الفصل السادس: موقف يسوع قاده إلى الموت

الفصل السادس
موقف يسوع قاده إلى الموت

تضامن يسوع مع شعب المساكين والمنبوذين. وهذا الخيار الثوروي جعله يواجه الفرّيسيين والصادوقيّين الذين تآمروا عليه وحكموا عليه بالموت. تبدو هاتان الفئتان مع رؤسائهما (الكتبة والشيوخ) ومع الهيرودسيّين الأعداء العاديّين ليسوع. من هم؟ لماذا وقفوا بوجه يسوع؟ كيف نفهم أن يكون الصراع بين يسوع وخصومه قد قاده إلى الموت؟
إذا أردنا أن نوضح هذا الوضع، نقسم تفسيرنا لحياة يسوع قسمين متكاملين. الأول: تضامن يسوع مع الشعب وعارض الفريسيّين. الثاني: تحرّك الشعب، فحكم الصادوقيون على يسوع بالموت.
نشير هنا، قبل التوسّع في الموضوع، أنّنا لا نستطيع اعادة تكوين كل هذا الصراع. ولكنّنا نجد الأسباب التي قادت رؤساء الشعب لكي يقتلوا يسوع. وفي عملنا هذا سوف نستند الى ما حفظ لنا الإنجيل من أحداث لها معناها.

أ- تضامن مع الشعب ومعارضة للفريسيّين
نتعرّف أولاً الى الفريسيّين ثم الى حكم يسوع عليهم بأنهم مراؤون، لأنهم يقولون ولا يفعلون.

1- الفريسيون
الفريسيون هم المنفصلون. إنهم يريدون بممارستهم التامة لشريعة موسى وتفسيرها حسب الآباء (الكتبة)، أن يجسّدوا إسرائيل الحقيقي منفصلين عن اليهود الذين ينجسّونه. وتجذّر هذا المشروع في التقليد التوراتي، وهو تقليد تبدو فيه ممارسة الشريعة جواباً من إسرائيل الى إله العهد. إذاً، اراد الفريسيون أن يأخذوا تقليدهم بجدّية، وهذا ما دفعهم لأن يعيشوا جماعات صغيرة لكي يتعرّفوا إلى الشريعة ويمارسوها. عاش هؤلاء "المنفصلون " كمجموعة فاهتموا بإرجاع الشعب إلى ممارسة تليق بإسرائيل الحقيقي.
كيف يحقّقون مشروعهم هذا؟ بدأوا يبشّرون الشعب الجاهل للشريعة (يو 7: 49) وقاموا بفعلات لها معناها. فعادوا يدفعون العشر على كل محاصيل الأرض التي يشترونها (مت 23: 23). ما كان باستطاعتهم أن يتحقّقوا أن هذا العشر الذي تفرضه هذه الشريعة على الطعام قد دُفع؛ فدفعوه لئلاّ يتنجسّوا. هذا الموقف يشّرفهم، ولكنّه يجعلهم في مواجهة مع "شعب الأرض " الذي ينجّس الأطعمة حين يرفض أن يدفع العشور. ثم إنّ مثالهم الديني جعلهم يقفون بوجه كلّ الذين ينجّسون الشعب بسلوكهم. ونظّموا لائحة بالأشخاص الذين لا يستطيع اليهودي النقي أن يعاشرهم (أما يسوع فاستقبلهم).
وزاد الفريسيون على ممارسة الآباء فرائض طهارة كانت محفوظة في شريعة موسى لكهنة يمارسون عملهم: اغتسال طقسي قبل الطعام، الاحتفاظ من الاتصال بما ينجّس، مثل الجثة، الوثني، الشخص المحروم. وهكذا أرادوا أن يفرضوا على الشعب كله ما كان خاصاً بالكهنة. هذا يدلّ على غيرتهم الدينية. ولكنه يكشف أيضاً عن مشروعهم السياسي. حين انتزعوا من الكهنة ميزاتهم (ممارسة أقدس للشريعة)، انتزعوا منهم الحق بأن يقودوا الشعب وحدهم. ففي يهودية القرن الأول حيث تحكم طبقة كهنوتية وراثية، قام الفريسيون بحرب سياسية على هذه الطبقة الحاكمة. وهكذا دخل الفريسيون الى السنهدرين (المحكمة الدينية العليا) وسيستفيدون من دخولهم حيث تدعو الحاجة.

2- حكم يسوع على الفريسيين
إن تصّرف يسوع صدم الفريسيّين وما يمثّلون في الصميم: لم يعلّم تلاميذه ليصيروا "أبناء الوصية". خالط الخطأة... هذا يعني أنه لا يقرّ بطريقة عيشهم "منفصلين "، وأنه يعرض تضامناً يلغي الحواجز والحرومات. وهكذا يهدّد قوة تأثيرهم على الشعب كما يخرّب مشروعهم السياسي.
بل يذهب أبعد من هذا. يحلّ محقهم كموجّه للشعب، فيدعوه الى التحرّر من نير الشريعة. ويتجرّأ فيقول: "تعالوا إليّ يا جميع المتعبين والرازحين تحت أثقالهم وأنا أريحكم. إحملوا نيري وتعلّموا منّي تجدوا الراحة لنفوسكم. فنيري هيّن وحملي خفيف " (مت 28:11-30). هذا النير الذي يتحدّث عنه يسوع هو الشريعة كما يفرضها الفرّيسيون. إذن، يسوع هو معلّم الشريعة وهو يعرض مثال حياة يختلف عن الذي يقدّمه الفريسيون. ولقي هذا المثال صدًى مستحباً عند شعب يحس بثقل العشور ويشعر بخطيئته لأنه لا يستطيع أن يتبع كل فرائض الشريعة.
إذن، ستتركز الحرب بين يسوع والفريسيّين في المجال الديني: جدالٌ حول تفسير الشريعة، شكّ بسلطة يسوع (مر 22:3- 30؛ 27:11- 33).
غير أن يسوع سيحكم عليهم حكماً لا استئناف فيه. يكفي أن نقرأ مت 23: 1ي، لنرى قساوة يسوع ضدّ هؤلاء المرائين الذين يحمّلون الناس أحمالاً ثقيلة، ضدّ هؤلاء القبور الخفيّة... ونحن نقرأ من خلال كلام يسوع تحذيراً إلى كلّ صاحب سلطة في الكنيسة أو في المجتمع.

ب- تحرّك الشعب وحكم الصادوقيّين على يسوع
تأخر الفريسيون في التصادم مع يسوع، وذلك حين هدّد سلوكه النظام العام في اليهودية وفي أورشليم. نتعرّف أولاً إلى الصادوقيّين قبل أن نرى الأمور التي فيها اتهموا يسوع.

1- الصادوقيون
إنهم تقليديون يرفضون كلّ معتقد جديد. هؤلاء المحافظون في الدين يعارضون كلّ جديد يقدّمه الفريسيون. خرج الصادوقيون من الأرستوقراطية الدينية والدنيوية، فكان رؤساؤهم عظماء الكهنة والشيوخ.
هم رجال نظام، لهذا تعاهدوا مع السلطات الرومانية وتحالفوا مع الهيرودسيّين.
وهذه المشاركة فتحت لهم طريق التجارة، وأتاحت لهم أن يقبضوا ضريبة الدرهمين التي يدفعها للهيكل كل يهودي يعيش على أرض الإمبراطورية. ففي بلد مضطرب، تملأه الثورات والحركات الإرهابية (أصحاب السيوف، الغيورون)، خاف الصادوقيون من تمرّد يجعل رومة غير راضية عنهم.
ويسوع سيكون موضع انتقاد من هذا القبيل في الجليل المعروف بروحه الثوروية. هو يؤلّب الشعب حوله، وهذا يكفي لكي يخيف الجميع.

2- أعمال تهدّد السلام
إذا عدنا إلى الأناجيل، رأينا أن حياة يسوع انتهت بحجّ إلى أورشليم للاحتفال بالفصح، عيد الأعياد. شعب كبير كما في مظاهرة، وتشتعل الحمّى المسيحانية. هذا ما عملته الجموع التي رافقت يسوع في المرحلة الأخيرة من هذا الحج (من أريحا إلى أورشليم). امتلأت بهذا الرجاء فانتظرت في الحال ظهور الملكوت (لو 19: 11: ملكوت الله سيظهر في الحال). ولكن هذه الآمال الجنونية ما تعتّم أن تتحوّل إلى ثورة وتمرّد (لو 13: 1). لهذا ضاعف عظماء الكهنة والشيوخ (وهم رؤساء الصادوقيّين) السهر خلال الأعياد. إنهم المسؤولون عن الأمن في أورشليم وفي الهيكل. وهم يخافون الوالي الروماني الذي يترك مقرّه في قيصرية (على البحر) ويأتي إلى أورشليم ليراقب تحرّكات الشعب في المدينة المقدّسة خلال الأعياد.
وبرز حدثان أثارا انتباه السلطة اليهودية على يسوع: الدخول إلى أورشليم، طرد الباعة من الهيكل.
حين دخل يسوع إلى أورشليم، هتفت له الجموع التي رافقته من الجليل (مر 11: 1- 11). واجتمعت أمور عديدة في هذا الحدث لكي ترتاب السلطات التي حرّكها الفريسيون، بالخطر الآتي. جاءت الجموع من الجليل، مهد الثورات، وهتفت ليسوع على أنه ملك داود، المسيح، ذاك الآتي، الملك. وركب يسوع على جحش فقام بفعلة نبوية: لقد قال زكريا (9:9- 1) إن المسيح يدخل هكذا إلى مدينته. ورافق هذا الدخول عمل رمزي له بُعده الكبير، وهو تطهير الهيكل.
قالت بعض التقاليد الجليانية إن المسيح يطّهر الهيكل عندما يجيء. وهذا ما حقّقه يسوع: بعد دخوله المسيحاني طرد الباعة من الهيكل. وهكذا مسّ امتيازات عظماء الكهنة، لأن التجارة التي تتم في حرم الهيكل تخصّهم. إنذهلت الجموع واندهشت لهذا العمل (مر 11: 18؛ 27:12- 37). وقد تبدأ بثورة. وهكذا صار الهيكل الذي هو من امتيازات عظماء الكهنة وسلطتهم، موضع المواجهة بينهم وبين يسوع (مر 27:11؛ 12: 35 ....).

3- لا بدّ من إزالة من يضع البلبة في الشعب
بدأ يسوع كمضلّل للجموع (يو 7: 12) التي ابتهجت بتدخّلات يقوم بها بسلطان. وهذا السلطان يعارض سلطة رؤساء الشعب على أورشليم والهيكل. لذا سأله رؤساء الكهنة والشيوخ: "بأي سلطة تفعل هذا" (أي: تقوم بتطهير الهيكل) (مر 28:11)؟ اصطدموا بسكوت يسوع (لم يردّ عليهم) فهاجموا من جهة أخرى: الجزية المفروضة لقيصر (مر 13:12- 17). حين سأل الخصوم يسوع سؤالاً حول دفع الجزية لقيصر، لامسوا مسألة دقيقة جداً. فالغيورون يرفضون أن يدفعوا الجزية التي ترمز إلى سلطة الأمبراطور الروماني، كما ترمز أيضاً إلى ثقل الضرائب التي تسحق الناس. إن أجاب يسوع أنه يجب أن ندفع الضرائب، لما يعد متضامناً مع الغيورين وبالتالي مع الحركات المسيحانية الشعبية. وإن أجاب أنه لا يجب أن ندفعها، إتهّم بالثورة على الأمبراطورية. وجاء جواب يسوع: "أعطوا ما لقيصر لقيصر، وما لله لله ". يفسّره شّراح عديدون بأنه موافقة على دفع الجزية. فالمال يخصّ سلطة البشر، والقيم الروحية تخصّ السماء. ولكن هذا التفسير ينسى الملاحظة التي تختتم الحدث. شدّد مرقس على "تعجّب " الجموع. إذا أردنا أن نفهم هذا التعجب نعود إلى سياق النص: طلب يسوع ديناراً يحمل صورة الأمبراطور (مر 12: 15- 16) ولاحظ أن هذه الصورة تزيّن الدينار. وحين أجاب يسوع أكّد: ليس هذه صورة الله. إنها علامة تنجيس البلاد بواسطة المحتلّ. إذن، ردّوا هذا الدينار إلى صاحبه. ولكن يجب أن تعطوا الله ما يخصّه أي الهيكل الذي تنجّس اليوم بسبب الباعة، وبسبب الغنى الذي يتجمّع فيه، وبسبب التجارة التي تتمّ فيه. نسب يسوع إلى نفسه مثل هذه السلطة فاعتُبر رجلاً خطيراً. هذا ما لاحظه عظيم الكهنة: "إذا تركناه على هذه الحالة (يتابع عمله) آمن به جميع الناس، فيجيء (يتدخّل) الرومانيون ويخربّون هيكلنا (هذا المكان المقدّس) وأمّتنا" (يو 11: 48).

4- النتائج
لم تستطع الأرستوقراطية الدينيّة والسياسية أن تتحمّل هذا الرجل الخطير الذي ظلّ لغزاً بالنسبة إليها. أوقعته بواسطة خدمها (اليهود) (مر 14: 14)، وسلّمته إلى السلطات الرومانية، واتهّمته بأنه ثائر سياسي: "وجدنا هذا الرجل يضع البلبلة في أمّتنا". ويمنعنا أن ندفع الجزية لقيصر. ويقول إنه المسيح الملك " (لو 23: 2). إن نهاية هذه الآية تتضمّن الإتهام الأساسي: جعل يسوع نفسه ملكاً. وهذه هي المسألة التي أثارت انتباه بيلاطس حين استجوب يسوع. سأله: "أأنت ملك اليهود" (مر 15: 2)؟
يتفّق الإنجيليون على هذه النقطة ولاتّفاقهم معناه في محاكمة يسوع الطامح إلى الملك والمشبَّه ببرأبّا الذي هو ثائر سياسي. ولمّا أعلن الحكم على يسوع، سخر اليهود من هذا الملك "التعيس " (مر 16:15- 20). وكتب بيلاطس سبب الحكم عليه، حسب العادة: "ملك اليهود" (مر 26:15).
إذن، الحكم على يسوع بالموت كان حكماً سياسياً. فيسوع ثائر ويدعو إلى الثورة. وأعماله تفهم الناس أنه المسيح ومحرّر شعبه. غير أن هذا المسيح لا يستخرج النتائج من هذه الحرب. يترك السلطة توقفه، يرفض أن يدافع عن نفسه، يبدو جباناً ومتخاذلاً. وهذا السلوك الذي أورده الإنجيليون الأربعة، ظلّ لغزاً للجماعات المسيحية الأولى. بحثوا في العهد القديم عن سبب لهذا التصّرف. فرأوا أن يسوع يجسّد عبد الله المتألمّ، والمسيح الذي يسلّم نفسه عن أحبّائه (أش 53: 1ي). وهكذا كانت آلام يسوع علامة عن تضامن من لا يكتفي بالكلام، بل يصل إلى العمل.

5- تضامن يتعدّى الظواهر
هتفت الجموع ليسوع وأعلنته المسيح. ولكنّها نسيت أن تتضامن معه حين أسلم إلى الموت. وفضّلت يهودياً مناضلاً على هذا المسيح المذلول. والتلاميذ نفسهم يئسوا. فتركوه وهربوا (مر 14: 50). إن ردّات الفعل هذه تشهد على المرارة التي أثارها سلوك رجل حطّم الآمال التي أيقظها. لماذا اختار يسوع هذا الطريق؟
نستطيع أن نجمل جوابه بما يلي: دلّ يسوع على أن مملكته ليست من هذا العالم. إنه مسيح لمملكة أخرى، لمملكة ليست من هذا العالم. ويرتكز هذا التفسير على اعتبار أورده يوحنّا وفيه يؤكّد يسوع أن مملكته ليست من هذا العالم (يو 18: 36). ولكن هذا التفسير لا يمثل الطريق الوحيد الذي تقدّمه الأناجيل، ولا يشدّد على التعارض بين تصرف يسوع الملموس والتضامن مع شعبه ونهاية حياة يسوع. فهذا التعارض يتيح لنا أن ندرك إدراكاً أفضل أن يسوع هو المسيح، ولكنّه ليس المسيح الذي انتظره اليهود.
فهذا الشعب المسحوق ينتظر مخلصاً يعيد الفردوس الى الأرض، ويجعل التاريخ ينتهي هنا بعد أن يكمّله ويهبّ فيه كل شيء. رفض يسوع أن يتبع الطريق المرسوم، فحطّم هذا الحلم ودعا شعبه لكي يدرك أن تحرّره يمرّ في التخليّ عن أصنام. هو المسيح، ولكنّه مسيح يحرّر شعبه من التكاسل وعدم التحرّك، ويجدّده ليبني مستقبله بيده (لا بيد غيره). وهذا المستقبل ليس شيئاً نمتلكه، ولكنّه يجد في حياة يسوع وجهة ومرجعاً. حين رفض يسوع أن يكون مسيحاً "يطعم الشعب "، دلّ بصورة ساطعة على تضامنه مع هذا الشعب طوال حياته. وهو بهذا التضامن يدعو جميع البشر: "قوموا لكي نبني مستقبلنا،.
إختار يسوع هذا الطريق طوعاً، فذكرنا به العشاء السري. ففي وجبة أخيرة أخذها يسوع مع تلاميذه، دلت على أن لموته معنى من أجل جميع البشر (مر 14: 22- 25)، أنه يخلق العهد (الميثاق) الجديد (1 كور 25:11؛ لو 22: 20)، يخلق علامة جديدة بين الله وشعبه. فكل مرة نتم هذه العلامة، ندخل في هذا الطريق الجديد، نتجاوب مع التضامن الذي أراده يسوع.
وهذا التضامن لم يتحطمّ بموت يسوع على الصليب. فلنا شهادة الكنيسة الأولى التي أكّدت أن يسوع قام من بين الأموات. إن الله أعلن أن الطريق الذي اتبعه يسوع هو الطريق المثالي، هو نموذج لجميع الناس. لقد جعل الله من يسوع المحرّر المتضامن مع كل الذين يبنون الملكوت اليوم، مع كل الذين يصبحون بأعمالهم المجتمعة امتداداً لجسد المسيح. وهذا التضامن الناشط والديناميكي، قد شهدت له كل أسفار العهد الجديد بطرق مختلفة، وحسب حاجات الجماعة التي خرجت منها. ونحن سنتعرّف في وليْ هذا الكتاب إلى هذه الأسفار.
إختار يسوع أن يكون متضامناً مع شعبه حتى الموت. وهو اليوم أيضاً يبقى متضامناً مع المؤمنين. هذا هو معنى قيامته. قام ليبقى حتى نهاية العالم.

 

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM