوي اليونانيّة. هو محيط لا يهتمّ اهتمامًا كبيرًا بالهيكل، بل يبتعد عنه. هو محيط يُبرز ولادةَ مجموعة "الحكماء" المركَّزين على الشريعة وتعليمها. ولكنهم ظلّوا مع ذلك أبناء لاوي. ولما رأوا كيف يقوم الحشمونيون بالوظيفة الكهنوتيّة، أعطوا لاوي وجهًا مثاليًا، فأكّدوا في الوقت عينه كرامة الكهنوت وندَّدوا بالطريقة التي بها كان عظماء الكهنة يمارسون مهمّتهم ساعة عاش الكاتب.
رابعًا: يهوذا ولاوي في وصيّات الآباء. يتميّز هذان الأبوان عن سائر الآباء ويحتلاّن مكانة مميزّة. ففي رؤية نفتالي (5: 1- 5). يأخذ لاوي الشمس ويهوذا القمر. يمثّل لاوي الكهنوت اللاوي، هذا ما لا شكّ فيه. فماذا يمثّل يهوذا؟ هنا تختلف الآراء. بعضهم يتوسّع في مسيحانيتين مؤسّستين على فصل واضح، تمّ بعد المنفى، بين الوظيفة الكهنوتيّة والوظيفة السياسيّة. والبعض الآخر، وإن لم يشدّد على المسيحانيتين، يرى أن الفصل بين الوظيفتين (تمّ بعد المنفى) هو الموضوع الذي يتوسّعون فيه خلال الحديث عن لاوي ويهوذا. ورأى هولتغارد أن يهوذا يمثّل الشرعيّة الداودية. ويرى وجهَي لاوي ويهوذا في إطار ردّة فعل على الحشمونيين الذين اغتصبوا السلطتين معًا.
خامسًا: صورة الكاهن المخلّص في وصيّة لاوي اليونانيّة. نقرأ المقطع الجوهري في ف 18؛ رج وص يهوذا 24؛ وص دان 5: 10- 13؛ 6: 1- 7؛ وص لاوي 8: 14- 15؛ وص رأوبين 6: 8؛ وص نفتالي 4: 5. يرى الشرّاح عادة أن صورة الكاهن المخلّص قد أدرجت في زمن متأخّر في وصيات الآباء. ربّما حوالي سنة 63 ق م. أو في بداية القرن الأول المسيحي.
أما أهمّ السمات في وجه الكاهن المخلّص فهي. (1) الكاهن المخلّص يدشّن العالم الاسكاتولوجي، عالم الفردوس (وص لاوي 18: 10- 11؛ وص دان 5: 12). (2) يقاتل القوى الشيطانيّة (وص لاوي 18: 4، 12؛ وص دان 5: 12). يقيّد حتى بليعار (لا 18: 12). (3). دوره المسكوني واضح: يردّ الوثنيين إلى الشريعة وإلى إله اسرائيل (وص لاوي 18: 3- 9؛ وص دان 5: 11). وهكذا يختفي تقريبًا موضوع النصر على الأمم. (4) ينال النصر النهائيّ على الشرّ. إنه سيد العالم ومخلّصه، وهو ينشر نور المعرفة على الكون (وص لاوي 18: 3-9). ويفتح الفردوس لجميع الورعين (وص لاوي 18: 10).
ج- خاتمة
وهكذا اكتشفنا أهمية وصيات الآباء الاثني عشر وتأثيرها. لم يتمّ التوافق بعد حول إعادة التفسير المسيحيّ لهذه النصوص. ولكن يبدو أن التصحيحات كثيرة. مثلاً، النصوص المسيحانيّة في وص يهوذا 24 ووص لاوي 18 قد نقّحت بأكثر من يد مسيحيّة. يرى غرالو أن وص لاوي 18: 6- 10أ، 12- 13 هي إضافة مسيحيّة.
2- كتاب اليوبيلات
أ- كتاب اليوبيلات، وصيّة لاوي الآرامية ، وصيّة لاوي اليونانيّة
ينتمي كتاب اليوبيلات إلى التيّار اللاوي الورعي الذي قدّم وصيّة لاوي الآرامية ووصيّة لاوي اليونانيّة. إذا كان من الصعب أن نصوغ نظريّة تدلّ على التأثيرات والارتباطات الأدبيّة بين هذه الكتب الثلاثة، إلاّ أننا نلاحظ أن صورة كهنوت لاوي (في هذه الكتب الثلاثة) تتبع ذات الرسمة السرديّة. نجد هذا في سبع نقاط في كتاب "اسكاتولوجية وصيّات الآباء الاثني عشر". حدث الشكيميين (لاوي أرامي آ 1- 2؛ يوب 30: 1 ي؛ لاوي يوناني 6: 3ي). وصول يعقوب وأبنائه إلى بيت إيل( لا شيء في الآرامي؛ يوب 31: 1- 3؛ لاوي يوناني 7: 4). ذهاب يعقوب إلى اسحاق برفقة لاوي ويهوذا (أرامي 8؛ يوب 31: 5ي؛ يوناني 9: 1). باركهما اسحاق (أرامي 8؛ يوب 31: 12ي؛ يوناني 9: 2). عاد يعقوب وابناه إلى بيت إيل وظلّ اسحاق في البيت (ألغي في الآرامي ولكن يُفترض في آ 9- 10؛ يوب 31: 27- 30؛ يوناني 9: 2ي). أعطى يعقوب العشر في بيت إيل (ارامي 9؛ يوب32: 2، 8ي؛ يوناني 9: 4). ترك يعقوب وأبناؤه بيت إيل وذهبوا إلى اسحاق في برج ابراهيم (أرامي 11؛ يوب 33: 1؛ يوناني 9: 5).
ب - ايديولوجيّة كتاب اليوبيلات
إن الايديولوجيا اللاوية تجد في يوب رنّة جديدة. هي أقلّ صياغة ممّا في وصية لاوي الأراميّة، ولكنها حاضرة بقوّة في الكتابين. فلاوي نال قبل يهوذا بركة اسحاق (31: 13). سُمّي قبله (27: 17؛ 31: 5، 12، 13). في الحلم الذي رآه لاوي في بيت ايل (كما في وصيّة لاوي الآراميّة)، صار كاهنَ إيل عليون، وصار الكهنوت له ونسله إلى الأبد (32: 1)
وتحليل مباركة اسحاق (31: 13- 17) تدلّ على الوظائف المعترف بها للاوي. أولاً، الوظيفة العباديّة التي تقوم بخدمة الله في مقدسه. وهي ترتبط ارتباطًا واضحًا بخدمة الملائكة (31: 14. ثم 30: 18؛ رج وصيّة لاوي الارامية). واعتُرف له أيضًا بوظيفة التعليم والقضاء. ويُنسب دور حربي، له ولأولاده، وهذا ما يدهشنا. يقول 31: 15: "يكونون قضاة وأمراء ورؤساء في كل نسل يعقوب". في الحرب ضد أهل شكيم، قيل عن لاوي أنه أظهر غيرة من أجل العدل والقضاء، فانتقم من كل الذين وقفوا في وجه اسرائيل (30: 18).
يبقى أن نحدّد المجموعات التي تقف وراء اسم لاوي ونسله. يسمّيها 30: 18 بوضوح: الكهنة واللاويين. وينضمّ إليهم عظيم الكهنة. فلقب "كاهن العلي" (إيل عليون) يجعلنا نسير في هذا الاتجاه.
ج- الموقع الحياتي لكتاب اليوبيلات
نحن مع يوب في محيط يحبّ الكهنوت. فالعودة إلى لاوي ونسله تبرّر وتشرّع التطوّر الذي تمّ بعد المنفى فجعل من عظيم الكهنة بشكل خاص، ومن الكهنة بشكل عام، أساس الأمّة اليهوديّة. وقد دخل اللاويون في هذه النظرة إلى الأمور. بجانب الكهنة، لا في موضعهم. والمحيط الكهنوتي الذي أنتج يوب يدلّ على بغض عميق لكل ما يجعل اليهودي مع الغريب: قد نكون هنا أمام حكم على الهلينيّة وعلى الكهنة الذين اجتذبتهم إليها. وفي ردّة فعل ضد هؤلاء الكهنة، قدّم يوب وجه لاوي المثالي، وعبره وجه الكهنوت الذي صار خادم الشريعة وناشر الحكمة الالهيّة.
بما أن يوب لا يقول بفصل عن الهيكل، بل يحدّد موقع الكهنة في وسط أمّة يكونون فيها الرئيس والمربيّ، فقد اعتبره الشرّاح مؤلَّفًا صادوقيًا لا أسيانيًا. ولكن وحدة الكهنة والشعب في هيكل مستعاد هو مثال قمران. والكلندار الذي نجده في قمران هو الذي نجده في يوب .
د- وجه يهوذا في كتاب اليوبيلات
ما الذي يمثّله وجه يهوذا في يوب؟ هو يمرّ بعد لاوي، وهذا أمر عاديّ في المحيط الكهنوتي الذي دوّن يوب. ظنّ بعضهم أن يهوذا يمثّل اسرائيل. وقال آخرون: يمثّل تارة الملك داود، وطورًا الأمة اليهودية أو الاثنين معًا. في مباركة يهوذا التي تلي لاوي (31: 18- 20)، نجد المعنيين حين يقول اسحاق ليهوذا: "الله يعطيك القوّة والجبروت لتدوس برجليك اولئك الذين يبغضونك". فيهوذا يمثّل في الوقت عينه الملك الداودي والأمّة. وحين يقول: "اسمك واسم بنيك يجتازان الأرض والبلاد"، فيهوذا يمثّل فقط الأمّة اليهوديّة. مقابل هذا، وفي نهاية المباركة، سيكون التشديد واضحًا على الداودي المقبل: "حين تجلس على عرش المجد، يكون برّك سلامًا عظيمًا لكل نسل أبناء المحبوب".
في يوب، يُسمّى كل من يهوذا ولاوي أميرًا (31: 15- 18). ولكن الدور المنسوب إلى كل منهما يختلف. يُنتظر من لاوي أن يمارس شعائر العبادة، أن يعلّم الشريعة والحكمة. أي أن يمارس المهمّات الضروريّة لحياة الأمّة. ويُنتظر من يهوذا أن يحرِّر اسرائيل ويقود اليهود ليتسلّطوا على الأمم. ولكن هذا الرجاء لا يقف في المقام الأول.
ولا ندهش حين نرى انتظار مسيح داودي في محيط ينتمي إلى كهنوت صادوقيّ قويّ. فهذا ما يذكّرنا ببعض نصوص قمران التي تنسب إلى يهوذا الدور الذي ينسبه يوب إليه في نجاة اسرائيل والظفر على الأعداء. ولقبُ أمير الجماعة المعطى للداودي في قمران (وث 7: 20) يجعلنا نفكّر بلقب الأمير الذي أعطي ليهوذا في يوب.
ونلاحظ أخيرًا أن اسرائيل يحدَّد في يوب 33: 20، ك "أمّة مقدّسة للرب الاله، كأمّة ميراث، وكأمّة كهنوتيّة وملوكيّة" (رج حز 19: 6). يكون الشعب كهنوتيًا حين يكون مقدسًا وبارًا، وملوكيًا حين يسود الأمم. مهمّتان متلاصقتان ومختلفتان على مثال وجهَي لاوي ويهوذا الملتصقين والمختلفين معًا.

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM