الكتاب المقدس

الكتاب المقدس

إن الكتاب المقدس بعهديه القديم والجديد هو مجموعة من 73 كتابًا. كُتب في زمن امتد إلى 1500 سنة وآخر أسفاره كتبت بعد 100 سنة من ميلاد وموت وقيامة المخلص. ولقد صمد الكتاب المقدس أمام كل تحديات الزمن، منذ ما يقارب الألفي سنة، وهو الكتاب الأكثر انتشارًا والأكثر قراءة في كل أصقاع العالم. هناك عدد كبير ممن اشتركوا في كتابته في أوقات وأمكنة مختلفة وأتوا من طبقات اجتماعية متباينة. منهم من شدَّد على كتابة التاريخ، ومنهم من اختصَّ بكتابة اللاهوت، ومنهم من كتب الشعر، ومنهم من كتب النبوءات، ومنهم من كتب في الفلسفة، وأكثرهم لم يكونوا على اتصال مع بعضهم البعض.
إن المسيحيين يؤمنون بأن الكتاب المقدس هو كلمة الله، لأن المسيح أثناء حياته على الأرض وتعليمه كان دائمًا يشير باستمرار إلى العهد القديم ويستشهد به: "لا تظنوا أني أتيت لأحل الناموس والأنبياء إني لم آت لأحلّ لكن لأتمّم". "الحق أقول لكم: إنه إلى أن تزول السماء والأرض لا تزول آية أو نقطة واحدة من الناموس حتى يتمّ الكل" (مت 5: 17-19).
"ثم أخذ يفسِّر لهما من موسى ومن جميع الأنبياء ما يختصّ به في الأسفار كلّها" (لوقا 24-27). "أنتم تبحثون في الكتب لأنكم تحسبون أن لكم الحياة الأبدية فهي التي تشهد لي" (يو 5: 39).
"وأنك منذ الطفولية تعرف الكتب المقدس القادرة أن تصيرك حكيمًا للخلاص بالإيمان، بالمسيح يسوع. فإن الكتاب قد أوحي به من الله وهو مفيد للتعليم وللحجاج وللتقويم وللتهذيب بالبر" (2 تم 3: 15-17).
إن الكتاب المقدّس هو كتاب إعلان الله عن نفسه. فهو ليس بالضرورة كتاب تاريخ، ولا بالضرورة كتاب علم. وفي نفس الوقت، فهو لا يتناقض مع أية فرضيّات علمية معترف بها. كما هو ليس بالضرورة كتاب فلسفة. فالكتاب لا يقدّم نظريات فلسفية تحقق عن وجود الله، ولكن الله هو الذي يظهر نفسه للإنسان بطريقة شخصية. والكتاب المقدس يتكلم مع كل الناس، مع البسطاء منهم ومع المثقفين والمتفلسفين، كل بحسب لغته. في الكتاب المقدس تظهر محبة الله للإنسان بعملية الفداء لكي يعتق الإنسان من الخطيئة ويعيده إلى الحظيرة الإلهية. وفي العهد الجديد، فالله يعلن عن نفسه بكل وضوح وجدية فيرسل ابنه الوحيد ليتجسَّد ويصبح إنسانًا، فتتحقق به كل النبوءات ويصالح الإنسان مع الله ويعيده إلى ما كان عليه قبل السقوط. فكل من يؤمن به لا يهلك، بل تكون له نعمة الحياة الأبدية، لأنه لهذا أتى وقبل الموت ومن ثم قام من الأموات بذات سلطانه وداس الموت بالموت وفجّر الحياة في كل قبر ومنحنا الحياة الأبدية، ثم صعد إلى السماوات وأرسل الروح القدس على تلاميذه وأرسلهم إلى العالم أجمع ليكرزوا بملكوت الله. "فمن آمن واعتمد يخلص ومن لا يؤمن يدان". وفي الكتاب المقدس قوَّة هائلة ليس فقط للإعلام، ولكن لإصلاح الإنسان وتغيّر مجرى حياته تغيّرًا جذريًا. والكتاب المقدس من مصدر ما فوق الطبيعة أزليّ مستمر ومعصوم، نبع يتدفّق باستمرار، وحيدٌ بمحتوياته.
لقد كتب القديس يوحنا كرونشتادت الكتاب 29: 1-8 ما يلي: أتعرف ما الذي ثبّت أساسَ عودتي إلى الله ومن الذي ندّى قلبي بالحب نحوه وأنا لا زلت بعد في طفولتي!
كان الإنجيل الشريف. كان والدي يملك كتاب العهد الجديد باللغة السلافية وكنت أعشق قراءة هذا الكتاب المدهش خلال أيام عطلتي المدرسية حينما أعود إلى البيت. أسلوبه وبساطته جعلاه في متناول منطقي الطفولي. قراءة الأناجيل فرحتُ بها ووجدتها عزاء لا بديل عنه.
هذا الإنجيل كان بحوزتي في الأكاديمية، وأستطيع القول إنه كان رفيق طفولتي ومعلمي ومرشدي ومعزّي، وإني أعتدته منذ سنين مبكرة.
إذًا الكتاب المقدس هو الشيء الآخر المختلف عن كافة الكتب البشرية. هو الكتاب الذي يقودنا إلى ما بعد الكلام البشري ليدخلنا مباشرة إلى كلام الله، إلى سرّ الله. إن ميزات الكتاب المقدس وصفاته ناتجة عن صفاته الرئيسية هذه.
1- "الكتاب غير سائر كتب الناس": الكتاب المقدس هو كلام الله يعلن لنا سرَّه وأعماله ومقاصده.
2- "الكتاب هو تاريخ البشرية المقدسة يعلن لنا بدءها ومصيرها ونهايتها. إنه تاريخ الخلاص.
3- الكتاب مكان لقاء واتحاد بين الخالق والمخلوق.
وهذا مهم جدًا. مغزاه أن للكتاب معنى داخليًا وأنه بالتالي يتعلَّق بي مباشرة. هو ليس تاريخ البشرية كلّها وحسب، بل هو تاريخ كل نفس شخصيًا منذ ولادتها حتى اتحادها بالله.
عندما نكرم الكتاب لا نكرم الحرف. إن تكريم الحرف نوع من الصنمية. الحرف ضد الروح. الأيقونة مثلاً خشبة والقدّيس إنسان والإنجيل أحرف، ولكنَّنا عندما نكرِّم الأيقونة والقدّيس والإنجيل، لا نكرِّم مادة الأيقونة أو شخص القدّيس أو أحرف الإنجيل، وإنَّما حضرة الله المخفية والمعلنة في آن واحد في كل من الأيقونة والقدّيس والإنجيل. في قراءتنا الكتاب المقدّس نتحوّل إلى قدّيسين وإلى أنبياء وإلى مبشَّرين وإلى معترفين، حتى نستطيع أن نقول مع بولس الرسول: "لست أنا أحيا بل المسيح يحيا فيا".
الياس
مطران طرابلس والكورة وتوابعهما

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM