العفو عن الخاطئة

العفو عن الخاطئة لو 7: 36-50

يروي لنا القديس لوقا خبر العفو عن الخاطئة في لوحة مليئة بالحيوية: يسوع كان مدعوًا إلى وليمة في بيت سمعان الفريسي حين دنت منه امرأة خاطئة وبلّت قدمية بدموعها ومسحتهما بشعرها. تَشكّك الفريسي، فشرح يسوع تصرّفه مع الخاطئة مستعينًا بمثل المديونين ثمّ غفر خطايا المرأة فخرجت مبرّرة بعد أن نالت الخلاص.
تتداخل في هذا الخبر الخاص بلوقا عدة مواضيع: الخطيئة، التوبة، رحمة يسوع للخاطئين، تذمّر الفريسيّين من مواقف يسوع المتسامحة مع الخطأة؛ كما تظهر في خاتمة الخبر مواضيع لاهوتية تتعلّق بالإيمان والخلاص.
هذا الخبر يطرح امامنا عدّة تساؤلات :
هل الغفران الذي منحه يسوع هو نتيجة توبة المرأة أم سبب هذه التوبة؟
كيف تبدو علاقة يسوع بسمعان الفريسي الذي استقبله في بيته؟
إذا قارنّا خبر لوقا مع خبر الإنجيليّين الآخرين، هل نستطيع ان نتعرّف الى اهتمامات الإنجيلي الثالث اللاهوتية؟
سنحاول توضيح هذه الأمور لنتوصّل إلى المعنى الكرستولوجي الذي يريد القديس لوقا أن يوصله الى قرّائه من خلال هذا النص.

أولاً: الحب سبب الغفران أم نتيجته؟
يتضمّن نصّ العفو عن الخاطئة مجموعتين أدبيتين متميّزتين: يبدأ لوقا فيعرض لنا الخبر الذي يروي قصة مغفرة يسوع لامرأة خاطئة أثناء مأدبة عشاء في بيت أحد الفريسيين. ثمّ يقحم الإنجيليّ الثالث في هذا الخبر مثل المديونين الذي استشهد به يسوع ليشرح تصرّف الخاطئة (7: 40-43).
إنّ الاستعانة بمثل المديونين يجب أن تساعد الفريسي على فهم تصرّف الخاطئة؛ وبعبارة أخرى، من المفروض وجود تطابق بين مغزى المثل من ناحية وبين تعليم الخبر من ناحية أخرى. غير أنّ قراءة دقيقة للنص تكشف أنّ الرباط بين المثل والخبر ليس متماسكًا؛ سنحاول أن نستعرض البراهين التي تثبت عدم التماسك بين الخبر والمثل.
1- يؤكّد الخبر أنّ الخاطئة جاءت إلى يسوع وبلّت قدميه بدموعها علامة على توبتها، وحين رأى يسوع تصرّفها غفر لها خطاياها؛ هذا يعني أنّ المغفرة هي نتيجة ندامة المرأة. غير انّ المثل يعرض العلاقة بين الدائن والمديونين بطريقة مختلفة عن الخبر. فنحن نلاحظ أنّ الدائن بادر فغفر للمديونين وبعد ذلك أظهر له كلّ من المديونين مقدارًا محدّدًا من الحب؛ من الواضح أنّ الغفران في المثل قد سبق الحب الذي أظهره المديونان، وهذا يناقض طبعًا تعليم الخبر الذي يؤكّد أنّ المرأة أظهرت أولاً حبّها وتوبتها، وبعد ذلك غفر لها يسوع خطاياها.
2- هناك صعوبة أخرى يواجهها النقد الأدبي. وهي تكمن في كيفية فهم معنى آ 47 التي تقول: "فإذا قلتُ لك إنّ خطاياها الكثيرة غُفرت لها، فلأنها أظهرت حُبًا كثيرًا. وأمّا الذي يُغفر له القليل، فإنه يُظهر حبًّا قليلاً".
في القسم الأول من هذه الآية، نلاحظ أنّ الحب هو سبب الغفران وهذا يتطابق مع تعليم الخبر؛ أمّا في القسم الثاني من الآية عينها، فإننا نلاحظ أنّ الحب هو نتيجة المغفرة وهذا يتطابق مع تعليم المثل.
حاول الشراح ترجمة آ 47 بطريقة آخرى، وذلك بهدف التوفيق بين شقَّي هذه الآية اللذين يتضمّنان معنيين متباينين؛ إنّ محاولة التوفيق هذه تنطلق من ترجمة الكلمة اليونانية (أوتي) التي يُمكن فهمها بطريقتين مختلفتين؛ وبالفعل إنّ العودة الى المعاجم تؤكّد أنّ كلمة اوتي تتضمّن المعنى السببي (أوتي = لأنّ) ولكنّ الكلمة ذاتها يُمكن أن تتضمّن المعنى الناجم (أوتي = ف).
إذا أخذنا بالمعنى السببي، نقرأ الآية 47 كما يلي: إنّ خطاياها الكثيرة غُفرت لها لأنّها أظهرت حبًّا كثيرًا.
أمّا إذا أخذنا بالمعنى الناجم فيُصبح معنى الآية كما يلي: إنّ خطاياها الكثيرة غُفرت لها فأحبّت كثيرًا.
بما أنّ المعنى السببي الذي تتبنّاه معظم الترجمات قد أوجد تناقضًا بين شقي آ 47 كما رأينا اعلاه، لذلك يفضّل بعض الشرّاح تبنّي المعنى الناجم الذي يُزيل التباين بين شقي آ 47 وبالتالي يُصبح الخبر متماسكًا مع تعليم المثل. بعبارة أخرى، يقول المثل إنّ الدائن غفر للمديونين وبعد ذلك أظهر له المديونان الحب؛ ويقول الخبر (بحسب المعنى الناجم) إنّ يسوع قد غفر أولاً للخاطئة. ونتيجة لهذه المغفرة أظهرت المرأة حبًا كبيرًا من خلال تصرّفاتها المتواضعة.
إنّ المعنى الناجم يجعلنا نفهم أنّ تصرّف المرأة هو برهان على الغفران الذي نالته، فهي قد قرأت الغفران في عينيه وفي تسامحه الإلهي؛ لقد حصلت الخاطئة على مغفرة خطاياها منذ اللحظة الأولى للقائها مع الرب وذلك قبل أن يقول لها يسوع في نهاية الخبر: "غُفرت لك خطاياك" (آ 48).
غير أنّ هذه المحاولة التوفيقية التي تتبنّى المعنى الناجم لكلمة أوتي تصطدم ببعض الصعوبات، لأنها تفترض أنّ يسوع بدأ فغفر للخاطئة وبعد ذلك أظهرت له المرأة العرفان بالجميل؛ ولكنّ خبر لوقا لا يوحي لنا بأنّ يسوع غفر فورًا للخاطئة التي دنت منه، بل بالعكس نحن نعلم أنّ المعلّم الإلهي منح الغفران للمرأة في نهاية الحوار بينه وبين سمعان.
بعد أن عرضنا البراهين التي تُشير إلى عدم التماسك بين الخبر والمثل، يبقى السؤال مطروحًا: هل أراد لوقا أن يُعلّمنا، من خلال خبر العفو عن الخاطئة، أنّ الحب يسبق الغفران أم أنّ الغفران يسبق الحب؟
يبدو أنّ لوقا لا يريد التشديد على العلاقة المتبادلة بين الغفران والحب، بل بالأحرى هو يركّز اهتمامنا على تعليم يسوع الذي يُوجّهه الى سمعان الفريسي الذي تذمّر من تصرّف يسوع غير اللائق مع امرأة خاطئة. فلنحاول ان نعالج علاقة يسوع بالفريسيّين كما يعرضها القديس لوقا في إنجيله.

ثانيًا: يسوع على مائدة الفريسيّين في إنجيل لوقا
ينفرد لوقا عن الإزائيّين فيعرض لنا يسوع يناقش الفريسيين أثناء تناوله الطعام على موائدهم؛ فحين دعاه أحد الفريسيين الى الغداء عنده، وقد تعجّب الفريسي أنه لم يغتسل قبل الغداء، أجاب يسوع متهجّمًا على المُضيف وعلى الفريسيين (11: 37-52)؛ كذلك حين كان يسوع يتناول الطعام في بيت أحد كبار الفريسيين يوم السبت، حصل جدل بينه وبين الفريسيين حول امكانية شفاء رجل مصاب بداء الاستسقاء يوم السبت، وقد استعان يسوع في حواره بمثل رجل ينشل ابنه او حماره يوم السبت إذا وقع في بئر (14: 1-6)؛ ويُخبرنا القديس لوقا أن الفريسيين يتذمّرون من جلوس يسوع إلى مائدة جباة الضرائب والخاطئين، فيجيب يسوع على المعترضين بإيراده أمثال الرحمة مثل الخروف الضال، مثل الدرهم المفقود، مثل الأب الحنون" (لو 15).
نجد إذًا عند لوقا عدة أخبار تعرض لنا يسوع يناقش الفريسيين في إطار مأدبة طعام؛ إنّ الوليمة هي مذكورة بشكل عابر. غير أنّ دورها الأساسي يبدو وكأنه إعطاء الإطار الذي يسمح ليسوع ان يُلقي تعليمه، وعادة يكون تدخّله بواسطة الأمثال ليبرهن لمحاوريه أنه ما جاء ليدعو الأبرار الى التوية بل الخطأة (5: 27-32).
إننا نجد تقاربًا واضحًا بين خبر العفو عن الخاطئة وبين المقاطع الخاصة بلوقا التي عرضناها. فالرسمة هي عينها: يسوع كان مدعوًا إلى وليمة عند سمعان الفريسي حين دنت منه خاطئة وبلّت قدميه بدموعها؛ تذمّر الفريسي متشكّكًا من موقف يسوع المتسامح، فأجاب يسوع بايراده مثل المديونين ليُشدّد على رحمته الإلهية تجاه الخطأة.
نلاحظ إذًا إنّ تعليم خبر العفو عن الخاطئة لا يتركّز على الغفران الذي يسبق الحب او بالعكس على الحب الذي يسبق الغفران، بل بالأحرى يريد لوقا ان يوجّه انتباهنا في هذا الخبر إلى التعليم القاسي الذي يوجّهه يسوع إلى سمعان الفريسي الذي يعترض على موقفه المتسامح تجاه امرأة خاطئة جاءت تطلب الغفران.

ثالثًا : العفو عن الخاطئة وخبر الازائيين عن الدهن بالطيب
روى الإنجيليون الآخرون خبرًا مشابهًا لخبر لوقا ولكن في إطار مختلف؛ يقول متى ومرقس ان يسوع كان في بيت عنيا عند سمعان الأبرص وقد دنت منه امرأة وأفاضت الطيب على رأسه فشرح يسوع موقفها معتبرًا انّ فعلتها هي إكرام لدفنه (مت 26: 6- 13؛ مر 14: 3- 9).
يُعطي يوحنا تفاصيل خاصة به تختلف عن خبر متى ومرقس؛ يقول الإنجيلي الرابع إن يسوع كان في بيت عنيا كما ذكر متى ومرقس ولكن في بيت لعازر الذي كان يسوع قد أقامه من بين الأموات؛ هناك دهنت مريم، أخت لعازر، قدمي يسوع بطيب من الناردين الخالص الغالي الثمن ثمّ مسحتهما بشعرها؛ إعترض الإسخريوطي فشرح يسوع موقفها: إنه إكرام مُسبق للدفن (يو 12: 1-8).
إنّ مقارنة خبر لوقا مع خبر الإنجيليين الآخرين تكشف عدة اختلافات في التفاصيل كما في العمق؛ ينفرد لوقا بقوله انّ يسوع كان في بيت سمعان الفريسي، والخاطئة بلّت قدميه بدموعها؛ إن خبر لوقا يوجّهنا إلى توبة المرأة في حين انّ الإنجيليّين الآخرين وجّهوا خبر الدهن بالطيب نحو دفن يسوع (مت 26: 12 وز).
من الملاحظ أن لوقا لا يروي خبر الدهن بالطيب في بيت عنيا، وهذا يدفعنا إلى الاعتقاد انّ الإنجيلي الثالث استقى خبر العفو عن الخاطئة من مصادره واستشهد بمثل المديونين ودمجهما في خبر واحد ليُعطي لقرّائه تعليمًا عن رحمة يسوع اللامتناهية نحو الخاطئين الذين يدنون منه؛ لقد امتنع لوقا عن ايراد خبر الدهن بالطيب في بيت عنيا لأنه يعتبر أنه سبق له أن ذكر خبرًا مشابهًا في ظروف أخرى طبعًا بحسب اهتماماته اللاهوتية التي تختلف عن اهتمامات سائر الإنجيليّين. من الواضح أن الإنجيلي الثالث يريد التشديد على إيمان الخطأة بيسوع في حين أن الذين يظنّون أنهم أبرار ظلّوا بعيدين عنه. لذلك أنهى لوقا خبره بقول يسوع للمرأة: "إيمانك خلّصك، إذهبي بسلام" (7: 50)؛ هكذا أصبحنا في خبر لوقا أمام إيمان الخطأة الذين يمنحهم يسوع الغفران.

رابعًا: غفران الخطايا في إطار الكرستولوجيا العليا
نجد في النص الذي نعالجه كشفًا عن شخصية يسوع وذلك كما اختبره الفريسي سمعان من جهة، وكما اختبرته الخاطئة من جهة أخرى.
فالفريسي يعتبر أن يسوع هو إنسان عادي، لذلك استقبله في بيته مثله مثل سائر المدعويّن: لم يغسل له قدميه ولم يقبّله ولم يسكب الطيب على رأسه؛ بعبارة أخرى، لم يعترف الفريسي بوجود شخص مهمّ في بيته، ولكنّه يعرف انّ يسوع هو نبي، غير أنّ هذا النبي لا يملك المعرفة الواسعة لأنه لم يكتشف انّ هذه المرأة هي خاطئة ويجب إبعادها.
أمّا الخاطئة، فقد اختبرت يسوع بطريقة مغايرة تمامًا: رأت فيه إنسانا يستطيع ان يمنح الغفران للتائبين وهذا ما دفعها لكي تأتي إليه ساجدة ونادمة على خطاياها السابقة؛ انّ تصرّفها يعبّر عن إيمان عميق واعتراف بكرستولوجيا عليا: فمن يمكنه أن يغفر الخطايا إلا الله وحده (لو 5: 21)؟ هذا الإيمان الذي عبّرت عنه المرأة من خلال تصرّفاتها هو الذي منحها الخلاص وبالتالي إنّ فعلة المرأة هي نتيجة إيمان بألوهية يسوع الذي يمنح الغفران للتائبين.
نلاحظ إذًا أنّ الإنجيليّ الثالث يعرض لنا اختبارين متمايزين لشخصية يسوع عبّر عنهما الفريسي والخاطئة أثناء مأدبة العشاء. يريد يسوع ان يُعلّم الفريسي سمعان الذي استضافه انّه لا يجب التفتيش عن الخلاص من خلال تطبيق حرفي للشريعة، بل بالإيمان بيسوع المسيح؛ وبعبارة أخرى، لا يلوم المعلّم الإلهي سمعان الفريسي على كيفية إستقباله المتحفّظة له، بل على عدم اعترافه بشخصيته الإلهية.

خامسًا: العفو عن الخاطئة والندوات اليونانية
تعوّد اليونانيون على تنظيم الندوات في إطار الولائم، والندوة هي اجتماع يتحدّث فيه عدّة متكلّمين في موضوع معيّن؛ طوّرت مؤلّفات افلاطون النوع الأدبي للندوات التي يُعطى فيها دورٌ مهم لبعض الشخصيّات المعروفة (مثلاً: سقراط)؛ إنّ وصف الوليمة هو عابر ومُقتضب، حتى انّ نوع الطعام المُقدّم ليس مذكورًا لأنّ الهدف الاساسي هو النقاش الذي يبدأ عادة في نهاية الوليمة.
يعرض الشخص المعروف تفكيره الحكمي والفلسفي أمام المستمعين، ويتدخّل المضيف عادة في النقاش مع المدعوّ الأساسي وغالبًا ما يكون المُضيف إنسانًا مُثقفًا وغنيّاً وكان المدعوّون أحيانًا يتنازعون على اختيار المقاعد الأولى.

1- الندوات في إنجيل لوقا
كتب لوقا بعض فصول إنجيله على نمط الندوات اليونانية، فالفصل 14 مثلاً له ميزات مشتركة مع ميزات الندوة اليونانية: يسوع هو مدعوّ عند فريسي مميّز (أحد رؤساء الفريسييّن آ 1). والمدعوّون هم علماء الشريعة والفريسيون (آ 3)؛ يجري نقاش بين صاحب الدعوة وبين يسوع حول كيفية دعوة الأصدقاء (آ 12)، ويتدخّل أحد المدعوين في النقاش (آ 15). إنّ الحدث الأساسي الذي سبّب هذا النقاش هو شفاء رجل مصاب بداء الاستسقاء يوم السبت؛ يردّ يسوع على المحاورين بإيراده مثل المقاعد الأولى (آ 7-11)، مثل اختيار المدعوّين (آ 12-14) ومثل المدعوّين المتخلّفين عن الدعوة (آ 15- 24).
يبدو أنّ هذه الندوة حول مأدبة الطعام تُشكّل الإطار الذي سمح للإنجيليّ الثالث أن يعرض الأمثال المذكورة؛ ليس من الضروري أن يكون يسوع قد طرحها لمحاوريه في هذا الإطار، غير أن اهتمامات الإنجيلي الثالث دفعته لعرض هذه الأمثال في إطار الندوات اليونانية.
وهناك مقاطع أخرى يعرض فيها لوقا تعليم يسوع في إطار الولائم الشبيهة بولائم الندوات (لو 11: 37-54؛ 15: 1 ي؛ 19: 5 ي)؛ إنّ هذه المقاطع هي متشابهة في بنيتها وتكشف عن أسلوب الإنجيلي الثالث في عرض الأخبار والأمثال التي استقاها من مصادره ورتّبها بحسب حاجات قرّائه واهتماماتهم.
نقارن مثلاً بين متى ولوقا اللذين عرضا تهجّم يسوع على الفريسيين: إنّ التويّلات على الفريسيين في إنجيل متى (مت 23) هي معروضة في إطار الآلام بعد أن طرد يسوع الباعة من الهيكل وهو يستعدّ للإعلان عن دمار الهيكل. أمّا لوقا فإنه يعرض التويّلات على الفريسيين في إطار مأدبة الطعام الشبيهة بالندوات في الفصل 11 من إنجيله (11: 37-54).

2- العفو عن الخاطئة في إطار الندوات
يمكننا أن نعتبر أن خبر العفو عن الخاطئة ينتمي الى النوع الأدبي للندوات الذي نجده في إنجيل لوقا، لأن العناصر الأساسية التي تميّز الندوات هي متوافرة في هذا النص:
أ- آ 36: يسوع هو مدعو الى مائدة الطعام في بيت فريسي، ويغيب وصف الطعام.
ب- آ 37-38: تدخل امرأة خاطئة وتدنو من يسوع، وهذا الأمر سوف يسبّب ردّة فعل عند الحضور.
ج- آ 39: ردّة فعل الفرّيسي غير المُعلنة هي بداية النقاش بين المُضيف وبين يسوع المدعو الأساسي.
د- آ 40: يظهر لأول مرّة إسم الفرّّيسي: سمعان، وهذا الكشف التدريجي عن عناصر النص هو خاص بالنوع الأدبي للندوات.
هـ- آ 40-42: تدخّل يسوع يستند إلى مثل المديونين.
و- آ 43: الحوار بين يسوع والمُضيف ينتهي بطريقة مُقنعة؛ قال يسوع للمُضيف: بالصواب أجبت، وهذا يدلّ أن يسوع استطاع أن ينتزع شهادة من محاوره عن مغزى التعليم الذي يريد المعلّم الإلهي أن يوجّهه له.
هذه المعطيات التي عرضناها تثبت انتماء نص العفو عن الخاطئة إلى النوع الأدبي للندوات؛ استطاع يسوع بواسطة البراهين الدامغة أن يُقنع محاوره سمعان الذي وافق على مضمونها؛ إن التعليم الذي يريد يسوع أن يوجّهه إلى الفرّيسيين حول رحمته اللامتناهية نحو الخطأة يُشكّل ثقل النص. لم يستقبل المُضيف يسوع بحفاوة وإكرام يليق بالضيف الإلهي في حين أنّ الخاطئة بإيمانها وحبّها أظهرت له مقدارًا كبيرًا من العرفان بالجميل لذلك نالت مغفرة خطاياها السابقة.
في الختام نقول إنّ لوقا، في هذا الخبر الخاص به وفي كل المقاطع التي تعرض علاقة يسوع بالفرّيسيين، يريد أن يعلّمنا أنّ الرب يدعوهم إلى التواضع وهو يحاول أن يُفهمهم أنّ البر الذي يستمدّونه من الشريعة هو سطحي وخارجي وهو ليس البرّ الحقيقي. يتّكل الفريسيون على أعمالهم الشخصية وعلى تطبيق حرفيّ للشريعة وهم لا يبحثون عن الخلاص بالمسيح. بالمقابل، أظهرت الخاطئة ليسوع ليس إيمانًا عابرًا وحسب بل اعترافًا بألوهيته وقدرته على مغفرة الخطايا.
يطلب يسوع من محاوريه أن يكون لديهم القلب المتواضع؛ إذا كان الفرّيسي يتباهى أنه بار وأنّه يطبّق الشريعة، فهذا لا يكفيه، بل عليه أن يعبّر عن إيمان عميق بيسوع كما فعلت تلك المرأة. يلتقي لوقا في هذا الأمر مع القدّيس بولس الذي يشدّد في رسالته إلى أهل روما على التبرير بالإيمان لنيل الخلاص. لقد تحفّظ الفرّيسي في استقباله ليسوع، في حين أنّ الخاطئة التي ترزح تحت وزن ماضيها المثقل بالخطايا طلبت من يسوع كما تطلب من الله مغفرة الخطايا؛ لقد تجاوزت الخاطئة بتصرّفها وإيمانها تصرّف سمعان إلى حدّ بعيد، فخرجت وقد ألقت عنها خطاياها السابقة لتبدأ حياة جديدة منحها إياها الرب يسوع الذي يتحنّن على الخطأة التائبين إليه.
الخوري نعمة الله الخوري

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM