كتاب صموئيل

كتاب صموئيل

مقدمة:
كتاب صموئيل جزءان، سفر صموئيل الأول وسفر صموئيل الثاني، ولكن موضوعهما واحد متتابع. وما يرويانه لا يكتمل إلا مع كتاب الملوك بسفريه الأول والثاني. ولهذا كانت بعض النسخات القديمة تسمي سفري صموئيل سفر الملوك الأول وسفر الملوك الثاني، وسفري الملوك الأول والثاني، سفر الملوك الثالث وسفر الملوك الرابع. أما النسخات الحديثة فميزت بين كتاب صموئيل وكتاب الملوك وكلاهما يحدثاننا عن الملكية في أرض يهوذا واسرائيل منذ أيام شاول إلى الملك يوياكين والجلاء إلى بابل سنة 587 ق. م.
وُضع هذا الكتاب على اسم صموئيل للأن التقاليد القديمة اعتبرت أن صموئيل كتب القيم الأكبر، وما تبقى دوّنه ناتان النبى والرائي جاد. أما النظرة الحديثة فتعتبر أن الكتاب دوّن على مراحل قبل أن يصل إلى صيغته النهائية في زمن الجلاء أو بعد الجلاء على ضوء التعليم الوارد في سفر تثنية الاشتراع: السعادة والشقاء من الله، الموت والحياة من الله، وهو يعطيها مُراعِياً في ذلك أعمال البشر. ان خطئ الإنسان عاقبه، وهذا ما فعل بشاول الملك وعالي الكاهن، وإن احسن جازاه خير المجازاة، وهذا ما حصل لداود الذي استحق أن يبقى أناس من نسله على العرش الملكي حتى المنفى إلى بابل سنة 587 ق. م.
موضوع الكتاب
يروي كتاب صموئيل قصة تنظيم الملكية في أرض يهوذا واسرائيل. ويحدثنا في قدم أول (1 صم 1- 7) عن صموئيل منذ ولادته ودعوته النبوية إلى أن صار قاضياً ومخلصاً لشعبه. المناخ مناخ حرب مع الفلسطيين العائشين على ساحل أرض كنعان في مدن مثل جت واشقلون وعقرون وغيرها. والدور الأكبر يلعبه تابوت العهد، ذلك الصندوق الذهبي الذي يحمله المؤمنون فيمثل حضور الله بينهم.
القسم الثاني (1 صم 8- 15) يحدّثنا عن بداية الملكية مع شاول. شاخ صموئيل فاحس الشعب بالخطر، لهذا طلب من صموئيل أن يقيم عليه ملكاً مثل سائر الشعوب. عارض صموئيل مطلب الشعب لأنه يعتبر أن لا ملك إلاَّ الله. ولكنّه عاد فلبّى ومسح شاول ملكاً بعد أن أبان للشيوخ نتائج الملكية في شعب اسرائيل. ويقود شاول شعبه في حروب مع الفلسطيين ومع بني عماليق هؤلاء البدو المقيمين في النقب وجبال ادوم بين البحر الميت وخليج العقبة. انتصر شاول، ولكّنه أخطأ مرتين ضد إرادة الله فرذله الله.
القسم الثالث (1 صم 16- 31) يتطرق إلى الصراع بين شاول وداود، ويُبرز صعودَ نجم داود وافول نجم شاول. كُرِّس داود ملكاً وهو فتى، فدخل في خدمة شاول. وبرز لقتال بطل من أبطال الفلسطيين، فصار قائداً حربياً وأحبَّه الجميع حتى يوناتان بن شاول. أما شاول فانحسد منه، وحاول أن يقتله. فهرب داود ولجأ إلى أرض الفلسطيين، وظل هناك إلى أن مات شاول ويوناتان في معركة الجلبوع في أرض إفرائيم في الشمال.
القسم الرابع (2 صم 1- 20) يحدثنا عن داود الملك الذي حاول أن يستولي على المُلك بابعاد سلالة شاول (2 صم 1- 5: 5). نادت به قبيلة يهوذا ملكاً ثم تبعتها سائر قبائل اسرائيل. وتبرز أمجاد الملك التي شملت انتصارات داود على جيرانه واحتلال أورشليم ونقل تابوت العهد إليها وتنظيم المملكة تنظما حديثاً على غرار ممالك فينيقيا (2 صم 5: 6- 10: 19). وأطلت ظلالُ الملك التي بدأت بالزنى مع بتشابع إلى مغامرات امنون وثورة ابشالوم وحرب داود ثم رجوعه إلى أورشليم (2 صم 11- 20). كل هذا يشكل مع الفصلين الأولين من سفر الملوك الأول الأحداث التي حملت سليمان وأوصلته إلى عرش يهوذا واسرائيل.
القسم الخامس (2 صم 21- 24) يتضمّن ملحقاً فيه الشعر والأخبار وفيه الحديث عن المعنى الديني لكتاب صموئيل. ضربتان حلّتا بالشعب فارتبطت احداها ببناء الهيكل.
ونتساءل: لماذا نقرأ نحن المسيحيين اليوم كتاب صموئيل؟ ما الحاجة إلى التعرف إلى حروب بين شعب وشعب، كا بين العبرانيين وجيرانهم؟ ما الحاجة إلى تتبع ثورة تقوم على ملك لازاحته من الطريق؟ هذا ما فعله داود ونجح وهذا ما حاوله ابشالوم ففشل. أما وصول سليمان إلى الملك فهو مصبوغ بالقتل وإراقة الدماء. ومع ذلك تعتبر الكنيسة كتاب صموئيل جزءاً من الكتاب المقدس ويشمله الالهام. هذا يعني أن هناك معنى دينياً لا بدَّ من اكتشافه لأن فيه غذاء لحياة المؤمنين في شعب الله.
لاشك في أننا نقرأ أخبار ملكين هما شاول وداود، ولكننا نكتشف من خلال كتاب صموئيل نظرة المؤمن إلى الأحداث. إن البشر يكتبون التاريخ، ولكن المؤمن يعرف أن الفاعل الأول هو الله. الله اختار شاول والله رذله، وهو الذي يحكم على أعماله. الله اختار داود من وراء الغنم ورفعه، وهو الذي يحكم على أعماله. زنى داود مع بتشابع وقتل زوجها، فأرسل الله إليه ناتان النبي يوبّخه على عمله، أجل، هناك شريعة الهية توجِّه أعال الشعب، والملك لا يستطيع أن يتعدّاها مهما عَظُم شأنه. كان سفر التثنية قد طلب من الملك أن يكتب له نسخة من هذه الشريعة لتكون شاهدة على أعماله (تث 17: 18) وذكَّر صموئيل الشعب بالأخطار الناتجة عن وجود ملك في أرض اسرائيل (1 صم 8: 11- 18).
كانت محاولهّ أولى لدى الله فاختار ملكاً، ولكن محاولته فشلت بسبب تصرّف شاول. وكانت محاولة ثانية مع داود الذي كان بحسب قلب الله فنجحت، وستكون صورة داود رمزاً إلى الملك المنتظر، إلى يسوع المسيح الذى يسميه الشعب ابن داود. أجل، استفاد الكتاب المقدس من فشل الملوك بعد داود، فخلق تعطشاً إلى ملك يرسله الرب فيقود الشعب في طرق الرب. وانطلق الأنبياء من هذه الحاجة فتحدث أشعيا مثلاً عن ذلك الذي يمسحه الله ملكاً فيكون المشير العجيب والإله القوي وأمير السلام (اش 9: 5)، الذي يجعل الذئب يسكن مع الحمل والنمر مع الجدي، الذي يمنع الناس من أن يسيئوا ويفسدوا لانهم امتلأوا من معرفة الرب (اش 11: 6- 9) وكل هذا بم بفضل اصل يسّى الذى هو داود وأبناؤه. أجل سيكون يسوع آية لشعوب الارض، ومن مركز اقامته يشع مجد الله (اش 11: 10).
لا يشبه كتاب صموئيل سفر المزامير أو كتب الأنبياء بتعليمها المباشر، ولا يشبه أسفار العهد الجديد بتعليمها الكامل، ولكنه يقدم لنا وجوهاً نكتشف فيها نعمة الله التي تعمل في كل إنسان، وبالأحرى في الذين اختارهم وأرسلهم في مهمة من أجل شعبه.
1ً- نتعرف أولاً إلى وجه صموئيل ابن المعجزة الذي نُذر لله منذ ولادته وتربى في المعبد وكان ينمو في القامة والجمال أمام الله وأمام الناس (1 صم 2: 26). هذا النبي عرف أن يسمع صوت الله ويخضع له يوم كان صبياً (1 صم 3: 10)، وحرص فلم يدع كلمة من كلمات الرب تسقط على الأرض (1 صم 3: 19) دون أن يعمل بموجبها. تكلم مع الرب يوم كانت كلمة الرب عزيزة ونادرة فسمّي الني، ورأى الرب يوم لم تكن الرؤى متواترة (2 صم 3: 1)، فسمي الرائي، وسار على خطى الرب فافترق عن بني عالي الذين سلموا أنفسهم للشر، وقضى للشعب بالعدل وقاده في طريق الخلاص. وهكذا استحق مديح الجميع فما استطاعوا أن يجدوا فيه شيئاً يستحق اللوم (1 صم 12: 3- 5).
ولكن الله اختار صموئيل أولاً ليعلن كلمته ويقوم بالمهمات التي يرسله فيها. كان بعد صبياً يوم طلب منه الرب أن يوصل إلى عالي الكلمات القاسية: سيقضي الرب على بيت عالي بسبب اثم ابنائه. وسيعلن لشاول: رَذلتَ كلام الرب فرذَلك الرب ولن تكون ملك اسرائيل. أترى الرب يُسرُّ بالمحروقات والذبائح كما يُسرّ بالطاعة لكلامه؟ الطاعة خير من الذبيحة، والاصغاء إلى الرب أفضل من أن نقدِّم له الكباش السمينة. فالتمرّد على الله يشبه ممارسة السحر، والعصيان له يُشبه السجودَ للأصنام (1 صم 15: 23- 23).
أرسل الربُ صموئيل ليمسحَ شاولَ ملكاً، فأطاع رغم تخوفه من سلطة الملك واستبداده. وأرسله ليمسح داود ملكاً، فأطاع رغم خوفه من شاول (1 صم 16: 2). وحين رأى صموئيل أن الله بارك شاول، اعتزل بعد أن أقام لهم ملكاً، ووعدهم أنه لن يزال يصلي لأجلهم ويعلّمهم الطرق الصالحة (1 م 12: 23).
نظرة سامية إلى الدين، أمانة في تنفيذ أوامر الرب، مكانةٌ في قلب الشعب كمعلم وقاض وقائد ومخلص ونبي ومتشفع، دور لعبه صموئيل في إقامة النظام الملكي. كلُّ هذا جعل منه أحد الأبطال الروحيين في شعب اسرائيل فارتفع إلى مقام موسى. ولهذا قال فيه ابن سيراخ معبِّراً عن التقليد: كان صموئيل محبوباً من الرب، وكنبي الرب أسس الملك وأقام حكاماً للشعب. بأمانته للرب برهن أنه نبي، وبكلامه تبين أنه صادق الرؤيا. دعا الرب القدير عندما حاصره الأعداء وقدم له حملاً رضيعاً، فأرعد الرب من السماء وأسمع صوته بدوّي عظيم... قبل موته، شهد أمام الرب والملك الذي مسحه الرب، أنه لم يأخذ من أحد من البشر مالاً، بل ولا حذاء، ولم يتّهمه إنسان. وبعد موته، تنبَّأ وأخبر الملك بوفاته، ورفع من القبر صوتَه بالنبوّة ماحياً آثام الشعب (سي 46: 13- 20).
2ً- شاول بطلٌ تعيس، ولكنه أعطي كل شيء. شاب جميل ومميَّز، يعلو فوق الجميع من كتفه فما فوق. شجاع لا يهاب المحن. اختاره الله كأول ملك على شعب اسرائيل، وبرّر اختيار الله له بنجاح في الحرب منقطع النظير. ولكن مرضاً سرياً يعمل في داخله دفعه إلى أن يقوم بأفعال لا تليق به كملك. يخاف من الناس، يغضب عليهم، ينحسد منهم، وكانت أولى ضحايا هذا الحسد داود الذي جاء به وأحبه. لاحقه مراراً واراد أن يقتله. وهكذا أتلف قوى المملكة الحديثة العهد ساعةَ يهدِّد البلادَ خطرُ الفلسطيين. خطئ بالنسبة إلى وظيفته فأضاع وقته في حرب داخلية إستنفدت قوى المملكة، وخطئ تجاه الرب فلم يسمع له، بل فضَّل أن يسمع لنداء الجيش، حينئذ أعلن له صموئيل أن الله حطّه من مقامه الملكي واختار له شخصاً آخر يسمع له. قال له: رذلت كلام الرب فرذلَك الرب. حينئذ عرف شاول انه تعدَّى أمر الرب ولم يسمع لكلام نبيه. خاف من الشعب وسمع لصوتهم (1 صم 15: 24). أجاب صموئيل: ليس الله إنساناً فيندم. وهكذا لم يبق لشاول إلاَّ أن يموت في معركة الجلبوع مع بنيه قبل أن يرى جيشه ينهزم. لماذا عاقب الرب شاول بقساوة مع أنه ندم على خطيئته؟ هذا ما لا نستطيع الإجابة عنه ونحن لا نستطيع أن نطلب من الله حساباً، لكننا نستفيد نحن والحكام المسؤولون عنا من كلمات سفر الحكمة (6: 5- 6): "سينزل عليكم (أيها الملوك) بغتة عقابٌ شديد، لأن الحكم يكون أشد قساوة على الذين يحتلون المناصب الرفيعة. فالرحمة أولى بأن تكون لعامة الناس، لا لأرباب القوة الذين يجب أن يُعاقبوا بقساوة".
رغم كل شيء، يحزننا مصير شاول المأساوي الذي أحبه الله واختاره كأول ملك في أرض اسرائيل كما اختار قايين وجعله بكر اخوته وأعطاه الأرض المزروعة. وهكذا نفهم أن عطايا الله يمكنها أن تكون لدينونتنا إن لم نستثمرها بحسب إرادة الربِّ ورضاه.
3ً- ونصل إلى داود ونتعلَّق به كبطل من أبطال الأساطير. هو أسمر حسن العينين وسيم المنظر (1 صم 16: 12). هو فنَّان يحسن الضرب بالكنارة (1 صم 16: 16، 23). شجاع حتى التهور، لا يكلّ ولا يعرف التعب وبالأخص حين هرب من أمام شاول وعاش حياة تائهة في برية يهوذا وأرض الفلسطيين. قائد يجتذب الرجال بقوة شخصيته، كبير النفس لا يلجأ إلى الوسائل السافلة. عظيم يعرف أن يغفر، عطوف على الجميع، محب لأصدقائه وبالأخص يوناتان بن شاول.
كان ملكاً عظيما، ولكنه لم يكن كاملاً، فعرف الضعف البشري. زنى مع بتشابع زوجة أوريا الحثي، ولكنه لم يقدر ان يخفي خطيئته فعمل على قتل أوريا. ثم أخذ له امرأته وضمَّها إلى بيته فولدت له ابنا (2 صم 11). اعتبر نفسه انه ملك، وأن لا شيء يقيِّد الملك في أعماله. هذا قول خاطئ والكتاب يقول: ورأى الله ما صنعه داود من السوء فلم يرضَ (2 صم 11: 27). فأرسل إليه ناتان الني يوبّخه ويقول له: أنت الرجل الذي فعل هذا الشر. أعطاك الرب ما أعطاك فازدريته وما أخذت بوصاياه. حينئذ قال داود لناتان: خطئت إلى الرب (2 صم 12). ويقول التقليد أنه على أثر خطيئته هذه أنشد المزمور 51: إرحمني يا الله كعظيم رحمتك وكمثل كثرة رأفتك أمحُ مآثمي... نجّني من الدماء يا الله، يا اله خلاصي، فرِنّم لساني ببرّك.
لن نحكم على داود على ضوء الانجيل، وهو الذي تصرف بعض المرات بقساوة زائدة (1 صم 37: 9- 11)، وغفر ليعود فيسلِّم الانتقام لابنه سليمان (1 مل 2: 5- 9). لن نحكم عليه بنظرتنا الخاصة، ولن ننسى أن أساليب اليوم لا تختلف كثيراً عن أساليب ذلك الزمان. ولكن نتأمل بهذه الروح الدينية التي يتحلى بها فتؤثّر فينا وتحركنا. هو يُحس إحساساً عميقاً بعظمة الله وبما أعطاه من مواهب هو وشعبه. قال في صلاته: من أنا أيها الرب الإله، وما بيتي حتّى بلغت بي إلى هنا؟ فأنا لا أستحق كل هذا. وقَلَّ هذا في عينيك، أيها الرب الإله، فقدَّمت المواعيد أيضاً لمستقبل بيتي، وجئت تعلمني بها وأنا لست إلاَّ إنساناً. ماذا أقدر أن أزيد على ما قلته، أيها الرب، وأنت عرفتني، أنا عبدك. أيها الرب الإله كم أنت عظيم، فلا أحد يشبهك ولا إله سواك كما سمعنا بآذاننا (2 صم 7: 18- 22).
ينظر داود إلى الله نظرة خشوع، وينظر إلى الملك الذي اختاره الله ومسحه، نظرة إجلال. لهذا السبب سيرضى داود بأن يُهدَّد ويُضطهد ويُطرَد من بلاده، ولكنه لن يقبل يوماً أن يرفع يده على من مسحه الرب. سنحت له الفرصة مرتين أن يقتل شاول ويستولي على الفلك، وهو الذي مسحه صموئيل كما مسح شاول (1 صم 16: 13)، ولكنه لم يفعل. قال حاشى لي أن أرفع عليه يدي وأقتله لأنه مسيح الرب. وزجر أصحابه ولٍم يَدَعهم يثبون على شاول في المغارة ليقتلوه (1 صم 24: 7- 8). وقال أيضا لأبيشاي أحد أصحابه: لا تقتله، فمن الذي يمد يده على مسيح الرب ويكون بريئاً. الرب هو الذي يُنهي له حياته إما بأن يأتي يومه فيموت أو بأن ينزل إلى حرب فيهلك (1 صم 26: 9- 10).
وداود هو المؤمن الواثق بربه. حين تحل ظروف قاسية يحسب الإنسان ان كل شيء ضاع، يستسلم داود إلى الرب فيقول: فليصنع ما مجون في عينيه (2 صم 15: 26). وحين يلعنه شمعي وهو هارب من وجه ابنه ابشالوم، يجيب ابيشاي: دعوه يلعن لأن الرب أمره بذلك، لعلَّ الرب ينظر إلى مذلتي ويردّ لي السعادة بدل لعنته في هذا اليوم.
وداود هو ذلك المتعبِّد لحضور الرب وسط شعبه. حين احتلَّ أورشليم، جاء بتابوت العهد ورقص أمامه فعبر عن فرحته رغم احتقار امرأته ميكال له. ولما عاتبته قال لها: أنا رقصت أمام الربّ الذي اختارني وأقامني رئيساً على شعبه، وأني سأعبِّر أيضاً عن فرحي أمام الرب. حين أتصاغر وأتذلل في عيني نفسي، بذلك أزداد مجداً (3 صم 6: 21- 22). وحين بنى داود له قصراً، أظهر عن ركبته في أن يبني هيكلاً للرب في أورشليم، ولكن الله لم يسمح له بذلك لأن يده تلطخت بالدماء في الحروب.
هذا هو وجهُ داود الذي ظلَّ في شعب اسرائيل النموذج للملك الثالي، وسيحكم الكاتب الملهم على سائر الملوك بحسب مشابهتهم لداود. قال مثلاً عن الملك يوشيا: وصنع ما هو قويم في نظر الرب وسار في طريق داود أبيه ولم يعدل عنها يمنة ولا يسرة (3 مل 22: 2). وسيقول ابن سيراخ في داود أنه أحب الله الذي خلقه. وسيتعاظم مجد هذا الملك فيجعله كتاب الأخبار وسط نظرته إلى الاحداث ويعتبره الشاعرَ الملهم ومنظم الكهنوت وشعائر العبادة في شعب الله. وفوق هذا ستعلن نبوءة ناتان مصيرَ داود الفريد: يكون بيتك ومُلْكك ثابتين إلى الدهر أمامي، وعرشك يكون راسخاً إلى الأبد (2 صم 7: 16).
فلا نعجب بعد هذا أن يكون داود صورة الملك المسيحاني في نظر الأنبياء. وسيكرمه العهد الجديد فيسمي يسوع ابن داود. فإذا كان العهد الجديد رأى في هذا الملك صورة مسبقة ليسوع، فكم يجدر بنا نحن المسيحيين أن ننظر إلى داود التقي والخاطئ، الكبير والضعيف، فنتعلّم منه فضيلة الثقة بالرب، كما نتعم من صموئيل فن الإسماع إلى كلام الرب.
وهكذا حين نقرأ كتاب صموئيل نرى من خلال الأحداث يد الرب تحرك هذه الأحداث، ونكتشف من خلال الأشخاص اصبع الرب يرسم وجوهاً عديدة ستكون صورة مسبقة لابنه يسوع، ونتأمل من خلال النظم الملكية والعبادية في شخص يسوع الملك وفي كنيسته التي لا تنحصر في شعب واحد، بل تمتد إلى جميع الشعوب لتدعوها إلى عبادة الله بالروح والحق.
الخوري
بولس الفغالي

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM