العظة البرنامج في مجمع الناصرة

العظة البرنامج في مجمع الناصرة لو 4: 16-22

ترد زيارة يسوع للناصرة في لوقا (4: 16-30)، ومرقس (6: 1-6) ومتى (13: 54-58). ولكن لوقا يتفرّد بذكر الزيارة في بدء رسالة يسوع العلنية، حيث جمع في خطبة ثلاث خطب قد يكون يسوع ألقاها في مناسبات ثلاث. في الأولى (4: 16-22)، استقبله أهل الناصرة بحفاوة بالغة، وفي الثانية (4: 23-24)، أدهش أهل بلدته. وفي الثالثة (4: 25-30)، هدّده أبناء الناصرة بالقتل.
ويتفرّد لوقا بذكره كل شيء عن صلات يسوع بالناصرة، وكأنّ صلتُه ببلدته تبيّن صلتَه بشعبه: تبدأ بالحماس، ثم تهمُد، ثم تنتهي بالرذل والصلب.
دراستنا اليوم تتناول الخطبة الاولى (4: 16-22) أو ما سُمِّيَ بالعظة البرنامج، إذ إنها تحدّد برنامج رسالة يسوع العلنية. وهي تحوي، إلى جانب المقدّمة، قراءة نص أش 61:1-2أ وشرح النص وتعجّب أبناء الناصرة.

1- المقدمة: مجيء يسوع إلى الناصرة (آ 16 أب)
لم يكتف لوقا بجمع المعلومات وتدوينها بل رتّب وبوّب حسب ما جاء في مقدّمة إنجيله (1: 1-4)، فتفرّد وتميّز. وإذا ما قارنّا مقدّمة لوقا (4: 16 أب) بمقدّمة مرقس (6: 1-2 أ) ومتى (13: 54) لتبيّنّا فرادته وغايته.
* لا يذكر لوقا التلاميذ الذين، حسب مرقس، يَصحَبون يسوع، لأنه حتى الآن، وخلافًا لمرقس ومتى، لم يتكلّم عن دعوة التلاميذ، واختيارهم من قِبَل يسوع. ينتظر حتى يشاهد التلاميذُ يسوع في العمل: يعلّم ويشفي في كفرناحوم (4: 31-44). بعدها يروي قصّة اختيارهم والصيد العجيب (5: 1-11).
* يذكر لوق "وجاء إلى الناصرة" مستعملاً الإسم الآرامي للمدينة كما في متى (4: 13)، ولكن يمتنع أن يسميها "وطن يسوع" كما في متى (13: 54) ومرقس (6: 1). ربما لأن يسوع لم يولد فيها (لو 2: 4-7) أو لأن إسرائيل كلّها هي وطن يسوع (4: 24-27).
* يلمح بكلمة واحدة "حيث كان ترعرع" إلى ما ذكره عن طفولة يسوع في الناصرة (2: 39-40 و51-52).
يُظهر إنجيل لوقا غيرة والدي يسوع في تطبيق الشريعة (2: 21 و22- 24 و39 و41-42)، ويُظهر يسوع في المجمع عدّة مرّات يوم السبت (كفرناحوم 4: 31 و33؛ شفاء أشلّ 6: 6؛ شفاء حدباء 13: 10). ولكن هذا السبت هو الأول حيث يتكلّم يسوع علانيةً في المجمع خلال الصلاة.
قصّة طفولة يسوع ابتدأت في الناصرة (1: 26) واكتملت في هيكل أورشليم (2: 41). وقصّة رسالته تبدأ أيضًا في الناصرة، في المجمع (4: 16) وتتم، بعد صعود طويل، في قلب المدينة المقدّسة (19: 45...).
مجيء يسوع إلى مجمع الناصرة تدشين لرسالته وتحديد لبداية عمله العلني. حتى يحدّدا غاية الزيارة اكتفى مرقس ومتى بعبارة عامة: "ابتدأ يعلّم" (مر 6: 2 ب). "وكان يعلّمهم" (متى 13: 53). أما لوقا فقد استشهد باشعيا (61: 1-2) محدّدًا رسالة يسوع. ولم يأت على ذكر التعليم إلا في الملخّص السابق لهذا النص: "وكان يعلّم في مجامعهم" (4: 15)

2- ليتورجية المجمع (آ 16ج- 17 و20أ)
جرى ظهور يسوع العلني خلال احتفال ليتورجي في المجمع، وهو علامة مميّزة لليهودي المؤمن المحافظ على التوراة. ويسوع مثل أترابه وكعادته يتردّد إلى المجمع المحلّي ويشارك في احتفالات السبت. وهو غالبًا ما يختار المجمع وهيكل أورشليم ليعلّم ويعلن البشارة الجديدة (4: 15- 16 و44؛ 6: 6؛ 13: 10؛ 19: 45-49؛ 20: 1؛ 21: 37-38؛ 22: 53)، وهذا ما اعتمده من بعده الرسل إذ بشّروا أوّلاً في المجامع ثم انتقلوا إلى الوثنيين (لو 24: 53؛ اعمال 2: 46؛ 3: 1 و3 و8؛ 5: 20- 21 و25 و42...). إذًا إعلان الملكوت لم يتمّ على هامش الجماعة اليهودية، بل في المجمع وفي قلب الجماعة الليتورجية.
كان الاحتفال الليتورجي في مجمع فلسطيني أيام المسيح يتبع السياق التالي:
* يبدأ بتلاوة "إسمع اسرائيل" (تث 6: 4-9؛ 11: 13-21؛ عد 15: 36-41)
* يتبعها قراءة من التوراة: ف ر ش ه.
* ثم قراءة من الأنبياء:هـ ف ت ر ه.
* وينتهي ببركة الكاهن.
يحقّ لكل شخص راشد، كونه عضوًا في شعب الله المقدّس، أن يشارك في الصلاة التي يترأسها رئيس المجمع (لو 8: 41) وهو الذي يسهر على سير الاحتفال والتنظيم (لو 13: 14) ويختار القرّاء والمفسّرين (اع 13: 15).
القراءات هي جزء أساسي في ليتورجية المجمع. فعلى القارئ أن يقف ويقرأ، في اللغة العبرية المقدّسة، المقطع الذي تفرضه الروزنامة الليتورجية والتي تعتمد قراءات مختارة من التوراة. أمّا القراءات المتتابعة على مدار ثلاث سنوات فقد اعتُمدت بعد سنة 135م. بينما قراءة الأنبياء فهي ثانوية وعليها أن تمتّ بصلة بشكل أو بآخر، إلى القراءة الأولى.
وبما أن اللغة العبرية أيام المسيح لم تكن مفهومة إلا من البعض، فكان يساعد القارئ مُترجم يترجم النصّ العبريّ إلى اللغة الآرامية المحكية والمعروفة من الجميع. رواية لوقا لم تتكلّم لا عن قراءة التوراة ولا عن المترجم الآرامي، بل عن نبوءة اشعيا فقط.
بعد القراءة، يسترجع المسؤولُ عن الكتب المقدّسة، "الخزّان" (لو 4: 20)، وهو في الوقت عينه البواب والمنادي ومعلّم المدرسة، الدرْج (أو: اللفيفة) الذي كان قد قدّمه إلى القارئ. بعدها يجلس الجميع لسماع العظة. فاذا ما وُجد بين الحضور شخص يرغب في تشجيع إخوته انطلاقًا من الكتب، يدعوه رئيس المجمع إلى الكلام، وهذا ما يفسّر تدخّل يسوع.
يعرف لوقا جيدًا العادات الليتورجية. فلقد اتبّع في وصف الاحتفال بالقراءة أسلوبا متوازيا، جاعلاً من نبوءة أش 61: 1-2أ قلب هذا التوازي ليشدّد على أهمّيّتها.
16ج وقام ليقرأ أ أأ 20ج وجلس
17أ فدفع إليه السفر ب ب ب 20 ب وسلمه إلى الخادم
17ب ولمّا نشر السفر ج ج ج 20أ ثم طوى السفر.
د: 18- 19، نبوءة اشعيا.

3- قراءة أش 61: 1-2أ= لو 4: 18-19
يستشهد لوقا، بتصرّف، بنص اشعيا، حسب الترجمة اليونانية السبعينية، وهو يحمل في طيّاته صعوبات عدّة:
* لوقا يحذف من الآية الأولى في اشعيا "لأشفي منكسري القلوب". ربما لأنها لا تنسجم مع رفض يسوع بإجراء شفاءات في وطنه (آ 23).
* يَزيد "اُرسِلُ المنسحقين في الحرّيّة"، مستوحاة من أش 58: 6.
* يستبدل الفعل "أدعو" بسنة الرب المقبولة (اش 61: 2) بفعل "انادي" (لو 4: 18ج) المستعمل في الآية السابقة مركزًا على المناداة.
* يُنهي الإستشهاد بإعلان السنة "المقبولة" δεκτοS. والكلمة لعبت دور الصلة بين الخطبة الأولى والثانية في تصريحات يسوع الجدلية: لا "يُقبل" نبي في وطنه (4: 24).
* يقطع اش 61: 2 بعد "وأنادي بسنة الرب المقبولة" وقبل ذكر "يوم الانتقام". يعلن اشعيا "سنة نعمة" و"يوم انتقام" فيقدّم بذلك الموضوع النبوي التقليدي "ليوم يهوه" الذي هو "قضاء وخلاص". فيسوع لا يتكلّم عن القضاء، ليس لأنه يرفض هذا الموضوع الذي يحتل مكانه في إنجيله (لو 6: 20-26؛ 9: 29؛ 10: 12-15؛ 11: 30-32...)، ولكن الموضوع في هذه العظة يتعلّق فقط برسالته على الأرض وهي شمولية موجهة لكل الناس.
فيوم القضاء هو يوم انتقام وحكم على الوثنيين، لذلك حذفه مشدّدًا على شمولية الخلاص (راجع لو 7: 22؛ متى 11: 5 حيث تظهر جليًا الشمولية في جواب يسوع لتلاميذ المعمدان في استشهاده باشعيا 35: 5-6؛ 28: 18-19، 61: 1). كما حذف في استشهاده بيوئيل (3: 1-5أ) في أع 2: 17- 21، نهاية النص النبوي، مشدّدًا أيضًا على شمولية الخلاص الذي ورد في بداية الاستشهاد "أفيض روحي على كل بشر" (3: 1د). وفي نهاية نص الناصرة يُذكّر بتصرّف ايليا واليشع اللذين توجها إلى وثنيين (آ 25-27) مشدّدًا من جملة الأمور على شمولية الخلاص في يسوع المسيح.
* يختلف الشرّاح وينقسمون إلى فئتين حول بناء الجملة في بداية الاستشهاد:
- الفئة الأولى تعتبر أن رسالة إعلان البشرى للمساكين ترتبط مباشرة بفعل التكرّس (مسح) وفعل "أرسل" يتحكّم بسائر الجملة. باعتبار أن تبشير المساكين يتعلّق بالتكرّس المسيحاني، وهذا جليٌ في ارتباط حدث العماد في الأردن (3: 21) بحدث الناصرة (4: 1، 14) فيصبح حلول الروح على يسوع هو سبب إرساله وتحديد رسالته في إعلان البشرى السارة للمساكين. وتصبح الجملة: "روح الربّ عليّ لانه مسحني لأبشّر المساكين، أرسلني لأنادي...".
- والفئة الثانية تعتبر أن إعلان البشرى للمساكين يتعلّق ليس بفعل التكرّس بل بفعل الإرسال، باعتبار أن التذكير بنص اشعيا في لوقا 4: 43 يصبّ في هذا المعنى: "عليّ أن أبشّر بملكوت الله سائر المدن أيضًا، فأنا لهذا أرسلت". يسوع يعرف أنه أرسل ليعلن البشرى. وفي أع 10: 38 حيث يشير لوقا لنبوءة اشعيا "بروح قدس وقدرة مسَح الله يسوع الناصري الذي ساح يعمل الخير..." فتصبح الجملة: "روح الربّ عليّ لأنه مسحني وأرسلني لأبشّر المساكين وأنادي...".
* الاستشهاد قصير جدًا حتى يشكّل قراءة حقيقية. وحسب المعلومات المتوفّرة، فالقراءة الليتورجية هي اش 61: 2-9 و62: 1-5، بينما نص لوقا يبدأ في 61: 1. كما أن القارئ في المجمع لا يحق له أن يغيّر النص الكتابي.
هذه الحرية في استعمال النص وتحويره سخّرها لوقا لأغراضه اللاهوتية.
نص اش 61: 1-2 الذي يطبّقه الرب عليه يخصّ مجموعة من قصيدتين (اش 60 و62) تعلن لإسرائيل حياة جديدة بعلاقة مع الإصلاح والبناء في أورشليم. ولمعرفة أهميّة الرّجاء في القصيدتين، وجب العودة إلى جذورهما التاريخية.
عاد المسبيون إلى بلادهم وابتدأ البناء والاصلاح، لكنّه اصطدم بعقبات كبرى ومظالم عدّة. فكان لا بدّ من بعث الثقة والرجاء بتدخّل الله الحي في جماعة يتأكلها البؤس والإحباط. أعلن النبي للأسرى والعميان والمساكين... أن الله سيضع حدًا لهذه المأساة التي يعيشون. هذا الرجاء يتحقّق بمجيء نبي حدّد اش 61 مهمّته. بالنسبة لسامعي يسوع، صفات وميزات هذا النبي هي صورة عبد يهوه كما جاءت في اش 42: 1 و7. قبل كل شيء هو ممسوح من الله بروح الأنبياء. هذا المسيح النبيّ سيكون المرسل من الله، ممتلئًا نعمًا خاصة حتى يُتمَّ رسالته الإلهية. مهمّته في أساسها إعلان البشرى السارة المرتبطة بتحرير التعساء وخلاصهم. تفتتح البشرى السارة الأيام الجديدة التي تصادف مجيء ملكوت الله على الأرض ويختصرها اشعيا "بسنة الرب المقبولة" أي سنة اليوبيل الكبير.
أخذ لوقا كل هذه الصفات الأساسية في نبوءة اشعيا وطبّقها على المسيح. وإن شدّد في مجيء المسيح على فعل الكرازة أي المناداة: أنادي للمأسورين بالإطلاق... وأنادي بسنة الرب المقبولة، فذلك تلميح إلى رسالة الكنيسة الرسولية الآنية. رسالتها ومهمّتها ليستا الوعظ والكلام عن الله، ولكن إتّباع يسوع وإعلان حقيقة العمل الإلهي في العيش بين الناس. هذا العمل الخلاصي المحرّر الذي يشدّد عليه لوقا بلفظة الحرّيّة αφεσιЅ "أنادي للمأسورين بالحرّيّة" (آ 18) و"أرسل المنسحقين في الحرّيّة" (آ 19) يتوجّه إلى الفقراء والبؤساء على أشكالهم.
واستنادًا إلى الطوبيات (المساكين والجياع والحزانى لو 6: 20-21)، فإنّ العمل يعبّر عن إرادة الله التي تريد أن تضع حدًّا للأوضاع اللاإنسانية، لكل شر لا يُحتمل كونه عقَبةً وتحدٍّ لعدالته الإلهية حيث صغار الشعب هم الضحية. بالنسبة لهم مجيء المسيح هو بشرى سارة، هو بشرى لتحريرهم.
هذا التحرير الذي هو علامة مجيء الملكوت، يجب أن يُفهم أيضًا كونه للخلاص والغفران، أعطي لجميع الناس في المسيح يسوع كما فهمته تقاليد العهد الجديد التي تربط دائمًا التحرير αφεσιЅ بمفهوم الخطيئة. غفران الخطايا الذي هيّأت له رسالة المعمدان (مر 1: 4؛ لو 1: 77) هو محور عمل يسوع الأرضي (متى 26: 28) كقلب البشارة والشهادة الرسولية (لو 24: 47؛ اع 2: 38؛ 5: 31؛ 13: 38). الغفران يتطلّب من الإنسان التوبة والإيمان بالمعمودية. فهو ينتزعه من مملكة الظلمات ويفتح له أبواب الملكوت والشركة مع المسيح القائم (اع 10: 43؛ 26: 18؛ قول 1: 13-14). فعلى قدر ما الخطيئة ليست عَرَضًا ولكن قوة تطال الكيان كلّه، نفهم أن الخلاص والتحرير الداخلي يتعلّقان بالفعل بتجديد كيان الإنسان الوجودي. هذا النوع من التحرير لا يُفهم الاّ كبشرى جديدة.
كتب مرتيني حول البشرى السّارة للمساكين في لو 4: 18 أنه بين الميل لفهمها كونها تحريرًا حاليًا آنيًا من العذاب والمرض... أو الميل لفهمها كإعلان عن مستقبل اسكاتولوجي، ويرى أنه يجب على جمع المعنيين أن يكونوا في حالة من يقبل البشرى السارة. المسيح يعطي إنجيل الخلاص الاسكاتولوجي لمن هو فقير روحيًا ويعلن لفقراء هذا العالم تغيّرًا في الأوضاع يبدأ منذ الآن ويعالج إنهاء وضع العوز والحاجة الإقتصادية والإجتماعية.
هنا نتوقّف عند بروز لاهوت التحرير. لفت الانتباه "إعلانُ يسوع النبوي" مع مواضيعه، وفهمه البعض، فقط بمعناه الحرفي، إعلان حلول إجتماعية للصحة والفقر. ورفضوا كل معنى روحي ومجازي. كما أن التبشير السائد سابقًا كان يعتبر أن المعنى فقط روحي مدّعّين أن يسوع لم تكن غايته من الاستشهاد باشعيا أن يحقق إصلاحًا إجتماعيًا ثوريًا فيعطي العبيد الحرّيّة ويعفي المديونين. فيسوع استعمل نص اشعيا بمعنى مختلف بعيد عن المعنى الحرفي، استعمله بمعنى روحي عندما وضعه في منظار الخلاص الروحي في خط ملكوت الله. بمعنى آخر فعل بشّر وجب فهمه بمعنى بشّر بالملكوت. هذا لا يعني أن يسوع أعلن عن خيرات مادية محضة وأرضية، ولكن أعلن عن خيرات رأتها التفسيرات النبوية في العصر المسيحاني مروحنة أكثر فأكثر مجيء ملكوت الله. ولكن التحرير يجب فهمه أيضًا بأنه يفرض تحريرًا كاملاً للإنسان بكليته.

4- تأوين الكلام النبوي (آ 21)
تبنّى يسوع نص النبيّ اشعيا، وأعلن صراحة أنه النبي المسيحاني المعلن في اشعيا، وفي الوقت ذاته حدّد برنامج رسالته على الأرض.
أن يكون يسوع هو المسيح، لوقا أشار بذلك جليًا في إطار الرؤية في حدث العماد. فالصوت السماوي أعلن مع المزمور 2: 7 "أنت ابني وأنا اليوم ولدتك" (لو 3: 22). وفي حدث الناصرة هويّة هذا المسيح تتحدّد: إنه المسيح النبي. فكما شدّد لوقا على أن "اليوم" تحقّق المزمور المسيحاني (3: 22) مع مجيء المسيح، كذلك يشدّد لوقا هنا على أن "اليوم" (4: 21) يتحقّق الكلام النبوي ويتمّ في شخص يسوع الذي يبدأ رسالته العلنية.
"اليوم" كلمة مميّزة في الخلاص اللوقاني، تعني أن نبوءة اشعيا أصبحت حقيقة. فالذي تكلّم عنه فيما مضى الأنبياء أصبح الآن هنا. هذه الكلمة تفرّد بها لوقا واستعملها عدة مرات: في مولد يسوع (2: 11)، وعماده (3: 22)، في شفاء المخلّع (5: 26)؛ والأعاجيب والسير نحو أورشليم (13: 32-33)، وتوبة زكا (19: 5 و9)، والوعد للص اليمين (23: 43)؛ وهي تدلّ على أنّ حضور يسوع يؤلّف في الزمن مرحلة فريدة. لا يرى لوقا في ذلك نهاية الزمن لأنه يعرف الكنيسة، والكلمة تشير أيضًا إلى زمن الكنيسة، زمن النعمة الإلهية في الكنيسة التي اتبعت حياة المسيح وتنتظر مجيء الرب (12: 40؛ 17: 22- 37؛ 18: 8؛ 21: 27). ولكنّه يرى في رسالة يسوع زمنًا خيّرًا في التاريخ، زمن نعمة بين نهاية العهد القديم وانتشار الكنيسة. يسوع يطبّق على نفسه نبوءة اش 61. فقد نال الروح في العماد كدهن ألبسه رسالة مقدّسة يصفها لوقا برسالة المسيح.
لكن يسوع هو مسيح مختلف عن الملك الزمني الذي كان ينتظره معاصروه. رفض يسوع علنًا لقب المسيح (4: 41) واحتفظ بكشف السر لجماعة التلاميذ عندما أصبحوا مهيّئين لقبول ذلك (9: 18-21). في بداية رسالته حدّد نفسه نبيًا يحمل بشرى الخلاص. فقدّم له نص اشعيا صورة عبد يهوه ومواضيع إنجيله الأساسية.
الأزمنة الأخيرة بدأت، ويسوع دشّنها بمجيئه إلى الناصرة. ظهوره في الناصرة بالنسبة للوقا ليس إعلان نعمة خاصة وحسب، بل وعد بالتحرير والحياة لكل الذين يؤمنون به. وهذا هو مختصر كل الإنجيل وُضع في بداية حياة يسوع العلنية كبرنامج لرسالته وكدعوة ملحّة "اليوم" لحمل البشرى السّارة لكل الخليقة.

5- تفسير اش 61: 1-2
شرح النبوءة يفترض الكلام عن تحقيقها وتتميمها، وهذا التتميم مرتبط بشخص يسوع الذي تتكلّم عنه النبوءة. كما أن إعلان البشرى للمساكين مرتبط بعلامات خلاص أخرى من الضروري تحديد معناها. لذلك سنتوقف عند ثلاث نقاط:

أ- تتميم الكلام النبوي
في مرقس 1: 15 يقول يسوع: "تمّ الزمان، وأقبل ملكوت الله". يبدو أن لوقا استبدل هذا القول لمرقس بـ "اليوم قد تمّ هذا الكتاب على مسامعكم" مستعملاً الفعل "تمّ" ذاته πεπληρωται؛ ولكن المعنى يختلف إذا ما استُعمل لمقطع من الكتاب أو لفترة زمنية وصلت إلى نهايتها. الكتاب المقدّس يتنبّأ ويعلن عن حدث مستقبلي، وهذا الحدث قد صار الآن حقيقة راهنة. القول النبوي وجد تتميمه اليوم في آذان الذين يسمعون: ونستطيع أن نزيد: على مرأى من عيون الذين يرون (لو 10: 23). موضوع الكتب وتتميمها في يسوع هو عزيز على قلب لوقا، ولكنّه يطبّقه على أحداث أورشليم، على آلام وقيامة يسوع. في أورشليم "سيتمّ كل ما كتب الأنبياء في ابن الإنسان" (لو 18: 31). بموته يتمّ ما كُتب في توراة موسى والأنبياء والمزامير (24: 44) (راجع أيضًا اع 3: 8؛ 13: 29 و33). تطبيق نص أشعيا على رسالة يسوع العلنية لا يتوافق مع طريقة لوقا في استعمال موضوع تتميم الكتاب المقدس الذي يطبّقه فقط على الآلام والقيامة. التقليد السابق للوقا يطبّق نصوصًا نبوية على يوحنا المعمدان.
{اش 40: 3= مر 1: 3 (لو 3: 4)؛ ملاخي 3: 1= متى 11: 10 (لو 22:7)}. فإذا كانت رسالة يوحنا سبق وأعلنها الأنبياء، فبالأولى رسالة يسوع. زد على ذلك أن لوقا عرف التلميح إلى أش 61: 1 في جواب يسوع لرسل المعمدان (لو 7: 22). وقد ألمح يسوع إلى هذا القول النبوي كتحديد لرسالته الإلهية.
فاللجوء إلى موضوع تتميم الكتاب في رسالة يسوع العلنية ليس من خصائص لوقا. ولكن التقليد الإنجيلي استدعى لوقا أن يعبّر بهذه الطريقة (راجع أع 10: 38)

ب- رسول البشرى السارة
بإعلانه أن النبوءة تمّت "اليوم"، يلفت يسوع انتباه أبناء الناصرة إلى الوقت الحاضر، أي زمن تحقيق الوعد. وهذا الانتباه للزمن يقابله الانتباه إلى شخص يسوع. وعندما يتكلّم عن تتميم الكتب، فالامر يتعلّق بما كتب حول "ابن الإنسان"، حول آلامه وموته وقيامته (لو 18: 31): "ينبغي ان يتمّ فيّ ما جاء في الكتاب" (22: 37). "ينبغي أن يتمّ كل ما كتبت فيّ توراة موسى والأنبياء والمزامير" (24: 24). والخطبة الرسولية في انطاكية بيسيدية ما هي إلا ترداد وصدى لقوله هذا: "وبعدما أتموا كل ما كتب فيه" (اع 13: 29).
الإطار المباشر للاستشهاد يوضح أن لوقا يفسّر أش 61: 1-2 في معنى مسيحاني، كرستولوجي. فهو يركّز على شخص يسوع في الآيات التي تسبق النص. فنص مرقس الموازي (1: 14-15) يقدّم الرسالة بأنه "بعدما أسلم يوحنا مضى يسوع إلى الجليل ينادي ببشرى الله قال: تمّ الزمان وأقبل ملكوت الله، فتوبوا وبالبشرى آمنوا". هذا يصبح في لو 4: 14-15: "وعاد يسوع إلى الجليل بقوة الروح وذاع خبره في كل الناحية وكان يعلّم في المجامع فيمجّده كل سامع". ما يهمّ لوقا ليس رسالة قرب ملكوت اللّه، ولكن فقط شخص يسوع وتأثيره على الناس.
رتّب لوقا على أن يقرأ يسوع في المجمع نص أشعيا ويحدّد رسالته، كما نص آخر لاشعيا حدّد رسالة المعمدان في 3: 4-6. مقابلة الاستشهادين تكفي لتدلّ على أن الثاني يطبّق على المسيح كما أن الأول على المعمدان.
تفسير أشعيا في 4: 21 محاط بتضمين يساعد على فهم النص. فقبله يلحظ لوقا "عيون الجميع في المجمع شاخصة إليه" (20 ب). وبعده "وكان الجميع يشهدون له ويتعجبون من كلمات النعمة الخارجة من فيه" (22 أ)؛ هذا التعجب حول شخص يسوع ترجموه بتساؤل "أليس هذا ابن يوسف؟" (22 ب). وفي الآيات 23-24 شخص يسوع هو محور التصريحات.
إذًا في الآية 21، الأمر يتعلّق بالشخص الذي يتكلم، أكثر منه بالكلام الذي به يتفوّه. الأسلوب لا يختلف عن جواب يسوع لرسل يوحنا: يسوع يجاوب ويكشف عن هويته بما يقوم من اعمال خلال رسالته (لو 7: 22). وإجراء آيات الخلاص تدلّ في الحقيقة على هويته الحقيقية. فبقوله لابناء الناصرة أن زمن الخلاص صار "اليوم" لهم، فهذا يعني أن يسوع يقدّم ذاته كونه مرسل الله الذي يحقق هذا الخلاص.

ج- آيات الخلاص
يسوع يقدم ذاته ويندمج بالشخص الذي يتكلم بصيغة المتكلم المفرد في نبوءة اش 61: 1 "روح الرب عليّ لأنه مسحني، أرسلني...". زمن الخلاص هو "اليوم" لأن يسوع هو هنا. زمن الخلاص هذا الذي اعتبره أش 61: 2 "سنة الرب المقبولة" فأعطاه هكذا صفة السنة اليوبيلية الكبيرة، تحدّده آيات تميز عمل مرسل الله.
لوقا يعدّد اربع آيات: إعلان البشرى السّارة للمساكين، مناداة بالحرّيّة للمأسورين، عودة البصر للعميان، إرسال المنسحقين في الحرّيّة. البعض يعتبر أن الآية الأولى تختزل رسالة المرسل والثلاث الباقية ما هي إلا أمثال عليها. والبعض الآخر يعتبر أن الآية الأولى تؤلّف الميزة الأولى بين الميزات المختلفة لرسالة يسوع. فما هي العلاقة بين البرنامج النبوي وعمل يسوع خلال رسالته؟
ليس من الصعب أن نقدّم أمثالاً واقعية عن إعلان البشرى للمساكين وإعادة البصر للعميان. ولكن لمن الصعب أن نرى على ما تدلّ رسالة يسوع في "تحرير المأسورين والمنسحقين". هل في هاتين الحالتين كلمة "حرّيّة" αφεσιЅ لها معنى مجازي، وتعني الغفران الذي يمنحه يسوع للخطأة (راجع لو 7: 36-50)؟ وإذا كانت الحالة كذلك، أفليست الآيات الباقية لها أيضًا معنى مجازي ومدلول روحي؟ لنتبين مقصد لوقا، علينا الاستعانة بثلاثة نصوص لنرى كيف هو فسّرها وفهمها:
أولاً: جواب يسوع ليوحنا المعمدان (7: 18-23)
لائحة آيات زمن الخلاص في لو 7: 22 "العميان يبصرون والعرج يمشون والبرص يطهرون والصمّ يسمعون والموتى يقومون، والمساكين يبشّرون" هي ذاتها في متى 11: 5، وتعود بالتأكيد إلى مصدر مشترك. فالتفسير الذي أعطاه لوقا هذه اللائحة لا يترك أي مجال للشك وذلك بفضل الآية 21 السابقة حيث يقول أنه: "في تلك الساعة، شفى يسوع كثيرين من أمراض وعاهات وأرواح شريرة ومنح عميانا كثيرين البصر"، ففي نص متى لا نجد شيئا من هذا القبيل. تلميذا يوحنا اللذان كانا شاهدين لكل هذه الآيات هما مدعوّان لأن يخبرا معلمهما بما "رأيا وسمعا (22أ). أولاً بما رأيا لأنهما شهدا بعض الآيات، ثم بما سمعا لأنهما سمعا عن قيامة الموتى كإحياء ابن الأرملة (7: 11-17) التي كان لوقا قد ذكرها فورا قبل وصولهما.
يبدو جليًا من الإطار المباشر أن لوقا فهم بالمعنى الحرفي لائحة الآيات في الآية 22. فالعميان الذين أعاد لهم البصر لم يكونوا مصابين بالعمى الروحي بل العمى الجسدي. فالشفاء هو شفاء جسدي حسي.
ثانيًا: تفسير نبوءة أش 61: 1-2 في أع 10: 38
الآية 10: 38 تقول إن الله "مسح يسوع الناصري بروح قدس وقدرة، وهو الذي ساح يعمل الخير، ويشفي كل من وقعوا في حيازة الشيطان، لان الله كان معه". هذه الآية تشبه أع 2: 22 حيث الأمر يتعلّق بآيات منظورة حسية، بشفاءات بها أيّد الله يسوع. هذا يعني أن يسوع يحرّر المرضى من النتائج الجسدية لحيازة الشيطان وسيطرته. ففعل καταδυναστεω الذي يعني الوقوع في حيازة الشيطان الظالمة يختلف عن الفعل αποστελλω في أش 58: 6 "أرسل المنسحقين في الحرّيّة" الذي استعمله لوقا في 4: 18. ومع هذا، يسوع حرّر المرضى، في شفائه لهم، من حيازة الشيطان: حيازة جسدية وليس فقط روحية. لا يستطيع أحد أن يبرهن غفران الخطايا وبالتالي فهو لا يشكّل علامة كافية لتأييد رسالة يسوع وبرهانًا قاطعًا على أن الله معه (راجع يو 3: 2؛ اع 7: 9).
ذكرُ الشيطان كونه سبب العلل التي منها شفى يسوع الناس خلال رسالته العلنية، لا يدعو إلى إعطاء هذه العلل المعنى الروحي والمجازي. وإذا كان لو 4: 18 يجمع إلى المرضى المساكين، هذا يعني أن حالة الحرمان التي يعيشها الفقراء، والتي يعتبر أن سببها المجتمع وليس الشيطان، مع أن الواحد لا ينفي الآخر، هي أيضًا لها معنى حرفي واقعي وبالتالي ينتظر المساكين بشرى سارة لا تكون ولا يمكن أن تكون فقط روحية.
ثالثًا: مقابلة سبت الناصرة بسبت كفرناحوم (4: 16-30 و31-43)
كان من الطبيعي أن يحرّك إعلان يسوع في مجمع الناصرة شعور السامعين فيدعونه إلى التطبيق، لذلك ينبّه لوقا القارئ في 4: 23 أنه يجد التطبيق في رواية كفرناحوم لأن يسوع لم يرَ ضرورة لاجتراح الآيات في وطنه. فهذه الآية تشير إلى 4:31-43 حيث نجد شفاء ممسوس في المجمع (31-37) وشفاء حماة سمعان (38-39) وعند الغروب شفاءات كثيرة من أمراض مختلفة (4-41). تشكّل شفاءات كفرناحوم إطارًا لنبوءة أش 61: 1-2 التي استشهد بها يسوع في مجمع الناصرة وعاد فأشار إليها في 4: 43 حيث يسوع يترك كفرناحوم ليبشر بملكوت الله سائر المدن، فهو لذلك أرسل. كل هذه الشفاءات هي آيات أولى تدلّ على الخلاص المذكور في النبوءة. وهذا المدلول نجده في جواب المسيح لرسل المعمدان (7: 18-23) وفي خطبة بطرس في قيصرية (اع 10: 38).
يبقى السؤال الأخير: ما هي علاقة بشرى المساكين بشفاء المرضى؟
النصوص الثلاثة التي فسرت اش 61: 1-2 حسب لو 4: 18-19 لم تعط أي شرح حول إعلان البشرى للمساكين وربطها بشفاء المرضى. ربطُ المساكين بالمرضى نجده في نصين خاصين بلوقا: الأول وصية يسوع لمن يقيم وليمة: "إذا أولمت فأدعُ مساكين وزمنى وعرجانا وعميانا" (لو 14: 13)؛ والثاني هو مثل المدعوين إلى الوليمة حيث يصدر السيد الامر إلى عبده بأن "سارع إلى ساحات المدينة وشوارعها، وجئني بالمساكين والزمنى، بالعميان والعرجان" (لو 14: 21). أما في سائر الحالات، فالمساكين لم يُذكروا مع المرضى الذين شفاهم يسوع. يبدو أن ارتباط المرضى بالمساكين في هذين النصين ليس إلا بسبب فقرهم المفترض. هذا الفقر كان لهم بمثابة الحظ الجيد إذ أهّلهم للدعوة إلى الوليمة. بالفعل لا يجهل لوقا الطوبيات للمساكين والجياع (6: 20-21)، والبشرى السّارة التي تعلنها لهم تلعب دورًا أساسيًا لدرجة أنها تشكل طالع سوء للأغنياء والشباع (6: 24-25) (راجع مثل لعازر والغني 16: 19-31).
نبوءة أش 61: 1-2 تمّت في رسالة يسوع بمعجزات الشفاء التي بها حرّر الناس من حيازة الشيطان. ولكن نستطيع أن نرى أيضًا في حاجة المساكين وجهًا آخر لحيازة الشيطان، وان الفقر هو نتيجة الخطيئة وأنانية الإنسان، وأن رسالة المرسل الالهي المعلن عنها في أشعيا تهم أيضًا وقبل كل شيء ضحايا الظلم الاجتماعي. حاول لوقا أن يروحن ويعطي بعدًا داخليًا لمأساة المساكين الذين ساعدهم يسوع كعلامة لمجيء زمن الخلاص. الأعمال العظيمة هي التي تحرّر الإنسان برفعه من حقيقة مأساته الواقعية الحسية.
نستطيع التساؤل حول مثلي لوقا في 4:25-27 إذا ما كان لهما علاقة باستشهاد أشعيا: فأرملة صرفت صيدون لم تُدعَ فقيرة، ولكن الرواية التي يشير إليها المثل تذكر صراحة فقر هذه المرأة المدقع التي كانت تصنع كعكة لها ولابنها وتنتظر بعد ذلك الموت بسبب الجوع. هذا مثل إنسانة فقيرة أرسل الله نبيّه ليقدم لها الضروري للعيش (1مل 17: 1-16)؛ أما نعمان السوري فليس أسيرًا ولا أعمى ولا مظلومًا، ومع هذا فتطهيره من برصه هو تحرير حقيقي. إذًا فتدخّل إيليا لصالح الأرملة واليشاع لصالح نعمان الأبرص يمكن اعتباره إشارة لرسالة يسوع في تتميم نبوءة أش 61. وهذا يعني أن رسالة يسوع هي رسالة خلاص تفوق الحاجات الجسدية، ولكنّها تجد في هذا الحقل تعبيرها الأول وعلامتها الحسية.
وضعُ المساكين يعتبر وضعًا مأساويًا. فالفقر شرّ، ومجيء ملكوت الله ينبغي أن يضع حدًّا لهذا الوضع المأساوي؛ كذلك عليه أن يضع نهاية لوضع المرضى البائس. في ملكوت الله لن يكون فقراء. يخبرنا لوقا أن المسيحيين الأولين كانوا يضعون كل شيء بينهم مشتركًا ولم يكن بينهم معوز (أع 4: 34)، محقّقين بذلك ملكوت الله على الأرض، محقّقين بذلك اليوبيل الكبير وفرح الخلاص.
الأب أسعد جوهر

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM