ب- الروح

 

ب- الروح

استعملت كلمة روح، بمعنى، "ريح" اثنتي عشرة مرة في حز: 1: 4؛ 5: 2، 10، 12؛ 12: 14؛ 13: 11، 13؛ 17: 10، 21؛ 19: 12؛ 27: 26؛ 37: 9.
في 1: 4 تهبّ عاصفة من الشمال، ترافقها عناصر أخرى مثل الغمام والنار الخ... هكذا وُصف حدثُ ظهور يهوه، كما في خر 19؛ مز 18. وفي استعمال آخر، تعني كلمة "ريح" اتجّاه الهواء. وتعبير "الرياح الأربع" في 37: 9 يقيم علاقة بين الريح والجهات الأربع في الأرض. وعبارة "يذري في كل ريح" تعني الشيء ذاته لأنها تدلّ على الاتجاه لا على آلة دمار (12: 14؛ 17: 21). وعندما يقول يهوه: "وأذري جميع بقيتك في كل ريح" (5: 10)، فإنه يعلن تشتت الشعب. ونجد في 13: 11، 13 أنّ الريح يمكن أن تبلغ من القوة درجة تمكّنها من اقتلاع حائط. ولها أيضاً قدرة تجفيف التربة التي نبتت فيها الأغراس، فتمنع هذه الأخيرة من أن تثمر (17: 10؛ 19: 12). إنّ الاستعارة المستعملة في هذه الآيات تشير، بدرجة أولى، إلى قدوم عدوّ شرس ليهدم البلاد ويسبي سكانها. فالريح الآتية من الشرق تشير إلى بابل، الدولة التي تهجّر بيت إسرائيل. وتتكرّر الصورة ذاتها في 27: 26 لتصف غرق السفن الصوريّة. هذا النوع من الريح يترافق مع العقاب الإلهي الذي يستدعي تدخّل عدوٍ يسبي ويدمِّر.
ولكن كلمة ريح تحمل أيضاً معنى الروح الصادرة عن العالم الإلهي: (1: 12، 20، 21؛ 32: 2؛ 3؛ 12، 14، 24؛ 8: 3؛ 10: 17؛ 11: 1، 5، 24؛ 36: 27: 37: 1، 9، 10، 14؛ 39: 29). إنّ الريح في 1: 4 هي دليل حضور إلهي، أما في آ 12 فهي توجِّه المركبة كما تشاء. وتحرُّك هذه المركبة مرتبط بالروح الموجود في عجلاتها (آ 20، 21؛ 10: 17). والكائنات الأربعة التي تشبه الحيوانات هي الكاروبيم؛ هذا ما لا شكّ فيه (9: 3؛ 10: 4). وهي تمثّل عرش يهوه في هيكل أورشليم (1 مل 6: 23- 27)، دون أن يحصل أي التباس بينها وبين الله. وهكذا، فإنّ روح يهوه يحيي ويحرّك المركبة، وهو يدل على حضوره وسط الغياب.
إنّ تجربة النبي الخاصة مع الروح تميِّزه بشكل بارز عن نصوص الأنبياء القدماء. وهذا ما يظهر في الفقرات التسع التالية: (11: 24): "روح إلوهيم"؛ (11: 5؛ 37: 11): "روح يهوه"؛ وفي 3: 12 و14 و24؛ 8: 3؛ 11: 1 و24 أَ؛ 43: 5 جاء استعمال كلمة روح مقتضباً وبدون أل التعريف. فالروح، في هذا الإطار، هو قوة خاصة فاعلة ومستقلة. ولكن فاعلية الروح متعلّقة بيهوه، بشكل واضح. وهدف الروح هو جعْل الإنسان يقف أمام وجه الله (2: 2؛ 3: 24)، ونقلْ كلمة الله إلى ذلك الإنسان (2: 1، 2؛ 11: 5) وذلك بواسطة رؤى إلهية (3: 12، 14؛ 8: 3؛ 11: 1؛ 43: 5). يكشف الله ذاته بواسطة هذا الروح، ويدخل في تاريخ شعبه. ومن يتلقّى الروح يوضع في حالة حوار وطاعة.
بعد سقوط أورشليم أعلن حزقيال رسالة رجاء: سيتدخّل الله لصالح شعبه، ويقيمه إذ يجعل فيه "روحاً" من روحه (36: 23- 27؛ 37: 1- 14؛ 39: 29). يعطي الله روحه ليجعل العلاقة مع بيت إسرائيل ممكنة، بالمستوى الذي يريده الله. إن درجة التزامه بإحياء الشعب تصل إلى حدّ تقاسم "روحه" معه.
يأتي الروح من الرياح الأربع (37: 9)، ويعطي الحياة لكلّ جماد (رج تك 6: 3؛ 7: 23؛ حز 37: 10 و14). إنه فعل داخلي يُحيي الإنسان. إن إحياء "القتلى" هو من عمل الله ذاته (رج 37: 9؛ تك 2: 7). فهو الذي يضع روحه مجاناً في الإنسان ليصير وفياً لوصاياه (36: 27). إن التأكيد باستعمال "جعل" مع حرف الجرّ "في" يدلّ على ما هو مستمرّ ودائم (36: 27؛ 37: 14). إن الإنسان الخاطىء يتبدل بمساعدة نعمة الله (رج 1 صم 10: 6، 9): "فيحلّ عليك روح الرب، فتتنبأ معهم، وتتحوّل إلى رجل آخر". إن فعل الروح هذا يطال الفرد كما يطال الجماعة التي ابتعدت عن إلهها، باحثة عن الاصنام. هكذا يحرّر يهوه شعبه، ويقيمه، ويعطيه القدرة على الارتداد ليعود وفياً للعهد.
إن المعنى الأخير المعطى لكلمة روح هو "روح الإنسان". ففي 3: 14، حمل الروح النبي الذي كان يشعر بحرارة روحه في داخله، وكانت يد الرب شديدة عليه. لقد مُسّ المركز الحيويّ في داخله. وكذلك الأمر في 21: 12، حيث الروح المغلوب يدلّ على حيويّة وشجاعة الكائن البشري (رج يش 2: 11؛ 5: 1). وفي 20: 32 نقرأ: "والذي يخطر ببالكم" (بروحكم في الأصل). إن الروح تعني هنا القوة التي في داخل الإنسان وهي تجعله ينصرف إلى عبادة الأصنام. وكذلك فإن روح النبي تبدو كمركز إدراك غير قادر بمفرده على اكتشاف إرادة الله (رج 13: 3؛ هو 9: 7)، ولا يكتمل الإدراك إلا بروح يهوه. نضيف إلى ذلك الدعوة إلى الارتداد: "واعملوا لأنفسكم قلباً جديدا وروحاً جديدة" (18: 31). هذا التحريض يبدو في صراع مع مجرَّد الوعد بالخلاص في 11: 9 و36: 26، الذي بموجبه يسم يهوه بذاته هذه الروح الجديدة في الإنسان. في هذه الآيات الثلاث (20: 32؛ 13: 3؛ 18: 31)، الروح هو موازٍ في معناه للقلب.
سيعيد الله شعبه إلى أرضه، ويُحدث تغييراً واقعياً في الروح، وهي المركز المحرّك للكائن البشري، الذي يُعطي صورة مخلوق ينفخ الله فيه نسمة الحياة من جديد. فكما ينفخ الله في الإنسان نسمةً حيةً (تك 2: 7)، نسمة روح خاصة بالإنسان (تك 7: 22) ولكنها ليست ملكاً خاصاً له (تك 6: 3)، كذلك فإن الروح الذي أعطاه الله للإنسان سيبقى نعمة خاصّة.
إن عطية الروح الجديد تُحدث رداً في داخل الإنسان، وهو "معرفة" من هو الله. فبأيّ معنى يتحدّث النبيّ عن هذا الموضوع؟

 

 

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM