الفصل السابع: الإيمان الفصحي

الفصل السابع
الإيمان الفصحي

إن شخص يسوع وحياته كما تعكسها الأخبار الإنجيلية، تحرّكان فينا تعاطفاً، وتدفعاننا إلى اختيار نقوم به لكي نوجّه حياتنا، لكي نحيا معاً، لكي نبني التاريخ. ولكن حين نقرأ التقاليد المتعلّقة بيسوع، التي تؤلف العهد الجديد، نكتشف أنها وُلدت وتدوّنت انطلاقاً من يقين أساسي جداً. فهذا المصلوب الذي دلّ موته بشكل لا يقبل الشك، على نهاية حياته على الأرض، شأنه شأن كل إنسان، هذا المصلوب أعلنه التلاميذ حياً. وبشّروا به على أنه المسيح والرب وابن الله. إنه حاضر وفاعل اليوم في حياتهم وفي تاريخ البشر. "لماذا تطلبن الحي بين الأموات " (لو 24: 5)؟ ذاك كان كلامه للنسوة اللواتي جئن إلى القبر. أجل المسيح حي لأنه قام فلم يصل إليه فساد الموت.
نعالج في هذا الفصل قسمين: الأول، يسوع هو المسيح الذي قام. الثاني، قيامة يسوع وولادة الايمان.

أ- خبر القيامة
قال بطرس في خطبته في الهيكل: "قتلتم ملك الحياة، ولكن الله أقامه من بين الأموات، ونحن شهود له بذلك " (أع 3: 15). وكان قد قال يوم العنصرة: "إن الله جعل يسوع هذا الذي صلبتموه أنتم رباً ومسيحاً، (أع 2: 36). فعلى خبرة القيامة نتوقف: يسوع هو الرب. والله أقامه من بين الأموات.

1- يسوع هو الرب.
المسيح، الرب، ابن الله. تدلّ هذه الألقاب في العالم اليهودي، على وضع فريد وجديد، خاصٍّ بيسوع في علاقته بالله والبشر. إستعادها المؤمنون بعد الفصح (أي عبور المسيح من هذا العالم إلى الآب بالموت والقيامة) وأعلنوا ايمانهم في عبارة موجزة: يسوع هو المسيح. يسوع هو الرب.
يسوع الناصري، ابن الجليل، والإنسان الذي كان من عصره، والمصلوب، يقدّم كالجواب الحاسم والنهائي الذي يحمله الله إلى البشر الذين يبحثون عن معنى لحياتهم:، فما من اسم آخر تحت السماء وهبه الله للناس نقدر به أن نخلص " (أع 12:4).
ما هو أساس هذا التعلّق (الالتصاق) الفريد بيسوع قبل موته وبعده؟ أي تفسير وأي معنى لولادة هذا الايمان بالمسيح؟ إذا عدنا إلى خبرة التلاميذ، فما هو الذي يميّز تمييزاً جذرياً هذا الايمان من تعلّقهم بيسوع (وقرارهم الارتباط به) قبل محنة الصليب؟

2- الله أقامه.
حين نطرح هذه الأسئلة، تجيبنا أسفار العهد الجديد، فتحيلنا بأشكال متنوّعة، إلى حدث فريد حقاً، يعني يسوع الناصري الذي صُلب. وهذا الحدث هو قيامته وتمجيده عن يمين الله. لم يكن التلاميذ ينتظرون شيئاً. ومع ذلك، فقد تقبّلوا علامات القيامة في صباح أحد الفصح. قالت لهم هذه العلامات: هناك مستقبل آخر للعالم وقد بدأ مع يسوع القائم من الموت. مع يسوع "بكر إخوة كثيرين" (روم 8: 29)، "بكر القائمين من الموت (كو 1: 18). فلم يعد من معنى لوجود مجموعة التلاميذ ورفاق يسوع، إلاّ لكي يشهدوا للقيامة ويعلنوها.
نحن نقرأ في خطبة بطرس يوم العنصرة كلمات تكثّف الإعلان الأول للانجيل: "يا بني إسرائيل إسمعوا هذا الكلام: كان يسوع الناصري رجلاً أيّده الله بينكم بما أجرى على يده من العجائب والمعجزات... أخذتموه وصلبتموه وقتلتموه بأيدي الكافرين. ولكنّ الله أقامه وحزره من سلطان الموت. فالموت لا يستطيع أن يبقيه في قبضته... فيسوع هذا أقامه الله، ونحن كلّنا شهود على ذلك. فلمّا رفعه الله بيمينه إلى السماء، نال من الآب الروح القدس الموعود به فأفاضه علينا، وهذا ما تشاهدون وتسمعون" (أع2: 22 ي).
لقد رأت الكنيسة والتقليد الإنجيلي ولادتهما ودينامية نموهما في قوّة هذه الشهادة. والقديس بولس الذي اختلفت مسيرته إلى الإيمان عن مسيرة التلاميذ الذين اتصلوا بيسوع اتصالاً مباشراً، حدّث جماعة كورنتوس بعد موت يسوع بعشرين سنة بهذا الكلام: "إن كان المسيح لم يقم، فكرازتنا باطلة (فارغة، لا مضمون لها) وإيماننا أيضاً باطل " (1 كور 15: 14).
ونتساءل تساؤلاً جدّياً عن بُعد هذه الأقوال. إذا كانت حاسمة بالنسبة لولادة الإيمان بالمسيح، فكيف نفهمها اليوم؟ كيف وُلدت؟ كيف نفسر مختلف التعابير عن القيامة في العهد الجديد؟ ما هي أهميّة القيامة بالنسبة للوجود البشري، لحاضر العالم ومستقبله، هذا العالم الذي تضامن معه يسوع ويريدنا أن نتضامن معه؟
سنبدأ بمعالجة بعض تعابير الإيمان الفصحي لكي نكتشف العلاقة بين اعلانات قيامة يسوع وخبرات الشهود. حينئذ نتوقف عند أناجيل القيامة (زيارة إلى القبر، مشاهد الظهور) التي تجذّر الإيمان الفصحي في خبرة التلاميذ التأسيسية (هي أساس إيماننا). وهكذا يهيّئنا عمل تفسير النصوص لنرى في قيامة يسوع إعلاناً للجميع ووعداً بديناميّة جديدة في حياة البشر وفي تاريخهم. أجل إن قيامة يسوع هي ينبوع الرجاء ومستقبله.
نتوقف هنا عند تعابير القيامة وعلاقتها بولادة الإيمان، ونترك إلى فصل لاحق أناجيل القيامة وتأثيرها على حياة جديد، في الروح.

ب- القيامة وولادة الإيمان
1- ملاحظات أولى
نبدأ فنقدّم ثلاث ملاحظات فنوضح السؤال ونتجنّب سوء فهم هذه الخبرة الأساسية في حياتنا.
أولاً: لا يصوّر العهد الجديد أبداً حدث القيامة في ذاته، لا يبيّن لنا يسوع وهو يقوم، يخرج من القبر. فالكتابات تعبرّ عن الإيمان الفصحي بعبارات مقتضبة، أو تروي تعرُّف التلاميذ إلى يسوع الحي. وفي الحالتين هي لا تهتم بما حدث ساعة القيامة والخروج من القبر. هي لا تهتمّ إلاّ بوضع يسوع الجديد، وبالعلامات التي يعطيها بعد فصحه وعبوره إلى الآب. كل هذا يدفعنا إلى التأمّل.
ثانياً: ما يستطيع أن يتفحّصه المؤرخ ويُصدر حكماً فيه، هو وضع التلاميذ الذين صاروا مؤمنين وأعلنوا أن يسوع قام من بين الأموات. فبعد الصليب، وساعة لم تبقَ لهم إلا الذكريات، أخذوا يعلنون: يسوع حيّ. إلامَ ننسب هذا التحوّل في الموقف؟
ثالثاً: إن المفردات التي تعبرّ عن الإيمان الفصحي قد وُجدت قبل شهادة الرسل، وتوزعت في فئتين. الأولى سيطرت. ولهذا نحن نتحدّث عن قيامة يسوع. إنها تنتمي إلى رمزية النهوض واليقظة. فالموت يعتبر رقاداً. ولهذا نقول نهض، قام، استيقظ من الموت. ظهرت هذه المفردة في وقت متأخّر من تاريخ إسرائيل فعبرّت عن يقين يُعلن أن الله لا يترك في الموت (أو: في مثوى الأموات) شهداء الايمان (القرن الثاني ق. م.). وارتبطت بانتظار نهاية الأزمنة وتتمّة التاريخ بدينونة شاملة. والمفردة الثانية لم تكن متواترة في العهد الجديد، ولكن الكنيسة الأولى استعملتها. هي ترتبط برمزية الارتفاع والتمجّد والصعود إلى السماء. فالله البار والأمين يرفع إليه الناس الاتقياء.
هذه الملاحظات تساعدنا على التنبّه حين نقرأ مختلف الكتابات التي تعبرّ عن وجهات الايمان في الجماعات الأولى. فهذه الجماعات عبرّت عن إيمانها بيسوع القائم من الموت، بأشكال متعدّدة: في الاعلان الرسالي، في المديح والاحتفال بيسوع المسيح، في المشاركة في الايمان وفي انتقاله داخل الجماعة أو من جماعة إلى جماعة.

2- الاعلان الرسالي
لقد أعطتنا خطبة بطرس يوم العنصرة فكرة كافية عن مضمون هذه الاعلانات الأولى التي تُستعمل في الرسالة. وقدّم لنا سفر الأعمال أيضاً أمثلة لها معناها، خصوصاً ما قاله بطرس ويوحنا أمام السنهدرين (المحكمة العليا)، ساعة منعوهما من إعلان يسوع المسيح (أع 9:4- 12). ثم خطبة بطرس أمام كورنيليوس، وهو أول وثني رأى في يسوع "رب جميع البشر" (أع 10: 34- 43). ونجد في أمكنة أخرى تعابير عديدة عن هذا الإعلان الأوّل. مثلاً، يقول الملاك عند قبر يسوع: "أنتنّ تطلبن يسوع الناصري المصلوب. ما هو هنا، بل قام " (مر 16: 6). وإذا استعدنا المفردات الأساسية في هذه الاعلانات نحصل على ملخّص للكرازة الإنجيلية: يسوع الناصري قد صلبه البشر. ولكن الله أقامه. ونحن شهود على ذلك.
ما هي الأمور المهمّة التي نلاحظها في هذا الكلام لنكتشف ما نقول حين نتكلّم عن قيامة يسوع؟ هناك أربعة.
أولاً: نحن أمام إنسان محدّد، أمام يسوع الذي من الناصرة. لا أمام الإنسان أو أمام البشرية بصورة عامة. نحن أمام مسيرة ونوعيّة حياة هذا الرجل الذي أعطى آخر إشارة عن خياراته وأعظمها في موته على الصليب. هذا الإنسان بكل ما عاش في حياته على الأرض قد قام.
ثانياً: صلَبَه الناس. أقامه الله. إذا كان الصلب عمل بشري تاريخي، محدّد في الزمان والمكان، فالقيامة تُعلن على أنها عمل الله. وما يميّز هذا العمل هو أنه لا يقابَل ولا يقاس بأحداث عالمنا وتاريخنا وبما نقوم به من أعمال.
ثالثاً: والآن نفهم لماذا لا يروي العهد الجديد ولا يصوّر حدث القيامة في حدّ ذاته (أي: ساعة قام يسوع). إنه يكتفي بالتأكيد على الحياة الجديدة التي اعطاها الله للذي "أحبّه حتّى الغاية" (يو 13: 1). فيسوع الذي أقامه الله، ليس جثة تعود إلى الحياة البيولوجية، فتصبح منظورة كما كانت قبل الموت.
نحن أمام شيء يختلف كل الاختلاف. حين أقام الله يسوع، وافق (قال نعم) على كل عمل وشخص يسوع الذي عاش كل حياته بالله ولله واشتغل من أجل عالم جديد ومصالح مع الله. فالله عمل بقدرته التي هي حب خلاّق وحياة، فحقق في يسوع الجديد الالهي، حقق في هذا الكائن الحقيقي عالماً جديداً ومصالحاً مات المسيح من أجله.
رابعاً: جوهر الايمان الرسولي. هو لا يدلّ على عودة يسوع إلى عالمنا، يسوع الذي عاد حياً كما كان من قبل، وكأنه يريد أن يصحّح فشل الموت. بل يدلّ على وجود يسوع الجديد في الله ومن أجل الله. يدلّ على طريقة عمله الجديدة في العالم، على طريقة حضوره في عالم البشرة يبقى متضامناً معهم ويصبح رجاءهم ومستقبلهم. ولقد نال التلاميذ علامات عن هذا الحضور الناشط فجعلهم حقاً شهوداً ليسوع.

3- مدائح للرب يسوع المسيح (فل 2: 5- 11)
كانت المدائح وأناشيد الفرح التي تنشد في الجماعات الأولى إكراماً ليسوع القائم من الموت، إشارات هامة إلى الإيمان الفصحي، وذلك بمضمونها وبديناميّة الحياة التي فيها.
حين وجّه بولس إلى أهل فيلبي نداء ليحيوا قلباً واحداً وحباً واحداً، فلا ينظر الإنسان إلى ذاته بل إلى الآخرين، أورد نشيداً مسيحياً يرسم في حركة مكثّفة حياة يسوع المسيح الرب (فل 2: 5- 11).
نجد في هذا النص، كما نجد في الاعلانات، اهتمام الجماعة بأن تنسب إلى الله "ارتفاع " يسوع. ونلاحظ أيضاً تشديداً على التبدّل في وضع يسوع كقائم من الموت: بالاسم الذي ناله (لقب كيريوس، أي: الربّ)، بمناخ الاعلان الكوني والشامل (يشهد كل لسان)، بالاشارة إلى أن الارتفاع يدل على مساواة مع الله. ولكن هذه المساواة أُخفيت حين صار يسوع شبيهاً بالبشر، حين تضامن معهم حتى الصليب. وهكذا يحدّد هذا النشيد موقع الرب يسوع بجانب الله، وهو يقاسمه المجد والقدرة التي تُحيي العالم.
وفي الوقت عينه، يشدّد النشيد على واقعيّة بشريّة يسوع وعلى تاريخه الملموس الذي يشهد له الصليب أفضل شهادة. ويفسرّ مسيرة يسوع الإنسان بشكل عبد (عبد الله- خادم) أمين وطائع لله. وهكذا يحافظ النص بواسطة انشداد قوي، على التماثل بين يسوع التاريخي (عاش في التاريخ)، وبين يسوع الذي يُعلن رباً. لقد رُفع يسوع وصار رباً بسبب ما عاشه على الأرض. "لذلك رفعه الله" (آ 9). وإذ منح النص يسوع القائم بعداً يتجاوز مجرد الوضع البشري والتاريخي، فقد حافظ على العلاقة بين القيامة من جهة والصليب وتاريخ يسوع من جهة ثانية.
ظلّ الرب أخ البشر، ظلّ المخلص والوسيط. "الله واحد، والوسيط بين الله والناس واحد هو المسيح يسوع الإنسان الذي ضحّى بنفسه فدى جميع الناس" (1 تم 2: 5- 6).
يبقى أن نُبرز أن ما يميز حركة المديح هو الاتجاه إلى جمع قيامة يسوع مع عمل الله في العالم وفي التاريخ. ستُعطى ليسوع أسماء إلهية. فلقب "رب " ولقب "إبن" سيساعدان على التعمّق في سرّ المسيح.
وهذا الاتجاه سيدفع الكنيسة لكي تعود إلى ما قبل وجود يسوع التاريخي، إلى وجود إلهي سابق نَعِمَ به ذلك الذي نُسمّيه بعد القيامة الإبن والبكر وكلمة الله وحكمته. ذلك الذي شارك أيضاً في عمل الخلق كله. قال القديس بولس في 1 كور 6:8: "فلنا نحن إله واحد وهو الآب الذي منه كل شيء ولأجله نحيا، ورب واحد وهو يسوع المسيح الذي به كل شيء وبه نحيا".
وهناك مدائح أخرى في العهد الجديد تتوسّع في التعبير عن الإيمان الفصحي. نكتشفها إذا قرأنا 1 تم 16:3؛ كو 1:15- 20؛ يو 1: 1- 18.

4- تقليد القيامة
التقليد هو نقل حي للإيمان، هو تقاسم الإيمان بين الجماعات، وارتكاز هذا الإيمان على خبرة المؤمنين الأوّلين. هذا الاهتمام حاضر في العهد الجديد الذي معه بدأ التقليد. وهكذا، انتقلت قيامة يسوع في تعابير "تقليدية"، كانت كلمات تعارف بين المسيحيين، فوصلت بأمانة الى الجماعات.
كان جدال بين الكورنثيين حوالي سنة 55- 56 حول معنى القيامة بالنسبة إلى البشر وإلى مستقبل العالم. فعاد بولس إلى التقليد، ثم ذكر إحدى عبارات الإيمان. "أذكركم، أيها الإخوة، بالبشارة التي حملتها إليكم وقبلتموها... سلّمت إليكم قبل كل شيء ما تلقّيته: المسيح مات من أجل خطايانا كما في الكتب، ودُفن، وقام في اليوم الثالث كما في الكتب، وتراءى لبطرس ثم للإثني عشر" (1 كور 15: 1- 5).
بعد هذه العبارة التي تميّز التقليد الذي عُرف في كورنتوس، ذكر بولس ظهورات (تراءى يسوع، رُؤي) أكّدت على الإيمان والشهادة اللذين بدأا مع بطرس (كيفا) ومع الإثني عشر (الرسل).
لاحظ الشّراح منذ زمن بعيد التوازي بين قسمَي العبارة. فموت يسوع وقيامته هما وجهتان متلازمتان وغير منفصلتين في حدث الخلاص الواحد. الكتب هي الإعلان النبوي، وقد تمّت بقيامة المسيح الذي التزم بتحريرنا من عبودية الخطيئة. وتمّت أيضاً في القيامة التي تجعل المسيح في بداية عالم جديد، عالم المستقبل. هنا نفهم اللغة البيبلية التي تتحدّث عن "اليوم الثالث " فتدلّ به على تدخّل الله الحاسم في تاريخ البشر.
ويحاول اعتراف الإيمان أن يؤكّد حقيقة هذا الحدث الخلاصي. فكما أن دفن يسوع يشهد على حقيقة موته، فالظهورات لكيفا والإثني عشر تكفل حقيقة القيامة. وبكلام آخر، إن الإعلان عن قيامة يسوع مع المدلول الحاسم الذي نعطيه، ينبع من خبرةٍ عاشها الشهود في التاريخ، ففهموا أن يسوع استعاد المبادرة بانتصاره على الموت.
وتحدّث التلاميذ عن "ظهورات"، "ترائيات"، ليدلّوا على هذه الخبرات واللقاءات مع يسوع الحيّ. وإذ أرادوا أن يشدّدوا على أصالة هذه الظهورات، اختاروا عبارة أخذوها من العهد القديم، وخصوصًا من سفر التكوين، فقالوا إن الله سمح للإنسان بأن يلتقيه، بأن يراه: ظهر، تراءى، رُؤي. تشدّد هذه العبارة على مبادرة الله وحرية عمله. فهو الذي يتراءى وهو الذي يعطينا أن نلتقيه. لا، لم تُولد خبرة الإيمان التأسيسية من رغبة التلاميذ أو من حال من الهلوسة.
وهكذا نرى أن إيمان البدايات أعطى قيامة يسوع قيمة حدث حقيقي، ولكنه حدث لا يقاسُ بآخر. وحافظ على الارتباط بخبرة الرسل التاريخية: بعد الصليب، بلغوا إلى الإيمان الفصحي بواسطة لقائهم بيسوع الحي. وستظهر أخبار الظهورات الإنجيلية وأخبار القبر الفارغ فيما بعد فتتجاوب مع هذا النمط من الاهتمامات. وهي إذ تشدّد على هذه الناحية أو تلك، تمثّل حالات متقدّمة ومصاغة للتقليد الذي يتحدّث عن علامات قيامة يسوع.

 

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM