اليوم" في الرسالة إلى العبرانيين
 

"اليوم" في الرسالة إلى العبرانيين

1- مقدمة
تستوقف قارئ الرسالة إلى العبرانيين القدرةُ الهائلةُ لدى كاتبها على التجوال في رحاب تاريخ شعب الله المدوَّن، في كل اتجاه، وعلى الانتقاء والاستخلاص، وترتيب، وتوجيه. فهو يتأمل التاريخ المذكور، بنظرة لاهوتية مؤمنة، ثم يرسمه لوحةً تاريخيةً لها من ألوان السماء روعتُها، ومن حدث التجسّد قوامُها الأساسي وعلّةُ وجودها. كلُّ المعطيات الزمنية المتضمَّنة في هذه اللوحة، والمتميزة بالعلاقة الخاصة بين الإنسان والله عبرَ التاريخ، مقياسُها أبدًا هو المسيح الذي يتجلّى في الرسالة وجهُه وعمله وما نادى به بطريقة تصاعدية محبوكة ومتماسكة، وكأنَّ الكاتب يأخذ بعين الاعتبار الأبوية طفولتَنا الروحيةَ، فيعطينا الطعام الخفيف والمناسب لعمرنا الروحي عالمًا ما يفيد "نموّنا في الحكمة والقامة والنعمة عند الله والناس" (لو 2: 52).
قبل التطرق مباشرة إلى موضوعنا. نعطي فكرة وجيزةً عن استعمال كلمة "اليوم" في العهدَين القديم والجديد، تساعد على ولوج مدلولاتها في الرسالة إلى العبرانيين.

2- "اليوم" في العهد القديم
من الناحية الزمنية، يمكن بالتأكيد وضع "اليوم" في مقابل "الأمس" أو "الغد"، أو ربطه بهما، فيكون "اليوم" الزمن الحاضر، الذي فيه يتحرّك الإنسانُ أو يصنعُ حدثًا.
استنادًا إلى النظريّة اليهوديّة، يبدأ اليوم مساءً، أي عند أفول نور الشمس، ويمتدّ حتى مستَهَلِّ المساء التالي. ولكن بكلمة "اليوم" لا يُعَبَّرُ فقط عن الزمن بمعناه المادي، أي القائم "اليوم"، بل عن حدث يحصل "اليوم" بين الله وشعبه، حَدَث قد يكون إيجابيًّا أو سلبيًّا، مقبولاً أو، على العكس، لا رضى عليه.
لدينا في العهد القديم حوالي 1800 استعمال لكلمة "اليوم"، لا يمكن فهمها بدقّة إلاّ إذا وُضعَت في إطارها الأدبي والتاريخي والديني.
- فهناك كلمة "اليوم" منفردة، والأمثلة عليها كثيرة؛
- أو مع ضمير الإشارة: "هذا اليوم"، مثلاً: إر1: 10؛ أنظر تك 19: 37ي؛ 26: 33؛ 35: 20؛ يش 4: 9؛ حز 2: 3؛ 20: 29 و31؛ 24: 2؛ 2مل 6: 28؛
- أو مع كلمة "الغد": "اليوم وغدًا"، مثلاً: خر 19: 10؛ جا 10: 10؛ 2: 15؛
- أو مميّزًا عن "أمس"، مثلاً: 2 صم 15: 20؛ جا 38: 22؛ 1 مك 9: 44.
- يعبّر الارتباط مع "الأمس" أو مع "الغد" غالبًا عن اختبار يتخطّى مداهُ اليومَ الحاضر، مثلاً: خر 5: 7 و14؛ 19: 11؛ 1 صم 4: 7؛ 2 صم 11: 12؛ أنظر أيضًا، 1 صم 20: 27.
- يُقابل هذه صيَغٌ ثابتة لها مدلولات تتخطّى المعنى الزمني أو تدل بالفعل عليه، مثل: "ثلاثة أيام" (1 صم 9: 20؛ 30: 13).
- أما في الاستعمال اللّيتورجي، فلدينا مثلاً عبارة: "من هذا اليوم وعلى طول الزمان" (1 مك 10: 30)، أو "منذ اليوم وللأبد" (طو 7: 12).
- أخيرًا، "اليوم" هو مميّز عن عبارة "منذ زمن بعيد"، أو عن "منذ بدء أيّامك" (يه 8: 29؛ رج 12: 18).
بالاجمال، في "اليوم" لا يُقاس الزمن فقط، بل يُفتَتَحُ، كما التّعبير المثقل بالمعاني والشائع في تثنية الاشتراع:
"إذا سمعت إلى وصايا الرب إلهك، التي أنا آمرك بها اليوم..." (تث 30: 15-20؛ رج 4: 2).
ما يحصل أو ما زال صالحًا "اليوم" أيضًا، مصدره الله، إنّ تحت شكل وصيّة، ووعد، أو بركة، وإنْ تحت شكل شجْب أو لعنة.
في يوم السبت، مثلاً، يشعر الإسرائيلي أنّه مرتبط بـ "اليوم"، إذ فيه يتفعّل "اليوم" العظيم والمقدس ويُأوّن، ويتجلّى فيه ما كان من عمل الله.
إذا ما أَفَلَ "اليومُ"، يكون هناك خطرٌ جسيم، أو حتى يحلُّ الخراب بالوجود بالذات. لهذا، يمكن "اليوم" أن يكون مركز الوحي، كما أيضًا محتواه. في "اليوم" تُذاع كلمة الله، كما أيضًا الجواب عليها. يجب أن يتوافق ما يقع "اليوم" مع كلمة الله، وأن يكونا متناسبًا الواحد مع الآخر. هذا يعني أنّ كلّ ما يحصل يجب أن يُعبَّرَ عنه ويُقرّرَ أمام الله ومن قبَله.
في "اليوم" يتحوّل ما هو ماضٍ وتاريخي. نداءً وكلمةً وحقيقةً (مز 94: 7؛ 2: 7)؛ لهذا يرتبط بالبُعدَين، الغائب والمُطلّ، يعود إلى التاريخ ويتطّلع إلى المستقبل، وفي الحالتين يتضمّن دعوةً إلى الطاعة، وإلى الاستجابة لتصميم الله الخلاصي، والامتثال لأوامره، والاقتداء بالأصفياء الذي سلفوا؛ كلّ ذلك مع توجّه اسكاتولوجيّ ديناميكيّ يحرّكه مَن هو قبلة الأنظار، ومشتهى القلوب، الذي يعلّم شعبه ما ينبغي أن يفعله (تث 4: 1)، والذي لا يأتي أحد إليه ما لم يجتذبه الآب أوّلا (يو 6: 44).

3- "اليوم" في العهد الجديد
أيضًا في العهد الجديد، يمكن تمييز استعمال زمني لكلمة "اليوم"، عن آخَرَ بيبليٍّ ولاهوتي في الصميم؛ الأوّل يسهُلُ تبيُّنه، لأنّه ذو مضمون ماديّ وحسب. أمّا الآخَر فيتطلّب انكبابًا روحيًّا وعلميًّا صبورًا ورضيًّا، وإلاّ عَميَت العيون عن البصر، والقلوب عن الفهم، والعقول عن الادراك.

أ- المعنى الزمني
من حيث استعمال كلمة "اليوم" بمعناها الزمني المادي، لدينا في متّى 27: 19 مثلاً على ذلك، فنرى امرأة بيلاطس تقول: "لأنّني تألّمت اليوم كثيرًا في الحُلم لأجل هذا الرجل". المقصود بوضوح هو تنبّؤ سيِّئ بالنسبة إلى اليوم المثقل بمقرّرات جسيمة، كما يبيّن متّى 27: 24.
يُقال ذات الشيء على الطلبة الرابعة من صلاة "الأبانا"، كما نجدها في متّى 6: 11: "خبزنا كفافنا أعطنا اليوم".
تمامًا كما في الصلاة، ينبغي على الناس الذين لهم قليل من الايمان، أن يتوجّهوا ببساطة إلى "اليوم" عندما يكونون في حالة قلق. في الواقع، "هكذا يُلْبِسُ الله عشب الحقل الذي هو اليوم، وغدًا يُرمى في التنّور" (متّى 6: 30؛ لو 12: 28).
يعرف كلُّ فلاح أن يتبيّن مسبقًا الطقس الذي سيكون، فيقول صباحًا: "اليومَ عاصفة، لأن السماء محمرَّة مكفهرّة" (متّى 16: 3).
وفي الأمثال يقول الأب لابنه: "يا بنيّ، إذهبِ اليومَ للعمل في الكرم" (متّى 21: 28).
وفي مر 14: 30، نقرأ: "الحقّ أقول لك: إنك اليوم، في هذه الليلة..."، الخ.

ب- المعنى اللاهوتي
بالمعنى اللاهوتي لكلمة "اليوم"، نورد، على سبيل المثال، العبارة التالية: "(المسيح يسوع) هو هو، أمس واليوم وفي كلّ الدهور" (عب 13: 8)، التي تعكس أسلوبًا كتابيًّا ليتورجيًّا، يعبّر في العمق عن إيمان بأزليّة كلمة الله وأبديّتها، في التجسّد وقبله وبعده.
هناك أيضًا عبارة "إلى هذا اليوم"، كما في روم 11: 8:
"أعطاهم الله روح خمول، وأعطاهم عيونًا كي لا يبصروا، وآذانًا كي لا يسمعوا، إلى هذا اليوم" (رج تث 29: 3)؛
أو أيضًا في 2 كو 3: 14 حيث يقول الرسول:
"فإنّ ذلك البرقع نفسه باقٍ إلى هذا اليوم، ولن يزول إلاّ بالمسيح".
وفي متّى 28: 15، حيث الكلام هو على شائعة سرقة جثمان يسوع التي تدور "إلى هذا اليوم"، وهي مطبوعة، من خلال الاشارة الزمنيّة، كفعل شجب.
ونجدها مُقتضبة، أي من دون ضمير الإشارة، "إلى اليوم"، في متّى 27: 8- "ولهذا يقال لذلك الحقل إلى اليوم، حقل الدم"- التي بالمقابل، ومن خلال تعليق الإنجيلي (27: 9) الذي هو استشهاد من نبوءة إرميا (18: 2-3؛ 19: 1-2؛ 32: 6-15)، ومن زكريا (11: 12ي، الخ)، تبدو وكأنها تتميم لتلك النبوءة.
بذات المعنى يُفهم أيضًا الكلام الذي قيلَ في كفرناحوم:
"لأنّه، لو جرى في سدوم ما جرى فيك من أعمال قديرة لبقيت إلى اليوم" (متّى 11: 23-24).
عندما يجري الكلام على تتميم وعد الله، يكون لكلمة "اليوم" وقعٌ مُدَوٍّ وحاسم. ففي الخَبَر الذي يورده لوقا حول دخول يسوع مجمع الناصرة يوم السبت، يضع الإنجيليُّ على لسان الربّ، بعد قراءة المقطع النبوي من أشعيا، هذا القول:
"اليوم تمَّتْ هذه الكتابة التي تُليَت على مسامعكم" (لو 4: 21) الخ.
في ذات السياق، يُبرز بولس التتالي بين الشجب وبين تتميم الوعد، مبتدئًا في 2 كو 3: 14 بالكلمات التالية: "فإنّ ذلك البرقع نفسَه باقٍ إلى هذا اليوم"؛ ويكرّر الكلام عينه في آ 15: "ولكن حتّى اليوم لا يزال البرقع موضوعًا على قلوبهم، عندما يقرأون كتاب موسى"، ولن لا يزول إلاّ بالمسيح (2 كو 3: 14)، أي في اليوم الذي فيه يتم الوعد.
من أراد أن يسمع أو أن يصغي إلى الكتاب المقدّس عليه "اليوم" أن يكون المسيح أمام ناظريه. هذا "اليوم" من الشركة مع المسيح قد تجلّى بكلّ صفاء: "اليوم رأينا أمورًا عجيبة" (لو 5: 26). في رواية ميلاد يسوع يضع لو 2: 11 على فم الملاك ما يلي: "اليوم وُلد لكم مخلّص وهو المسيح الربّ في مدينة داود".
يُطبّق مز 2: 7- "أنت ابني أنا اليوم ولدتك"- على يسوع القائم من الموت، وذلك في إطار البشارة الأقدم (أع 13: 33). ولكن لهذا النص من لوقا قيمة نبوءة قد تحقّقت (أع 13: 32ي). يُعلن الإنجيل، ليس أحداثًا فريدة معزولة، بل شخص يسوع التاريخي بالذات، فيُبرهن من خلال البشارة أنّ الكتاب المقدّس صحيح وصادق لكنه يتطلّب الإصغاء؛ فمن يصغي يفهم أنّ الله بواسطة يسوع يدخل كل شيء في وحْيه. لهذا فان التعبير "اليوم" يمكنه أن يختفي ويترك المجال، مثلاً في الكتابات اليوحنّويّة، لمدلولات أخرى زمنيّة، مثل "الآن"، و"الساعة"، الخ.

4- "اليوم" في الرسالة إلى العبرانيين
قبل المباشرة بدراسة موضوع "اليوم" حصرًا في الرسالة إلى العبرانيّين، يبدو مفيدًا إعطاء لمحة شاملة عن الهيكليّة الزمنيّة التي وضعها الكاتب للرسالة بشكل مُنَسّق وتدريجي ومدروس، والتي يمكن إيجازها بثلاثة أنواع من الخلاصات المرتبطة بوضوح بالعهد القديم، والتي تصبّ آخر الأمر في المسيح يسوع:
4/1- جولة على مجمل التاريخ: الابن خالق كلّ شيء ووارثه
تُبرز هذه الخلاصات وجهًا من "اللّوحة التاريخيّة" المذكورة أعلاه، وتستقطب هذا الوجه الخليقةُ:
"وفي آخر هذه الأيّام، كلّمنا في الابن، الذي جعله وارثًا لكلّ شي. وبه أنشأ العالمين. وهو شعاع مجده وصورة جوهره، وضابط الكلّ بكلمة قدرته. فبعدما أتمّ تطهير الخطايا جلس عن يمين الجلالة في الأعالي" (عب 1: 2-3).
ويستقطبه أيضًا الخلق الجديد:
"بالايمان ندرك أنّ العالمين أُنشئَت بكلمة من الله، لأنّ ما يُرى لم يتكوّن ممّا هو ظاهر" (11: 3؛ رج 6: 3 و5؛
كما أيضًا الخلاصُ الأبديُّ الاسكاتولوجيُّ:
- "وهكذا صار كاملاً، وصار لجميع الذين يطيعونه مصدر خلاص أبدي" (5: 9).
- "فبعد قليل قليل، سيأتي الآتي ولا يبطئ، أمّا البار فبالايمان يحيا، وإن ارتدّ فلا ترضاه نفسي؛ أمّا نحن فلسنا أبناء ارتداد للهلاك، بل أبناء إيمان للخلاص" (10: 37-39).
- "وإله السلام الذي أصعَدَ من بين الأموات ربنّا يسوع، راعي الخراف العظيم بدم عهد أبدي" (13: 20).
يُلاحظ في هذا السّياق أنّ التّجسّد موضوع "في نهاية هذه الأيّام"، أو "في منتهى الأزمنة":
- "وفي آخر هذه الأيّام، كلّمنا في الابن الذي جعله وارثًا لكلّ شيء. وبه أنشأ العالمين" (1: 2)؛
- "وإلاّ لكان عليه أن يتألّم مرارًا منذ إنشاء العالم. لكنّه ظهر الآن مرّة واحدة، في منتهى الدهور، ليبطل الخطيئة بذبيحة نفسه" (9: 26).
هكذا يفتتح التجسّد "الأزمنة النهيويّة" وزمن المسيح والمسيحيّين.
تُذكر نُهْيَتا الزمن مرّات عدّة؛ فبالإضافة إلى كون الابن "خالق الدهور"، و"وارث كلِّ شيء"، هو الذي "في البدء" خلَقَ الأرض وصنع السماوات؛ هي تزول، أمّا هو فيبقى(1: 10-12)؛ فَـ "صوت الناطق من السماوات... سيُزَلْزل، لا الأرض فحسبُ، بل أيضًا السماء" (عب 12: 25 و26). فلا تبقى إلاّ الحقائق التي لا تتزعزع (12: 27).
4/2- خلاصات زمنيّة بيوغرافيّة: الابن الذي يكشف ويقدّس
الانسان، من حيث تكوينُه، هو زمنيّ في أصله، وينتهي وجوده الجسديّ في الزمن، لذا هو عبد للخوف من الموت، الذي تليه الدينونة:
- "إذا، فلأنّ الأبناء يتشاركون في لحمٍ ودم، مثلُهُم اشترك هو أيضًا فيهما، ليُبطِلَ بالموت مَن له سلطان الموت، أي إبليس، ويُعتق جميع الذين كانوا مدى الحياة خاضعين للعبوديّة خوفًا من الموت" (2: 14-15).
- "وكما يُحْتَم على الناس أن يموتوا مرّة واحدة، وبعد ذلك القضاء، كذلك المسيح، وقد قرَّب نفسه مرّة واحدة، ليُزيل خطايا كثيرين، سيظهر ثانية، بصرف النظر عن الخطيئة، للذين ينتظرونه خلاصًا لهم" (9: 27-28).
يَتْبَع الكلام على هذا المصير الأصلي سَردُ بعض الأسماء البارزة من العهد القديم: هابيل، أخنوخ، نوح، إبراهيم، والآباء...، والأبطال الذين تألّموا (11: 4-7 و13 و35-37)، ولكن دون أن يزولوا نهائيًّا:
- "وبالإيمان ما زال هابيل بعد موته يتكلّم" (11: 4)؛
- "وبالايمان نُقل أخنوخ ولمْ يرَ الموت" (11: 5)، الخ.
4/3- مراحل تاريخيّة أو رمزيّة ذات قيمة شموليّة: "الآباء" و"نحن"، العهد القديم والعهد الجديد
تنتهي مرحلة الآباء الذين كانوا قبل الطوفان بالحكم الذي مَحَا تنفيذُه كلَّ مخلوق على وجه الأرض باستثناء نوح ومَن في التابوت (11 :1-7):
"بالايمان أوحي إلى نوح بأمور لم تكن مرئيّة، فاتّقى، وبنى لخلاص بيته فُلْكًا دانَ به العالم وبالإيمان صار وارثًا للبِرّ" (11: 7).
إنّه الايمان المُتجسّد في الزمان.
يلي ذلك مرحلة الآباء الذين من نسل إبراهيم، والذين عاشوا "الخروج" من الموطن الأصلي، ومن دار العبوديّة؛ يتميّز إيمانهم بـ "الوعد" و"البركة":
"فمن المؤكّد أنّه لم يأخذ على عاتقه الملائكة بل نسل إبراهيم" (2: 16؛ 6: 13- 7: 10؛ 11: 8- 22).
ثمّ مرحلة الاقامة في الصحراء الغنيّة بأحداثها، ووجوه رجالاتها والتي يميّزها إبرام العهد الأوّل وما يستتبعه:
- "وذروة الكلام في هذا الموضوع، هو أنّ لنا عظيم أحبار مثل هذا قد جلس عن يمين عرش الجلالة في السماوات" (8: 1-9: 28).
- "كذلك المسيح قرّب نفسه مرّة واحدة ليحمل خطايا الكثيرين؛ وسيظهر ثانية بمعزل عن الخطيئة ليخلّص الذين ينتظرونه".
أخيرًا مرحلة دخول أرض الميعاد والاقامة فيها، وفي موازاتها "دخول يسوع المسيح إلى العالم"، الذي يقيم عبادة جديدة مكان الأولى (10: 5 و9):
"لذلك يقول عند دخوله إلى العالم: ذبيحة وقربانًا لم تشأ لكنّك أعدَدْت لي جسدًا"؛ "ثمّ بقوله بعد ذلك: هاءنذا آتٍ لأعمل بمشيئتك".
يشترك يسوع، على مثال إخوته، "بالدمّ واللّحم":
- "إذًا فبما أنّ الأبناء شركاء باللّحم والدمّ، صار هو أيضًا شريكًا فيهما، ليبطل بالموت من له سلطان الموت أي إبليس" (2: 14).
- "وفي أيّام حياته على الأرض، قرّب، بصراخ شديد ودموع، ضراعات وابتهالات، للقادر أن يخلّصه من الموت، فاستجيب لتَقْواه" (5: 7).
يفتتح تجسّد يسوع "الأزمنة الاسكاتولوجيّة"، زمن المسيح والمسيحيّين، زمن "العهد الجديد"، الذي يتميّز بالإيمان والعمل المسيحييَّين؛ لقد "ابتدأ" هذا الزمن ببشارة يسوع، "وسينتهي" بـ "ظهوره الثاني"، عندما يأتي "اليوم"، يوم القيامة العامّة والدينونة:
"وكما هو محتوم على الناس أن يموتوا مرةً واحدةً، وبعد ذلك تكون الدينونة، كذلك المسيح قرَّب نفسه مرة واحدة، ليحمل خطايا الكثيرين؛ وسيظهر ثانية، بمعزل عن الخطيئة، ليخلص الذين ينتظرونه" (9: 27-28).
تلك هي الأزمنة التي يمرّ فيها يسوع ويواجهها، وتتجلّى خلالها أعمال الربّ الخلاصيّة.
4/4- "اليوم" والبعدان الكرستولوجي والخلقي في عب
النصوص التي يُقال لها كلاسيكيّة، من المنظار اللاّهوتي، في الرسالة إلى العبرانيّين، تؤكّد ما قيل أعلاه كنوع من القاعدة لفهم الإنجيل. فبعد تفسير التتويج (عب 1-2)، لدينا في عب 3ي الذي يحيط به الاستشهاد من مز 2: 7 في عب 1: 5 و5: 5، تعليمٌ خلقيٌّ مركّزٌ على مز 95: 7-11، يستعيد مرّتين آ 7ي من مز 95، في 3: 15، وفي 4: 7.
إضافة إلى ذلك، تقدّم عب 3: 13 و4: 7 شرحًا لكلمة "اليوم" التي تفتتح كلّ النص الذي يحدّده عب 1: 5، بواسطة مز 2: 7، بمعنى كرستولوجي. في كلّ الأحوال، لأنّ تتميم الوعد لم يُختتم بعد (4: 1)، فإنّ الكلمة القديمة التي سمعوها ما زالت صالحة (4: 2). هذا ما دفع بالكاتب إلى القول:
"شجّعوا بعضكم بعضًا كلّ يوم، ما دام الروح القدس يُعلن "اليَوْمَ"، لئلاّ يقسو أحد منكم بغرور الخطيئة" (3: 13؛ رج 10: 19ي).
وهكذا أيضًا يكتب في 4: 6:
"وبما أنّه بقي لآخرين أن يدخلوا فيها (أي في راحتي)"، "في حين أنّ أولئك الذين بُشّروا أوّلاً، لم يدخلوا في راحة الله لعصيانهم" (رج 3: 16-17)، "يعود الله فيحدّد يومًا، هو "اليومَ" إذ يقول بعد زمن طويل بلسان داود، كما قلنا سابقًا: "اليوم، إذا سمعتم صوته، فلا تقسوا قلوبكم" (عب 4: 7؛ يتبع النص مز 95: 7ي).
من يسمع "اليوم" يبقى أمينًا لاعتراف الإيمان بالمسيح ابن الله، رأس الأحبار الأبدي (4: 4-16). يُبقي هذا الاعتراف مفتوحةً الطريقَ التي لأجلنا سار فيها الـ "كامل" (5: 9). على إيمان الأبناء، بالطاعة، أن يَبَانَ في المعركة ضدّ الخطيئة حتى الدم (12: 4). يريد ابن الله الوحيد أن يتّحد "اليوم" معنا، نحن الأبناء، على قاعدة وعد المُلْك والسلطان، وعد مُحقّق في شخصه بعمله، تسمح طاعة الايمان الأصيلة بالتعرّف إلى "اليوم" على ضوء المعطيات اللاهوتيّة الجديدة. وبهذه الطريقة تتفوّق على كلّ التفسيرات الكتابيّة السابقة التي تصبح بالتالي من العتيقات.
4/5- "اليوم" في عب هو زمن مقدّس
من الملفت للانتباه في عب، الطريقة التي بها تلتقط هذه الرسالة من أدب تثنية الاشتراع أفكارًا تتعلّق "بزمن ليتورجي" و"بمكان ليتورجي". فهي ترى كلّ الأزمنة كزمن واحد، أي زمن العبادة، وكلّ الأمكنة كمكان واحد، هو مكان العبادة.
من التِّقنيّات الإنشائيّة التي يستعملها كاتب الرسالة إلى العبرانيّين في سبيل إحداث تأثير عميق لدى القارئ، كما فَعَل قبله كاتب سفر تثنية الاشتراع، إعادة الوصف اللاّهوتي للزمان والمكان. فأينما وُجد قارئو تث، مثلاً، أو سامعوه فَهُم "أمام يهوه" {= المكان}، والمناسبة هي دائمًا "اليوم" {= الزمان}، أي زمن الاختيار: إنّهم، في آن معًا، في الماضي والحاضر، مخيّمون عند أقدام جبل سيناءَ، وواقفون في سهل موآب مُنتظرين أن يدخلوا أرض الميعاد، ومقيمون في مدن فلسطين. هكذا تفعل الرسالة إلى العبرانيين إذ تتوجّه هي أيضًا إلى قارئيها، "كما لو" كانوا موجودين في عدّة أماكن وأزمنة في آن معًا:
الأمكنة الأزمنة
طرفُ الأرض اليوم
جبل صهيون عشيّة السبت
عند باب خيمة اللّقاء يوم التكفير
تستعير عب من تث، ليس فقط المنهجيّة، من حيث المكان والزمان، بل أيضًا اثنين أو ثلاثة من المواضيع الستّة المكانيّة والزمنيّة المذكورة. لكن ما يهمّنا في موضوعنا هو الزمن حصرًا، وليس المكان.
من إحدى ميزات الزمن المقدّس، أن أكون في آن معًا كلّ الأزمنة، وليس زمنًا معيّنًا فقط. فأيًّا كان الزمان الذي فيه كَتَب واضع عب، فإنّ الرسالة تُكتَب دائمًا في "اليوم" الذي لله:
"شجّعوا بعضكم بعضًا يومًا فيومًا. ما دام الروح القدس يُعلِن "اليوم" حتّى لا يَقْسو أحد منكم بغرور الخطيئة" (3: 13).
يُعتبر هذا "اليوم" في آن معًا زمن الخَلْق وزمَن النهاية، فيه المسيحُ هو "ذاتُه"، منذ الخَلْق وحتّى نهاية العالم، "الأمس، واليوم، وإلى الأبد" (13: 8). نقرأ بهذا المعنى في عب 1: 12:
"وأنتَ أنتَ، وسنوك لن تَفنى" (1: 12).
كذلك ملكيصادق يستمرّ كاهنًا إلى الأبد في "الآن" أبديّ، "دون بداية أيّامٍ أو نهاية حياة" (7: 3).
يعني ظهور المسيح يسوع تجديد كلّ شيء، كما لو أنّ الخليقة قد ابتدأت من جديد، وبالتالي بإمكانها أن تختار ثانيةً بين أن تكون مباركةً بأفعالها أو ملعونة:
"إنّ أرضًا شربت المطر النازل عليها مرارًا، فأطلعتْ نبتًا نافعًا للّذين تُحرَث لهم، تنال بركة من الله، أمّا إنّ أنبَتَت شوكًا وحسكًا، فهي مرذولة وقريبة من اللّعنة، مآلها إلى الحريق" (6: 7-8).
التّعاقب الزمني الماضي يُعترَفُ به في المناسبات. فيُصبح تعاقبًا في الحاضر. فعندما يتبع عب 11 ترتيبًا زمنيًّا، مخبرًا عن أبطال الايمان في اسرائيل، فإّما يرمي إلى دعوة القارئين إلى "أن يتذكّروا الأيّام السالفة" (10: 32)، لأنّ الماضي قد جُمع في الحاضر. هكذا نرى أنّ هابيل مثلاً ما زال "يتكلّم" (11: 4؛ 12: 24)، وأنّ كلام الله الماضي الذي فاه به الأنبياء، قد تمَّ "الآن" بالكلام بواسطة الابن:
- "على مرارٍ كثيرة، وبأنواع شتّى، قديمًا، كلّم الله الآباء في الأنبياء" (1: 1)؛
- فيسوع المسيح هو أبدًا ذاته، "هو هو أمس، واليومَ، وإلى الدهور" (13: 8).
هناك غَدٌ، لكنّه لن يكون سوى هذا "اليوم" الذي فيه سيأتي يسوع ثانية، ليُكمّلَ عمل الخلاص الذي بوشرَ به "اليوم"
"كذلك المسيح... سيظهر ثانية، بصَرْف النظر عن الخطيئة، للذين ينتظرونه خلاصًا لهم" (9: 28).
يحثُّ الكاتب المسيحيّين على أن يروا ذلك "اليوم" يقترب قائلاً:
"لا نُهْملْ اجتماعنا المشتَرَك، كما اعتاد بعضنا، بل لنُشجّع عليه، ونُكْثِر. بمقدار ما تَرَون اليوم يقترب" (10: 25).
ويحرّضهم أيضًا على أن يسمعوا الآن وعد الله "مرّة واحدة بعد" (12: 26).
لقد أُحصيَت "هذه الأيّام" سلفًا، كما نرى في 1: 2، وبَلَغَت إلى النهاية مِنّْ خلال تتميم نبوءة إرميا:
"هذا هو العهد الذي سأقيمه مع بيت اسرائيل بعد تلك الأيّام، يقول الربّ" (إر 31: 31= عب 8: 10). "اليوم" إذًا هو يوم إقامة العهد الجديد، الذي فيه بالتالي، العهد القديم هو "جاهز لأن ينقضيَ" (8: 13)، علمًا أنّه لم يتوارَ بعد. بنوع خاصٍ أكثر، واستنادًا إلى تعابير الرسالة، "اليوم" هو يومُ ولادة المسيح كابن: "أنت ابني، أنا اليوم ولدتك"، وذلك وُفْق كلمات مز 2: 7 الذي يُسْتَشْهَد به في 1: 5، كما في 5: 5، حيث يُنظر إليهما كمُرادفَيْن لمز 110: 4: "أنت كاهن إلى الأبد على رتبة ملكيصادق". الابن الذي ينتقل بالخليقة (1: 2) وبالماضي (1: 1) إلى الحاضر، هو الكاهن الأعظم الذي يجعل من "اليوم" بداية الزمن الجديد، وبصنْعه التكفير عن كلّ الخطايا يجعل من "اليوم" يومَ التكفير، أقلّه بالنسبة إلى أولئك الذين يقبلون النصيحة القائلة: "اليوم، إذا سمعتم صوته، فلا تقسّوا قلوبكم" (مز 95: 7-8).
يمكن القول بأنّ لدى عب طريقتين لوصف الزمن الحاضر، أي "اليوم". فهناك أوّلاً عبارة "في آخر هذه الأيّام" (1: 2)، التي توحي بنهاية زمن يسير الآن إلى الختام، وتعكس استعمال الجملة في السبعينيّة، من دون كلمة "هذه"، في إطار نبوءة إسكاتولوجيّة، كما في رتبة العهد لدى يش (24: 27)، حيث يُقال أنّ الصخرة هي شاهد لعهد اسرائيل المُجّدِّد "اليوم" و"إلى آخر الأيّام". من المحتمل أنّه ضمن القياس الزمني ينبغي أن تدلّ تلك الإشارة على "اليوم الذي يقترب" (10: 25)، على ظهور المسيح الثاني (9: 28؛ 10: 37)، وعلى زلزلة الله للعالم "مرّة واحدة بعدُ" (12: 26).
وهناك ثانيًا معنى مختلف لنقاش يوم حاضر يستعيد استعمال تث الليّتورجي الذي فيه يوم اللّقاء مع الله هو دائمًا "اليوم" (تث 27: 1؛ 29: 10؛ 30: 11؛ يش 24: 15 و27)، أو "هذا اليوم" (تث 5: 1؛ 26: 16؛ 27: 9ي): هذا هو يوم سماع وصايا الله (تث 5: 1)، يوم قرار اسرائيل لصالح يهوه أو ضدّه (يش 25: 15)، يوم العهد العلني. "اليوم" هو أيضًا زمن اللّقاء والنّدم في مز 81 و95، استنادًا إلى استشهاد عب بمز 95: 7-11:
"اليوم إذا سمعتم صوته،
فلا تقسّوا قلوبكم كما في موضع الخصومة،
يومَ الامتحان في البريّة" (عب 3: 7-8).
تتكرّر الجملة في 3: 15، وثانية في 4: 7، حيث تُعالج بنوع خاص، وكأنّها تُبرز زمنًا خاصًّا، الزمن الذي حدّده الله لشعبه كي يَدْخُلَ راحته.
في عب 4: 7ي، يبيّن الكاتب أنّ يشوع (بن نون) لم يُعطهم راحة، وأنّ المزمور 95: 7-8 الذي يُسمِّى "اليوم" وكأنّه الوقت المناسب، قد كُتب "بعد ذلك بكثير".
4/6- دراسة وجيزة لنص عب 8: 1-9: 28
يتضمّن هذا النص المواضيع التالية:
- بُلِّغَ الكمال:
- نقض العبادة القديمة واستبدالها
- نقض العهد القديم واستبداله
- فراءض العبادة القديمة قاصرة
- ذبيحة المسيح فعّالة ونهائيّة.
تتمحور هذه المواضيع حول مقطعين متعارضين في ما بينهما، ممّا يسمح باكتشاف ميزة هامّة في فكرة كاتب الرسالة تطبع مجمل هذه الأخيرة، ألا هو التمييز بين مرحلتين من تاريخ الخلاص. يمكن التعبير عن علاقتهما أوّلاً بمفردات التتابع الزمني. فهناك مرحلتان موضوعتان الواحدة في موازاة الأخرى:
- في ما مضى،
- وفي منتهى الأيّام الحاضرة؛
الأولى هي مرحلة الوحي "بأشباه شتّى"، والأخرى هي "مرحلة الابن". ينبغي أن نلاحظ في هذا المجال، أنّ ذبيحة المسيح قد وُضعت في آخر الأزمنة (9: 26)، وتقع في الجزء الوسيط من الرسالة. ليس التعارض بين المرحلتين مسألة زمنيّة، بل هناك فرق نوعي بين الاثنين:
- يقابل المرحلة الأولى هذه الخليقة (9: 11) الفانية، أي التي مصيرها الانحلال (1: 1-12؛ 12: 26-27)؛
- ويقابل الثانية حقائق ذات قيمة أكبر (1: 4؛ 7: 19 و22؛ 8: 6؛ 9: 23؛ 10: 34؛ 11: 16 و35؛ 12: 24)، وهي مرحلة تدوم، لأنّ ذبيحة المسيح وحدها هي التي افتَتَحها، فصار هناك خلقٌ إلهي جديد للطبيعة البشريّة في المسيح (عب 9: 11)، وهذا ما يعطي للمرحلة الثانية من الخلاص طابعًا أسكاتولوجيًا، مرماه الله. لهذا السبب "يوم" يسوع هو الحدّ الفاصل والرابط في آنٍ معًا.

5- خاتمة
إذًا، مَن أراد أن يسمع أو أن يصغي إلى الكتاب المقدّس، عليه "اليوم" أن يُفسح المجال لكلمة الله لأن تكون "أمر اليوم"، ولكلمة الله المتجسّد يسوع أن يكشف له ذاته، "اليوم" وكلّ يوم. إنّه بالتأكيد "يوم" الشركة مع الآب والابن والروح، الذي فيه نهتف كاسطفانوس: "ها إني أرى السماوات منفتحة، وابن الإنسان واقفًا عن يمين الله" (أع 5: 56)؛ فلا بد عندها من الانضمام إلى جوق المرنّمين الصارخين:
"للجالس على العرش وللحمل البركة والكرامةُ والمجدُ والعزَّةُ- "اليوم"- (و) إلى أبد الآبدين" (رؤ 5: 13؛ رج 19: 1).



6- مراجع مختارة
* John DUNNILL, Covenant and Sacrifice in the Letter to the Hebrews (Society for the NT Studies, Monograph Series 75; Cambridge University Press 1992).
* L. DUSSAUT, "L'épître aux Hebreux", in Edouard COTHENET et al., les écrits de Saint Jean et l'épître aux Hébreux (Petite bibliothèque des sciences bibliques, coll. "NT", n. 5; Désclée: Paris 1984) 299ss.
* F.V. FILSON, "Yesterday": A Study of Hebrews in the Light of Ch. 13 (Studies in Biblical Theology; London 1967).
* Pierre GRELOT, Le mystère du Christ dans les psaumes (Desclé: Paris 1998) 65-66. Voir aussi pp. 44. 125-127. 148. 253.
* James SWETNAM, Jesus and Issac... (coll. Analecta biblica 94, Rome 1981).
* Albert VANHOYE, La structure littéraire de l'épître au Hébreux (DDB: Paris 1976) 247ss.
* Albert VANHOYE, Prêtres anciens, prêtres nouveau dans le NT (Seuil: Paris 1980) 79-266.
* R.J. TOURNAY, Voir et entendre Dieu avec les Psaumes (Gabalda: Paris 1988) 173ss.
الأب أيوب شهوان

 

 

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM