الصلاة الثانية عشرة: مديح الله

الصلاة الثانية عشرة
مديح الله
12 (6) حقاً إنَّه واجب ولائق أن نمدحك، قبل كل شيء،
أنت الاله الحقّ والموجود قبل جميع الخلائق.
فمنك كلُّ أبوّة في السماوات وعلى الأرض تنال اسمَها (أف 31: 5).
وحدك لم تولد، ولا بداية لك،
المستقلّ، السامي، اللامحتاج وقائد كلِّ خير.
تفوق كلَّ علّة وكلَّ أصل، وأنت أنت هو على الدوام.
منك، كما من ينبوع، يأتي كلَّ شيء إلى الوجود.
(7) فأنت المعرفة التي لا بداية لها،
والرؤية الأبديّة، والسماع اللامولود، والحكمة المولودة فيك.
أنت جئتَ بكل شيء من العدم إلى الوجود،
بابنك الوحيد الذي ولدتَه قبل جميع الدهور،
بمشيئتك وقدرتك وحنانك، وبدون وساطة:
هو الابن الوحيد، الكلمة والله، الحكمة الحياة،
بكر كل خليقة، ملاك مجلسك العظيم،
كاهنك الأعظم والعابد الذي يليق بك،
الملك وسيّدُ كلِّ طبيعة عاقلة وحسيّة.
إنه قبل كل شيء، وبه وُجد كل شيء (كو 1: 17).
(8) أيها الاله الأزليّ، به (= بالمسيح) صنعتَ كل شيء،
وبه أيضاً جعلت كلِّ شيء ينعم بعنايتك المتنبّهة.
به وهبتَ الوجود، وبه منحتَ السعادة.
يا الله وأبا ابنك الوحيد،
به خلقتَ، قبل كل شيء، روحَ الحقّ (يو 14: 17)،
مفسِّرَ الوحيد وخادمه،
وبعده (خلقت) الكروبيم والسروفين، والأدهار والجيوش
والقوّات والسلطات والرئاسات والعروش (كو 1: 16)
ورؤساء الملائكة والملائكة
وبعدهم جميعاً، خلقتَ به العالم المنظور وكلّ ما فيه.
(9) أنت أقمتَ السماوات مثل قبّة وبسطتها كخيمة (إش 40: 22)
وأسّست الأرض على العدم، بمشيئتك وحدها
وثبّت الجلد، وكوّنت النهار والليل
وأخرجت النور من خزائنك
وحين كسفته، جئت بالظلام ليرتاح الأحياء من تحرّكهم في العالم.
في السماء، وضعتَ الشمس لتسوس النهار، والقمر ليسوس الليل
ورتّبت في السماء جوقة الكواكب لامتداح عظمتك.
(10) وخلقت المياه للشرب والتطهير،
والهواء المحيي من أجل التنشّق
وإخراج الصوت حين يضرب اللسانُ الهواء
ولمساعدة السمع لكي يُدرك الأصواتَ التي تصله.
(11) خلقتَ النار لتخفّف الظلمة،
وتلبّي حاجاتنا فتُدفئنا وتنيرنا.
(12) والبحر العظيم فصلتَه عن الأرض:
جعلتَ (البحر) للملاحة، وثبتّ (الأرض) لأرجلنا.
ملأت الأول بحيوانات عديدة، صغيرة وكبيرة
وملأت الثانية بحيوانات داجنة ووحوش
ملأتها بالخضر المتنوّعة، توّجتها بالأغراس،
زيّنتها بالأزهار، وأغنيتها بالزروع.
(13) كوّنتَ الغمر وحصرته في الحوض الكبير،
في البحر الممتلئ بالمياه المرّة
والمسجون وراء أبواب، هي شواطئ الرمل الدقيق.
تارة ترفع (البحر) علوَّ الجبال،
وطوراً تبسطه كسهل من السهول.
تارة تجعله يهيج بفعل الرياح،
وطوراً تهدئُه فتوقف الرياح،
وتجعله صالحاً للملاحة حين ينطلق البحّارةُ في سفنهم.
(14) أحطتَ بأنهار، الكونَ الذي خلقتَ بالمسيح،
ورَوْيَته بالسيول، وسقيتَه بينابيع لا تنضب.
وجعلتَ حوله الجبال
لتؤمّن للأرض أساساً متيناً لا يتزعزع.
(15) جعلتَ الكون عامراً، وزيّنته بالأعشاب العطرة والشافية،
وبالحيوانات العديدة والمختلفة، القويّة والضعيفة.
للطعام وللعمل، الحيوانات الداجنة والوحوش،
مع صفير الأفاعي، ونشيد الطيور،
ودورة السنين وحساب الأشهر والأيام،
ونظام الفصول وجري السحاب المملوء مطراً
ليُنتج الثمارَ ويغذّي الأحياء،
وكتلة الرياح التي تجفّف، بأمرك، النباتَ والأعشاب.
(16) وما خلقتَ الكون فقط،
بل وضعتَ فيه الانسان، مواطن العالم.
جعلتَ منه زينةَ الكون، فقلتَ في حكمتك:
"لنصنع الانسان على صورتنا ومثالنا،
وليملك على سمك البحر وطير السماء" (تك 1: 26).
(17) لهذا كوّنتَه بنفس خالدة وجسد بالٍ.
كوّنت الأولى من العدم، والثاني من العناصر الأربعة.
منحتَ نفسه الحكم والعقل،
والتمييز بين التقوى والكفر، والتعرّف إلى البار والشرّير.
والجسد منحته الحواس الخمس والحركة والتحرّك.
(18) فأنت، أيها الاله القدير،
بالمسيح غرستَ جنّة في عدن، نحو المشرق،
وزيّنتها بكل نبات يْؤكل (ثمره).
وكما إلى بيتٍ فخمٍ، أدخلتَ فيه الانسان
الذي وهبته الشريعة الباطنيّة، حين خلقتَه،
فتكون فيه وبه بذورُ المعرفة الإلهيّة.
(19) وحين أدخلتَه في جنة السعادة
جعلته يقاسم سلطتك على كل شيء
وما منعتَه إلاّ من طعام واحد، أملاً بالخيور السامية،
لكي ينال جزاء الخلود، حين يُطيع هذا الوصيّة.
(20) ولكن خدعتْه الحيّةُ، وأشارت إليه المرأة،
فاحتقر هذه الوصيّة، وذاق الثمرة المحرّمة.
فطردتَه بحقّ إلى خارج الجنّة،
ولكنك، في حنانك، لم ترذل الانسان الضالّ بشكل نهائيّ.
فهو صُنْع يديك.
بل أخضعتَ له الخليقة، وأتحت له بأن يقتات بعرقه وتعبه.
ولكنك أنت الذي يجعل (النبات) يفرح وينمو وينضج
جعلتَه يرقد بعض الوقت، ثم دعوته بقسَم إلى الولادة الجديدة.
حرّرتَه من شريعة الموت، ووعدتَه بالحياة، بواسطة القيامة.
(21) وما اكتفيتَ بهذا (يا ربّ)،
بل نشرتَ نسله في جمهور لا عدّ له.
مجّدت الذين لبثوا أمناء لك،
وعاقبتَ الذين ابتعدوا عنك.
قبلتَ ذبيحة هابيل، كما من قدّيس،
ورذلتَ تقدمة قايين، قاتل أخيه، كما من ملعون.
وأخذت إليك شيتاً وأنوش، واختطفتَ أخنوخ.
(22) فأنت خالق البشر، وقائد الحياة،
يا من تسدّ العوز، وتعطي الشرائع،
وتجازي من يحفظها، وتعاقب من يتجاوزها.
جئتَ بالطوفان العظيم على الكون بسبب كثرة الأشرار،
وأنقذتَ من الطوفان، في السفينة، نوحاً البار مع ثمان أنفس.
كانت تلك نهاية جيل وبداية (جيل) جديد.
أشعلتَ ناراً مرعبة على مدن سدوم الخمس،
وحوّلتَ الأرض الخصبة إلى ملح، لشرّ سكّانها (مز 107: 34)،
وانتزعت لوطاً القديس، من النار المحرقة.
(23) أنت نجّيت ابراهيم من شرّ أجداده،
وجعلتَه يرث العالم، وأريته مسيحَك (يو 8: 56).
أقمتَ ملكيصادق عظيم كهنة عبادتك (تك 14: 18)،
وجعلت أيوب خادمك ينتصر، بعد آلام كثيرة، على الحيّة، مبدأ الشرّ.
جعلت من اسحق ابن الوعد،
وجعلتَ يعقوبَ، أبا الاثني عشر ولداً، جماعةً كبيرة،
وأدخلتهم إلى مصر، وكان عددُهم خمساً وسبعين نفساً (تك 46: 27).
(24) وأنت، يا ربّ، ما تخلّيتَ عن يوسف،
بل جازيتَ عفّةً حافظ عليها، من أجلك،
وأتحتَ له أن يكون حاكمَ المصريّين.
ولما تضايق العبرانيّون، بسبب المصريّين،
لم تتركهم، يا ربّ، بسبب مواعيدك للآباء،
بل نجّيتَهم وعاقبتَ المصريّين.
(25) أفسد البشرُ الناموسَ الطبيعيّ.
أو هم اعتبروا الخليقة صنعتْ نفسَها بنفسها،
أو هم عبدوها، كما لا يليق، وساووها بك، يا إلهَ الكون.
فما تركتَهم في الضلال،
بل أقمتَ خادمك القديس، موسى،
وأعطيتَ به الناموس المكتوب ليساند الناموس الطبيعي.
بيّنتَ أن الخليقة صُنعتُك، فدمّرتَ ضلالَ المشركين.
مجّدتَ هرون ونسله بالكرامة الكهنوتيّة.
كنتَ تعاقبُ العبرانيين حين يخطأون، وتقبلُهم حين يتوبون.
(26) والمصريون، عاقبتَهم بالضربات العشر.
فتحتَ البحر فجعلتَ بني اسرائيل فيه يعبرون،
ودمّرتَ المصريين الذين انطلقوا في إثرهم، فأغرقتهم في الماء.
بالشجرة حلّيت المياه المرّة، ومن صخرة قاسية فجّرت الماء.
من السماء أمطرتَ المن طعاماً، ومن الهواء، السلوى.
عمود النار أنارهم في الليل،
وفي النهار، ظلّلهم من الحرّ عمودُ سحاب.
أقمتَ يشوع رئيساً للجيش، وبه دمّرت سبع أمم كنعانيّة،
شققتَ الأردن، وجفّفت أنهر إيتام،
قلبتَ الأسوار وما احتجتَ مجانيقَ ولا أيدي بشر.
(27) من أجل كل هذا، المجد لك، أيها السيّد القدير!
أمامك يجثو جيشُ اللاجسديين القدّيسين،
أمامك يجثو البارقليط،
وقبل الجميع، فتاك المقدّس يسوع المسيح، ربنا والهنا،
ملاكك ورئيس قدرتك وحبرك الأزلي الذي لا يزول.
أمامك تجثو الجيوش العديدة من ملائكة ورؤساء ملائكة،
من سيادات وعروش ورئاسات وسيادات وقوّات وجيوش أبديّة.
الكروبون والسرافون بأجنحتهم الستة:
باثنين يغطّون وجوهَهم، وباثنين أرجلَهم، وباثنين يطيرون،
مع آلاف آلاف رؤساء الملائكة وربوات الملائكة،
يهتفون بلا انقطاع، وبصوت لا يصمت أبداً،
فينضمّ إليهم الشعبُ كله:
قدوس، قدوس، قدوس الربّ الصباؤوت،
السماء والأرض ملوءتان من مجدك
مبارك أنت إلى الدهور. آمين
(28) ويواصل الحبرُ (صلاتَه):
(29) قدوس أنت، في الحقيقة، وقدّوس جداً،
عليٌّ أنت ومعظّمٌ إلى الدهور.
(30) قدّوس ابنك الوحيد، ربّنا وإلهنا، يسوع المسيح،
الذي يخدمك في كل شيء، يا من أنت إلهه وأبوه،
(يخدمك) في خليقتك المتنوّعة، وفي تدبيرك المعروف.
ما ترك الجنسَ البشريّ (يسير) إلى الهلاك،
بل (منحه) مع الناموس الطبيعيّ، إرشادات الشريعة،
وتحذيرات الأنبياء وتدخّلات العالم.
فالبشر تجاوزوا الناموس المكتوب والناموس الطبيعيّ،
ورذلوا من ذاكرتهم الطوفان والنار السماويّة،
وضربات مصر، ومقتل الفلسطيّين،
واستعدوا لأن يهلكوا جميعاً بشكل مباشر تقريباً.
ففي حنانه (= يسوع) وحسب مشيئته،
هو خالق الانسان، صار انساناً
هو المشترع، خضع للشرائع،
هو عظيم الكهنة، صار ضحيّة
هو الراعي، صار حملاً...
الكتاب الثامن
ص 181-195

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM